مفهوم الراحة والتعب

23 أكتوبر 2019
Large image

أنواع من الراحة
موضوع الراحة ورد فى أول الكتاب المقدس ، فى قصة الخليقة ، حيث قيل ( وبارك الله اليوم السابع وقدسه ، لأنه فيه استراح من جميع عمله الذى عمل الله خالقا ) ( تك 2 : 12 ) إنها الراحة الخاصة بإتمام العمل أو إكمال العمل إن كل شخص يكمل عمله ، يشعر براحة والرب الإله استراح فى اليوم السابع من عمله خالقا واستراح فى يوم الأحد يوم القيامة ، لإتمامه عمله فى الخلاص ، وفى تخليص الناس من الخطية والموت وتوجد راحة أخرى ينتظرها العالم ، وهى الراحة الأبدية هذه التى سوف لا يكون بعدها تعب ولا مرض ولا شقاء إلى الأبد وكل الأسباب التى كانت تدعو إلى التعب تزول أيضا وهناك راحة أخرى تسبقها ، وهى راحة الإنسان بعد الموت حيث يستريح الإنسان من تعب هذا العالم ويستريح من شغب الجسد وثقله ومن الجو الشرير الموجود فى البيئة والمجتمع 0 وكما يقول الكتاب (لكى يستريحوا من أتعابهم ، وأعمالهم تتبعهم ) ( رؤ 14 : 13 ) لذلك عندما يموت إنسان ، نقول إنه تنيح ، أى استراح 0
هناك أنواع أخرى من الراحة ، أثناء حياتنا على الأرض فالتعب بلا شك له أنواع ، والراحة لها أنواع فهناك راحة للجسد ، وراحة للفكر ، وراحة للنفس ، وراحة للقلب وللشعور 0 وأيضا هناك راحة الضمير 0 وتوجد راحة نفسية ، وراحة روحية 0 ونود أن نتكلم عن كل هذه بالتفصيل 0 ولنبدأ براحة الجسد 0
راحة الجسد:-
إن الله نفسه أراد للجسد أن يستريح هو الذى خلق الجسد ، ويعرف أن طبيعته تحتاج إلى راحة لذلك منحه اليوم السابع من الأسبوع لكى يستريح فيه عملا من الأعمال لا يعمل فيه وقال عن راحة السبت ( السبت إنما جعل لأجل الإنسان ، وليس الإنسان لأجل السبت ) ( مر 2 : 27 ) وكذلك مواسم الرب وأعياده ، قال عنها ( عملا ما تعملوا ) ( لا 23 : 3 ، 7 ) إذن لابد أن نعطى الجسد ما يحتاج إليه من راحة راحة الجسد ليست خطية ، إنما هى وصية إلهية بحيث يتصرف الإنسان بعقل 0 لا يرهق الجسد بحيث يتعب فوق الطاقة 0 ولا يريحه أزيد مما يحتاج بحيث يصل إلى الكسل أو الخمول 0
أتذكر أن أحد أساتذة الطب فى لندن قال لى ( أنا لا أستطيع أن أمنعك عن ال Hard Workفطبيعة مسئوليتك تستدعى ذلك 0 ولكنى أمنعك عن ال Over Work ويقصد بهذا أن العمل الذى يعمله الإنسان بعد أن يصل إلى الإرهاق فيجب حينئذ أن يقف ولا يستمر 0 وإن استمر بعد الإرهاق أو الإعياء ، يكون هذا Over Work 0 كما قال لى أيضا البروفسور إن العمل الذى تعمله بفرح ورضى ، لا يؤذى قلبك 0 أما العمل الذى تعمله وأنت متضايق ومتبرم ، فهو الذى يتعب صحتك 0 فالعمل بلذة لا يرهق إذن هناك علاقة بين راحة النفس وراحة الجسد لو كانت النفس مستريحة ، تستطيع أن تحمل الجسد 0 ولو تعبت النفس ، لا يحتمل الجسد أقل مجهود 0 وفى راحة الجسد ، يقول بعض العلماء ، لا تترك الجسد يعمل مدة طويلة بلا راحة ، إنما وسط العمل الطويل أعطه فترات راحة ولو دقائق 0 وهذه يسمونها بالإنجليزية Break أى تكسر حدة العمل الطويل ، بشئ من الراحة الجسد أيضا يتعبه المرض ، ويجعله فى حالة عدم احتمال وكثيرا ما يكون المريض فى حاجة إلى راحة كاملة 0 يتعبه الكلام إذا هو تحدث ويتعبه الإصغاء إلى كلام كثير 0 ويتعبه الصوت ، والحركة 0 ويتعبه التفكير ، والإلحاح من غيره لذلك فإن غالبية المستشفيات تمنع زيارة المرضى إلا فى مواعيد محدودة 0 فلا تظنوا أنكم تريحون المريض زيارته أو كثرة الحديث معه !!
وراحة الجسد غير الكسل الكسل معناه أن الإنسان لديه قدرة على العمل ، ولا يرغب فى ذلك 0 والكسل له نتائج كثيرة سيئة ، سواء فى عدم قيام الشخص بمسئولياته 0 أو من الناحية الصحية قد يصل إلى الوخم أو البلادة 0 ويفقد الجسد نشاطه الطبيعى الذى يلزمه 0 كما يؤدى به هذا إلى السمنة والترهل والمعروف أن الجو الحار المشبع بالرطوبة يساعد على الكسل ، بينما الجو البارد يساعد على النشاط والحركة 0 والحركة تولد فيه حرارة ولذلك فإن الذين يحالون إلى المعاش ، ويقضون بقية حياتهم فى المقهى أو البيت أو النادى ، يصيبهم الخمول 0 بينما الذين يستمرون فى العمل والنشاط ، تقوى صحتهم وبالمثل السيدات اللائى يعملن ويتحركن ، غير اللائى يجلسن فى البيت بلا عمل ويتارهلن ونحن لا نقصد براحة الجسد ، راحة مطلقة فالجسد قد يكون فى عمق النوم ، ومع ذلك يكون قلبه يعمل فى انتظام ، كذلك جهازه التفسى ، وكذلك المخ ، وباقى أجهزة الجسد المتعددة 0 كلها تعمل أثناء نومه ، وأثناء راحته 0 وتعمل بكل ٍانتظام ، ولكن فى هدوء ، وبغير إرهاق 0 فتعب القلب هو فى إرهاقه ، وليس فى توقفه عن العمل وكذلك المخ لذلك ليست الراحة معناها عدم العمل إطلاقا 0 ربما معناها أحيانا تغيير نوع العمل 0 وكما يسمون الراحة بالفرنسية Recreation ( أى خلق آخر ) فينتقل العقل من صنع فكر إلى صنع آخر لأنه مما يرهق العقل التركيز على فكر واحد فإن تعب الإنسان من هذا التركيز ، ينتقل إلى فكر آخر 0 والعقل دائم التفكير 0 ولكنه قد يتعب من التفكير العميق إذا استمر فى موضوع واحد مدة طويلة 0 فيحتاج أن يترك هذا الموضوع إلى حين ثم يعود إليه بعد أن يجدد نشاطه وأحيانا ترتبط الراحة مع التعب ( بتعقل ) .
فالإنسان ليستكمل صحته ، قد يحتاج إلى تداريب رياضية ، يحرك فيها جسده 0 والعض قد يلجأ إلى المشى أو الجرى 0 وقد يتعب ويحتمل التعب لفائدته الصحية 0 ونقول التعب وليس الإرهاق 0 وهذا ما يحدث أيضا فى تمرينات العلاج الطبيعى 0
التعب بين النفس والروح:-
هناك مريض إن قيل له إن حالته خطيرة ، قد تتعب نفسه ، ولكنه يستعد لأبديته فتستريح روحه 0 بينما لو خدعوه وصورا له الأمر بسيطا لراحة نفسه وشغلوه بمسليات عالمية ، لا يهتم بروحه وأبديته ، ويهلك !مثال آخر هو مجاملة إنسان خاطئ بأنه على حق فى تصرفه ، تريح بهذا نفسه وتهلك روحه ، فلا يلوم نفسه ولا يتوب 0 وبنفس الوضع النفاق فى معاملة الرؤساء وأيضا تدليل الأطفال 0 وهنا نضع قاعدة روحية هامة إن لم تستطع تبكيت الخطية ، فلا تبررها فإنك بتبريرك تصرفات المخطئين ، تشترك معهم فى المسئولية إيزابل ساعدت آخاب فى ظلم نابوت اليزرعيلى وأخذ حقله 0 فأراحت زوجها نفسيا ، ولكنها اتعبته روحيا ، واشتركت معه فى العقوبة ( 1مل 21 )
إن من يكذب ليخرج من مأزق ، يريح نفسه ويتعب روحه وبالمثل من يلجأ إلى خدعة توصله إلى غرضه كذلك من لا يحاسب نفسه ويلومها على خطاياها بل ويعاقبها أيضا ، هذا يريح نفسه ، ولكنه يهلك روحه وأسوأ من هذا الذى يحاول أن يبرر نفسه ليستريح 00 إنها راحة زائفة خاطئة !! ومن الأخطاء فى الراحة أيضا : أن شخصا يبنى راحته على تعب الآخرين وتكون ، هذه الراحة لونا من الأنانية ومحبة الذات ، وعدم محبة الآخرين 0 إنه يريح نفسه ، ويتعب روحه بالأخطاء 0
التعب الداخلى:-
هناك أشخاص لا يوجد سبب خارجى يتعبهم ، وإنما تعبهم من الداخل 0 مما فى قلوبهم من الاضطراب والقلق والشك والخوف والتشاؤم 0 فكل شئ من الخارج يتعبهم بدون سبب هؤلاء يتعبون أنفسهم ، دون أن يتعبهم أحد 0
راحة الضمير:-
قد يقبل الإنسان تعب جسده من أجل راحة ضميره ، أو راحة روحه كالشهداء مثلا والمعترفين ، الذين تحملوا عذابات كثيرة احتملها الجسد ، من أجل راحة ضمائرهم بالثبات فى الإيمان 0
مثال آخر ما احتمله القديس يوحنا المعمدان من سجن 0 وأخيرا قطع رأسه ، لكى يشهد للحق ، ويقول للملك المخطئ ( لا يحل لك أن تأخذ امرأة أخيك ) مر 6 : 18 ) ومثال آخر ما احتمله القديس أثناسيوس الرسولى من نفى وتشريد ومن أجل الدفاع عن الإيمان ضد الأريوسيين 0 كذلك ما أحتمله يوسف الصديق من سجن فى سبيل راحة ضميره العفيف ، وقوله ( كيف أفعل هذا الشر العظيم ، واخطئ إلى الله ) ( تك 38 : 9 ) كذلك ما يحمله الرعاة من تعب فى الجسد لكى يريحوا الشعب من جهة ، ولكى تستريح ضمائرهم من جهة أدائهم لواجبهم الرعوى وينطبق على هذا أيضا كل من يسلك فى أسلوب البذل والعطاء والأمانة فى العمل يتعب جسديا ، لكى يستريح ضميره ، وتستريح روحه فى أداء الواجب إنه لا يبحث عن راحته الشخصية ، إنما عن راحة غيره أيضا طالب العلم الذى يتعب ، فيريح ضميره من جهة مستقبله 0 ويكون مبتهجا بتعبه ، لأنه أراح نفسه 0 وبنفس الوضع كل الذين يجاهدون ، فى تعب وكد ، من أجل هدف كبير يسعون إليه وكما قال الشاعر إذا كانت النفوس كبارا تعبت فى مرادها الأجساد حتى فى الجهاد الروحى أيضا لابد أن يتعب الإنسان ، ويجاهد الجهاد الحسن ، ليريح ضميره الروحى ، ولكى تستريح روحه فى الله – وقد قال الرسول موبخا ( لم تقاوموا بعد حتى الدم ، مجاهدين ضد الخطية ) ( عب 12 : 4 )
وهناك من يتعب جسده ، وفى نفس الوقت يتعب روحه فلا هو أدرك سماء ، ولا أرضا كالذى يتعب أعصابه بالغضب ، ويتعب صحته بالتدخين وبالخطايا الشبابية وبينما الإنسان الروحى يتعب من أجل البر ، يتعب الخاطئ تعبا باطلا ومن هذا التعب الباطل ، تعب الشياطين فى إغراء البشر 0
فى الخدمة:-
الخادم يتعب ، فيريح ضميره ، ويريح غيره 0
وكما قال الرسول ( كل واحد سينال أجرته بحسب تعبه ) ( 1كو 3 : 8 ) وهكذا تعب القديس بولس فى الخدمة ، لبناء الملكوت وخلاص أرواح الناس والخادم الذى يتعب جسديا لأجل الخدمة ، لن يستريح روحيا ، ولا تستريح الخدمة
مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث
عن كتاب عشرة مفاهيم

عدد الزيارات 1521

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل