قضية العفة من منطلق مسيحى

04 نوفمبر 2024
Large image

الجسد والعفة
عندما نقول كلمة الجسد فنحن نعنى مفهومين .. الجسد بمعنى البدن والجسد بمعنى الإنسان العتيق الفاسد .. وكلا الجانبين لهما علاقة وثيقة بقضية العفة .
العفة والبدن :
والبدن يؤثر في العفة ويتأثر بها . يؤثر فيها من خلال الحواس والغدد الصماء وافرازات الهرمونات إن أي اختلال في الهرمونات يؤثر على الدافع الجنسي تأثيراً كبيراً كما أن الأبحاث العلمية أثبتت أن الطعام له علاقة كبيرة بالجنس الافراط في الأكل والنهم يثير الدافع الجنسي والجوع الشديد جدا يثير الجهاز العصبي وبالتالي التناسلي للطعام تأثير على الجهاز العصبي اللا إرادي .. هذا الجهاز الذي يقوم بوظيفتين متقابلتين : إحداهما بناءة ، تبنى أنسجة الجسم خلالها ، والأخرى إستهلاكية ، تستهلك المواد الغذائية . فالوظيفة الأولى تجمع تحتها العمليات الحيوية التى تؤدى إلى هذا البناء ، ومنها الراحة والاستجمام وتناول الطعام وهضمه ، وأيضاً العملية الجنسية التناسلية ،حيث أنه بها يبدأ بناء كائن حي جديد وهو الجنين فحيث أن هذه الثلاث تخدم غرضاً واحداً هو بناء الجسم، لذلك لا عجب أن نجد ترابطاً وتناسقاً كبيراً بينها . فكل عملية تؤدى إلى الاثنتين الأخريين ، أو تمهد لهما الطعام الدسم جدا مثلا يثير الرغبة الجنسية ، بينما يعقب العملية الجنسية شعور بالجوع وهكذا ومن هنا تتضح أهمية اليقظة والاعتدال
في كل من الطعام والراحة وهذا ما أوصى به الآباء القديسون في - تعليمهم عن العفة قبل أن تظهر الأبحاث الحديثة والعناية بالنظافة وسلامة البدن صحياً وممارسة الرياضة والوقاية من كافة الأمراض الجسمية أمور تسهم بدور إيجابى فى قضية العفة حيث هنا يكون الإنسان الطبيعي سوياً كى يتلامس مع النعمة ليكون إنساناً جديداً في كل شيء ومن أكثر الأمور الخاطئة شيوعا أن ينظر المسيحي إلى جسده وبدنه نظرة عداء وكراهية واحتقار .
فالرسول يعطى الكرامة للجسد عندما يقول "ولكن الجسد ليس للزنا بل للرب والرب للجسد ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح أفآخذ أعضاء المسيح وأجعلها أعضاء زانية" (١ كو ٦: ١٣)
إن الجسد مسيحياً هو مجال لإظهار مجد الله ويعبر عن هذا المغبوط بولس "لانكم اشتريتم بثمن فمجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هى الله" ( ١ کو ٦ : ٢٠ ) ويتأثر الجسد بالعفة والطهارة تأثرا واضحا فجسد المؤمن الروحي التقى شيء ، وجسد الساقط في بالوعة الزنا جسد آخر الاول جسد نورانى ، والثانى جسد كثيف شهواني يتسم بالغضب والدنس معاً وجه القديس فى الايقونة توضع عليه هالة من النور والمجد إشارة إلى فاعلية العفة في حياة القديس وأوجه الخطاة الاشرار
تثير الخوف والشفقة معاً .
العفة صلب للانسان العتيق :
يقول الكتاب : « ان اعثرتك عينك فاقلعها » الهدف اذن هو ضبط الحواس ، وحماية الانسان الداخلي من الاثارات الجنسية المنحرفة ويقول الكتاب : "من نظر إلى إمرأة ليشتهيها فقد زني بها في قلبه" والهدف هنا أيضاً هو الحرص على نقاوة القلب وطهارته وإذا كانت الإرادة الهابطة لا تزال عاملة فينا ، وستظل كامنة حتى تنعدم بالموت ، فان المسيحى اليقظ يحرص على صلب هذه الأهواء والشهوات حتى يصبح الداخل عرشاً نقياً للرب ومدينة مقدسة للملك العظيم وقد تكون الارادة البشرية عاجزة عن مواجهة الانسان العتيق الفاسد ، هنا تتدخل النعمة باعتبارها عملا فائقا للطبيعة ، وتمنح الحياة الباطنية قوة لغلبة الإثارة ونعمة لتهدئة الأعضاء ، وعزاء
تجاه الحرمان والمعاناة وكلما جاهد المؤمن جهاداً أميناً لغلبة الجسد ، كلما كان الإكليل المعد عظيما وهذا ما يفسر لنا إستماتة القديسين في الحفاظ على طهارة أجسادهم وأعضائهم ولقد أثبتت الدراسات النفسية الحديثة أن الانفعال الجسدي وحده لا يشبع النفس البشرية ، بل يزيدها عزلة وانقساما وفراغا كما قال الرب يسوع فى حديثه مع السامرية « الذي يشرب من هذا الماء يعطش ، يقول أحد المفكرين المسيحيين و إن الجنس من الأسباب الرئيسية للعزلة الانسانية ، إنه يحدث انقساماً عميقاً في الأنا التي هي بطبيعتها ثنائية الجنس فهي ذكر وأنثى ووجود الجنس يقتضى الانفصال ، والحاجة والشوق والرغبة في أن يجد المرء نفسه في الآخر بيد أن الاتحاد الجسدى للجنسين - وهو الذي ينهي الشهوة الجنسية - ليس فى حد ذاته كافياً للقضاء على العزلة بل إنه على العكس من ذلك قد يزيد من شدة شعور الانسان بعزلته ... ذلك لأن الجنس باعتباره ظاهرة بيولوجية واجتماعية له طابع موضوعى ، ومن ثم فهو عاجز عن الانتصار على العزلة انتصاراً كاملا. أما المحاولة الحقيقية للتغلب على العزلة فلا تكون الا بالاتحاد الروحي فالحب هو أمل الانسان الوحيد في الانتصار على العزلة والحب هو أفضل الوسائل لبلوغ هذه النهاية لأنه هو وحده الذى يستطيع أن يحقق الاندماج الكامل مع كائن آخر أليس هذا متفقاً مع اتجاهات الكتاب المقدس، التي تدعو الانسان أن يحيا في ملء الحب نحو الله ، ونحو أخيه الانسان ؟.. يقول القديس يوحنا ذهبي الفم في عظة ٣٣ في شرح رسالة كورنثوس الأولى ( الحب الحقيقي فقط هو الذي يستطيع أن يجعل كائنين كائناً واحداً ) هذا المقال نداء الى الشباب الا يجعلوا الجسد هدفا لاسعاد حياتهم، فالانفعال الجسدي ان انفصل عن الاتصال الروحي الحقيقي، لا يحقق الوحدة ، ولا يشبع النفس . ان الحب يفرح بالتلاقي في الانفعال الجسدى ولكنه لا يتحقق اطلاقا الا بالانفعال الروحي.
نيافة الحبر الجليل مثلث الرحمات المتنيح الانبا بيمن أسقف ملوى وأنصنا والاشمونين
عن مجلة الكرازة العدد الاربعون عام ١٩٧٥

عدد الزيارات 92

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل