انجيل قداس الأحد الثالث من شهر كيهك

29 ديسمبر 2024
Large image

تتضمن ذو الكبرياء ومدح التواضع مرتبة على قول السيدة البتول بفصل اليوم:
"تعظم نفسى الرب لأنه نظر إلى اتضاع أمته صنع قوة بذراعه شتت المستكبرين بفكر قلوبهم انزل الاعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين .( لو ١ : ٣٩-٥٦ )
اورد البشير بفعل الانجيل اليوم تسبحة البتول الطاهرة مرت مريم التي قالت في مطلعها " تعظم نفسى الرب وتبتهج روحى بالله مخلصي لأنه نظر إلى "بهذه التسبحة سبحت البتول الله عند ما علمت أنها ستكون اتضاع أمته أما لمخلص العالم.وهذه الأقول تصرح لنا على نوع ما بما شعرت به البتول من حاسيات الشكر الوافر الله تعالى على نعمته الجزيلة وبأن الله ينظر إلى اتضاع المتضعين ويرفعهم ويرذل كبرياء المستكبرين ويشتتهم فيجب علينا أولاً: ان نتشبه بها في تقديم الشكر لله كل حين على ما ينعم به علينا من النعم والخيرات الكثيرة والمتنوعة ثانياً: يجب علينا أن نتعلم منها الاتضاع لأنه فضيلة ضرورية للخلاص ولازمة كالأيمان وأى شئ الزم من هذه الفضيلة التي بدونها لا يمكن للأنسان ان يرضى الله وهذا ما أوجه التفاتكم إليه
يقوم التواضع أيها الأحباء بأحتقار الأنسان لنفسه واعتباره للقريب وقـــد أمر به السيد المسيح بقوله : " تعلموا منى لأني وضيع ومتواضع القلــــب وقال الرسول يعقوب: " أتضعوا قدام الرب فيرفعكم قال بطرس الرسول أيضاً: كونوا جميعاً خاضعين بعضكم لبعض وتسربلوا بالتواضع لأن الله يقـــاوم المستكبرين واما المتواضعون فيعطيهم نعمة فالله إذن يحب التواضع ولأجل هذا قد افتتح اعمال حياته الارضية بالتجسد ولهذا بعينه قد اختار البتول الطاهرة لتكون هيكلاً مقدساً يقدم فيه لأبيه الازلى أول أفعال السجود والتواضع العميق لان هذا الهيكل الإلهى مبنى على التواضع ومقدس به الله يحب التواضع وهاكم الامثلة على ذلك من الكتاب المقدس. إني أرى الرماد مقروناً بالمسموح ليكون دليلاً على التوبة وذلك لان تواضع القلب تصحبه الندامة وأرى عشاراً يطلب الرحمة والغفران بدون أن يرفع عينيه نحو السماء لان التواضع يستمد المغفرة التي يأملها الرجاء وأرى أمراة كنعانية تتبع المخلص وهو يظهر لها أنه يرذلها ويحتقرها فتعترف انها تستحق الاحتقار ولم تزل تستغيث بقدرته حتى أدركت مناها وأرى المجدلية تتبع المخلص لان التواضع كـــان وأرى الإله المتأنس أمام أقدام تلاميذه يقـــــدم يرشد المحبة المضطرمة في قلبها لهم في شخصية مثال التواضع بغسله أرجلهم. وقوله لهم: " فإن كنت وأنا السيد قــــد غسلت أرجلكم فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض لاني أعطيتكم مثالا حتى كما صنعت بكم تصنعون أنتم أيضاً إن علمتم هذا فطوباكم إن عملتموه " يسوع تواضع واطاع حتى الموت موت الصليب من أجلك أيها الانسان إلا تخجل من أن تكون متكبرا ؟ إلا تعلم أن الكبرياء هي مصدر للجحود وكل شر كيف لا وهي التي اسقطت الملائكة من السماء ثم اسقطت جدينا الأولين من قمة المجد والهناء إلى هذا الهوان والشقاء وهي بذاتها التي يغتر بها الناس لتبعدهم عن الله والكبرياء على أنواع:
الأول: هو ما يدعوا الانسان لان يدعى بأن كل ما يحصل عليه من الخير إنما هو بقوته وفرط ذكائه أو بحسبه وجاهة من دون مؤازرة الله له وهذا النوع بعينه هو الذي أسقط رئيس الملائكة القوى لأنه قال " أصعد فوق مرتفعات السحاب وأصير مثل العلى"
الثاني: أعجاب المرء بنفسه لماله وحسبه أو لحسن عمله وعلمه.
الثالث: أعجاب المرء بقوته وجماله وشجاعته وغير ذلك من أنواع . الكبرياء وهي على كل أنواعها مضرة." فتمقته من الله والناس وشأنها أرتكاب الأثم أمام الفريقين"نعم لأن الكبرياء هي أول الخطا ومن رسخت فيه فاض ارجاساً ولو قلبنا صفحات تاريخ الاقدمين لوجدناها مليئة بأخبار الويلات وأنواع البلاء التي صبت على رأس بنى الانسان بسبب الكبرياء فكم من ملك جاهل أو متسلط قاس رغبة منه في حفظ مجده وسطوته وأمتداد ايام مملكته قد أسعر نار الحروب في جميع البلاد فشكل الأمهات ويتم الأولاد. وكم من عميد أمه أو عائلة بسبب الكبرياء فقد سلامته وسلامة أمته أو عائلته بل وفي هذه الأيام نرى الكبرياء سبباً لكل نزاع وخصام، فهذا يسعى فى ضرر غيره بدعوى أنه أهانه بعدم أداء الواجب له من الاحترام وهذا يغتاب غيره لاستقامته وآدابه مفتريا عليه الملثم ليخفضه فيستقل هو برفعة الشأن وغير هذا كثير مما يثبت أن الكبرياء مصدر لجميع الشرور وسبب الأثام بأسرها وإلا فقل لى من أين يتاتى العصيان والعناد ؟ وما هي علة البدع والأرتقات والمنازعات بشأن الاعتقاد ؟ أو هل صدر شئ من ذلك عن غير الاستقلال بالرأى وحب الذات وطلب التكبر على العباد ؟ أو هل يخلو مجمعكم من أنسان يروى معائب الناس ويتحدث دواما بالتنديد على أشخاصهم وأعمالهم وأقوالهم؟ فإذا قيل أمامه إن فلانا عالم قال انه أجهل الجاهلين وأن ذكر غيره بالتقوى قال أنه من المرائين وإن ذكر أخر بأنه كاتب منشئ بليغ قال أنه سارق أو مقتبس من أقوال غيره من المتقدمين وبالأجمال لو تذكر له شئ من مأثر الآخرين إلا واجاب بلو كان وعظيم ولكن وغيرها من عبارات الطعن والتنديد المشين ومما يوجب الاسف والحزن الشديد أن الناس من أدنى الخلق حتى الفلاسفة ذاتهم يفتخرون ويرغبون في من يطنب في مديح صفاتهم وأعجب من ذلك أن الذين يكتبون ضد التكبر والافتخار يحبون لانفسهم الفخر بأنهم أجادوا في ما كتبوا ويكتبون فماذا يستفيد المستكبرون والمتفاخرون إذا كانوا لا يحصلون على غير ما يوقعهم في الذل والهوان؟ ويسيرهم محتقرين عند الله والناس فيعاندهم دهرهم فيما يشتهون أخيرا يكونون مظهرا لنقمة الله وإليكم أثبات ذلك فيما يلي :-
أن الكبرياء تقوم بحب التفرد بالمجد والعظمة والله الذى هو مصدر كل مجد وخير لا يريد أن يأخذ مجده الغير لأنه إله غيور ) فهو ذلك يقاوم المستكبرين ويذلهم كما أذل فرعون بالضربات وغرقه في البحر الأحمر مع كل رجاله ومركباته وكما سمح بقتل اليفانا بيد يهوديت وكما ضرب أنطيوخــس الذي صرخ من شدة الامه قائلا: " حق على الانسان أن يخضع له وان لا يحمله الكبر وهو فان إن يجعل نفسه معادلا لله واريوس أيضا الذي أدى به كبريائه أن ينقض تعاليم الكنيسة والأباء فضربه وهو سائر بين مشايعيه ليدخل الكنيسة الكبرى بالقسطنطينية فلم يكد يدنو منها حتى شعر بثقل فمال إلى مكان منفردا لقضاء حاجة طبيعية فساد تبطاؤه ومضوا ليروه فوجدوا ملقى على وجهه ولا حراك به ملطخا بدمائه وأمعائه كانت ملقاة بين الأقذار فما أتعس نهاية المتكبرين الأشرار وما أسوأ حالهم لأن أيمانهم باطل بدليلى توبيخ السيد لهم بقوله: " كيف تقدرون أن تؤمنوا وانتم تقبلون مجدا بعضـــــــم مــــن بعض والمجد الذى من الاله الواحد لستم تطلبونه" فسبيلنا إذن أيها الاحباء ان نتواضع لنرتفع وننجو من كل المتاعب ولكن افتخارنا بالرب فنجوز هذه الحياة آمنين ونحظى بالنعيم الذي لا يزول بتعطف وتحنن فادينا الذي له المجد إلى الأبد أمين.
القديس يوحنا ذهبي الفم
عن كتاب العظات الذهبية

عدد الزيارات 122

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل