القيامة مجرد مقدمة للحياة في السماء

15 مايو 2019
Large image

نحن نحتفل بالقيامة. فما هي القيامة؟
إنها من عنصرين: العنصر الأول هو أن يقوم الجسد، أي يُبعث حيًا. لأنه كان ميتًا، وبالقيامة منحه الله حياة أخرى. أما الروح فإنها حية بطبيعتها، لم تمت حتى تُبعث إذن العنصر الثاني للقيامة، هو أن تأتى الروح من مستقرها لكي تتحد بالجسد، ويعود الإنسان كاملًا: جسد وروحًا.
بعد القيامة تكون الدينونة، أي الحساب. فيقف الإنسان أمام منبر الله العادل ليعطى حسابًا عن كل ما فعله أثناء حياته الأرضية، خيرًا كان أم شرًا.

وبعد ذلك يكون الجزاء، أي المصير. فيذهب الأبرار إلى النعيم الأبدي، والأشرار يلاقون العقاب.
والنعيم الأبدي يكون في السماء، في عشرة الله والملائكة والقديسين. وعن هذه الحياة في السماء سنتكلم اليوم:
هنا ونسأل: ما هي السماء؟
السماء هي ما يسمو، أي ما يعلو ويرتفع. وتوجد سماوات يعلو بعضها على بعض طباقًا. أي يوجد طبقات من السموات السماء الأولى هي سماء الطيور، التي تسبح فيها الطيور وأيضًا الطائرات على ارتفاعات متنوعة. فوق هذا توجد سماء أعلى هي الفلَك حيث توجد الشمس والنجوم والكواكب والمجرات وكل الأجرام السمائية. والإنسان قد وصل إلى طبقة بسيطة هي القمر. ولكنه لن يستطيع الوصول إلى الشمس فطائرته تحترق من وهج الحرارة قبل أن تصل إليها. فوق هذه الطبقة توجد سماء ثالثة، وهى التي تسكن فيها أرواح الأبرار قبل القيامة العامة. ونقول في بعض تعبيراتنا أن الروح صعدت إلى جوار الله فوق كل هذه السموات توجد سماء أعلى، نسميها سماء السموات، حيث يوجد عرش الله، تحيط به الملائكة ورؤساء الملائكة وكل الطغمات السمائية بكافة أنواعها ودرجاتهاعلى أن الله تبارك اسمه غير محدود في كل شيء، فليس له مكان محدود هو العرش. إنما عرشه هو مجده غير المحدود. فحيث يوجد تمجيده ومحبته، إنما يشبه هذا عرشًا يجلس عليه الله وبهذه المناسبة أقول إن السماء لها معناه الحرفي الذي ذكرناه، ولها معنى آخر رمزي، قلت فيه مرة في مناجاة الله:
قد نسيت الكل في حبك يا متعة القلب فلا تنسى فتاك
في سماء أنت حقا كل قلب عاش في الحب سماك
عرشك المحبوب قلب قد خلا من هوى الكل فلا يحوى سواكْ
نعود إلى السماء التي يستقر فيها الأبرار بعد القيامة فنقول: لا يوجد في السماء شيء ثقيل، كالجسد المادي، فكل ما فيها خفيف. إن الملائكة يتحركون فيها ويصعدون ويهبطون في خفة عجيبة بل إن الملاك حينما برسله الله إلى العالم الأرضي لكي يبلَغ رسالة، أو لينقذ إنسانًا، فإنه يهبط من السماء إلى الأرض في لمح البصر، إذ أنه خفيف جدًا في تحركاته وتنقلاته فإن كنا في السماء مع الملائكة، هل سنكون وضعنًا شاذًا بينهم؟! أم نكون كما قال السيد المسيح عن القائمين من الموت "يكونون كملائكة الله في السماء" (مت 22: 30) فهل سنكون في السماء مجرد أرواح بلا أجساد؟ كلا، فسوف تكون لنا الأجساد التي قامت من الموت. ولكنها ستكون أجسادًا روحانية ليس لها ثقل المادة. لأن الجسد المادي معرض لأن يتعب، وأن يمرض، أو يضعف أو ينحل. وكلها أمور لا تناسب سكان السماء والجسد المادي يحتاج أن يأكل طعامًا ماديًا. والطعام المادي له تفاعلاته داخل الجسم ونتائجه! كما أن الجسد المادي يمكن أن يقع في شهوة جسد آخر. ومثل هذه الشهوات الجسدية لا تليق أن تكون إلى جوار الله وملائكته، فلابد أن نرتفع على مستواها إن الشهوات التي في السماء، كلها شهوات روحية: مثل شهوة الوجود مع الله ومع ملائكته وقديسيه، أو شهوة التسبيح... ومن غير المعقول، أن تكون لنا شهوة أخرى غير الله، كالشهوات المادية أو الجسدية!! وكما يقول المثل "في حِضرة الشمس من ذا يبصر الشهبَ"بالطبع إذن من اللائق والمناسب أنه في السماء تنتهي شهوة المادة، وشهوة الجسد، وكل الشهوات الأرضية. لأننا لو بقينا ملتصقين بهذه الشهوات، فماذا يكون إذن الفرق ما بين الحياة في السماء والحياة على الأرض؟! وماذا تكون الفائدة التي نحصل عليها من الوجود في السماء في مكافأة الأبرار؟! وإن كان الأثرياء الأتقياء على الأرض يتمتعون بكل الشهوات الأرضية الحلال، فماذا يأخذون في السماء، إن كانوا ينتظرون بلا شك شيئًا أفضل؟! وبخاصة لو كانوا قد سئموا تلك المشتهيات الأرضية، ويشتاقون إلى نوعية أخرى أفضل وأسمى وأرقى مما تعودّونه في حياتهم الأرضية!لذلك وعدنا الله بما لم تره عين، وما لم تسمع به إذن، وما لم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه (1كو 2: 9). ويقول الكتاب المقدس "إن الأشياء التي تُرى وقتية. أما التي لا تُرى فأبدية" (2كو 4: 18). لذلك نحن ننتظر من الحياة في السماء كل أنواع المتع التي لا تُرى، أي التي فوق حواسنا الأرضية نقطة أخرى، وهى أننا حاليًا على الأرض منشغلون بأشياء كثيرة، خاصة بالعمل أو بالأنشطة أو بواجباتنا من نحو الأسرة أو المجتمع أو الدولة، بحيث لا يوجد لنا وقت كافٍ نقضيه مع الله تبارك اسمه. وما نقدمه له من وقت، هو ضئيل بلا شك فهل في الأبدية، في السماء، سننشغل أيضًا عن الله بأمور أخرى؟! كلا. فليست هذه هي طبيعة الحياة في السماء. وإن انشغلنا عن الله هناك، نكون غير مستحقين للسماء، ولا نكون حينئذاك "كملائكة الله في السماء". فمن غير المعقول أن نكون في السماء في غربة عن الله!، كم هي الحياة على الأرض!إن الحياة في السماء، هي الحياة في الحب الإلهي. وما عدا ذلك، فهو لا شيء... والحب الإلهي هو موضوع طويل علينا أن نستعد له من الآن وندّرب أنفسنا عليه. حتى لا تكون الحياة في السماء غريبة علينا، أو نكون نحن غرباء عنها..!!
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث

عدد الزيارات 893

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل