هناك خمسة إتهامات منسوبة للعلامة أورجانوس، الأولى مؤكدة، أما الأربع إتهامات الآخرى فغير معلوم على وجه اليقين هل هو فعلا آمن بها أم إنها بدع مدسوسة فى كتاباته من قبل الهراطقة لنشر افكارهم من خلال كتب العلامة اورجانوس، وتتمثل تلك التهم فى الآتى:
1- قم بخصى نفسة (وهذة حقيقة مؤكدة).
2- آمن بعودة التجسد: أى أن النفوس خلقت قبل الأجساد وإرتبطت بالأجساد كتأديب عن خطايا سابقة أرتكبتها وأن عالم الحس بالنسبة لها ليس إلا مكاناً للتطهير.
3- نفس المسيح لها وجود سابق قبل التجسد وإتحدت باللاهوت.
4- ستعود كل الخليقة إلى أصلها فى الرب، ويخلص كل البشر (وأن العقوبة الأبدية لها نهاية)
5- سيخلص الشيطان وكل الأرواح الشريرة
فكر أوريجانوس والبابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23
التفسير الرمزى هو إتجاه لتفسير الكتب المقدسة بما يسمو بالروحانيات، ولا دخل بالثقافة الوثنية أو الفلسفة الوثنية فى تفسير الكتب المقدسة لسبب بسيط هو أن التفسير الرمزى هو إتجاه فكرى بحثى تأملى للوصول إلى العمق الروحانى، والتفسيرات الرمزية تعتمد على قدرة تأمل الإنسان، وتختلف قدرة التأمل من إنسان إلى آخر، كما أنه فى فقرة ما أو آية ما ينطبق عليها التفسير الحرفى وينطبق عليها ايضاً التفسير الحرفى البسيط، بل نستطيع القول أنه يمكن تفسير كل شئ بالتفسير الرمزى ولكن لا يمكننا تفسير كل شئ بالتفسير الحرفى البسيط، والتفسير الرمزى لا يتعارض إطلاقاً مع التفسير الحرفى، ولكن التمسك بالتفسير الحرفى بمفرده فهذا قد يقتل التمتع بالايات المقدسة هو الذى تجعل الإنسان يسموا فى سماء الروح نحن محتاجين للتفسير الرمزى أكثر من الحرفى، وبالرغم من أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية قد حرمت أوريجانوس وحرمت فى بعض الأحيان من يقرأ كتاباته، إلا أن كتاباته لا زالت حية ويقرأها الأقباط حتى يومنا هذا بل ويستمتعون بها، كما أنه يمكن القول فى ثقة أن التفسير المجازى والرمزى والتأملى الأوريجانى هو الذى يتبعه غالبية قادة الكنيسة القبطية كمنهج رئيسى فى تفسير الكتب المقدسة وبالرغم من محبة معظم الأقباط لهذا المنهج الأوريجانى فى الكنيسة القبطية فى التفسير شعباً وقادة، إلا أن الكنيسة القبطية تفتقر للتفسير العلمى الواضح والبسيط، وإنغماس القادة فى هذه التفسيرات الروحية جعل البرتستانت يتقدموننا فى التفسير العلمى وإلتزامهم بالآيات وحفظهم ودراستهم للكتب المقدسة وننهى هذا الموضوع بالقول أن تفسير الكتب المقدسة يتم عن طريق محاور عديدة منها التفسير الرمزى، والحرفى، والعلمى.. ألخ كما يجدر الإشارة فى التفسير إلى الناحية التاريخية والجغرافية بل والإجتماعية وعادات الناس فى هذه العصور القديمة بل قد يحتاج موضوع ما إلى نوع العملة ومقدارها. الموضوع ليس حرباً بين الفكر الأوريجانى والفكر الحرفى وأيضاً ليس تحيزاً بين منهج وآخر ولكن التفسير الشامل الكامل هو الذى يلم بتفاصيل وزوايا الأحداث فى الكتب المقسة من جميع وجهات النظر: الرمزية والحرفية والعملية والإجتماعية والإقتصادية والتاريخية والجغرافية وغيرها وبالنسبة إلى موضوع أوريجين أو أوريجانوس يمكن تقسيم موضوعه إلى: شخصيته، أعماله الشخصية، كتاباته، منهجة الفكرى فى التفسير الرمزى لقد حرم اوريجانوس لأجل عمل شخصى بتنفيذ آية فى الكتاب المقدس تفسير حرفى وهو صاحب فكر التفسير الرمزى، أما كتاباته لا يستطيع احد أن يتأكد من: هل أدخل النساخ عليها تغيير أم لا (فى أزمنة لاحقة خاصة من الأريوسيين) لأن الاباء العظماء مثل أثناسيوس الرسولى وغيره قد إستخدموها، لهذا لا زالت كتاباته تقرأ، أما عن منهجه فى التفسير الرمزى فلا أحد يستطيع حرم إنسان يستخدم التفسير الرمزى والمجازى الأوريجانى
الفكر الأوريجانى والبابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 فى القرن الرابع
شغف آباء القرن الرابع بالفكر الأوريجانى (نسبة إلى العلامة المصرى أوريجانوس) وقلدت كتاباتهم الفكر الأوريجانى المؤسس على الرمزية، كما درسوها وحفظوها وأخذوا أفكاره وأستبعدوا أخطاؤه، مشيرين إليها دون أن يقلل ذلك إهتمامهم بها أما رهبان مصر فقد إنشغلوا بالفكر الأوريجانى
البابا أثناسيوس الرسولى وآباء وقديسين إستخدما كتابات وأقوال العلامة أوريجانوس
وقد إعتمد البابا أثناسيوس الرسولى علي ما وجده في كتابات العلامة المصرى أوريجانوس من براهين قوية تسندة فى قوانين الإيمان النيقاوى وفى مقاومة الهرطقة الأريوسية كما شغف بكتابات أوريجانوس آباء وقديسين كبار منهم آباء الكبادوك مثل القيسين باسيليوس الكبير وغريغوريوس النزنيزى الناطق بالإلهيات وفى الغرب إستوحى القديسان هيلارى أسقف بواتيه وأمبروسيوس أسقف ميلان منها أفكارهما وتأملاتهما أخذ القديس جيروم والأب يوحنا الأنطاكى من كتابات العلامة المصرى أوريجانوس المنهج التفسيرى الأوريجانى فى تفسير الكتب المقدسة.
بداية مهاجمة التفسيرات الأوريجانية الرمزية بالعودة إلى الحرفية
فى حوالى عام 373 بدأ القديس أبيفانيوس (315- 403م) أسقف سيلاميسى بقبرص كتابه عن الهرطقات " خزانة العلاج لشفاء كل الهرطقات" وقد كان ناسكاً أراد أن يرد على كل الهرطقات، وظن أن العلامة أوريجين قد أفسد نقاوة الإيمان الحقيقى (بقصد البسيط) بسم الثقافة الوثنية، وقد إعتبر كتاباته هرطوقية دان فيها أولاً وقبل كل شئ ميله لتفسيره العبارات الحرفية الواضحة برمزية روحية، خاصة روحنة تعليم القيامة لم يقصد أبيفانوس إدانة أوريجين الراقد، بل قصد جزء من كتاباته رآها من وجهة نظرة ليست سليمة ولكنها هرطوقية لأنها رمزية وإبتعدت عن الحرفية البسيطة وفى عام 394 قامت مناقشة بين يوحنا اسقف أورشليم ومعه روفينوس كاهن أويلية وكانا الإثنان معجبان بالعلامة أوريجين وكتاباته، وبين جيروم الذى إعتبر أوريجين هرطوقياً يؤيده بلا شك أبيفانيوس أسقف سلاميس..
الثورة الفكرية التى أحدثتها الكتابات الأوريجانية بين رهبان مصر
الرهبنة فى بدء قيامها فى مصر تأسست على الممارسة العملية لآيات الكتاب المقدس وتنفيذ الوصايا الإنجيلية والنمو فى سلم الفضائل الروحية والقداسة والصراع فى البرية ضد قوات لاشر الروحية هذا ما أعلنه اثناسيوس الرسولى فى كتابه عن القديس أنطونيوس، وكانت فى البداية لا تحتوى على أى إتجاه تأملى عقلى، ولكن ما ان تسللت الأوريجانية " التفسير الرمزى والمجازى " إلى بعض الرهبان والنساك حتى وجدوها لذة وغاية فى الإنطلاق فى تاملات إلهية عميقة وبهذه التأملات الروحية أثار الفكر الوريجانى ثورة فكرية فى الحياة الرهبانية وخاصة بين رهبان مصر.
وخرج القمص العلامة تادرس يعقوب الملطى بنتيجة فقال " نستطيع القول أن الكتابات الأوريجانية هى سر التحول الرهبانى من نسكيات مجاهدة لأجل الفضيلة إلى نسكيات مجاهدة من أجل التأمل أو التأوريا.. "وفى حوالى عام 370م عشق رهبان نتريا الفكر الأوريجانى فى التفسير وحفظ كثير منهم كتابات العلامة المصرى أوريجانوس، وكان الأخوة الطوال فى مقدمة هؤلاء الذين حفظوا عن ظهر قلب الملايين من سطور كتابات أوريجانوس، وإشتهر الإخوة الطوال بالقداسة والنسك والزهد الشديد، وسجل التاريخ نضالهم ضد الأريوسية وذهب أحدهم مع البابا أثناسيوس الرسولى إلى نيقية، وكانوا على علاقة طيبة مع كل من البابا أثناسيوس الرسولى 20، والبابا تيموثاوس 21، وكانوا على علاقة طيبة مع البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 حتى عام 400م وكان قد احبهم واكرمهم فرسم ديسقوروس أسقفاً على هرموبوليس، وأراد أن يرسم أخاً آخر منهم أسقفاً إلا أنه قطع اذنه، ورسم الأثنين الباقيين كاهنين عنما رفضاً الأسقفية وأراد البابا أن يبقيهما بالأسكندرية ولكنهما فضلا سكنى البرية وفى شقوق الأرض لممارسة عباداتهم الروحية.
وقوع اغلبية من الرهبان فى بدعة وهرطقة تصور شكل الله الإنسانى
فى منطقة الأسقيط حيث كان يتواجد أعداد كبيرة من الرهبان وكانوا فيما يبدوا على درجة بسيطة من العلم، رفضوا التفسير الرمزى الأوريجانى رفضاً قاطعا بل أنهم إعتبروا الرهبان الذين يأخذون به أعداء وهراطقة، وقاموا بتفسير العهد القديم تفسيراً حرفياً فتصورا أن الإله له وجه وعينان وأيدى وأعضاء جسدية وفسروا بعض الايات التى وردت فى العهد القديم بلغة يفهمها البشر بتفسير حرفى كقول العهد القديم إسجدوا عند موطئ قدميه (مز99: 5)عيناى على أمناء الأرض... المتكلم بالكذب لا يثبت أمام عينى (مز 101: 6، 7) يداك صنعتانى وأنشأتانى (مز119: 73)أضئ بوجهك على عبدك وعلمنى فرائضك (مز114: 135)وهكذا سقطوا فى بدعة جديدة إعتنقوا فكر تجسيم شكل الإله أو تصور شكل الإله الإنسانى Anthropomorphism كان رأس وقائد هذه البدعة أفوديوس من بين النهرين وجر ورائه الكثيرين من الرهبان... وحدث نزاع فكرى بين الوريجانيين من جهة وأصحاب هرطقة تصور شكل الإله الإنسانى Anthropomorphism كم جهة أخرى وأصبح هناك حزبين من الرهبان وكثر اللغط والكلام حول هل للإله أعضاء جسدية؟ وهكذا أصبح فى مصر فريقان من الرهبان فريقاً وصل إلى أقصى درجات العلم فى التفسير وهو الفريق الذى تبنى التفسير الرمزى الأوريجانى وآخر فريقا من الرهبان جاهلاً تصور أن للإله أعضاء جسدية حسية وكان للأسف الرهبانمن أصحاب بدعة تصور شكل الإله الإنسانى Anthropomorphism هم الأكثر عدداً وقوة، فقد كان التعلم فى الأزمنة القديمة لا يقدر عليه إلا الأغنياء وكان يعتبر شكلاً من أشكال الرفاهية إنقسم رهبان مصر إلى قسمين أكثرية سقطت فى بدعة تصور شكل الإله الإنسانى Anthropomorphism وأقلية رهبانية كانت تفسر الإنجيل بطريقة رمزية كان أول من بدأ بها هو العبقرى أوريجانوس العلامة المصرى، وكان البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 يميل إلى الإتجاه الأوريجانى الرمزى فى التفسير وفى عام 399م كتب البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 رسالته الفصحية التى تقرأ فى كل الكنائس والتى كان من العادة إرسالها ويحدد فيها عيد القيامة حسب قوانين مجمع نيقية، وفى هذه الرسالة لمح البابا بطريقة غير مباشرة أنه لا يليق بنا أن نعتقد فى الإله بطريقة جسمانية مادية لأن الإله روح، إذ هو غريب عن الشكل البشرى وقد روى القديس يوحنا كاسيان فى كتابه " المناظرات " أثر هذه الرسالة على جماعات الرهبان، فقد رفضت المجامع قرائتها ، ما عدا القديس بفنوتيوس الذى كان أباً لمنطقة شهيهيت العليا، الذى تلاها فى مجمعه وما أن عرف الراهب البسيط صرابيون وهو من أنصار بدعة تصور شكل الإله الإنسانى Anthropomorphism ما جاء فى الرسالة حتى رأس حركة مقاومة لهذه الرسالة وسرعان ما إنضم له أعداد غفيرة من الرهبان وكان هذا الراهب بسيطاً وزاهداً وناسكاً
الرهبان يهددون البابا بقتله لأنه هرطوقى
وسرت نار التمرد والثورة فى قلوب الرهبان التى خرجت للبرية للصلاة والجهاد والفضيلة، وبالرغم من أنهم يعتنقون فكراً هطوقياً إتهموا البابا بأنه هرطوقى وتجمعوا فى جماعات بالإسقيط وتحركوا فى حشد غفير إلى الإسكندرية، فأحاطوا بالبطريركية يصيحون ويتوعدون بالقضاء على البابا الهرطوقى مهددين بقتل صاحب البدعة والهرطقة البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 هذا ما سجله المؤرخون القدامى
إلى من إنحاز البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23؟
ويقول العلامة القمص تادرس يعقوب ملطى عن هؤلاء الرهبان الهراطقة: " أن كثيرين منهم كانوا بسطاء وعباد روحيين، ويسهل قيادتهم ويبذلون حياتهم من أجل طاعة مرشديهم الروحيين، وكانوا مملوئين حباً للإله الذى ظنوا أنه له شكل مجسم، ورأى البابا ثاؤفيلس البطريرك أن الوقت ليس وقتاً للجدال والنقاش بل أراد كسب صداقتهم حتى يعالج ألمور بهدوء وسكينة.. بحكمة إلتقى بهم قائلاً بلطف: " إذ أراكم أنظر وجه الإله "ففسروا قوله تفسيراً حرفياً كعادتهم وفعلاً خفت حدة غضبهم، واجابوه: " إن كنت حقاً تقول بوجود ملامح لٌله مثلنا فإحرم كتب أوريجانوس، فقد إستخرج البعض منا أدلة تخالف قولنا، وإن لم تفعل ذلك فتوقع منا معاملتك كهرطوقى عدو للإله " وأجابهم البابا ثاؤفيلس البطريرك: انى مهتم بهذا الأمر، ومستعد أن أجيب طلباتكم، لا تغضبوا على، فإنى لست موافقاً على أعمال أوريجين وألوم من يقتنيها "
عاد الرهبان إلى أديرتهم، وكاد الموقف ينتهى عند هذا الحد كقول المؤرخ سقراط لولا ثورة الأخوة الطوال، فقد رأوا فى تصرف البابا جبناً وإستهتاراً بالعقيدة ومجاملة على حساب الحق.. " وفى الفصح التالى عقد البابا مجمعاً وحرم أوريجينوس وكل من يقرأ كتابات أوريجين، وهكذا نفذ البابا طلبات الهراطقة ووجد الأخوة الطوال أنفسهم فى حالة حرم لأنهم يحبون كتابات أريجانوس وتفسيره الرمزى للكتاب المقدس، فتمردوا أيضاً ولكن كان البابا سريعا فى التحرك فقاد قوة عسكرية وذهب إلى اديرتهم وقام بحرق صوامع الرهبان واحاط الجنود بالرهبان وإختبئ الأخوة الطوال فى بئر عميقة وقتل أحد الرهبان وهو يصلى فى صومعته ويقول الملكيين انه قتل كثيرين من الرهبان الإوريجانيين ثم هربوا من الجنود وإعتصموا فى الكنيسة.
مشكلة أوريجانوس
28 نوفمبر 2024
عدد الزيارات 37