تتضمن الحث على الأعراض عن الاشياء الجسدية والاهتمام بطلب الكنوز الباقية مرتبة على قوله بفصل اليوم: "من منكم وهو يريد أن يبنى برجاً لا يجلس أولا ويحسب النفقة هل عنده ما يلزم لكماله" ( لو ١٤ : ٢٥ - ٣٥ )
إذا كان الملوك والتجار والمزارعون لا ينفقون أموالهم ولا يبذرون الناتج منها إلا إذا أعجبهم تقدير فوائد المتاجر وتعين لهم خصب الزراعات فأنهم حينئذ ينهضون وينفقون اما إذا حسبوا التكاليف والنفقات وتعينت لهم الخسائر والغرامات فانهم حينئذ يعرضون ولا يتكلفون وإذا كان هذا فعل هؤلاء في الحاضرات فكيف لا نفعل نحن في الباقيات ؟ وما بالنا نضيع أموالنا باطلاً وننفق كنوزنا مجاناً ونجعل أتعابنا واجتهادنا للكيمان والمزابل ولا نتصرف فيما كما ينبغى وكيف لا نفكر فى مثل هذا قائلين: أين فوائد أتعابنا أمس وما قبله؟ أين ثمرة أجتهادنا في سني عمرنا ؟ أين هي أطعمتنا واشربتنا واجتماعاتنا ؟ أليس قد ذهب سعينا باطلاً؟ وما حصلنا سوى الخسران والهوان فكيف لا نسأل عن المرتجاة ونختار الأراضي النقية قبل أن ننفق أموالنا باطلاً. ونضيع البذار في السباخ عبثاً.وما بالنا ننظر أتعابنا كل يوم متتابعة وكنوزنا خالية من الباقيات ولا ننهض من نومنا ونتيقظ من غفلتنا ونجتهد في تحصيل حظوظنا ونسلك في مسالك الفائزين. يا للعجب من كون الذين يرومون الأموال تراهم دائماً هائمين مجتهدين متحايلين فلا يلتذون بطعام ولا بشراب ولا بنوم ولا براحة. لكنهم يرومون الزيادة بمفارقتها ولا نجتهد نحن كذلك في فوائد الباقيات .ونتهافت على الإكثار بالسمائيات وكيف لا نسمع قول ربنا حيث ينبهنا دائماً بقوله: " لا تكنزوا لكم كنوزاً على الأرض حيث يفسد السوس ... " ( مت ١٩:٦) وبقوله " وبقوله " لا تهتموا للغد لأن الغد يهتم بما لنفسه "( مت ٣٤:٦) وقوله : " اعملوا لا للطعام البائد بل للطعام الباقي "( يو ٢٧:٦) وقوله "أدخلوا من الباب الضيق. لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذى يؤدى إلى الهلاك وكثيرون هم الذين يدخلون منه . ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدى إلى الحياة . وقليلون هم الذين يجدونه" ( مت ١٣:٧-١٤) فإن قلت ما هو الباب الضيق ؟ أجبتك : هو شريعة الله التي تقمع شهواتنا ثم الطاعة والأمساك والإماتة ونحو ذلك مما هو تقيل على أصحاب الشهوات وطالبي الأرضيات ولكنه طيب وخفيف على الروحيين والناظرين إلى العتيدات اما الباب الواسع والطريق الرحب فهو الشهوة والحرية غير المرتبة والحنجرة والمال ونحو ذلك ارايتم كيف يمدح العيشة التقشفية ويذم العيشة الناعمة ؟ . وكيف يثني على السائرين في المسالك الضيقة ويعطى الويل للمتنعمين أو ما سمعتم قوله : " كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله لا يقدر أن يكون لى تلميذاً" وقوله: " الملح جيد ،ولكن إذا فسد الملح فبماذا يصلح " ( لو ٢٣:١٤-٣٤) ومعناه انكم انتم الذين ينبغي لكم أن تصلحوا الأمم بحسن سيرتكم وإضاءة أعمالكم وحبكم للفضيلة تفسدون وتفقدون حرارة الروح التي فيكم فلا تصلحون إلا للاحتقار فتطردون وتداسون فسبيلن أن نتفهم هذه الأشياء ولا ننساها بل نتذكرها دائماً لنفوز بالخيرات بتعطف وتحنن ربنا وإلهنا الذى له المجد إلى الأبد أمين.
القديس يوحنا ذهبي الفم
عن كتاب العظات الذهبية
انجيل قداس الأحد الثالث من شهر هاتور
24 نوفمبر 2024
عدد الزيارات 31