لأنه سترنا

08 نوفمبر 2019
Large image

إن الطلبات التي قيل عنها في الكتاب المقدس أن تُطلَب "كل حين" هي: الصلاة (لوقا 18: 1)، والشكر (أفسس 5: 20)، والفرح كل حين (فيلبي 4:4) والشكر في كنيستنا نعبّر عنه في "صلاة الشكر"ومن مميزات هذه الصلاة أنها تُصلّى بصيغة جماعية، ويصليها كل الناس، ونشكر ربنا على كل ما يقدمة لنا هذه الصلاة تبدأ بشكر الله سبع نِعم يعطيها لنا، يعطيها لنا مهما كان حالنا "فلنشكر صانع الخيرات لأنك سترتنا، وأعنتنا، وحفظتنا، وقبلتنا إليك، وأشفقت علينا، وعضدتنا، وأتيت بينا اإلى هذه الساعة" هذه النِعم يجب أن يشعر بها كل إنسان ويشعر بقيمتها وأهميتها في حياة كل واحد فينا.
نتأمل في النعمة الأولى نعمة الستر:-
أحد الصفات التي نصف بها إلهنا أنه الله الساتر، الذي يستر. وستر الله لا يوجد في مفردات اللغة، فلا توجد كلمات تقدر أن تصفه. يستر علينا كلنا، ولا يستطيع إنسان أن يقف أمام الله ويقول إنه لا يحتاج إلى الستر، حتى الذين يعيشون في الخطية والبعيدين، وحتى الذين ينكرون وجود الله؛ الله يستر عليهم. حتى الناس الذين فرغت قلوبهم من كل شيء، والذي يستخدم لسانه في استخدامات شريرة؛ الله يستر عليه... بل حتى اللص عندما يسرق يقول: ربنا يستر. وفي التقليد الشعبي نجد أن كل ما يريده الإنسان هو الستر والصحة. ولا يمكن أن نحصر كم مرة ستر الله علينا، لكن داود النبي يقول في مزمور ١٧ «احفظني مثل حدقة العين، بظلّ جناحيك استرني»، ويقول في مزمور ٦٤ "«استرني من الأشرار، من مؤامرت الإشرار، من جمهور فاعلي الإثم».
أولًا: لماذا يستر الله علينا؟
الله الذي خلقنا وأعطانا نعمة الحياة يستر علينا لثلاث صفات فيه:
١- هو واهب الغفران.
٢- لأنه كلي المحبة.
٣- لأنه نبع الأبوة.
1) الله يستر علينا لأنه واهب الغفران:
هو الذي غفر لنا، من يغفر خطية الإنسان إلا الله الذي خلق الإنسان، فجاء الله «الكلمة صار جسدًا وحلّ بيننا»، تجسد الله ثم صُلِب وخلصنا وفدانا من أجل غفران خطية الإنسان، ولا يوجد شيء آخر أو إنسان آخر يستطيع أن يغفر خطيئة الإنسان، لذلك ربنا يستر علينا. «تبتهج نفسي بإلهي لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص وكساني رداء البر»، وكساني تعني ستر الله عليّ. وستر الله للإنسان من أيام آدم. خطية آدم وحواء بدأت باللسان والشهوة، ودخلت الحيّة من هذا الباب، وانزلق الإنسان وكسر الوصية، وستر الله عليهما وألبسهما أقمصة من جلد. وفي سفر حزقيال يشبّه النفس البشرية بالإنسان المُلقى في الشارع ويريد من يأتي ويستر عليه «فَمَرَرْتُ بِكِ وَرَأَيْتُكِ، وَإِذَا زَمَنُكِ زَمَنُ الْحُبِّ. فَبَسَطْتُ ذَيْلِي عَلَيْكِ وَسَتَرْتُ عَوْرَتَكِ، وَحَلَفْتُ لَكِ، وَدَخَلْتُ مَعَكِ فِي عَهْدٍ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، فَصِرْتِ لِي» (حز١٦: ٨)، وكأن النفس البشرية من أيام آدم صارت كالإنسان الملقى في الشارع وفقدت كل شيء وصار حالها صعب جدًا. في سفر القضاة عندما كانت تحدث مشكلة لبني إسرائيل، كانوا يختارون قاضيًا (مخلصًا)، فيحل المشكلة ثم يعودون للخطية مرة ثانية، وهكذا حياة الإنسان. وكذلك داود النبي وخطيته المشهورة مع امرأة أوريا الحثي، وتاب عنها فيقول «استر وجهك عن خطاياي، وامحُ كل آثامي»... هذا هو الله واهب الغفران للإنسان من الأمثلة المشهورة "المرأة الخاطئة في بيت سمعان الفريسي" (لوقا 7)، وكان سمعان مُعجَبًا بنفسه، ودخلت المرأة وانحنت وسكبت دموعها وقدمت توبة. سمعان قال: "لو كان هذا نبيًا لعرف أن هذه المرأة خاطئة "، والإنجيل يقول إن السيد المسيح غفر لها وستر عليها لأنها أحبت كثيرًا، وصارت مثالًا، ونصلي بهذه القطعة في نصف الليل.
2) يستر علينا لأنه كليّ المحبة:
الله محبة إي أن تفصيل شرح الله أنه محبة دائمة وحركة دائمة، في محبته يستر، ويعلن هذه المحبة، وتجلّت مع يعقوب ومع إيليا، ومحبة الله فيّاضة ليس لها حدود.
٣) الله يستر علينا لأنه نبع الأبوة:
نقف دائمًا ونقول: "يا أبانا الذي في السموات"، وعندما نرشم شماسًا ويصير كاهنًا يصبح "أبونا".. كلمة الأبوة مفتاح، والله هو نبع الأبوة، ونحن نستمد هذه الأبوة من الله. والأبوة في أصلها ومعناها هي الستر والحماية. أروع مثال في الكتاب يشرح لنا الأبوة مثل الابن الضال، وكيف أن هذا الابن الذي أخطأ كل هذه الخطايا، عندما عاد وجد أحضان أبيه مفتوحة «وإذا كان لم يزل بعيدًا، رآه أبوة، فتحنن وركض ووقع على عنقه وقبله»، الأب يستقبل الابن، ويقدم له الهدايا، ويذبح العجل المُسمّن، ولكن الأهم يقدم له الحضن ويقبله، ولا يتأفّف منه. ولكن نرى في نفس القصة موقف الأخ الكبير فاقد الأبوة، ويتكلم على أخيه بكلمات ردية «ابنك هذا الذي أكل معيشتك مع الزواني»، وفضح أخاه، وكأنه يقول لأبيه: إنك لم تحسن تربيته. لكن الأب ستر وأرجع ابنه إلى رتبته الأولى.
مثال آخر المرأة السامرية، هذه المرأة سُمِّيت باسم بلدها، لقد ستر الله عليها ولم يذكرها بالاسم حتي لا يفضحها، وكان الحوار معها كله مليء بالستر والحنان والعذوبة، وبدّل الله هذه الإنسانة التي كانت بعيدة جدًا وجعلها قديسة وكارزة ، ستر الرب عليها، وقادها إلى توبة، وصارت كارزة.. وهذا دور الله للإنسان، الله الذي يستر على الخليقة كلها صباحًا ومساءً ونأتي لدور الإنسان نحو أخيه الإنسان، يقول الرب يسوع: «لِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟».. لا يمكن أن تستر على أخيك بينما أنت تدينه، ومجالات ستر الإنسان على الإنسان:
أ- ستر خصوصيات الآخر: كل واحد فينا له عائلة وأصدقاء ومعارف، ليس لك الحق في نقل خصوصيات الآخر ونقل أخباره. ويجب على المتزوجين أن يحافظوا على خصوصياتهم لأنه «بكلامك تتبرّر وبكلامك تُدان». مثال لذلك المرأة التي أُمسِكت في ذات الفعل، وأراد الناس أن يرجموها ولا ينظروا لخطيتهم، أمّا السيد المسيح فعالج الأمر بمنتهي الستر إذ انحنى وكان يكتب على الأرض، وبعض الآباء يقولون إنه كتب خطيتهم، وعندما رأوا خطيتهم أنزلوا الحجارة ومضوا، «وقال: إما دانك أحد؟... اذهبي ولا تخطئي»، وانتهت القصة.
ب- حفظ خصوصيات سر الاعتراف: سر الاعتراف أحد الأسرار الأساسية في حياة كنيستنا، وهو يضبط ميزان ومسار الحياة الروحية للإنسان، ويضبط الطريق الروحي. وأب الاعتراف هو الكاهن والمرشد، وكل ما يسمعه في سر الاعتراف يجب أن يُحفَظ تمامًا. والكاهن الذي يفشي أسرار الاعتراف يستوجب العقاب. ولكن بعض الناس يعتقدون أن الكاهن يفشي سر الاعتراف لأنه قال حكاية في عظة، وقالها بدون تفاصيل، ولكن الناس تكون حساسة. سرية سر الاعتراف هي أحد صور الستر، ولذلك ممارسة سر الاعتراف من أصعب الممارسات التي يمارسها الكاهن، لأنه تتجمع عنده أحوال وخصوصيات آخرين، ولا يستطيع أن ينطق بحرف. وأحيانًا يكون في مأزق خطير عندما يسأله أحد في موضوع الارتباط، فيكون هناك نزاع بداخله. وأنصح الكاهن أن يتحلّى بالحكمة دون أن يفشي أي سر. استر على غيرك ما دمت محتاجًا للستر.
كيف نقتني فضيلة الستر؟
أ- تذكر ستر الله لك: الله يستر علينا جميعًا، ومن لا يشعر بستر الله ويشكره عليه كل يوم هو إنسان جاحد.
ب- تعلم أن تحب الآخرين مهما كانوا: أحبب الجانب الحلو الذي في الإنسان، الله عندما تحدث مع زكا والسامرية واللص اليمين اهتم بالكلمة الحسنة التي قالوها اعتبرها توبة، وركز في هذه الكلام ولم يركز في باقي الأخطاء السابقة، «لتكن محبتكم بعضكم لبعض شديدة لأن المحبة تستر كثرة من الخطايا»، و مار أفرام السرياني يقول: "التلذذ بعيوب الآخرين يدل أننا ممتلئين بغضة"، والقديس مكاريوس الكبير يقول: "يا أخي احكم على نفسك قبل أن يحكموا عليك"، والقديس موسي الأسود عندما سألوه ان يحضر محاكمة واحد من الرهبان، دخل معه جوال من الرمل وقال: "هذه خطاياي تجرى وارئي ولا أبصرها، وقد جئت اليوم لأحكم على غيرى". يجب أن نعيش بهذا الكلام، ونغيّر من سلوكنا، ونعرف أن الذي يسير في طريق السماء يتمتع بنعمة الستر من الله، وهو أيضا يستر على الآخرين.
ج- تعلم أن لا تدين غيرك: وقد يتساءل البعض لماذا يوجد مجالس تأديب؟ ولكن هذا نظام في إدارة العمل. الأنبا أنطونيوس يقول: "لا تدن غيرك لئلا تقع في أيدي أعدائك". الذي يدين يقع في نفس الخطية التي أدان عليها، و"إذا أدنّا أنفسنا، لا يبقي لنا وقت لندين الآخرين"، "ليس أفضل أن يرجع الإنسان بالملامة على نفسه في كل شيء" العبارات كثيرة جدًا في موضوع الستر، لكن خلاصة الأمر أنك عندما تصلي صلاة الشكر وتقول "أشكرك يا رب لأنك سترتنا"، سترت حياتي في الماضي والحاضر، وسترت أسرتي الكبير والصغير فيها، وسترت على أصدقائي وعلى خدمتي وكنيستي ومجتمعي نعمة الستر نعمة غالية، حاول أن تشعر بها، واستر على كل من تعرفهم، وتعلم هذه الفضيلة.
قداسة البابا تواضروس الثانى

عدد الزيارات 4304

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل