
فَدَخَلَ يَسُوعُ أَورُشَلِيمَ وَالْهَيْكَلَ، وَلَمَّا نَظرَ حَوْلَهُ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ إِذ كَانَ الوَقتُ قَدْ أَمْسَى، خَرَجَ إِلى بَيْتِ عَنْيَا مَعَ الاثني عَشَرَ وَفِي الْعَدِ لَمَّا خَرَجُوا مِنْ بَيْتِ عَنْهَا جَاءَ، فنظر شَجَرَة تين مِنْ بَعِيدٍ عَلَيْهَا وَرَقٌ، وَجَاءَ لَعَلَّهُ يَجِدُ فِيهَا شَيْئًا. فلمَّا جَاءَ إِلَيْهَا لَمْ يَجِدْ شَيْئًا إِلَّا وَرَقا، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقتَ التّين ، فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهَا: «لا يَأْكُلْ أَحَدٌ مِنْكِ ثَمَرًا بَعْدُ إلى الأبد!». وَكَانَ تَلَامِيدُهُ يَسْمَعُون. وَجَاءُوا إِلى أُورُشَلِيمَ. وَلَمَّا دَخَلَ يَسُوعُ الهَيْكَل ابتدأ يُخْرِجُ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِي الْهَيْكَلِ، وَقَلَبَ مَوَائِدَ الصَّيَارِفةِ وَكَرَاسِي بَاعَةِ الْحَمَامِ. " وَلَمْ يَدَعْ أَحَدًا يَجْتَارُ الهَيْكَلَ بِمَتَاعٍ. وَكَانَ يُعَلِّمُ قَائِلاً لَهُمْ: «أَلَيْسَ مَكْتُوبًا: بَيْتِي بَيْتَ صَلَاةٍ يُدْعَى لِجَمِيع الأمم؟ وَأنتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغارة لصوص». وَسَمِعَ الْكَتَبَة وَرُؤَسَاءُ الكَهَنَةِ فطلبوا كَيْفَ يُهْلِكُونَهُ، لأَنَّهُمْ خَافُوهُ، إِذْ بُهِتَ الْجَمْعُ كُلُّهُ من تعليمه. وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ، خَرَجَ إلى خارج المَدِينَةِ.
لعن شجرة التين
قصة في ظاهرها يبدو المسيح بشراً عادياً يجوع في ميعاد الأكل. ولكن في باطنها كالعادة مستور سر حياته وخدمته ورسالته كلها. فبعد هذه المدة كلها في الكرازة والخدمة اشتهى أن يأكل من ثمر التينة التي هي دائماً رمز لإسرائيل، فما وجد ثمراً يؤكل بل ورقا أخضر كناية عن مظاهر وأعمال بلا فائدة فقال لها لا يأكل من ثمرك أحد إلى الأبد، فكان. ثم عاد حينما جلس معهم فكشف عن سر التينة أن في آخر الأيام تزهر وتثمر من جديد كأنه جاء أوان إثمارها بعد اللعن: «فمن شجرة التين تعلموا المثل، متى صار غصنها رخصاً وأخرجت أوراقها تعلمون أن الصيف (وقت الحصاد) قريب. هكذا أنتم أيضاً متى رأيتم هذا كله فاعلموا أنه قريب على الأبواب».
في الحقيقة إن موضوع شجرة التين يحتل جزءاً هاماً في هذه الأيام الأخيرة، وخاصة بعد أن بكى المسيح أورشليم ورثاها وتنبأ بخرابها .
كل معجزات المسيح السابقة كانت بدافع المحبة وذات ثمر للمحبة واضح. فلماذا - إذن - هذه المعجزة وكأنها تأديبية لخليقة لا تحس ولا تشعر ؟ وبلا ذنب اقترف. فهي بهذا تختلف كثيراً جداً عن باقي أعمال المسيح الأخرى، لأنه لم يأت ليهدم بل ليكمل ويشفي ويحيي!
ولكن واضح أن في هذا العمل كله نوعاً من الرمزية عنيفاً ومستتراً. ولهذا العمل علاقة جدّ شديدة وخطيرة بالموقف القائم بعد خدمة المسيح الطويلة وقد بلغت النهاية فعلاً، ببكائه على أورشليم وتنبئه بخرابها . أليس في هذا العمل تعبير عن مظهر الأمة اليهودية التي تبدو كشجرة التين الخضراء الجميلة من الخارج، وهي من الداخل عفنة شبه ميتة غير مثمرة البتة ! عَمِلَ فيها صاحب الكرم المستحيل لثلاث تعطيل لأرض السلام وتزييف لأشجار الله وإحباط لعمل المسيح الذي عمل ؟ لقد عُرفت شجرة التين بين الأشجار الطيبة أنها تكني عن الأمة اليهودية، وهذه الأمة اليهودية رفعت يدها على بعلها وجابلها تتوهم أن بقتله تستقل عن خالقها، فحكمت على نفسها بالهلاك لتخرج من دائرة ملكه قبل أن يُنصب هو ملكاً على الصليب.وهكذا كان لابد، وقبل أن تمد يدها بخلع «غصن يسى من أرض ميراثه، أن تتقبل اللعنة إلى الأبد. وما صنع المسيح بأكثر مما صنعت الأمة اليهودية في نفسها، فهي بواقعها الداخلي الذي تعفن وذبل واستقال من مجرى حياة مصيرها الموضوع تركت إلهها مصدر الوجود والحياة، فحكمت على نفسها - قبل أن تحكم على المسيح - بالفناء الوشيك. فالمسيح بلعن شجرة التين لم يزد عن مجرد إعلان وفاة قبل الحدث. ولم يشرح المسيح لتلاميذه معنى موت التينة، لأنه شرحه لما بكى على أورشليم. لقد رثاها بدموعه قبل أن يأمر بجفافها. وهناك هناك في بداية خدمته رأى هذه التينة عينها وتكلم عن قطعها: «كان لواحد شجرة تين مغروسة في كرمه - ولم يكن هذا الواحد إلا الواحد الوحيد -- فأتى يطلب فيها ثمراً ولم يجد. فقال للكرام: هوذا ثلاث سنين آتي أطلب ثمراً في هذه التينة ولم أجد اقطعها. لماذا تبطل الأرض أيضاً؟». فبناءً على توسل الكرام أبقاها سنة أخرى، فلما جاء ميعاد التين ولم يجسد فيها ثمراً قطعها! «يا سيد اتركها هذه السنة أيضاً، حتى ألقب حولها وأضع زبلاً. فإن صنعت ثمراً، وإلا ففيما بعد تقطعها»! وهكذا لم يصنع المسيح إلا ما صنعه الكرام، ففك لغز المثل.
المتنيح القمص متى المسكين