
أهنئكم أيها الأحباء بعيد الغطاس اﻟﻤجيد أوعيد الظهور الإلهى،وهو أحد الأعياد السيدية اﻟﺜابتة ( ١١ طوبه من ﻛﻞ ﻋﺎم) ھذا العید له مدلولاته ومعانیه الكثیرة في حیاتنا،ویكفي أننا ارتبطنا وعشنا في الكنیسة من خلال
السر الأول "سر المعمودیة" الذي ھو على مثال معمودیة السید المسیح ھذا العید له تسمیات كثیرة لكن یمكن أن نسمیه "عید تجدید خلقتنا" فاﻟﻠﮫ بعدما خلق الإنسان وأراده أن یكون إنسانًا ناجحًا، سقط في المعصیة والخطیة وانحرف وطرد من الجنة وصار محتاجًا للخلاص ومحتاجًا لمن یفدیه وتوالت الأجیال، حتى جاء السید المسیح ودخل إلى العالم من باب الفقروالاتضاع،وقد احتفلنا بعید المیلاد منذ أیام قلیلة،وبعده عید الختان، والیوم نحتفل بعید الغطاس تعمد السید المسیح وعمره ثلاثین عامًا على ید یوحنا المعمدان، وكانت المعمودیة ھي بدایة خدمته الجھاریة لأنھم في المجتمع الیھودي لا یستمعوالأحد إلا إذا كان عمره ثلاثین سنة أو أكثر ﻓﻲ هذه اﻟﻤناسبة أريد أن أتامل معكم ﻓﻲ ثلاث نقاط:
۱- النھر: وھو نھر الأردن، وكلمة "أردن" لھا معانٍ كثیرة، أحد معانیھا من أصل ھندي ومعناه "الخالد أو المنحدر". وھذا النھر طوله ۲٥۰ كیلومتر فقط، وعرضه ٥ أمتار أي مسافة صغیرة،وھو لیس عمیقًا فیمكن أن یعبر الناس فیه بأقدامھم ینبع من ھضبة الجولان، ویمر في خمس دول سوریا ولبنان وفلسطین والأردن وإسرائیل،ثم ینتھي بأن یصب في البحر المیت (بحر مغلق وبالتالي أملاحه عالیة جدًا فلا تعیش فیه الكائنات
الحیة) والناس یسمونه "بحر الشریعة" باعتبار أن السید المسیح تعمد فیه وباعتبار أن بني إسرائیل عبروا من خلاله في طریقھم لیرثوا الأرض في عبر الأردن كان عماد السید المسیح،وفي دولة الأردن یسمون الموضع الذي تعمد فیه السید المسیح "المغطس".
۲- الشخص: وھو یوحنا المعمدان الذي من أسرة بارة مباركة، أبوه زكریا الكاھن وأمه القدیسة ألیصابات، كانا كلاھما بارین یرفعان صلوات دائمة من أجل أن یعطیھما الله نسلاً ثم ظھر الملاك لزكریا وبشره بأنه سیكون له ابن، وعندما لم یصدق أصابه الخرس والصمت وھذا الصمت تعبیر عن أن السماء كانت صامتة لا تستجیب لصلواته،وأیضًا تعبیر عن زوجته التي تقدمت بھا الأیام وصارت صامتة لا تنجب ولكن في الوقت المعین أرسل الله ھذا الابن الذي صار فیما بعد أعظم موالید النساء بشھادة من المسیح، وانفتح فم زكریا ونطق فرحًا،وانفتح رحم ألیصابات وولدت یوحنا یعتبر یوحنا المعمدان ھو ھمزة الوصل بین العھد القدیم والعھد الجدید (مثل مفصلة الباب التي تصل بین الضلع ثابت الذي یمثل العھد القدیم والباب المتحرك الذي یمثل العھد الجدید) ولذلك نال یوحنا المعمدان ثلاثة ألقاب، السابق والصابغ والشھید "السابق" زمنیًا قبل میلاد المسیح بستة أشھر، و"الصابغ" لأنه قام بعماد السید المسیح،و"الشھید" لأن حیاته انتھت بالاستشھاد عاش یوحنا المعمدان في البریة، ناسكًا، في ھدوء البریة مصلیًا، بسیطًا جدًا في ملبسه وحیاته وطعامه، وكان إنسانًا مھوبًا ثم خرج وبدأ ینادي للجمیع بمعمودیة الماء وھذه المعمودیة – بحسب مفھوم ذلك الوقت- ھي التي تساعدھم في مسح وغسل الخطایا فاجتمعت إلیه الجموع،إلى أن أتى الیوم الذي جاءه فیه السید المسیح فارتبك وقال "أَنَا مُحْتَاجٌ أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ، وَأَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ"(مت ۳ : ۱٤) فقال له: "اسْمَحِ الآنَ"(مت 15:3)فأطاع وقام بمعمودیة المسیح وفي وقت معمودیة السید المسیح حدث أمر جلیل وھو الظھور الإلھي الآب من السماء یشھد "ھذَا ھُوَ ابْني الْحَبِیبُ الَّذِي بِه سُرِرْتُ" (مت ۳: 17) والابن في میاه نھر الأردن، والروح القدس مستقرًا علیه مثل حمامة.
۳- الصوت: إذا سألتك "من أنت؟" تقول اسمك وتذكر ألقاب كثیرة. أما یوحنا المعمدان فعندما سُئِل من ھو، قال "أَنَا صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّیَّةِ" (یو1: 23 ) "أَعِدُّوا طَرِیقَ الرَّبِّ اصْنَعُوا سُبُلَه مُسْتَقِیمَةً"(مت ۳:3) أنا مجرد صوت لأن أقنوم الكلمة الحقیقي شخص المسیح "أَعِدُّوا طَرِیقَ الرَّبِّ" فأنا الملاك المھیئ لحضور المسیح "اصْنَعُوا سُبُلَه (طرقه) مُسْتَقِیمَةً"، فمن یرید أن یعیش مع المسیح لابد أن تكون طرقه مستقیمة غیر معوجة.
أربعه معانى للصوت
أرید الیوم أن أتأمل معكم في أربعة معاني
للصوت، وكیف نأخذھا لنفوسنا ونستفید بھا، فقد كان صوت یوحنا:
۱- صوتًا نبویًا: یحمل نبوات العھد القدیم كلھا، فقد نطق بالعبارة التالیة وھو یشیر إلى المسیح "ھُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي یَرْفَعُ خَطِیَّةَ الْعَالَمِ" (یو ۱: ۲۹ ) "حَمَلُ" أي ذبیحة، و"یَرْفَعُ" أي "صلیب" یزیل خطیة الإنسان وأنت یجب أن یكون صوتك صوتًا كتابیًا إنجیلیًا "كتابیًا" بمعنى أن یكون صوتك وكلامك وأفكارك كلھا من الكتاب المقدس و"إنجیلیًا" بمعنى أن یكون مفرحًا فكلمة "إنجیل" تعني بشارة مفرحة، لأن المسیح ھو مخلص للعالم كله لأن "دَمُ یَسُوعَ الْمَسِیحِ ابْنه یطُھِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِیَّة"ٍ ( ۱یو7:1)
۲- صوتًا حكیمًا: یتكلم بحكمة ویزن الكلمة قبل أن ینطق بھا فقد قال عبارة قویة وھو یشیر إلى المسیح، في الوقت الذي كان فیه مشھورًا بینما المسیح لم یكن قد بدأ خدمته بعد، قال "یَنْبَغِي أَنَّ ذلِكَ یَزِیدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ" (یو ۳: ۳۰ ) ھذا صوت حكمة فسبب المشكلات ھو أن كل فرد یرید أن یكون ھو الأول لابد أن كل أب وأم مع أولادھما وكذلك كل خادم مع المخدومین یقولون ھذه العبارة إنھا حكمة المعاملات والعلاقات بین
الناس، وھي تریحك كثیرًا في حیاتك وفي عملك.
۳- صوتًا ودیعًا: فقد كان یعیش حیاة صارمة في البریة، وكان صارمًا في ملبسه ومأكله، لكنه كان ودیعًا فیقول عن نفسه في علاقته مع المسیح "لَسْتُ أَھْلاً أَنْ أَنْحَنِيَ وَأَحُلَّ سُیُورَ حِذَائِه"(مر ۱: ۷) ما ھذه الوداعة والاتضاع وما النفسیة التي تقبل ھذا؟ وقال ھذا وھو مشھور ومعروف وله تلامیذ، أما المسیح فلم یكن قد اختار تلامیذه بعد وھذا ما قاله لنا المسیح "تَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِیعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ" (مت ۱۱: ۲۹ ) ویقول القدیس یوحنا ذھبي الفم "الید التي خشیت أن تحل سیور حذاء المسیح،جعلھا المسیح توضع على رأسه" إنھا قاعدة ذھبیة قدیمة: إن الإنسان حینما یتضع یرفعه الهح، أما حینما یتكبر فینزل الله به.
٤- صوت حق: كان یوحنا المعمدان شخص حقاني، فحینما أخذ الملك امرأة أخیه، وقف بكل شجاعة وحق وقال له"لاَ یَحِلُّ أَنْ تَكُونَ لَكَ امْرَأَةُ أَخِیكَ" (مر ٦: ۱۸ ) وھو حي كان صوت حق كلفه أن تُقطع رأسه وأن یصیر شھیدًا ولكن صوت الحق یظل یتردد على الدوام ولا ینتھي بل یتكرر عبر الأجیال والأزمان ھذا ھو یوحنا المعمدان، صاحب الصوت، وھذا الصوت كان صوتًا مؤثرًا، وقویًا كان صوتًا نبویًا وحكیمًا وودیعًا وكان صوت حق.
اﻟﻤعمودية وﺗﺠديد خلقتنا
إن عید الغطاس ھو "عید تجدید خلقتنا" لأننا بالمعمودیة نولد من الماء والروح بخلقة جدیدة،ونصیر أبناء النور وأبناء السماء یصیر الإنسان جدیدًا لأن المعمودیة تمنحه حیاة جدیدة، وانتمائیةللسماء، فاحذر أن یغیب عنك أن لك نصیب في السماء لابد أن تحافظ علیه طوال حیاتك على الأرض نقول "قلبًا نقیًا اخلق في یا لله وروحًا مستقیمًا جدده في أحشائي" (مز ٥۰) الیوم كأننا كلنا نحتفل بمعمودیتنا التي تمت وعمرنا أسابیع تذكر الثوب الأبیض الذي ارتدیته، والزنار الأحمر رمز دم المسیح، وتذكرالدفنات الثلاث في میاه المعمودیة "مَدْفُونِینَ مَعَه فِي الْمَعْمُودِیَّةِ" (كو ۲: 12).ﻟﻴباركنا مسيحنا بكل بركة روحية وﻳﺤفظنا و يعطينا دائمًا أن تكون حياتنا مرضية أمامه إﻟﻰ اﻟﻨفس الأخير.
قداسة البابا تواضروس الثاني