فلسَي الأرملة

04 نوفمبر 2019
Large image

إنها قصة عجيبة حدثت فى وجود الرب يسوع فى الهيكل: "جاءت أرملة فقيرة وألقت فلسين قيمتهما ربع. فدعا تلاميذه وقال لهم: الحق أقول لكم: إن هذه الأرملة الفقيرة قد ألقت أكثر من جميع الذين ألقوا فى الخزانة. لأن الجميع من فضلتهم ألقوا، وأما هذه فمن أعوازها ألقت كل ما عندها، كل معيشتها" (مر12 42- 44) والأسئلة التى قد تتبادر إلى الذهن عند قراءة هذه الواقعة المؤثرة هى كما يلى
أولاً: كيف تتبرع أرملة فقيرة فى خزانة بيت الرب وهى تحتاج إلى مساعدة؟
ثانياً: كيف تتبرع بكل ما عندها، كل معيشتها. مع أن الناموس طالبها بالعشور فقط؟!
ثالثاً: لماذا سمح السيد المسيح لهذه الأرملة أن تفعل ذلك، ثم تخرج وليس معها ما تقتات به وهى أرملة فقيرة؟!
رابعاً: لماذا لم يأمر تلاميذه بمنحها مبلغاً من المال لمساعدتها بعد أن صارت لا تملك شيئاً بل "ألقت كل ما عندها، كل معيشتها" (مر12: 44)؟
إن القصة قد بدأت هكذا "جلس يسوع تجاه الخزانة ونظر كيف يلقى الجمع نحاساً فى الخزانة. وكان أغنياء كثيرون يلقون كثيراً فجاءت أرملة فقيرة وألقت فلسين قيمتهما ربع" (مر12: 41، 42)أراد السيد المسيح أن يلقن تلاميذه درساً فى العطاء، وأن يعطيهم فكرة عن مقاييسه التى تختلف عن مقاييس عامة البشرأراد أن يفهموا أن قيمة عمل الإنسان فى نظره لا تتوقف على حجم هذا العمل، ولكن على المشاعر والدوافع التى تقترن به، وأن كل فضيلة تخلو من الحب والاتضاع لا تحسب فضيلة عند الله لاشك أن هذه الأرملة قد امتلأ قلبها بمحبة الله ولهذا أعطت كل ما عندها، كل معيشتها. وبالفعل عاشت الوصية التى تقول "تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك" (مت22: 37)وفى تواضعها لم تخجل من أن تضع قدر ضئيل جداً من المال فى وسط الأغنياء الذين يملكون الكثير ووضعوا نقوداً كثيرة. لقد عرضت نفسها لسخرية واحتقار الآخرين، ولكن دافع الحب عندها جعلها تقدم أقصى ما عندها حتى ولو بدا ضئيلاً فى أعين الآخرين لقد عاشت هذه المرأة الوصية بغض النظر عن حالتها الشخصية فبالرغم من فقرها الشديد إلا أنها أرادت أن تنال بركة العطاء وتقديم العشور. ولكن ماذا تكون عشورها؟!.. ربما لا توجد عملة متاحة من النقود تساوى عشر الفلسين. وحتى لو وُجدت فإنها أرادت أن تقدم تكريماً لرب الجنود يتخطى الحد الأدنى للعطاء وهو العشور.. لذلك "ألقت كل ما عندها، كل معيشتها" (مر12: 44)، ولسان حالها يقول {اقبل يا رب تقدمتى المتواضعة التى لا تليق بجلالك.. ولكن هذا هو كل ما عندى}0
موقف السيد المسيح
كان عطاء هذه المرأة عظيماً جداً فى عينى الرب لذلك لم يعترضها ولم يمنعها ولم يجرح مشاعرها بأن يمنحها صدقة فى ذلك التوقيت بالذات كانت الملائكة تسبح بتسابيح البركة وكان المشهد عظيماً إهتزت له أعتاب السماء على مثال سلم يعقوب حاضراً بملائكته الأطهار صاعدين ونازلين وسجّل الإنجيل المقدس هذا المشهد العجيب ليكون عبرة للكنيسة فى جميع الأجيال إنها أنشودة حب ابتهج لها قلب السيد المسيح وأراد أن يلفت أنظار تلاميذه ليقفوا مبهورين أمام هذا المشهد العظيم الذى كان حضوره فيه هو مصدر جلاله وعظمته وخرجت الأرملة الفقيرة بكل وقار القداسة، محاطة بجماهير الملائكة الذين اجتذبهم حب هذه المرأة وتواضعها إن هذه الأرملة الفقيرة التى كانت غنية بمحبتها وتواضعها هى رمز للكنيسة التى ترملت بعد خروجها من الفردوس وقال لها الرب بفم اشعياء النبى "لا تخافى لأنك لا تخزين. ولا تخجلى لأنك لا تستحين. فإنك تنسين خزى صباك وعار ترملك لا تذكرينه بعد. لأن بعلك هو صانعك رب الحنود اسمه ووليك قدوس إسرائيل إله كل الأرض يُدعى. لأنه كإمرأة مهجورة ومحزونة الروح دعاك الرب، وكزوجة الصبا إذا رذلت قال إلهك. لحيظة تركتك وبمراحم عظيمة سأجمعك. بفيضان الغضب حجبت وجهى عنك لحظة، وبإحسان أبدى سأرحمك قال وليّك الرب.." (أش54: 4-8) لاشك أن الرب قد أحسن كثيراً إلى هذه المرأة الأرملة الفقيرة بعد خروجها من الهيكل وتولاها بعنايته بعد أن قدّمت له كل ما عندها.. كل معيشتها وهكذا أيضاً الكنيسة من خلال القديسة مريم العذراء قد قدّمت كل ما عندها بكل الحب والاتضاع جسداً وروحاً إنسانياً عاقلاً إتخذه الرب ناسوتاً كاملاً من العذراء مريم ليدخل به مع البشرية فى عهد جديد. وكان هذا الجسد والروح الإنسانى اللذين إتخذهما الرب هو ما يرمز إليه فلسَي الأرملة اللذان لهما أعظم قيمة فى عينى الرب "ألقت أكثر من جميع الذين ألقوا فى الخزانة" (مر12: 43) وهكذا نسمع الرب يقول هذه الأنشودة الشعرية بفم اشعياء النبى "أيتها الذليلة المضطربة غير المتعزية: هأنذا أبنى بالإثمد حجارتك وبالياقوت الأزرق أؤسسك وأجعل شُرفك ياقوتاً وأبوابك حجارة بهرمانية وكل تخومك حجارة كريمة وكل بنيك تلاميذ الرب وسلام بنيك كثيراً" (أش54: 11- 13) بعد ميلاد الرب البتولى من العذراء مريم بفعل الروح القدس، صار السيد المسيح هو كل ما عندها، كل معيشتها. وليس للعذراء مريم فقط بل للكنيسة كلها كان السيد المسيح هو كل ما عندها، كل معيشتها كما نقول فى أوشية الإنجيل {لأنك أنت هو حياتنا كلنا}وجاء يوم الفداء وقدّمت العذراء مريم راضية على الصليب ابنها الوحيد ناسوتياً، وقدّمت الكنيسة كل ما عندها، كل معيشتها فى خزانة الرب.. وقبل الآب تقدمة البشرية إليه، التى هى نفسها عطية الآب للبشرية.. وكانت أعظم تقدمة.. وكان سلم يعقوب.. وكان رضى الآب
نيافة الحبر الجليل المتنيح الأنبا بيشوى مطران دمياط وكفر الشيخ ورئيس دير السيدة العفيفة دميانة بلقاس

عدد الزيارات 1668

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل