أنا هو خبز الحياة

04 مايو 2025
Large image

فقال لهم يسوع أنا هو خبز الحياة، من يُقبل إلى فلا يجوع، ومن يؤمن بي فلا يعطش إلى الأبد» لقد سألت السامرية المسيح أن يعطيها من مائه الحي لكي لا تعطش، فأعطاها نفسه فقبلته وهنا، وعلى نفس المستوى، لما طلب منه اليهود أن يعطيهم من خبز الله الحقيقي، أشار إلى نفسه، وقال لهم: أنا هو خبز الحياة. فلو كانوا قد قبلوا منه عطية نفسه، لما جاعوا العطية جاهزة أمامهم والخبز حاضر. ولو فتشوا الكتب لوجدوه، إنه هو الحياة الأبدية خبزاً وماء. فهو هنا يجمع الأكل والشرب معاً، فهو الطعام السماوي الكلي والكافي، الذي هنا نأكله ونشربه بالسر، وأما هناك فنشبع ونرتوي منه بالحق إلى الأبد المسيح يقدم نفسه لليهود ولنا كطعام حقيقي : مأكل حق يدوم هنا وفي السموات، ولا ينقطع قط. فالشبع من المسيح هو شبع إلهي سمائي لا يؤول إلى جوع دنيوي قط. والارتواء من المسيح هو ارتواء الروح بالروح. فينبوع المسيح سمائي إلهي ينسكب بجملته في أحشاء الإنسان لينبع فيـــه ومنه، هذا وعد المسيح وعمل الروح الذي يجري الآن أمام عيوننا، وطوبى لمن يرى ويسمع نعم، هذا الكلام حلو كشهد العسل، ولكن هناك فرق بين من يشتهي عطايا المسيح، ومن يشتهي المسيح نفسه فالجليليون كانوا مثل المرأة السامرية، عندما سمعوا هذا الكلام الحلو الذي يقطر عسلاً، طالبوه أن يعطيهم إياه، ولقبوه بالسيد تملقاً، لعلهم يفوزون بعطاياه، ولكن كاشف القلوب والكلى أدرك أنهم يقبلون عطاياه ولا يقبلونه هو، ويؤمنون بمنفعــــة مواهبه، ولا يؤمنون به هو فوضع لهم الشرط كالمشرط: (عطاياي لمن يقبل إلي، وغناي لمن يؤمن بي ) أنا هو خبز الحياة المسيح هنا اعتبر نفسه خبزاً لنوال الحياة الأبدية، حيث أن المسيح والخبز الذي يعطيه كلاهما يهب الحياة الأبدية. فالمسيحفيه الحياة ويعطي حياة، لأن المسيح حي ومحيي : «لأني أنا حي، فأنتم ستحيون». وخبز الحياة، هو كذلك خبز حي، فهو يعطي الحياة لأنه خبز الله، لأنه جسد المسيح. فالتطابق الذي يجعله المسيح بين كيانه الحي المحيي، وبين كيان الخبز الحي هو تطابق كلي؛ لذلك يعود المسيح بعد ذلك ويوضح هذا التطابق هكذا: «أنا هو الخبز الحي». وهنا يكمن سر التجسد العجيب الرهيب على مستوى اتحاد الكيان الإلهي بـ الجسد البشري المولود من الروح القدس اتحاداً سرياً كاملاً أبدياً والحيرة التي يقع فيها العقل الذي لم يقبل سر التجسد تكون حيرة حقيقية، إذ كيف يمكن للمسيح وهو إنسان أن يكون خبزاً؟؟!! والخبز كما هو معروف أنه يؤكل لقوام الحياة الجسدية؛ أما للذين قبلوا سر التجسد، أي بالإيمان بالمسيح الكلمة المتجسد، يصير من السهل عليهم أن يدركوا سر الإفخاريستيا في قول الرب : « الخبز الذي أنا أعطي هو جسدي». فهذا هو غاية التجسد، فالمسيح تجسد ليعطي جسده الحي للعالم، ليكون بذرة الخليقة الجديدة. هذه الحقيقة سرية للغاية، والذي يقبلها إنما يقبلها بالإيمان والخطأ الذي ارتكبه اليهود، والذي لا يزال يرتكبه العالم هو أنهم يريدون أن يعرفوا سر المسيح قبل أن يأتوا إليه ويؤمنوا به، وهذا مستحيل.والنصيحة العظمى التي نقدمها للناس جميعاً، هي أن يأتوا إليه بـــلا فحص، وأن يقبلوه ويؤمنوا به لتنفتح عيونهم وقلوبهم، ويدركوا ســـــر المسيح والله، وسر الحياة الأبدية، بكل يقين.
والمسيح في قوله إنه يعطي جسده يصير فاعلاً: «أنا هو»، ومفعولاً به «جسدي بآن واحد، لذلك حينما يبذل جسده فهو يعطي نفسه في هذا الجسد ليصير الأكل من الجسد اتحاداً به وبالله الآب، وقوة هذا الاتحاد هي الحياة الأبدية. في الحقيقة إن هذا اللقب هو من أبسط ألقاب المسيح التي أطلقها على نفسه، ولكن في نفس الوقت أعماقه لا تجارى ولا تُحد.ليس في جميع الأسرار التي تصادفنا في حياة المسيح وأقواله ومعجزاته ما يُعادل هذا السر الرهيب سر الخلود الذي أبقى المسيح إعلانه حتى آخر ساعة من حياته. ففي الليلة التي كان مزمعاً أن يُسلّم فيها نفسه للموت من أجل حياة العالم، جلس مع تلاميذه ومهد للسر بإعلانه حبه الخاصته الذين في العالم، حباً وصفه المسيح أنه حتى المنتهى (يو ١٣: ١) والمسيح لم يكن مغالياً حينما قال: «أنا هو خبز الحيـــاة». إذ أنه في العشاء الفصحي الأخير، عندما أخذ الخبز على يديه، ونظر إلى فوق، بــــه روح الحياة الأبدية. فحمل الخبز، ذات الحياة الأبدية التي في جسده، فصار الخبز الطبيعي معادلاً لجسده الإلهي الحي، أي خبزاً للحياة. وتمادى المسيحفي إجراء السر، إذ كسر الخبز من واقع ما سيتم على الصليب، وهكذا بث الخبز الحي موته المحيي، أي حمله قوة الفداء والغفران بآن واحد. وهكذا أصبح كل من يأكل من هذا الجسد يعبر - كما عبر المسيح - بالجسد من الموت إلى الحياة، أي صارت في هذا الخبز الحي قوة القيامة من الأموات.
وبإعطاء المسيح الخبز حاملاً روح الحياة الأبدية، وسر كسر الجسد على الصليب؛ يكون قد أعطانا سر الشركة الكاملة في موته وحياته. والشركة هنا ليست مجازاً بل فعلاً وتحقيقاً، وهذا يُثبته ويُحققه قوله: "من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت في وأنا فيه. هنا الثبوت المتبادل، هو حالة تواجد للمسيح دائم في حياة الإنسان، والذي يؤهله حتماً للحياة الأبدية من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير» من هنا أصبح الأكل من الجسد، أي الخبز المتحول، ليس مأكلاً عادياً؛ بل هو مأكل حقيقي وإلهي بالدرجة الأولى. لذلك نبه المسيح ووعى: «لأن جسدي مأكل حق». لأجل هذا أصبح الأكل من الجسد له فاعلية إيمانية سرية صادقة ومباشرة للثبوت في المسيح كثبوت المثيل على المثيل. وتكون النتيجة المباشرة لهذا الثبوت هو اندفاق الحياة الأبدية التي للمسيح في الشخص الذي يتناول من جسده ودمه، وتصبح الحياة الأبدية مفتوحة عليه، وبالتالي وبالضرورة تكون القيامة التي هي مصدر الحياة الأبدية قائمة فيه.والمسيح هنا يكشف السر القائم في الإفخارستيا: أن من يأكل الخبز المتحول للجسد والخمر المتحول للدم يكون قد أكل المسيح شخصياً ويكون قد ظفر بسر الخلود. ومن هنا كان تعريف الشهيد إغناطيوس 66 دو للتناول من الجسد والدم أنه بمثابة تعاطي ترياق عدم الموت أي دواء الخلود، ذلك لأن فيها أولاً : شفاء، أي مغفرة الخطايا، وثانياً: النصرة على الموت والظفر بالحياة الأبدية.
المتنيح القمص متى المسكين

عدد الزيارات 24

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل