مفهوم الطموح

30 أكتوبر 2019
Large image

الطموح
الطموح هو الرغبة فى الازدياد ، والتطلع باستمرار إلى قدام هو حالة إنسان لا يكتفى ، ولا يحب أن يقف عند حد فهل هذا خطأ أم صواب ؟ هل هو وضع روحى أم غير روحى ، طبيعى أم غير طبيعى ؟ يستمر فيه الإنسان أم يقاومه ؟ إنه سؤال هام نجيب عليه الآن ، من حيث نوعية الطموح واتجاه مساره الطموح هو شئ طبيعى جزء من طبيعة الإنسان فكيف ذلك ؟ نقول إن الإنسان قد خلق على صورة الله ومثاله 0 والله غير محدود فكيف يكون الإنسان على صورة الله فى هذه الصفة بالذات ، بينما الله هو الوحيد غير المحدود ؟ الإجابة هى لقد وجد الله فى الإنسان اشتياقا إلى غير المحدود مادام الإنسان لا يمكن أنت يكون غير محدود فى ذاته ، لأن هذه صفة الله وحده ، لذلك أصبحت عدم المحدودية يمكن أن تكون فى رغباته وفى طموحاته كلما يصل إلى وضع ، يشتاق إلى ما هو لأعلى ، وما هو أفضل ، فى النطاق المسموح به لإنسانيته ، بحيث ( لا يرتئى فوق ما ينبغى بل يرتئى إلى التعقل ) (رو 12 : 3 ) مادام الإنسان على صورة الله ، إذن فالطموح شئ طبيعى ولكن يختلف الطموح من شخص لآخر وحسب نوع الطموح عليه بأنه خير أو شر لكى تمتلئوا إلى كل ملء الله ) ( أف 4 : 18 : 19 ) صدقونى يا أخوتى أننى أقف مبهوتا ومنذهلا ، أمام هذه العبارة الأخيرة ( لكى تمتلئوا إلى كل ملء الله ) 0 ! مادام طريق الكمال طويلا جدا إلى هذا الحد ، وإلى هذا المفهوم العميق ، إذن ينبغى علينا أن لا نسير فيه ببطء أو تكاسل ، بل نستمع إلى القديس المختبر وهو يقول ( أركضوا لكى تنالوا 00 )( 1كو 19 : 24 ) ويطبق هذا على نفسه فيقول ( إذن أنا أركض هكذا ) ( 1كو 9 : 26 ) عجبا على هذا القديس ، الذى كان مازال يركض ، حتى بعد أن صعد إلى السماء الثالثة الطموح المقدس إذن هو طموح روحى نحو الهدف الروحى ، وبأسلوب روحى ومع ذلك هناك طموح آخر ، عالمى وخاطئ ، فما هو ؟
الطموح الخاطئ
إنه طموح مركز على الذات ، ولأهداف عالمية ، وربما بوسائل خاطئة مثل الطموح فى الغنى ، فى اللذة ، فى الشهوة ، فى المال ، فى الألقاب ، فى العظمة فى المجد الباطل ، وما أشبه مثال ذلك الغنى الغبى هذا الذى ( أخصبت كورته ) فقال ( أهدم مخازنى ، وابنى أعظم منها ، وأجمع هناك جميع غلاتى وخيراتى 0 وأقول لنفسى : يا نفسى لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين عديدة 0 استريحى وكلى وأشربي وأفرحي ) ( لو 12 : 18 ، 19 ) وهكذا كان مركزا فى المادة وحول ذاته 0 ولم تدخل علاقته بالله فى طموحه لذلك سمع ذلك الحكم الإلهى ( يا غبى ، فى هذه الليلة ، تؤخذ نفسك منك 0 فهذه التى أعددتها ، لمن تكون ؟! ) ( لو 12 : 20 ) مثال آخر هو سليمان الحكيم كانت طموحاته فى العظمة والرفاهية ، وفى اللذة والنساء 0 وهكذا قال عن نفسه ( عظمت عملى 0 بنيت لنفسى بيوتا ، غرست لنفسى كروما ، عملت لنفسى جنات وفراديس قنيت عبيدا وجوارى جمعت لنفسى أيضا فضة وذهبا ، وخصوصيات الملوك والبلدان 0 اتخذت لنفسى مغنين 0ومغنيات ، وكل تنعمات البشر سيدة وسيدات 0 فعظمت وازدادت أكثر من جميع الذين كانوا قبلى فى أورشليم ومهما اشتهته عيناى لم أمسكه عنهما ) ( جا 2 : 4 – 10 ) وماذا كانت نتيجة كل هذه الطموحات العالمية ؟‍ يقول سليمان ( ثم التفت أنا إلى كل أعمالى التى عملتها يداى ، وإلى التعب الذى تعبته فى عمله ، فإذ الكل باطل وقبض الريح ، ولا منفعة تحت الشمس ) ( جا 2 : 11 ) نعم ، هذا هو الطموح العالمى الباطل 00 وكيف أنه قاد سليمان إلى الخطية وإلى عقوبة الله 0 وقال عنه الوحى الإلهى ( إن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى 0 ولم يكن قلبه كاملا مع الرب إلهه ) ( 1مل 11 : 4 ) من الطموحات العالمية أيضا : الذين بنوا برج بابل أرادوا العظمة والعلو 0 وقالوا ( هلم نبن لأنفسنا مدينة ، وبرجا رأسه فى السماء ونصنع لأنفسنا إسما ) ( تك 11 : 4 ) فكانت النتيجة أن الله بلبل ألسنتهم ، وبددهم على وجه الأرض( تك 11 : 7 ، 8 ) لأن الله لم يوافق على هذا الطموح الممتزج بحب العظمة والكبرياء ولكن أسوا طموح ، كان طموح الشيطان ‍‍‍ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!!هذا الذى كان ملاكا ورئيس ملائكة ، هذا الذى لقبه الكتاب بالكاروب المنبسط المظلل 0 وكان كاملا فى طرقه يوم خلق ( حز 28 : 14 ، 15 ) وعلى الرغم من سقوطه استمر فى طموحاته الشريرة حتى وصل به الأمر أنه من على جبل التجربة قال للسيد المسيح له المجد ، وهو يشير إلى جميع ممالك الأرض ومجدها ( أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لى ) ( مت 4 : 8 ، 9 ) فانتهره الرب قائلا أذهب يا شيطان واستمر فى طموحاته ، يريد أن ينافس الله ، ويضل الأمم الذين فى أربع زوايا الأرض ( رؤ 20 : 8 ) ويسبب الارتداد العظيم الذى يسبق المجئ الثانى ( 2تس 3 ، 9 ) وبنفس هذا الطموح الخاطئ عمل على إسقاط أبوينا الأولين ، فى الإغراء على الأكل من شجرة معرفة الخير والشر ، قائلا ( تصيران مثل الله عارفين الخير والشر ) ( تك 3 : 5 )هناك نوع من الطموح يمتزج بالغرور غرور سابق للطموح ، وغرور لاحق له أما عن الغرور السابق ، فهو أن يظن الشخص فى نفسه فوق ما يستطيع ويرتئى فوق ما ينبغى ( رو 12 : 2 ) وربما يقفز إلى درجات روحية فوق إمكانياته ، فلا يحسن منها شيئا بل يهبط إلى أسفل 0 أو يطمح إلى مسئوليات فوق قدراته فيفشل وإن نجح فى شئ ، يلحقه غرور آخر فيطلب المزيد إن كثير من القادة السياسين أضاعهم الطموح الزائد فى الاتساع ومواصلة الانتصار ، حتى انتهوا إلى الفشل والضياع ، مثلما حدث لهتلر ولنابوليون أيضا إن شهوة الاتساع والامتداد كثيرا ما أتعبت الطامحين وأوصلتهم إلى الطمع وعدم الاكتفاء 0 كما يقول سليمان الحكيم ( كل الأنهار تجرى إلى البحر ، والبحر ليس بملآن ) ( جا 1 : 7 ) وأيضا ( العين لا تشبع من النظر ، والأذن لا تمتلئ من السمع ) وهكذا تجد كثيرا من المحاربين بالطموح العالمى ، نفوسهم فى تعب مهما نالوا ومهما أخذوا بسبب الإتساع والطمع التى لا يشبعها شئ 0
الفرق بين النوعين:-
الطموح الخاطئ كلما يصل ينتفخ ويتكبر أما الطموح الروحى ، فيفرح بالرب فى إتضاع إن عمل الإثنان فى المجال الدينى 0 فصاحب الطموح الخاطئ يحب أن يصل إلى مواهب الروح التى ينال بها مجدا من الناس 0 أما صاحب الطموح الروحى ، فيسعى إلى نوال ثمار الروح ( غل 5 : 22 ، 23 ) التى يتمتع فيها بمحبة الله وبالفضائل الخفية إنه يجاهد فى الروحيات لا ليفتخر بما وصل إليه ، بل لأنه لذة روحية فى الالتصاق بالرب 0 وكلما يزداد إتضاعا ، عارفا أن طريق الكمال لا يزال بعيدا 0 وينظر إلى المثل العليا فى حياة القديسين ، فيرى أنه لم يفعل شيئا ! ومهما وصل طموحه يتذكر قول الرب ( متى فعلتم كل ما أمرتم به ، فقولوا إننا عبيد بطالون ) ( لو 17 : 10 ) لذلك فإن قديسين كثيرين وصلوا إلى مستويات عالية جدا ، ومع ذلك كانوا يبكون على خطاياهم 0 لأنهم كانوا فى طموحهم الروحى ، كانوا فى طموحهم الروحى ، كانوا يرون درجات أعلى وأعلى ، لم يصلوا إليها بعد إن المقاييس تتغير بين الروحيين وأهل العالم فى طموحهم الذى عنده طموح عالمى يحب مثلا أن يزداد فى الغنى ، وتكثر أمواله وأرصدته يوما بعد يوما حتى أنه يصاب بالتجلى أما الإنسان الروحى ، فإن طموحه هو فى توزيع ماله على الفقراء ، حتى يكون له كنز فى السماء الإنسان الذى عنده طموح عالمى ، يجب أن يكون الأول باستمرار ، بل الوحيد ويحب المتكئات الأولى 0 أما الإنسان الروحى فإن طموحه فى أن يكتسب فضيلة الإتضاع ، وأن يأخذ المتكأ الأخير ويضع أمامه قول الرسول ( مقدمين بعضكم بعضا فى الكرامة ) ( رو 12 : 10 ) وهكذا يجتهد أن يكون آخر الكل وخادما للكل ( مر 9 : 35 ) وهكذا يتحول إلى إنسان خدوم ، يحب الخدمة وينمو فيها 0 ويحبه كل الناس لخدمته لهم الطموح العالمى ينافس الناس ليحل محلهم أما الطموح الروحى فيساعدهم على الوصول إنه لا يزاحم الناس فى طريق الحياة ، بل بمحبته يفسح الطريق لهم ليسيروا 0 إنه من كل قلبه يريد أن يصل إلى الله 0 ولكنه فى طموحه يحب أن يسبق غيره ، أو أن يعطل غيره ليصل قبله لما يشوع بن نون رأى اثنين يتنبآن ، أراد أن يردعهما ، حيث أن النبوة هى لمعلمه موسى النبى 0 فوبخه موسى بقوله ( هل تغار لى أنت يا ليت كل الشعب كانوا أنبياء ، إذا جعل الرب روحه عليهم ) ( عد 11 : 26 – 29 ) الذى عنده طموح روحى يهدف أن يصل إلى قمة الروحيات ، من أجل محبته لله ، ولكنه لا يفكر أبدأ أن يسبق غيره ، أو ينافس غيره ، أو يتفوق عليه فى الروحيات الطموح الذى يريد التفوق على الغير ، هذا قد انتصرت عليه الذات إن طريق الله يتسع لجميعنا ، وقمم الروحيات معروضة على الكل 0 والنعمة مستعدة أن تساعد كل أحد على الوصول 0 فلماذا التنافس والتزاحم إذن فى طريق الطموح ، بينما فيه متسع للجميع ؟! أتريد فى طموحك أن تنتصر على غيرك فى الروحيات ؟! لماذا ؟! وهل فى هذا الإنتصار ، تجد روح المحبة التى تسعى إليها فى طموحك ؟!أما طموح الإنسان الذى لا يحب فقط أن يكون الأول ، وإنما الوحيد فهو بلا شك طموح شرير لأنه فى طموحه ، لا يريد لغيره الخير 0 وهذا شر 0 إنه طموح قد انحرف ، وتحول إلى محبة الذات أو تحول إلى الأنانية الطموح الروحى يسعى إلى الأرتفاع فوق مستويات معينة ، وليس فوق أشخاص معينين فمن الجائز أن ترتفع فوق أشخاص معينين ، ويبقى مستواك منخفضا 0 كما أن رغبة الأرتفاع فوق الغير ، قد تعصف بك إلى نطاق الحسد والغيرة ، مما يتعارض مع روح المحبة الحقيقية 0 وتظل ترقب هذا الذى ينافسك ، وقد تفرح بفشله لأن هذا يعطيك فرصة التفوق عليه 0 وهكذا تفقد نقاوة قلبك إسع إلى الامتياز ، وليس إلى الأنتصار على الغير 0 وإن صرت الأول ، فهذا حسن جدا 0 وإن لم تصر 0 فلا تحسد من صار الأول ، بل افرح بتفوقه الإنسان الروحى طموحه فى أن ينتصر على نفسه ، لا على الآخرين وليكن هدفك من السعى إلى الكمال هو إرضاء الله وليس المجد الباطل إنها وصية إلهية أن تصير كاملا ( مت 5 : 48 ) فإن صرت هكذا ، تفرح بإرضاء الله الذى نفذت وصيته 0 ويكون فرحا بغير افتخار ، وبغير مقارنة بالآخرين الإنسان الروحى فى الطموح ، ينمو باستمرار فالنمو صفة عملية للطموح 0 ولكنه فى نفس الوقت يفرح حينما يرى غيره ينمو أيضا الطموح الروحى ينمو فى الروحيات : فى الصلاة ، فى التأمل ، فى معرفة الله ، فى محبته ، فى خدمته ، فى محبة الآخرين وكلها ليست مجالا للتنافس إذا صلى ، يحب أن ينمو فى الصلاة من جهة الوقت الذى يقضيه مع الله ، ومن جهة ما فى الصلاة من حرارة ومن عمق وتأمل ، ومن حب وإيمان وهكذا مع باقى الفضائل باستمرار يمتد إلى قدام أما غير الطموح ، فقد يتوقف عند وضع معين ، ويتجمد وهذا التوقف قد يؤدى إلى الفتور وفى الحياة العملية ينبغى أن يكون الإنسان طموحا يهدف إلى النجاح فى كل ما تمتد إيه يده ، كما قيل عن يوسف الصديق إنه كان رجلا ناجحا 0 وكان الرب معه 0 وكل ما كان يصنع ، كان الرب ينجحه بيده ( تك 39 : 2 ، 3 ) وهناك ولعل البعض يسأل هل يتناقص الطموح مع القناعة ؟‍‍‍! كلا فالقناعة تكون فى الماديات ، والطموح فى الروحيات ويتمشى الإثنان معا 0 يقويان بعضهما البعض يسأل البعض كيف يكون طموحى نحو الكمال ، بينما الكمال لله وحده 0 فأقول له المطلوب منك هو الكمال النسبى ، وليس الكمال المطلق وإن لم تصل إلى الكمال ، فعلى الأقل أن ينمو ويجدك الله سائرا فى الطريق ، متقدما كل يوم كن كالشجرة التى كل يوم تنمو فالصديق كالنخلة يعلو ولا تجعل طموحك فى أمانتك فى عملك ، يعطل طموحك فى روحياتك 0
مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث
عن كتاب عشرة مفاهيم

عدد الزيارات 1841

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل