يوم الثلاثاء من الأسبوع الرابع (لو ٩ : ٥٧ - ٦٢)

18 مارس 2025
Large image

وَفِيمَا هُمْ سَائِرُونَ فِي الطَّرِيقِ قَالَ لَهُ وَاحِدٌ: «يَا سَيِّدُ، أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي» . قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِلعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْ كَارٌ ، وَأَمَّا ابْنُ الْإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأَسَهُ». وَقَالَ لَآخَرَ : «اتَّبَعْنِي». فَقَالَ: «يَا سَيِّدُ ائْذَنْ لِي أَنْ أَمْضِيَ أَوَّلاً وَأَدْفِنَ أَبِي». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «دَعِ الْمَوْتَى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ، وَأَمَّا أَنْتَ فَاذْهَبْ وَنَادِ بِمَلَكُوتِ اللَّهِ». وَقَالَ آخَرُ أَيْضاً: «أَتْبَعُكَ يَا سَيِّدُ، وَلَكِنِ الْذَنْ لِي أَوَّلاً أَنْ أُوَدِّعَ الَّذِينَ فِي بَيْتِي». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْمِحْرَاتِ وَيَنْظُرُ إِلَى الْوَرَاءِ يَصْلُحُ لِمَلَكُوتِ اللَّهِ ] .
تبعية المسيح
إنجيل هذا القداس هو عن الدعوة لاتباع الرب، هذا الإنجيل يخصنا في الصميم. أعطانا فيه المسيح ٣ أمثلة، تبلورها في البداية لكي تكونوا على وعي بها، وكلها واقعة تحت الخداع الأول شخص واقع تحت خداع المظاهر، الثاني: شخص واقع تحت خداع المجاملات، الثالث: واقع تحت خداع العواطف.
الشخص الأول: «يا سيد أتبعك أينما تمضي». المنظر يبدأ هكذا كانت الرفقة تسير مع يسوع ملتفين حوله في سعادة غامرة، يسألون يسوع وهو يجيبهم بأحاديثه التي لا يمكن أن يجاريها حديث قيل عنها: إنه «ليس كالكتبة والفريسيين»، وإنه « لم يتكلم قط إنسان مثل هذا الإنسان». هذا الكاتب أخذ بالجماعة السائرة التي تتحدث بفرح وسعادة عن ملكوت الله، فكر في نفسه: لماذا لا يتبع ذلك المعلم كفاه قوانين الناموس وتعقيدات التلمود. لم يدر هذا الكاتب أن هذا الفرح والسرور وهذه البهجة ثمرة نباتها مر علقم، نباتها اسمه الضيقة. وبدون الضيقة لا يمكن لإنسان أن يذوق فرح ولا بهجة سماوية انخدع الكاتب بالمظهر الخارجي لأنه وجد أن كلام المسيح شهي، حياة تبدو أنها جميلة جداً، لم يكن يعلم ما وراءها، لم يعمل حساب النفقة طبعاً الذي تغره المظاهر من المستحيل أن يسأل عن الأتعاب التي وراءها. هذا المعلم الذي تريد أن تتبعه أيها الكاتب وراءه صليب يُحمل من دون الصليب لا يمكن أن يكون هو معلم صح، ولا أنت تلميذ صح كان رد المسيح لهذا الشخص، كما لكل إنسان: «للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار، أما ابن الإنسان فليس له أن يسند رأسه». لم يقصد المسيح أن ييس هذا الكاتب، ولكن أن يُوَعيه، فإن كان هو يطلب حقاً الفرح الحقيقي الذي يدوم معه، لابد عليه أن يُفرِّط، لابد أن يترك الأرض التي هو ممسوك بها والمواريث التي تقيده وكل ما يتعلق بالماضي والحنين إليه قال له المسيح: أنا ليس لي مكان أستريح فيه على الأرض، مكان راحتي هو في قلب الآب؛ فإن كنت تراني فقط كإنسان يستطيع أن يعطيك ما تطلبه وما ترتاح له، فأنت مخطئ. أما إن كنت تستطيع أن تبقى كالثعالب وكالطيور، لا يكون لك جحر يأويك وعش ترجع إليه، تكون كطائر سماوي، هنا فقط تقدر تتبعني.المسيح هنا يضع الحد الفاصل بين أهداف مربوطة بالأرض وأهداف مربوطة بالسماء. الله قال لإبراهيم: اخرج من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك. دعاه ليخرج من وطنه الأكبر أي أرضه، ومن وطنه المتوسط أي عشيرته، ثم يخرج من وطنه الأصغر أي بيته. هذه هي الأشياء التي تحجبه عن الله، التي تمنعه من الاستمرار في المسيرة السماوية. قال له اترك كل هؤلاء! أطاع إبراهيم. ولكن كيف استطاع إبراهيم أن يطيع، على أي أساس، ونحن نقول إنَّ الغريزة تتملك في الإنسان مثل هذا التملك؟!
اسمع أعجب ما في الإنسان إنه يحوز غريزة أقوى، غريزة الخلود، غريزة الحياة الأبدية. هذه الغريزة هي الأفضل وهي الأقوى، إذا صحيت في الإنسان تخمد الغريزة الجسدية، لا يعود لها وجود. لذلك سمع إبراهيم الصوت وأطاع، لأن صوت الله أحيا فيه الحنين إلى ما فوق.
الشخص الثاني هنا الرب هو الذي يدعو : وقال لآخر اتبعني. فقال يا سيد الذن أولاً أن أمضي وأدفن أبي كلمة: أولاً، أتعبت المسيح جداً، المسيح لا يلقي الدعوة جزافاً، إنه يدعو إنساناً وجده مستحقاً وجديراً بالدعوة، إلا أنه أحس بأن هناك ربط تكبله بالأرض ولا تجعله قط قادراً أو مهياً لملكوت الله فانتهز له فرصة أو بالحري مأزق ومحك شديد، دعاه لحظة وفاة أبيه وهو ما يزال بعد في البيت لم يُدفن. هذا الإنسان كان . مربوطاً بالأصول والواجبات، دعاه المسيح وهو في أحرج المواقف، ولكن كان قصد المسيح أن يحرره إلى الأبد من ربط المجاملات التي كانت كفيلة بأن تطمس معالم الحياة الأبدية من قلبه إلى الأبد. هذا الموقف نجح فيه أنطونيوس، ترك أباه، وانطلق.
الشخص الثالث: أتبعك يا سيد، ولكن ائذن لي أولاً أن أودع أهل بيتي».
هذا هو الشخص المربوط بالعواطف والمجاملات، المسيح استطاع أن يفكه منها. في الحقيقة إن الذي يحب أهل بيته أكثر من الله إنما هو يهين الله، والذي يحب العالم يكون عدواً لله . «محبة العالم عداوة لله». لذلك حقاً قال المسيح: «أعداء الإنسان أهل بيته».
قصة بنت يفتاح في العهد القديم، التي أمر أبوها بتقديمها ذبيحة، فقالت له: أعطني مهلة 3 شهور أبكي فيها عذراويتي، ثم اذبحني بعدها. وكأني بهذا الرجل يريد أن يبكي عذراويته يبكي موته. يذهب إلى الحياة ليبكي موته! هنا معكوسة. المسيح لا يدعو إلى الموت، إنه يدعو إلى الحياة. هل الشخص المدعو للحياة يذهب ليودع الموت والموتى!!
مشورة الجسد مسمومة هذا الشخص يريد أن يعود للجسد ليتلقى قبلة الأم، فتكون سهماً في قلبه لا يعرف أن يتخلص منه للأبد. كان رد المسيحعليه أشد الردود جميعاً، وأكثرها قطعاً ومنعاً: «ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله». المحراث هو الإنجيل، والذي يحرث لابد عليه أن ينظر لفوق حتى تخرج الخطوط مستقيمة. أن ننظر للوراء معناه أن المحراث سوف يفلت منا، معناه حرث معوج، معناه إهانة لله الله وضع للإنسان بعدين: بعد للأمام للملكوت، وبعد خلفي للبيت ولأهل البيت. فإذا سرت صح من أول خطوة في الطريق؛ ستأخذ قوة للترك وللاندفاع إلى الأمام، وتكون مثل بولس: «أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام». يا تيموثاوس: امسك بالحياة الأبدية التي إليها دعيت».
المتنيح القمص متى المسكين

عدد الزيارات 56

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل