
وَكَانَ الْوَالِي مُعْتَادًا فِي العِيدِ أنْ يُطلِقَ لِلجَمْعِ أَسِيرًا وَاحِدًا، مَنْ أَرَادُوهُ وَكَانَ لَهُمْ حِينَئِذٍ أَسِيرٌ مَشْهُورٌ يُسَمَّى بَارَابَاسِ. " فَفِيمَا هُمْ مُجْتَمِعُونَ قَالَ لَهُمْ بيلاطس: «مَنْ تُرِيدُونَ أنْ أَطْلِقَ لَكُمْ؟ بَارَابَاسَ أَمْ يَسُوعَ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ ؟» لأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُمْ أَسْلَمُوهُ حَسَدًا. " وَإِذْ كَانَ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيِّ الولايَةِ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ امْرَأَتُهُ قائلة: «إِيَّاكَ وَذَلِكَ الْبَار لأني تَأَلَّمْتُ الْيَوْمَ كَثِيرًا فِي حُلم مِنْ أَجْلِهِ». وَلَكِنَّ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ وَالشَّيُوحَ حَرَّضُوا الجُمُوعَ عَلَى أَنْ يَطْلَبُوا بَارَابَاسَ وَيُهْلِكُوا يَسُوعَ.فأَجَابَ الْوَالِي وَقَالَ لَهُمْ: مَنْ مِنْ الاثنين تُريدُونَ أَنْ أُطلِقَ لَكُمْ؟» فقالوا: «بَاراباس!». " قالَ لَهُمْ بيلاطس: «فَمَادًا أَفْعَلُ بِيَسُوعَ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ ؟» قَالَ لَهُ الْجَمِيعُ: «لِيُصْلب!» فقالَ الْوَالِي: «وَأَيُّ شَرِّ عَمِلَ؟» فَكَانُوا يَزْدَادُونَ صُرَاخا قَائِلِينَ: «لِيُصْلِبْ!» فلما رأى بيلاطس أنَّهُ لَا يَنْفَعُ شَيْئًا، بَلْ بِالْحَرِيِّ يَحْدُثُ شَعْبٌ، أَخذ مَاءً وَغَسَلَ يَدَيْهِ قَدَّامَ الْجَمْعِ قَائِلاً: «إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ دَم هذا الْبَارِ أَبْصِرُوا أَنْتُمْ!». فَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْبِ وَقَالُوا: دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلادِنَا». حِينَئِذٍ أَطلَقَ لَهُمْ بَارَابَاسَ، وَأَمَّا يَسُوعُ فَجَلَدَهُ وَأَسْلَمَهُ لِيُصْلِبَ.
أما يسوع فجلدوه وأسلموه ليصلب
طوبى للحزائي لأنهم يتعزّون، طوبى للمصلوبين لأنهم يتجلون، طوبى للمنسحقين لأنهم يملكون، طوبى للجياع لأنهم يشبعون، حيث تُنسى هناك كل أوجاعهم وتمسح دموعهم وينمو موضعها نور يشير إلى الأهوال التي اجتازوها وإلى سر المجد المتحصل منها، ويشرح عظم صبر الإنسان وقوة مراحم الله، حيث تبدو النسبة بين مقدار الألم ومقدار المجد المتحصل منه نسبة هائلة وغير معقولة، فيكتشف الإنسان أن الآلام كانت فخاً مقدساً نصبه الله ليصطاده إلى مجده. فاحتمال الألم أقوى من العبادة ويقول أحد القديسين أنه رأى في رؤيا جماعة الشهداء في مجد يفوق مجد الملائكة الذين كانوا معهم، ورأى حول أعناق الذين ماتوا منهم ذبحاً بالسيف زهوراً حمراء كعقد موضع الذبح تضئ وتتلألأ أشدّ لمعاناً من كل نور آخر ظهر في الرؤيا!
إن سرّ الصليب بالنسبة للمسيح هو سر مجده فالألم الساحق الذي عاناه الرب تحت وطأة التمزيق النفسي بسبب الظلم أثناء المحاكمة، وخيانة التلاميذ وتسليم يهوذا، وإحساسه أن حياته ثمنوها بثلاثين من الفضة ... هذه كلها كانت معبراً من عالم التفاهة المتناهية إلى مجد الآب. وعلى هذا المعبر عينه يلزم أن تمر أقدام الإنسان في كل زمان ومكان الصليب بآلامه الرهيبة لا يُمكن أن يساوى المجد الذي تحصل منه. الصليب لم يصادف الرب في طريق حياته، ولكنه ولد له "لهذه الساعة أنا أتيت" الإنسان يُولد للألم، والألم مولود للإنسان. ولكن في نفس الوقت، الصليب لم يكن إلزاماً حتمياً على الرب، كما نشعر من كلامه، وكما نتأكد من جهة قداسته ولاهوته، ولكن هو نفسه جعله إلزاماً حتمياً على نفسه الكأس التي أعطاني الآب ألا أشربها؟ لكي يشاركنا في حتمية الألم، فبدا الله في شخص المسيح ابنه أنه يتألم اضطراراً، حتى يجعل اضطرار الألم مساوياً لاختياره، حتى لا يُحرم أي إنسان في الوجود من رحمة الله، ويمتد الصليب ليشمل كل من تألم ظلماً إن الألم عشرة كبرى لعقل الإنسان، فالعقل لا يُجيز الألم كواسطة لأي خير، وما جهاد الإنسان في ميادين العلوم المختلفة ليس إلا محاولة لتجنب الألم والتعب لذلك فحتمية الألم لدى العقل أمر عسير وشاق جداً، بل ومحال قبولها، لأن الرضى بالألم هو بعينه إلغاء العقل وكل نشاطه فلو أدركنا أن الصليب هو أعظم مظاهر تحرك الله على الصعيد العياني المنظور الذي فيه تجلى الله للإنسان أكثر من تجليه على جبل تابور، حيث الصليب هو الألم في صورته التعسفية الظالمة؛ حينئذ علينا أن نحس أن الصليب هو الدابة التي ركبها الله القدير وانحدر عليها من مكان سكناه هناك من موطن احتجابه الأزلي، وجاء إلينا وصافحنا يداً بيد الصليب هو قوة ديناميكية الله الفائقة التي أحدرت الله إلينا واستعلنته واضحاً. الألم هو بصورته المادية جمود والحصار وتوقف، ولكن بجوهره الروحي تحرك وأي تحرك !
الإنسان يظل متوقفاً روحياً، وعاطلاً عن المسير، راجعاً مع المسيح إلى الله إلى أن يحمل صليبه الإنسان يستحيل أن يتحرك نحو الله عقلياً، فالعقل مهما بلغ بالتأمل، إنما يكتشف الله وحسب، ويكتشف نوره وحبه ويسعد ويرتد؛ ولكن التحرك الحقيقي کائن بالمسيح، فهو ابن الله الآتي إلينا على الصليب، وعلى الصليب نتبعه إلى الآب.
المتنيح القمص متى المسكين