الرهبنة القبطية

29 يناير 2025
Large image

جاءت الرهبنة القبطية كنتيجة طبيعية لتعاليم المسيحية السامية من جهة، ومن جهة أخرى كرغبة في الحياة حسب النموذج الذي أعطاه السيد المسيح من خلال حياته على الأرض، وكذلك نموذج القديس يوحنا الحبيب، قال الرب يسوع: «لأنه يوجد خصيان ولدوا هكذا مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ ، ويوجد خصيان خصاهُمُ الناس، ويوجد خصيانٌ خَصَوْا أَنفُسَهُمْ لأَجل ملكوت السماوات. من استطاع أن يقبل فليقبل (متى ۱۲:۱۹)، ثم جاء القديس بولس والذي عاش في البتولية أيضًا ليقول: "وَلَكِنْ أَقُولُ لِغَيْرِ الْمُتَزَوِّجِينَ وَلِلأَرَامِلِ، إِنَّهُ حَسَنٌ لَهُمْ إِذَا لَبِثُوا كَمَا أَنَا فَأُرِيدُ أَنْ تَكُونُوا بِلَا هُمْ غَيْرُ الْمُتَزَوْجِ يَهْتُمُ فِي مَا لِلرَّبِّ كَيْفَ يُرْضِي الرَّب إِذَا مَنْ زَوْجَ فَحَسَنًا يَفْعَلُ، وَمَنْ لَا يُزَوِّجُ يَفْعَلُ أَحْسَنَ" (كورنثوس الأولى٧ : ۸،۳۲،۳۸). والراهب هو الشخص الذي لم يستطع أن يحيا وصية المسيح بكمالها وهو في العالم، فانطلق إلى البرية ليتسنى له ذلك، ويكتب ابن العسال أن: "الرهبنة هي فلسفة المسيحية" وكانت للرهبنة القبطية مقدمات، أي أنه وجدت صور باهتة لها في العهد القديم من جهة، وفي بعض ديانات أخرى من جهة ثانية، فقد عاشت جماعة الأسينيين حياة شبه رهبانية في مغارات حول قمران، كما عاشت جماعة "الثيرابيوتا" اليهودية في منطقة مريوط بغرب الإسكندرية،وجدت كذلك جماعات رهبانية بين البوذيين والبراهمة وهم تابعون لكونفوشيوس وبوذا، وفي مصر وجد عباد سيرابيس في منف بمصر، كما أن هناك نماذج لرجال في الكتاب المقدس عاشوا هذه الحياة، مثل القديسة مريم وايليا النبي ويوحنا المعمدان، وحنّة النبية وغيرهم ظهرت الرهبنة المسيحية من مصر، ومؤسسها هو القديس أنطونيوس، وإن كنا نقرأ أنه في عهد الإمبراطور أنطونيوس بيوس (۱۳۸-١٦١م) انطلق الأب فرونتونيوس إلى جبل نتريا مع خمسين شابا ليحيوا هناك ولكنهم لم يستمروا، ويقول العلامة "والس" إن تلك الحملة لم تكن إلا واحدة من حملات عديدة لم تسجلها الكتب المعاصرة لها، لأنها كانت تميل إلى الهدوء دون دعاية أول نماذج للرهبنة القبطية كانت فردية مثل القديس بولا السائح، والذي عاش وحيدًا مدة تسعين سنة، ولولا لقائه بالقديس أنطونيوس لما عرفنا عنه شيئًا، الأنبا أنطونيوس ذاته ترهب أولاً بمفرده، وتتلمذ على شيخ قديس يحيا منفردًا مثل كثيرين، قال عنهم لاحقاً عندما سُئل عن مرجعيته الرهبانية: "إن كتبي هي شكل (طقس) الذين سبقوني"، وكان كثيرون قد خرجوا من قراهم ليحيوا على أطرافها. كذلك نقرأ عن بيوت للعذارى وجدت قبل تجمعات الرجال الرهبانية. وهكذا تكونت الرهبنة على مرحلتين، الأولى المتوحدين والنساك الفرادى، والثانية: الشركة والتجمعات الرهبانية.
آباء الرهبنة الأوائل: يُعتبر القديس أنطونيوس هو أب الرهبنة في العالم، حيث أسس أول جماعة رهبانية لها قانون ومرجعية، تلمذ كثيرين ومنهم آباء عظام، مثل القديسين مكاريوس الكبير وباخوميوس وآمون وإيلاريون وسيرابيون وغيرهم، كما يُعتبر القديس باخوميوس مؤسس نظام الشركة، حيث رأى أن يحيا الرهبان في مجموعات، يعملون ويصلون ويقيمون معا للتشجع، بينما انتهج القديس مكاريوس الكبير النظام الذي يجمع بين الوحدة والشركة، ثم ظهر القديس الأنبا شنوده كأب رهبنة وزعيم وطني وواعظ بليغ ورئيس للمتوحدين. شهد القرنان الرابع والخامس أزهى عصور الرهبنة، كثرت الأديرة وازداد عدد الرهبان بشكل مذهل، حتى شهد
بلاديوس بأن أصوات تسبيح الرهبان كانت تسمع متصلة من أسوان إلى الاسكندرية على طول الصحراء الغربية، كما انتشرت مغارات المتوحدين لدرجة أن بعض عدد مغارات المتوحدين كانت تقارب - وتفوق أحيانًا - عدد القلالي داخل الأديرة، مثل الفيوم والتي فاق عدد قلالي الرهبان فيها عدد مساكن الناس. ومن أشهر التجمعات الرهبانية: بسبير (في الصعيد الأوسط)، ونتريا منطقة البحيرة (حاليا)، ومنطقة القلالي (النوبارية)، والأسقيط (وادي النطرون) ومنطقة البهنسا (في الصعيد الأوسط)، ومنطقة ليكوس (بالقرب من أسيوط)، ومنطقة أنتينوس (ملوي) وغيرها كثير هذا وقد اعتبرت الصحراء الأرض المقدسة بعد أورشليم ووفد لزيارتها الكثيرون من مشاهير الكنيسة الشرقية والغربية، مثل باسيليوس هيلاريون، أيرونيموس، وبلاديوس وكاسيان.. وكتبوا الكتب عنها كثيرا.
وكانت الرهبنة أقوى ما كانت عندما كانت قائمة على التفرد، حيث كان للراهب البعد الاختباري مع الله حيث يؤمن له كافة احتياجاته وتعزياته، ذلك قبل أن يصبح للرهبان حصون في القرن السادس، وأسوار منذ القرنين التاسع والعاشر، وأصبحت هناك مخازن للطعام وأبواب ومزاليج وبوابون، وفي وقت لاحق زراعات ومشروعات. وقد حذر الآباء مبكرًا من مثل هذا: أن تقترب المساكن أو الزراعات من الأديرة، وقالوا: إن كل نياح جسداني ممقوت عند الله. والآن يتوق الآباء والأمهات رؤساء الأديرة ومعهم الآباء الرهبان والأمهات الراهبات - بكل قلوبهم - للعودة إلى الطقس الأول للرهبنة، وأن تعود الأديرة إلى الهدوء. ولما كان الرهبان والأديرة من أولى اهتمامات قداسة البابا تواضروس الثاني، كما رأى قداسته بنظرة ثاقبة أن النهوض بالكنيسة يبدأ بالاهتمام بالرهبنة، ومن هنا جاء مؤتمر الرهبنة الذي عُقد بدير القديس الأنبا بيشوي في الفترة من ١٤-١٦ يناير ۲۰۱۳م.

عدد الزيارات 30

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل