مكانة الكتاب المقدس في التعليم الكنسي

01 نوفمبر 2019
Large image

في الآونة الأخيرة أُثيرت بعض الموضوعات الخاصة بالتعليم. ودائمًا نقول إن حياة الكنيسة القبطية تسير على قدمين، القدم الأول اسمه التعليم، والقدم الثاني اسمه التكريس. لذلك التعليم له المجال الأول، مثلما نطلق على السيد المسيح "المعلم الصالح" وأول شيء نتعلمه في الكنيسة هو مصادر التعليم في الكنيسة والمراجع الرئيسية والأساسية، وهي تشبة مثلثًا في قمته الكتاب المقدس، والنقطتان التاليتان هما: (1) الليتوجيات والأسرار التي حُفِظت فيها الصلوات ووُضِعت فيها الإيمانيات، (2) والنقطة الثانية أقوال وشروحات الآباء.
أولاً: الكتاب المقدس
«اليومَ، إنْ سمِعتُمْ صوتَهُ (في الإنجيل)، فلا تُقَسّوا قُلوبَكُمْ...» (العِبرانيّينَ 3: 15).
هناك صيحات في العالم الآن تتكلم على الإنجيل وتقلّل من قدره، وتدّعي أن الإنجيل به حكايات غير حقيقية وخيالية، به عبارات غير مرغوبة، وهناك أسفار قديمة الفكر، وهناك من يشوه معاني بعض الآيات... الخ. سوف نتكلم عن مكانة الكتاب المقدس في التعليم، لنفهم وضعية الكتاب المقدس وعمله في حياتنا كلنا.
هناك ثلاث عبارات هامة...
العبارة الأولى للقديس جيروم: "إن جهلنا بالكتاب هو جهلنا بالمسيح"، أي أن الذي لا يعرف الكتاب المقدس لا يعرف المسيح، فالكتاب المقدس وثيقة تقدم لنا من هو شخص المخلّص، من هو المسيح. هناك من يجهل الإنجيل ولا يعيش في الإنجيل، يعيش في فكره الخاص، وكما قال بولس الرسول "سمو الحكمة البشرية"، وعلى قدر معرفتك بالإنجيل على قدر معرفتك بالسيد المسيح.
العبارة الثانية للقديس أغسطينوس: "الكتاب المقدس هو فم المسيح"، ولا يستطيع أحد أن يقلّل من قدر سلطة الكتاب المقدس في التعليم. الكتاب المقدس كما هو من سفر التكوين لسفر الرؤيا، كل أسفاره قانونية، وكل كلمة في هي من فم المسيح.
العبارة الثالثة القديس يوحنا ذهبي الفم: "عدم معرفة الكتب المقدسة هو علّة كل الخطايا". لماذا يعيش الناس في الخطية؟ لأن الإنجيل لا يعيش بداخلهم، «فلنَجتَهِدْ أنْ نَدخُلَ تِلكَ الرّاحَةَ(التي هي في لإنجيل)، لئَلّا يَسقُطَ أحَدٌ في عِبرَةِ العِصيانِ هذِهِ عَينِها» (العِبرانيّينَ 4: 11)، أي أن يعصى الإنسان كلمة الرب وينساها ولا يعطيها قدسيتها واحترامها.. وبعدها يقول الرسول: «لأنَّ كلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وفَعّالَةٌ وأمضَى مِنْ كُلِّ سيفٍ ذي حَدَّينِ، وخارِقَةٌ إلَى مَفرَقِ النَّفسِ والرّوحِ والمَفاصِلِ والمِخاخِ، ومُمَيِّزَةٌ أفكارَ القَلبِ ونيّاتِهِ» (العِبرانيّينَ 4: 12)... اعرف هذه الثلاث عبارات.
لدينا جميعًا الإنجيل، ونحن في زمن يتوفر فيه الإنجيل بكل الأشكال والأحجام. فيما مضى كان الإنجيل غير متوفر في كل مكان، وقبل اختراع الطباعة كان الكتاب المقدس يُنسَخ في سنوات، أمّا الآن فهو متاح للجميع بكل الصور.
المستويات الثلاثة للإنجيل في التعليم:
١- القراءة في الكتاب المقدس هي اكتشاف
أن تكتشف المعنى والكلمة والعمق الذي يدخلك فيه الكتاب. أول مستوى أن تعيش في الكتاب، أنك تكتشف وتعرف، تكتشف النص والكلمة والمعنى وربط الآيات، وآخر آية في الكتاب المقدس هي «آمينَ. تعالَ أيُّها الرَّبُّ يَسوعُ» (رؤيا 22: 10).. مع كل كلمة تقرأها ليقل قلبك "آمينَ. تعالَ أيُّها الرَّبُّ يَسوعُ.. أريد أن أراك يا رب في نص الإنجيل". ويُقال أننا بينما نقرأ الإنجيل فنحن نبحث على الكلمة في وسط الكلمات، نبحث عن المسيح بين كلمات الإنجيل، تقرأ النص لأكثر من مرة لتكتشف أعماقه، وكما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: "الكتاب المقدس منجم لآلئ". اقرأ الإنجيل وعلى قدر أمانتك يكشف لك الله لآلئ. عندما تقرأ الإنجيل أنت تتنفس أنفاس الله، لأن الكتاب المقدس مكتوب بالوحي الإلهي من خلال الرسل والأنبياء المسوقين بالروح القدس، وأنت تتنفس كاتبه. أنت تتقابل مع من وضع الكتاب المقدس مباشرةً، وهذا الاكتشاف يحتاج إلى دراسة لتفهم، وهناك الكثير من الكتب تساعدك على الفهم، وسوف يكون شيئًا مخجلًا أن تقف أمام السيد المسيح وأنت تجهل الكتاب.
2- القراءة صلاة
يجب أن تصلّي قبل القراءة وبعدها، وما تقرأه حوِّله إلى مادة صلاة. القراءة صلاة... وما نقرأه يعطينا مادة صلاة. القداس والتسبحة والليتورجيات عبارة عن آيات من الإنجيل. إذا أردت أن تعيش الإنجيل وتُعلّم به يجب أن يكون بالنسبة لك صلاة، والصلاة هي التي سوف تجعلك تفهم. يقول المرنم عن الإنسان البار إنه «في ناموسِهِ يَلهَجُ نهارًا وليلًا» (مزمور 1: 2)، أي أن كلمة الله في حياته وفي قلبه. صلِّ لكي تفهم الكتاب أكثر.
3- القراءة حياة
حياتك تكون بحسب الإنجيل.. الضلع الثالث هو أن تعيش الكتاب، فالكتاب المقدس ليس كتابًا نظريًا، بل يجب أن تعيشه. هناك من يربّي أولاده كما يسمع، وهناك من يربي أولاده بالإنجيل، وتُسمّى تربية النعمة «فقط عيشوا كما يَحِقُّ لإنجيلِ المَسيحِ» (فيلبي 1: 27). الكتاب المقدس متجدد في كل يوم، ويصلح لكل الأزمان، هو كتاب خلاص، ولذلك عندما نشرح العقيدة أو الإيمان أو الطقس أو المعرفة في الكنيسة، يجب أن تكون معتمده على الإنجيل أولاً، ثم يأتي بعده شروحات الآباء. وإذا شرحت العقيدة من خلال الكتاب المقدس هذا يكفي جدًا، لأن الكتاب وُجِّه لكل البشر. في سفر الرؤيا يقول: «طوبَى للّذي يَقرأُ ولِلّذينَ يَسمَعونَ أقوالَ النُّبوَّةِ، ويَحفَظونَ ما هو مَكتوبٌ فيها، لأنَّ الوقتَ قريبٌ» (رؤيا يوحَنا 1: 3). من ضعفات هذا الزمان أن الناس انشغلت بدراسات في مجالات كثيرة وليس في الإنجيل، لذلك ضعوا الكتاب المقدس أمامكم قبل كل شيء، اقرأ واسمع واحفظ الإنجيل، وحفظك للإنجيل ينقّي ويطهّر قلبك من أفكار وشرور كثيرة، وعندما تحفظ سوف تشبع من كلمة الله (اقرأ- اسمع – احفظ – اشبع – استعد ).
الكتاب المقدس ينطبق عليه آيات كثيرة منهم «تكلَّمْ يا رَبُّ لأنَّ عَبدَكَ سامِعٌ» (1صموئيل 3: 9)، اجعلها أمامك عندما تقرأ الكتاب المقدس، فقد يكلمك الله وأنت مشغول ولا تسمعه. ومن العبارات الجميلة «لا أُطلِقُكَ إنْ لَمْ تُبارِكني» (تكوين 32: 26)، وبعد القرأة تشعر بالتعزية «نَامُوسُ الرَّبِّ كَامِلٌ يَرُدُّ النَّفْسَ. شَهَادَاتُ الرَّبِّ صَادِقَةٌ تُصَيِّرُ الْجَاهِلَ حَكِيمًا.وَصَايَا الرَّبِّ مُسْتَقِيمَةٌ تُفَرِّحُ الْقَلْبَ. أَمْرُ الرَّبِّ طَاهِرٌ يُنِيرُ الْعَيْنَيْنِ.خَوْفُ الرَّبِّ نَقِيٌّ ثَابِتٌ إِلَى الأَبَدِ. أَحْكَامُ الرَّبِّ حَقٌّ عَادِلَةٌ كُلُّهَا أَشْهي مِنَ الذَّهَبِ وَالإِبْرِيزِ الْكَثِيرِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَقَطْرِ الشِّهَادِ» (مزمور 19).
الكتاب المقدس له المكانه الأولى في التعليم، وهو المرجع الأول والأساسي. نحتاج باستمرار أن نقرأ الكتاب ونكتشف ونصلي ونفهم ونعيش لتصير حياتنا كلها بحسب الكتاب المقدس. ضع الكتاب المقدس دائمًا أمامك، علّم بيتك كيف يقرأ الإنجيل، ضع أمامك خطة بمشورة أب اعترافك لتعرف طريقك وتعيش فيه. يعطينا الله أن نكون في هذه الكلمة المقدسة ثابتين على الدوام، لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد آمين.
قداسة البابا المعظم الانبا تواضروس الثانى

عدد الزيارات 1633

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل