المسيح في سفر التكوين - السيد المسيح في حياة أبينا إبراهيم

22 أكتوبر 2019
Large image

قال السيد المسيح "أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي، فرأى وفرح" (يو8: 56). وهذا الإعلان قد أثار حفيظة اليهود وقالوا له "ليس لك خمسون سنة بعد، أفرأيت إبراهيم؟" (يو8: 57) ورد السيد المسيح: "قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن" (يو8: 58) نعم – ياربي يسوع بالحق نعلم أنك كائن قبل الأدهار، وقبل آدم وإبراهيم، وقبل الملائكة والخليقة كلها، لأنك أنت الخالق والأزلي، والكائن فوق الأزمان لكن دعني يا سيدي القدوس أفهم كيف ومتى وأين رآك أبونا إبراهيم؟
لقد فتح لنا السيد المسيح – بهذه المعلومة – الباب على مصراعيه، لنكتشف معاني مسيانية في حياة أبينا إبراهيم وبل وأيضًا في كل الكتاب عندما دعا الله أبرام أن يخرج من أرضه وعشيرته وبيت أبيه كان يُعده ليأتي المسيح من نسله فأراد الله أن يُبعده عن الجو الوثني، والارتباط الأسري الرديء. وكان الوعد الملازم لهذه الدعوة "فأجعلك أمة عظيمة وأُباركك وأُعظم اسمك، وتكون بركة وأُبارك مُباركيك، ولاعنك ألعنه. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض" (تك12: 2، 3) البركة هنا هي مجيء السيد المسيح من نسله، وعندما خرج إبراهيم مُطيعًا لصوت الله.. كان هناك شيئان يُميزان حياته وسيرته: الخيمة والمذبح.
الخيمة: هي رمز لتجسد الله، وسكناه في بيت خيمتنا الأرضي أي الجسد.
والمذبح يرمز لذبيحة المسيح، وسفك دمه الطاهر على الصليب عن خلاص جنسنا.
وعند دعوة أبينا إبراهيم من كسرة كدرلعومر والملوك الذين معه، استقبله ملكي صادق كاهن الله العلي وباركه (تك14: 17-20). وملكي صادق هذا هو إنسان، وشخصية حقيقية تاريخية، ولكنه أيضًا يرمز للسيد المسيح في أوجه كثيرة.. كما شرح مُعلِّمنا بولس الرسول: "هو مُشبَّه بابن الله" (عب7: 3).
اسمه (ملكي صادق) أي ملك البر، والمسيح هو ملك البر الحقيقي.
وظيفته (ملك ساليم) أي ملك السلام، والمسيح هو ملك السلام الحقيقي.
كاهن الله العلي، والسيد المسيح بتجسده صار كاهنًا، بل ورئيس الكهنة الأعظم، ولذلك قدّم له المجوس ضمن هداياهم اللبان (البخور).. فهو الكاهن الذي أصعد ذاته ذبيحة مقبولة على الصليب عن خلاص جنسنا.. وهو في نفس الوقت الإله الذي يقبل الذبيحة، فهو الذبيحة والكاهن والإله معًا.
بارك ملكي صادق إبراهيم، وأعطاه إبراهيم عُشرًا من كل شيء.. علامة على أن كهنوت ملكي صادق أسمى وأعظم من كهنوت لاوي الذي "كان بعد في صُلب أبيه حين استقبله ملكي صادق" (عب7: 10). وكهنوت ملكي صادق هو نفس نظام كهنوت السيد المسيح "أقسم الرب ولن يندم، أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق" (عب7: 21، مز110: 4).
ما قدمه ملكي صادق كان تقدمة (خبز وخمر) (تك14: 18)، وهي رمز لذبيحة الإفخارستيا.. التي قدم فيها السيد المسيح جسده ودمه الحقيقيين.. في صورة خبز وخمر (لذلك فكهنوت المسيح على طقس ملكي صادق بحسب النبوة وبحسب التحقيق)، وكهنوت العهد الجديد قائم على الخبز والخمر وليس على الذبائح الدموية، لأنه على نظام ملكي صادق وليس كنظام هارون.
"بلا أب، بلا أم، بلا نسب" (عب7: 3) من جهة الكهنوت.. أي أنه لم ينل الكهنوت بسبب وراثي كما في نظام كهنوت هارون من سبط لاوي.. كذلك جاء المسيح كاهنًا.. دون أن يكون له أب كاهن، أو أم من سبط الكهنوت، أو أي نسب إلى سبط لاوي. وكذلك أيضًا الكهنوت المسيحي لا يكون بالوراثة بل بالاختيار.
"لا بداءة أيام له ولا نهاية حياة" (عب7: 3) أي لم يُعرف بداية تاريخه أو نهاية حياته في سفر التكوين، بل كان شخصية غامضة، ظهرت فجأة في قصة إبراهيم، واختفى تمامًا، ولم يُذكر عنه شيء بعد ذلك إلا في النبوة بالمزمور (110: 4)، وكذلك السيد المسيح بالحقيقة.. ليس له بداءة أيام، إذ هو أزلي، ولا نهاية حياة إذ هو أبدي فملكي صادق هو شخص حقيقي، ولكنه أيضًا هو رمز للسيد المسيح.
"وظهر له الرب عند بلوطات ممرا وهو جالس في باب الخيمة وقت حر النهار" (تك18: 1).
ظهور الرب لإبراهيم كان سبق إشارة واضحة لإمكانية تجسد الله وحلوله بين البشر، ومشيه بين الناس، وحتى أكله معهم، كمثلما فعل مع إبراهيم غسل إبراهيم أرجل ضيوفه، وأجلسهم حتى الشجرة "ليؤخذ قليل ماء واغسلوا أرجلكم واتكئوا تحت الشجرة" (تك18: 4).. وهنا نتذكر غسل المسيح لأرجل تلاميذه، أما الشجرة فهي رمز للصليب المجيد، وجلوسهم تحتها إشارة إلى التمتع بفداء المسيح، وصليبه المقدس.
والوليمة التي عملها أبونا إبراهيم لضيوفه (الذين هم ابن الله واثنان ملائكة).. هي إشارة إلى تجسد الله، واشتراكه مع البشر في حياتهم اليومية، ومباركته للأكل والشرب والحياة.
قصة ذبح اسحق هي إشارة واضحة جدًا لصليب المسيح، وقد تغنت الكنيسة بها على مر الأجيال، خصوصًا في القسمة المستخدمة بقداس خميس العهد اسحق هو الابن الوحيد الحبيب لإبراهيم، وكذلك السيد المسيح هو الابن الوحيد الحبيب لله الآب طلب الله أن يُقدم اسحق محرقة على أحد الجبال بأرض المُريّا، والسيد المسيح أُصعد ذبيحة محرقة على الصليب على جبل الجلجثة حمل اسحق حطب المحرقة.. كما حمل السيد المسيح خشبة الصليب سؤال اسحق لأبيه إبراهيم "هوذا النار والحطب، ولكن أين الخروف للمحرقة؟" (تك22: 7).. تشابه صلاة السيد المسيح في بستان جثسيماني "قائلاً: "يا أبتاه، إن شئت أن تجيز عني هذه الكأس. ولكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك" (لو22: 42).
الكبش الذي قُدّم بدلاً عن اسحق يرمز إلى المسيح الذي مات نيابة عن كل البشر خاصة وأن الكبش كان ممسكًا في الغابة (رمز الصليب) بقرنيه.
موت الكبش يرمز إلى موت المسيح بالجسد، ونجاة اسحق ترمز إلى قيامة السيد المسيح، خاصة وقد تم ذلك بعد ثلاثة أيام أيضًا "وفي اليوم الثالث" (تك22: 4).
الكبش يرمز لناسوت المسيح الذي مات بالصليب، واسحق يرمز للاهوت المسيح الذي لا يموت بل هو حي إلى أبد الآبدين.
"فدعا إبراهيم اسم ذلك الموضع يهوه يرأه. حتى إنه يقال اليوم: في جبل الرب يُرى" (تك22: 14).. لأنه رأى الرب وصليبه هناك. هذا اليوم هو الذي قال عنه السيد المسيح "أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح" (يو8: 56) إن أبانا إبراهيم لم يرَ الكبش فقط، ولم يرَ نجاة ابنه الوحيد الحبيب من الموت فقط.. ولكنه رأى ما هو أبعد من هذا، لقد رأى الابن الوحيد الكلمة مصلوبًا عنا وقائمًا بنا"الذي أُسلم من أجل خطايانا وأُقيم لأجل تبريرنا" (رو4: 25).
نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة

عدد الزيارات 1929

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل