
( يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ يَا قَاتِلَة الأَنْبِيَاءِ وَرَاجمَة الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أنْ أجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحتَ جَنَاحَيْهَا ، وَلَمْ تُريدُوا ! هُوَذا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ لا تَرَوْنَني مِنَ الآنَ حَتَّى تَقُولُوا مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ!. ثمَّ خَرَجَ يَسُوعُ وَمَضَى مِنَ الْهَيْكَل، فتَقدَّمَ تَلاَمِيدُهُ لِكَيْ يُرُوهُ أَبْنِيَةُ الْهَيْكَل. فقالَ لَهُمْ يَسُوعُ أمَا تَنْظُرُونَ جَمِيعَ هَذِهِ؟ الحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لَا يُتْرَكُ ههنا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لَا يُنْقِضُ !).
يا أورشليم يا أورشليم
حينما كرر المسيح القول: «يا أورشليم يا أورشليم» وأردف مباشرة بتصوير الدجاجة وهي تجمع أفراخها تحت جناحيها، يكون المسيح قد كشف عن مكامن أعماق الحب الإلهي بالنسبة لشعبه وحينما ناداها بخطيتها وبسفك دم الأنبياء ورجم المرسلين يكون قد كشف عن خطية الشعب وحينما سجل عليها عدد المرات التي طلب فيها أن يجمع أولادها فرفضت سجل عليها دينونتها العاجلة وحينما أفصح عن ذهابه وغيابه ثم عودته المباركة باسم الرب يكون قد أعطى الوعد بالمجيء الثاني حينما يكرر المسيح اسم أورشليم يذكرنا في الحال بـ «مرثا مرثا» و «شاول شاول» ويهوه في القديم إبراهيم إبراهيم بهذه النغمة الحبية التي تعبر عن القرب والانتماء لله، وبآن واحد تحمل هنا رئة حزن أسيف على فرصة انقضت كانت تتيح لأورشليم أعظم الفرص للمجد لتكون أم الدنيا وباباً أبدياً للملكوت. ولكن لم تكن تلك المرة الأولى بل الأخيرة، لأن يهوه في القديم أحبها وتودد إليها، ولكنها كانت دائماً أبداً تخون الأمانة والمودة، وكان تعبير المسيح لها بقاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين سيرة ممتدة حملتها أورشليم على مدى التاريخ، وقد اختصت دون كافة المدائن بالنصيب الأوفر في سفك دماء الأنبياء حتى قالها المسيح: «لأنه لا يمكن أن يهلك نبي خارج أورشليم، هذه شهادة دموية وضعها المسيح على جبين التاريخ لأورشليم والمسيح بقوله: «كم مرة أردت أن أجمع أولادك» فهو إنما يتكلم أيضاً بفم یهوه: « بسطت يدي طول النهار إلى شعب متمرد» (إش ٦٥: ٢ ، رو ١٠: ٢١).والمسيح في هذا القول يحكي عن خبرته هو ، لأن قوله: كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها يعني تماماً أنه كان جادا في حمايتها من أعدائها ومن الرومان أيضاً، بأن يبث فيها روح السلام والوداعة والمحبة لتصبح هي مسئولة عن سلامة روما والعالم كله. فهي إن كانت وقعت فريسة الأسد الروماني الذي عراها من مجدها وخربها وتركها خاوية تنعي تاريخ مجدها، فلأنها قدمت لروما أسوأ صورة لأمة تعاهدت مع الشيطان للقتل والمقاومة بشراسة فبعد أن قتلت رئيس السلام ماذا يتبقى لها إلا الحديد والنار. رفضت السلام بيد الله فشربت كأس النقمة حتى النهاية ثلاث سنوات وأكثر وهو يتودد لها ليسقيها كأس المصالحة مع الله ويرفع رأسها وسط الشعوب لتصبح مدينة السلام بالحق كاسمها، ولكنها عوض أن تقبل من يده خلاصاً؛ سفكت دمه على الأرض ظلماً وهواناً.
المتنيح القمص متى المسكين