العفة والوسط الاجتماعي
هل تتأثر العفة بالوسط الاجتماعي ؟ وإذا كانت تتأثر بالأجواء الاجتماعية فما هو الحل ؟ هل يهرب الانسان من وسطه ؟ أم يغير أجواءه ؟ وإذا لم يستطع أن يغير الجو الاجتماعي الذي يحيا فيه فما التصرف إذن ؟ !
العفة لا تتاثر بالوسط الاجتماعي :
العفة اذا تأصلت في انسان روحي فانها لا تتاثر بالوسط الاجتماعي ، بل انها تؤثر فيه تشكله ولا تتشكل به ، تحكم عليه وتدينه ولا يحكم عليها من أحد العفة إذا ما تعمقت جذورها في حياة أولاد الله تصبح كالشجرة القوية التي على مجارى المياه تصد الرياح وتحطمها ولا تستطيع الأنواء أن تقتلع منها فرعا ولا أصلا العفة هي نمط حياة الانسان الذي تمرس في السلوك الروحاني وعرف المنهج المبارك وإختبر مسالك الطريق السماوى فلا إنحناء تدخله
في التيه ولا فخاخ تسقطه في العثرة والهلاك وعندنا في الكتاب المقدس أمثلة كثيرة نذكر منها نوح كارز البر حفظه الرب وحده ، وجلب طوفانا على عالم الفجار كله .
لوط البار كان بالنظر والسمع وهو ساكن بينهم يعذب يوماً فيوماً،نفسه البارة بالأفعال الأثيمة . لقد أنقذه الرب من مدينة الدعارة ويعلم الرب أن ينقذ أتقياءه من التجربة ويحفظ الأئمة إلى يوم الدين معاقبين (۲ بط ۹:۲ ) ويوسف العفيف عاش في بيت العثرة وكانت الخطيئة تلح عليه يومياً ، وظل أميناً ، مفضلا بالأحرى أن يدفع إلى السجن عرياناً وهو لابس ثوب العفة أمام الله وسوسنة العفيفة في العهد القديم وبوطامينا العفيفة في تاريخ
الكتبسة وجاورجيوس ، وبربارة ، وألوف من شهداء العفة، إنما هم مشاعل تضيء درب القداسة لمن يريد أن يهتدى ويسير فيه على ذلك تستطيع أن نقول ان كثيرا من الاعذار التي يبديها الشبان والشابات عن سقطاتهم وعثراتهم ، انما هي أعذار واهية نحتاج في جيلنا هذا إلى أناس راسخين غير متزعزين ، ثابتين على الايمان ، أمناء في الشهادة ، أقوياء في القتال يتحدون الصعاب ،و يبطلون كل حروب العدو ، ويصعدون إلى قمم الفضيلة محمولين على أجنحة النسور والعفة تتأثر أحياناً بالأجواء الإجتماعية :
فالفتي المبتدىء فى حياته الروحية إذا عاش في جو كله مناظر معثرة وحروب جنسية شديدة ، قد يؤثر عليه المناخ الذي يحياه فيسقط والفتاة المبتدئة فى إختبار الحياة الجديدة ، إذا لم تقطع صلتها بالمعثرين ، وترفض العلاقات الشبابية ، قلما تستطيع أن تواكب الطريق الروحاني هنا يقول الكتاب "أما الشهوات الشبابية فاهرب منها ، واتبع البر والايمان والمحبة والسلام مع الذين يدعون الرب من قلب نقی "( ۲تی ۲ : ۲۲) كما يقول أيضاً :
"لا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم فتختبروا ما هى إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة " ( رو ۱۲ : ۲ ) وقد يقول قائل : إنى قوى ،والدعوة إلى الهروب هي دعوة للضعفاء، نقول له إن الخطية قد طرحت كثيرين جرحى وكل قتلاها أقوياء وإن هناك ناموسا في داخل الانسان يسبيه إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائه (رؤ ٧ : ٢٣ ) لأجل هذا يعتبر الهروب قوة وجبروتا ونصرة ، لأنه انتصار على میدانين : أحدهما في الخارج ، والآخر في الداخل أما إذا كان الحروب مستحيلا ، بسبب بعدى الزمان أو المكان ،فهنا يأتينا القول الالهى و إسهروا - اثبتوا - كونوا رجالا . تقووا : (١كو ١٣:١٦ ) يحتاج الموقف إلى إيمان وصمود ، وكذلك إلى اتضاع مستمر . وهنا يصلح تدريب صلاة "اللهم التفت إلى معونتي يا رب أسرع وأعنى "صفوة القول انه ان امكنك تغيير الوسط التبعد عن العشرة ، فلا تتوان ، فهذا أفضل . ولكنه ان استحال التغيير ، فالأمر يتطلب معونة مستمرة وحيثما كثرت الخطية ازدادت نعمة الله وتفاضلت جدا
هنا اكليل كأكليل الشهداء . هذا ما يقوله أحد الآباء القديسين الاكليل يأخذه الشهداء في لحظة انتصار وأما مناضلو العفة ينالونه بعد جهاد زمن وعمر طويل والله لا ينسى تعب المحبة أيها الأحباء الرب آت قريباً تشددوا وتشجعوا وكونوا رجالا .
نيافة الحبر الجليل مثلث الرحمات المتنيح الانبا بيمن أسقف ملوى وأنصنا والاشمونين
عن مجلة الكرازة العدد الرابع الاربعون عام ١٩٧٥
قضية العفة من منطلق مسيحى (٤)
25 نوفمبر 2024
عدد الزيارات 31