القيامة والحياة الارثوذكسية

07 مايو 2019
Large image

يشهد العالم اليوم تناقضين أساسيين، إذ بينما كثرت لجان الحوار اللاهوتى بين الكنائس، ازدادت أيضاً – من جانب آخر – حدة "الإستلاب" (Proselytism) أى أخذ أبناء كنيسة معينة إلى كنيسة أخرى، تختلف عنها فى العقيدة.
هذا نلحظه فى الواقع العملى، كما نراه على مواقع شبكة الإتصالات والمعلومات (الإنترنيت)، الأمر الذى سيزداد مع الوقت، ومع تداخل البشر فى إطار العولمة، وما يمكن أن نسميه "العولمة الدينية"، أو "العولمة العقائدية".
ويستدعى هذا أن ينمو الإنسان الأرثوذكسى فى أمرين:
1- معرفة العقيدة الأرثوذكسية، وكيف أنها مطابقة للكتاب المقدس، والتقليد الكنسى، وأقوال الآباء.
2- معايشة الحياة الأرثوذكسية، داخل الكنيسة وفى حياته الخاصة والأسرية، من خلال الممارسات البناءة مثل: حضور القداسات، والمواظبة على صلوات الأجبية، والصلوات السهمية والحرة، وكذلك من خلال التسبيح والألحان، والإندماج فى المناسبات الكنسية على مدار السنة، سواء فى الأصوام أو الأعياد... الخ.
وكمثال لذلك... نتحدث عن القيامة فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، إذ نراها واضحة فى عديد من الأمثلة:
1- الصوم الكبير
وفيه يصوم المؤمن الأربعين المقدسة، وأسبوع الإستعداد (فرق السبوت)، ثم اسبوع الآلام...
وفى هذا الصوم، الذى يسميه الآباء "ربيع السنة الكنسية"، أو "ربيع الحياة الروحية"، يتمتع المؤمن بالكثير من العطايا مثل:
الصوم الإنقطاعى، وما يعطيه من ضبط للجسد واشباع للروح، من خلال الصلوات والنهضات والتناول...
أناجيل التوبة، التى تؤكد لنا قبول الرب لكل التائبين:
- مهما كانت خطيتهم بشعة كالإبن الضال.
- أو متكررة كالسامرية. - أو لمدة طويلة كالمفلوج.
- أو حتى للمولودين بها، كالمولود أعمى؛ إذ نخلص من كل هذا بالمعمودية، والتوبة المستمرة.
وهكذا ننتصر بالمسيح على عدو الخير، مع دخوله الإنتصارى إلى أورشليم فى أحد السعف، فنستطيع أن نجتاز معه وادى الألم فى أسبوع الآلام.
2- أسبوع الآلام
حيث الدسم الروحى بقراءات متعددة من المزامير والأناجيل، تشرح لنا آلام الرب، وتسير معه يوماً بيوم، وساعة بساعة، وحيث نسجد عند أقدام صليبه، هاتفين بكل قوة: "لك القوة والمجد والبركة والعزة إلى الأبد آمين، يا عمانوئيل إلهنا وملكنا" مؤكدين إيماننا بألوهيته، وبفدائه العجيب، وحبه اللانهائى، ومستعدين أن نجتاز معه موت الصليب (بالمعمودية والتوبة والمطانيات والإماتة)، واثقين أن بعد الموت تكون القيامة، وبعد الصليب يكون القبر الفارغ!
3- ليلة أبو كالبسيس
وتسمى شعبياً "أبو غالمسيس"... حيث نسهر بجوار قبر السيد المسيح فى طقس رائع، ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
أ- تسابيح الخلاص... من العهدين، إعلاناً بأن الرب أتم الخلاص، وقال: "قد أكمل" ، ونزل إلى الجحيم، وحرر المسبيين، ودخل بهم إلى الفردوس.
ب- سفر الرؤيا... حيث السماء التى انفتحت، والفردوس الذى عاد، وحيث رجاء الخلود الأبدى، بعد انتهاء هذا الزمن الفانى.
ج- قداس سبت النور... حيث نفرح بالمسيح الذى قطعاً سيقوم فجر الأحد، وذلك بعد أن أنجز المهمة الخلاصية المجيدة، التى جعلته يعد اللص اليمين التائب: "اليوم تكون معى فى الفردوس" ... وذلك استعداداً لقداس العيد.

4- قداس عيد القيامة
بأفراحه الممتازة، وألحانه المبهجة، بدءاً من لحن "السبعة طرائق" فى بخور باكر، وحتى بهجة التناول من الجسد والدم الأقدسين، مروراً بطقس "تمثيلية القيامة" وزفة أيقونتها... حيث نادى من فى الخارج: "اخرستوس آنستى"، فجاوبهم من فى الداخل: "آليثوس آنيستى"... وإذ تنفتح الأبواب الدهرية، يدخل ملك المجد إلى عرشه المجيد، وتصدح جوقات الشمامسة لحن القيامة الجميل:
"ياكل الصفوف السمائيين... رتلوا لإلهنا بنغمات التسبيح... قد قام الرب مثل النائم... وكالثمل من الخمرة... ووهبنا النعيم الدائم... وعتقنا من العبودية المرة...".
مع ألحان أخرى جميلة مثل:
"طون سينا نارخون لوغون"... ومعناه: "نسبح نحن المؤمنين ونمجد الكلمة المساوى للآب والروح فى الأزلية وعدم الإبتداء، المولود من العذراء لخلاصنا، لأنه سر وارتضى بالجسد أن يعلو على الصليب، يحتمل الموت وينهض الموتى، بقيامته المجيدة".
و"توليثوس"... ومعناه: "أن الحجر لما ختم من اليهود وجسدك الطاهر حفظ من الجند، قمت فى اليوم الثالث أيها المخلص، مانحاً هذا قوات السموات هتفوا إليك يا واهب الحياة المجد لقيامتك أيها المسيح، المجد لملك المجد لتدبيرك، يا محب البشر وحدك".
وبينما الكل يهتف باللحن الشعبى الرائع: "اخرستوس آنستى"... المسيح قام من الأموات.. بالموت داس الموت.. والذين فى القبور.. أنعم لهم بالحياة الأبدية".
ترتفع أبصارنا نحو السماء، وتمتد آفاق أفكارنا نحو الأبدية العتيدة، والخلود المجيد.
5- الخمسين المقدسة
إذ تبدأ بشم النسيم، حيث تتفتح الزهور، ونأكل البيض، تذكاراً للبيضة التى ذهبت بها المجدلية إلى بيلاطس، لتشرح له حقيقة القيامة، وكيف أن داخل البيضة، مع بعض التدفئة، كتكوت صغير حىَ، سيخرج منها وهى مغلقة، ودون أن يفتح له أحد. فكم بالحرى خالق الكون، كيف لا يخرج وأبواب القبر مغلقة، ودون أن يفتح له أحد، وهو رب الحياة، ومانح الحياة!!
وتستمر أيام الفرح حيث لا صوم، فالعريس فى وسطنا،
ولا سنكسار إذ كيف نتحدث عن قديسين فى حضرة قدوس القديسين، ولا مطانيات فلماذا الإنسحاق وقد أعطانا الرب قوة قيامته... وهكذا تجعلنا الكنيسة نحيا فى بركات القيامة العديدة، كما تتضح من خلال قراءات الخمسين المقدسة، فالرب هو: الحياة، والنور، والحرية، والخلاص، والمجد. وتختار لنا الكنيسة فصولاً مناسبة من الأناجيل والرسائل والمزامير، تتفق مع جلال المناسبة المجيدة، والقيامة المفرحة.
وبعد أربعين يوماً تنادينا الكنيسة بأن نصلى مع الآباء الرسل، بعد صعود السيد المسيح، طالبين منه أن ننال بركات الصعود مثل:
- ارتفاع أفكارنا وقلوبنا إلى حيث المسيح جالس...
- التشفع بمسيحنا القائم... حاملاً جراحاته، فهو شفيعنا الكفارى الوحيد، القادر أن يغفر لنا خطايانا.
- طلب الإمتلاء بالروح القدس يوم العنصرة، تمهيداً للإرسالية والخدمة.
- انتظار المجئ الثانى، فيسوع الصاعد سيأتى ثانية فى اليوم الأخير، فى مجد عظيم، ليأخذنا إلى ملكوته العتيد.
وحين تختم الخمسين المقدسة بعيد العنصرة ننال مع الآباء الرسل ملء الروح، فنخرج معهم إلى الخدمة والكرازة، فى صومهم المبارك.
السنة الليتورجية
إن كنيستنا القبطية قد رسمت لنا "السنة الليتورجية" بأسلوب رائع، حتى نحيا معها أحداث الخلاص، وقوة القيامة، وإرسالية الخدمة، ساعين فى طريق القداسة ونستطيع أن نجمل "السنة الليتورجية" كما يلى:
تبدأ السنة بالنيروز... إذ تدعونا الكنيسة للحياة الشاهدة، بل حتى إلى الشهادة من أجل المسيح.
ولكى نصل إلى هذا المستوى المبارك، نجتاز مع الكنيسة صوم الميلاد، ليولد المسيح فى قلوبنا فى عيد الميلاد المجيد.
ثم نتعرف على الثالوث القدوس فى عيد الغطاس، الثيؤفانيا، الظهور الإلهى.
وإذ نخطئ كبشر ضعفاء، نتوب مع يونان فى صومه القصير، ثم نتوب مع تائبى الصوم الكبير: الإبن الضال، والسامرية، والمفلوج، والمولود أعمى.
وهكذا ننتصر مع الرب وبه يوم أحد السعف.
فنجتاز معه الآلام فى اسبوع الآلام لنموت معه...
ونقوم فى عيد القيامة معه...
ونصعد بقلوبنا وأفكارنا إلى السماء فى عيد صعوده...
ونصلى مع الآباء الرسل فى العلية طلباً للملء الروحى... فنمتلئ من روح الله يوم العنصرة.
فنخرج للخدمة مع التلاميذ فى صوم الرسل.
وإذ نجد أنفسنا فى الموازين إلى فوق، نحاول أن نقتدى بالعذراء القديسة لننال قبساً من قداستها فى صومها المشبع.
وهكذا ننمو بنعمة الرب إلى الحياة الشاهدة مع شهداء النيروزإنها دعوة إلى شباب المستقبل، أن يشبعوا بكنيستهم القبطية، وكنوزها الهامة، من طقس وعقيدة وتاريخ وقديسين وأقوال آباء... بحر واسع، ومحيط شاسع، من الأغذية الروحية ووسائط النعمة حيث المذبح والذبيحة و الكهنوت وشفاعة القديسين ولذا يحس الشباب الأرثوذكسى أنهم جزء من منظومة جبارة هى:
- المؤمنون... على الأرض يجاهدون...
- القديسون... فى الفردوس يتشفعون...
- الرب يسوع... رأس الجسد... الذى يقوده ويحييه، ويحس بكل آلامه واحتياجاته ما أجمل أن نعيش الحياة الأرثوذكسية ببساطة وتفاعل وعمق، فنستفيد بما أعده الرب لنا، من خلال كنيسته المقدسة، حيث الدسم والإرتواء.
نيافة الحبر الجليل الانبا موسى أسقف الشباب

عدد الزيارات 1463

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل