شَرِيعِة مُدُن الْمَلْجَأ

08 ديسمبر 2019
Large image

وَمِنْ هذِهِ التَّدَابِير الرَّائِعَة شَرِيعِة مُدُنْ الْمَلْجَأ الَّتِي نَوِدْ أنْ يَقُودَنَا رُوح الله فِي رِحْلَة هَادِئَة مَعَهَا لِنَتَعَرَّفْ عَلَى أهْدَافْهَا وَمَقَاصِدْهَا وَبَرَكَاتْهَا وَلاَبُدْ أنْ نَأخُذْ فِكْرَة أوَّلاً سَرِيعَة عَنْ هذِهِ الشَّرِيعَة مِنْ خِلاَل الإِطِّلاَع عَلَى هذِهِ الأجْزَاء المُقَدَّسَة( تث 19 ؛ يش 20 ؛ عد 35 ){ مَتَى قَرَضَ الرَّبُّ إِلهُكَ الأُمَمَ الَّذِينَ الرَّبُّ إِلهُكَ يُعْطِيكَ أَرْضَهُمْ وَوَرِثْتَهُمْ وَسَكَنْتَ مُدُنَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ تَفْرِزُ لِنَفْسِكَ ثَلاَثَ مُدُنٍ فِي وَسَطِ أَرْضِكَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ لِتَمْتَلِكَهَا تُصْلِحُ الطَّرِيقَ وَتُثَلِّثُ تُخُومَ أَرْضِكَ الَّتِي يَقْسِمُ لَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ فَتَكُونُ لِكَيْ يَهْرُبَ إِلَيْهَا كُلُّ قَاتِلٍ . وَهذَا هُوَ حُكْمُ الْقَاتِلِ الَّذِي يَهْرُبُ إِلَى هُنَاكَ فَيَحْيَا . مَنْ ضَرَبَ صَاحِبَهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَهُوَ غَيْرُ مُبْغِضٍ لَهُ مُنْذُ أَمْسِ وَمَا قَبْلَهُ وَمَنْ ذَهَبَ مَعْ صَاحِبِهِ فِي الْوَعْرِ لِيَحْتَطِبَ حَطَباً فَانْدَفَعَتْ يَدُهُ بِالْفَأْسِ لِيَقْطَعَ الْحَطَبَ وَأَفْلَتَ الْحَدِيدُ مِنَ الْخَشَبِ وَأَصَابَ صَاحِبَهُ فَمَاتَ فَهُوَ يَهْرُبُ إِلَى إِحْدَى تِلْكَ الْمُدْنِ فَيَحْيَا لِئَلاَّ يَسْعَى وَلِيُّ الدَّمِ وَرَاءَ الْقَاتِلِ حِينَ يَحْمَى قَلْبُهُ وَيُدْرِكَهُ إِذَا طَالَ الطَّرِيقُ وَيَقْتُلَهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْمَوْتِ لأَنَّهُ غَيْرُ مُبْغِضٍ لَهُ مُنْذُ أَمْسِ وَمَا قَبْلَهُ . لأِجْلِ ذلِكَ أَنَا آمُرُكَ قَائِلاً ثَلاَثَ مُدُنٍ تَفْرِزُ لِنَفْسِكَ . وَإِنْ وَسَّعَ الرَّبُّ إِلهُكَ تُخُومَكَ كَمَا حَلَفَ لآِبَائِكَ وَأَعْطَاكَ جَمِيعَ الأَرْضِ الَّتِي قَالَ إِنَّهُ يُعْطِي لآِبَائِكَ . إِذْ حَفِظْتَ كُلَّ هذِهِ الْوَصَايَا لِتَعْمَلَهَا كَمَا أَنَا أُوصِيكَ الْيَوْمَ لِتُحِبَّ الرَّبَّ إِلهَكَ وَتَسْلُكَ فِي طُرُقِهِ كُلَّ الأَيَّامِ فَزِدْ لِنَفْسِكَ أَيْضاً ثَلاَثَ مُدْنٍ عَلَى هذِهِ الثَّلاَثَ . حَتَّى لاَ يُسْفَكَ دَمُ بَرِيٍّ فِي وَسَطِ أَرْضِكَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيباً فَيَكُونَ عَلَيْكَ دَمٌ . وَلكِنْ إِذَا كَانَ إِنْسَانٌ مُبْغِضاً لِصَاحِبِهِ فَكَمَنَ لَهُ وَقَامَ عَلَيْهِ وَضَرَبَهُ ضَرْبَةً قَاتِلَةً فَمَاتَ ثُمَّ هَرَبَ إِلَى إِحْدَى تِلْكَ الْمُدُنِ يُرْسِلُ شُيُوخُ مَدِينَتِهِ وَيَأْخُذُونَهُ مِنْ هُنَاكَ وَيَدْفَعُونَهُ إِلَى يَدِ وَلِيِّ الدَّمِ فَيَمُوتُ لاَ تُشْفِقْ عَيْنُكَ عَلَيْهِ فَتَنْتَزِعَ دَمَ الْبَرِيِّ مِنْ إِسْرَائِيلَ فَيَكُونَ لَكَ خَيْرٌ }( تث 19 : 1 – 13) نَجِدْ أنَّ الله يُدَافِعْ عَنْ الَّذِي يُقْتَل سَهْواً بِغَيْرِ عَمْدٍ أوْ بُغْضَه وَيَأمُر بِإِقَامِة مُدُن مَلْجَأ لِيَحْتَمِي فِيهَا فَأمَرَ الله مُوسَى بِإِقَامِة ثَلاَث مُدُن شَرْق الأُردُن وَأكْمَلَهُمْ يَشُوع بِثَلاَث مُدُن أُخْرَى غَرْب الأُرْدُن لِكَيْ يَحْتَمِي فِيهَا كُلُّ قَاتِل نَفْس سَهْواً وَبِغَيْرِ عَمْدٍ وَيَسْكُنْ فِي تِلْكَ المَدِينَة حَتَّى يَقِفْ أمَام الجَمَاعَة لِلقَضَاء وَلاَ يَخْرُج مِنْهَا إِلاَّ بَمَوْتِ الكَّاهِنْ العَظِيمْ ثُمَّ يَرْجِعْ إِلَى مَدِينَتِهِ وَبَيْتِهِ وَاهْتَمَّ الله أنْ تَكُون المُدُن مُوَزَعَة تَقْرِيباً عَلَى حُدُود مِسَاحِة الأرْض بِحَيْثُ تَكُون فِي وَسَطْ الأسْبَاط وَالطُّرُق المُؤَدِيَة إِلَيْهَا تَكُون مُصْلَحَة وَوَاضِحَة كَلِمَة " مَلْجَأ " تَأتِي مِنْ لَجَأَ وَلَجَأَ إِلَى الشِئ أوْ المَكَان أي إِعْتَصَمَ بِهِ وَلاَذَ بِهِ وَاسْتَنَدَ إِلَيْهِ وَالمَلْجَأ هُوَ المَلاَذْ أوْ المُعْتَصَمْ وَكَانَ تَوْزِيع مُدُن المَلْجَأ يَجْعَل مِنْ القَاتِلْ سَهْواً أنْ يَهْرَب إِلَى إِحْدَاهَا قَبْل أنْ يُدْرِكَهُ وَلِيِّ الدَّم( المُنْتَقِمْ ) وَكَانَ وَلِيِّ الدَّم فِي إِسْرَائِيل قَدِيماً هُوَ أقْرَب الذُّكُور إِلَى القَتِيلْ وَكَانَ مُلْتَزِماً بِأخَذْ الثَّأر لِقَرِيبُه المَقْتُول ( عد 35 : 19) وَمِنْ هُنَا كَانَ ضَرُورَة لِتَدَخُّل إِلهِي لِحِمَايِة القَاتِلْ السَهْو فَسَمَحَ الله وَدَبَّر بِإِقَامِة مُدُن المَلْجَأ وَهُنَا يَجِبْ أنْ نَدْخُلْ فِي عُمْق التَّدْبِير الإِلهِي لِنَعْرِف مَا هُوَ المَعْنَى الرُّوحِي لِمَدِينِة المَلْجَأ ؟
المَفْهُوم الرُّوحِي لِمَدِينِة المَلْجَأ :-
سَفْك الدَّم :-
فِي ( تك 9 : 6 ) نَجِدْ أبْنَاء نُوحٌ تُقَدَّم لَهُمْ وَصَايَا أنَّ مَنْ يَسْفِك دَم إِنْسَان يُسْفَكُ دَمَهُ إِنْتِقَاماً لِلدَّم وَلكِنْ فِي حَالِة سَفْك دَم خَطَأ وَلَيْسَ عَنْ عَمْد أوْ بُغْضَه أمَرَ الله بِإِقَامِة مُدُن مَلْجَأ يَحْتَمِي فِيهَا القَاتِلْ سَهْواً وَأوْصَى الله بِتَحْدِيدْ ثَلاَث مُدُن وَإِذْ كَانَ الشَّعْب إِقْتَرَبَ مِنْ الدُّخُول إِلَى أرْض المَوْعِدْ قَدَّم لَهُمْ تَوْجِيهَات بِإِقَامِة ثَلاَث مُدُن أُخْرَى بَعْدَ عُبُورِهِمْ الأُرْدُن .. { وَإِنْ وَسَّعَ الرَّبُّ إِلهُكَ تُخُومَكَ كَمَا حَلَفَ لآِبَائِكَ وَأَعْطَاكَ جَمِيعَ الأَرْضِ الَّتِي قَالَ إِنَّهُ يُعْطِي لآِبَائِكَ فَزِدْ لِنَفْسِكَ أَيْضاً ثَلاَثَ مُدْنٍ عَلَى هذِهِ الثَّلاَثِ حَتَّى لاَ يُسْفَكَ دَمُ بَرِيٍّ فِي وَسَطِ أَرْضِكَ } ( تث 19 : 8 – 10) الله يُرِيدْ أنْ يُوقِفْ تَيَار الدَّم لِذلِك حَدَّدٌ هذِهِ المُدُن وَأسْمَائِهَا وَمَوَاقِعْهَا وَشُرُوطْهَا هُنَا نَجِدْ مَجَالاً وَاسِعاً لِنِعْمَة الله الَّتِي سَمَتْ وَتَسْمُو دَائِماً فَوْقَ ضَعَفَات الإِنْسَان وَسَقَطَاتُه فَالله يَهْتَمْ بِالضُّعَفَاء حَتَّى أنَّهُ يَنْظُر إِلَى قَاتِلْ النَّفْس سَهْواً وَلاَ يَتْرُكَهُ بَلْ يُدَبِّر لَهُ مَلْجَأً يَحْتَمِي فِيهِ لِيَضْمَنْ سَلاَمَتِهِ وَأمْنِهِ .
مُدُن المَلْجَأ ضِمْنَ مُدُن اللاَّوِيِيِّن :-
وَلاَبُدْ أنْ نَعْرِف أنَّهُ حِينَ دَخَلَ الشَّعْب أرْض المِيعَاد تَمَّ تَقْسِيم الأرْض عَلَى الأسْبَاط أمَّا سِبْط لاَوِي فَلَمْ يُعْطِهِ مُوسَى نَصِيباً بِحَسَبْ وَعْد الرَّبَّ لَهُمْ .. { الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ هُوَ نَصِيبُهُمْ كَمَا كَلَّمَهُمْ } ( يش 13 : 33 ) وَبَعْدَ أنْ تَمَّ تَقْسِيمْ الأرَاضِي عَلَى الأسْبَاط أمَرَ الرَّبَّ إِعْطَاء اللاَّوِيِّين مُدُن خَاصَّة بِهِمْ لِيَسْكُنُونَ وَسَطْ الأسْبَاط وَحَدَّدْ لَهُمْ ثَمَانٍ وَأرْبَعُونَ مَدِينَة مَعَ مَسَارِحْهَا" أي المِسَاحَة الَّتِي حَوْلَهَا " ( يش 21 : 41 ) .
وَصْف مُدُن المَلْجَأ :-
{ أَوْصِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُعْطُوا اللاَّوِيِّينَ مِنْ نَصِيبِ مُلْكِهِمْ مُدُناً لِلسَّكَنِ وَمَسَارِحَ لِلْمُدُنِ حَوَالَيْهَا تُعْطُونَ اللاَّوِيِّينَ فَتَكُونُ الْمُدُنُ لَهُمْ لِلسَّكَنِ وَمَسَارِحُهَا تَكُونُ لِبَهَائِمِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَلِسَائِرِ حَيَوَانَاتِهِمْ . وَمَسَارِحُ الْمُدُنِ الَّتِي تُعْطُونَ اللاَّوِيِّينَ تَكُونُ مِنْ سُورِ الْمَدِينَةِ إِلَى جِهَةِ الْخَارِجِ ألْفَ ذِرَاعٍ حَوَالَيْهَا فَتَقِيسُونَ مِنْ خَارِجِ الْمَدِينَةِ جَانِبَ الشِّمَالِ أَلْفَيْ ذِرَاعٍ وَتَكُونُ الْمَدِينَةُ فِي الْوَسْطِ هذِهِ تَكُونُ لَهُمْ مَسَارِحَ الْمُدُنِ } ( عد 35 : 2 – 5 ) كَانَتْ كُلَّ مَدِينَة مِمَّا يُعْطَى لِلاَّوِيِّين تَتَوَسَط الضَّوَاحِي( المَسَارِح ) الَّتِي تُحِيطْ بِهَا مِنْ الجِهَات الأرْبَعْ بِعَرْض ثَلاَثَة آلاَف ذِرَاع مِنْ سُور المَدِينَة إِلَى الخَارِج مِنْ كُلَّ جِهَة الألْف ذِرَاع تُخَصَّص لإِقَامِة مَسَاكِنْ العَبِيدْ وَحَظَائِر المَوَاشِي وَالحَيَوَانَات الأُخْرَى وَمَخَازِنْ لِلغِلاَل وَالثِّمَار وَرُبَّمَا زَرَعُوا بِهَا بَسَاتِين وَكُرُوم وَالألْفَيّ ذِرَاعٍ تُخَصَّص كَمَرَاعٍ لِلمَاشِيَة وَالأغْنَام وَقَدْ دَبَّرَ الله بِحِكْمَتِهِ إِقَامِة القَاتِلْ بَيْنَ الكَهَنَة وَاللاَّوِيِّين وَهُمْ مُعَلِّمُوا الشَّرِيعَة فَيَحْمُونَهُ بِمُوجَبْ القَانُون الإِلهِي وَيَكُونْ أيْضاً تَحْت رِعَايَتِهِمْ الرُّوحِيَّة فَيَفْتَقِدُونَهُ وَيُعَلِّمُونَهُ وَهُنَا يُعْلِنْ الله إِهْتِمَامُه بِخُدَّامُه الَّذِينَ لاَ يَرِثُونَ أرْضاً لكِنَّهُمْ يَسْكُنُون فِي مُدُن مُعَيَّنَة خَصَّص بَعْضٍ مِنْهَا كَمَلْجَأ لِلَّذِينَ يَقْتِلُونَ إِنْسَاناً سَهْواً وَكَأنَّ الله أرَادَ أنْ يُعَرِّف الشَّعْب أنَّ غَايِة الكَهَنَة هُوَ إِرْشَادَهُمْ إِلَى السَيِّدْ الْمَسِيح المَلْجَأ الحَقِيقِي الَّذِي فِيهِ يَخْتَفِي المُؤمِنُون مِنْ الشَّر وَالشِّرِّير الله أقَامَ الكَهَنَة وَسَطْ الشَّعْب لأِجْل التَّعْلِيمْ وَالقَضَاء{ يُعَلِّمُونَ يَعْقُوبَ أَحْكَامَكَ وَإِسْرَائِيلَ نَامُوسَكَ }( تث 33 : 10)تَخَيَّلْ مَعِي أنَّ القَاتِلْ سَيَسْكُنْ وَسَطْ الكَهَنَة يَسْمَعَهُمْ يُرِتِلُون وَيُسَبِّحُون وَيَنْصِتْ إِلَى تَفْسِير الشَّرِيعَة هذَا الأمر سَيَجْعَلَهُ فِي تَعْزِيَة وَمَسَرَّة لأِنَّنَا لاَ نَنْسَى أنَّ هذَا الشَّخْص إِنْفَصَلَ عَنْ عَائِلَتُه وَأحِبَّائُه وَانْتَقَلَ إِلَى حَيَاة جَدِيدَة فِي مَدِينَة لاَ يَعْرِف فِيهَا أحَدٌ وَلكِنَّهَا مُعَدَّه بِالأفْرَاح وَمَمْلُؤَة بِالأمْن السَّلاَم .
الله مَلْجَأنَا :-
هذِهِ المُدُن هِيَ نَصِيب لِلرَّبَّ إِنَّهَا إِشَارَة إِلَى أنَّ الله مَلْجَأ الخُطَاة .. وَإِذْ كَانَ اللاَّوِيِّين يَحْمُون القَتِيل بِحَسَبْ الشَّرِيعَة وَهُوَ يَعِيش فِي وَسَطِهِمْ فَلِذلِك كَانَ قَتْل إِنْسَان يَحْتَمِي بِمُدُن المَلْجَأ هُوَ إِهَانَة لله وَلاَ يُوْجَدٌ أي سِلاَحٌ يَحْمِي القَاتِلْ دَاخِلْ مَدِينَة المَلْجَأ سِوَى كَلِمَة الله وَوَعْدُه وَهذَا يُشِير إِلَى أنَّ وَعْد الله وَكَلِمَتَهُ فِيهَا حِمَايَة كِفَايَة لَنَا فَنَحْنُ نَثِق فِي أنَّ مَوَاعِيدُه صَادِقَة وَغَيْر كَاذِبَة فَهُوَ الأمِين عَلَى غُفْرَان خَطَايَانَا وَهُوَ الَّذِي سُرَّ أنْ يُعْطِينَا المَلَكُوت .
الخَلاَص وَمُدُن المَلْجَأ :-
نُلاَحِظْ أنَّ مُوسَى النَّبِي أوْصَى بِالمُدُن وَلكِنْ بَعْد دُخُولَهُمْ إِلَى كَنْعَان ثُمَّ قَامَ بِبُنَائَهُمْ يَشُوع{ اجْعَلُوا لأَنْفُسِكُمْ مُدُنَ الْمَلْجَإِ كَمَا كَلَّمْتُكُمْ عَلَى يَدِ مُوسَى } ( يش 20 : 2 ) إِذاً النَّامُوس أوْصَى وَيَشُوع تَمَّمْ وَعَمَلْ لِيَصِير يَسُوع هُوَ المَلْجَأ الحَقِيقِي الله مَالِك السَّمَاء وَالأرْض وَهَبْ شَعْبُه أرْض المَوْعِد بِكُلَّ مَا فِيهَا مِنْ مُدُن ثُمَّ عَادَ وَطَلَبْ أنْ يَكُون لَهُ ثَلاَث مُدُن فِي كُلَّ ضَفَّة تُنْسَبْ لَهُ يَلْجَأ إِلَيْهَا الطَّالِبُونَ رَحْمَتَهُ مَا أعْظَمْ تَدَابِير عَمَلْ الله المُعْتَنِي بِكُلَّ أحَدٌ الَّذِي أنْقَذَنَا مِنْ حُكْم المَوْت الأبَدِي المُؤَكَدْ إِذْ أرْسَلْ إِبْنَهُ الوَحِيدْ لِيَكُون لَنَا مَلْجَأً حَصِيناً فَنَحْنُ الَّذِينَ كُنَّا أمْوَاتَاً بِالذُّنُوب وَالخَطَايَا الَّتِي سَلَكْنَا فِيهَا أحْيَانَا مَعَ الْمَسِيح .. لَقَدْ أنْقَذَ بِمَوْتِهِ عَلَى الصَّلِيب المُنْقَادِينْ إِلَى المَوْت المَمْدُودِينْ لِلقَتْلِ ( أم 24 : 11) وَرَفَعْنَا مِنْ أبْوَاب المَوْت ( مز 9 : 13) إِذْ بَذَلَ نَفْسَهُ فِدَاءً عَنَّا وَبِذلِك تُشِير مَدِينِة المَلْجَأ إِلَى الْمَسِيح مُخَلِّص العَالَمْ الَّذِي حَلَّ بَيْنَنَا ( يو 1 : 14) وَلَمْ يَعُدْ بَعِيداً عَنَّا بَلْ إِقْتَرَبَ إِلَيْنَا جِدّاً لِيَصِير حِصْنَنَا فِيهِ نَتَحَرَّر مِنْ الدَّيْنُونَة ( رو 8 : 1) تَطَّلْع أشْعِيَاء النَّبِي إِلَى هذِهِ المَدِينَة الفَرِيدَة فَقَالَ { مَدِينَةٌ قَوِيَّةٌ يَجْعَلُ الْخَلاَصَ أَسْوَاراً وَمَتْرَسَةً }( أش 26 : 1) وَأوْضَح أشْعِيَاء وَقَالَ { يَكُونُ إِنْسَانٌ كَمَخْبَإٍ مِنَ الرِّيحِ وَسِتَارَةٍ مِنَ السَّيْلِ}( أش 32 : 2 ) .
مَدِينِة المَلْجَأ وَالْمَسِيح :-
وَجَدْنَا شَخْص رَبَّنَا يَسُوع الْمَسِيح فِي تَجَسُّدِهِ بِالحَقَّ مَلْجَأً حَصِيناً لِكُلَّ مَنْ أتَى إِلَيْهِ صَارَ مَلْجَأً لِلمَرْأة الخَاطِئَة بِالرَّغْم مِنْ وُجُودْهَا فِي بَيْت الفَرِّيسِي فَأوْقَفْ الإِنْتِقَادَات وَدَافَعْ عَنْهَا وَبَرَّرْهَا وَهِيَ صَامِتَة هَلْ رَأيْتَ مَلْجَأً مِثْلَ هذَا ؟ كَذلِك فَعَلَ مَعَ لاَوِي وَمَعَ زَكَّا وَالَّتِي أُمْسِكَتْ فِي ذَاتَ الفِعْل المَضْبُوطَة لِيُحْكَمُ عَلَيْهَا بِمَوْتٍ مُحَقَّق وَجَدْنَاه يُدَافِعْ عَنْهُمْ دُونَ أنْ يَطْلُبُوا مِنْهُ وَلكِنْ بِمُجَرَّدْ وُقُوفِهِمْ بِجَانِبِهِ هُوَ يُقَدِّم الحِمَايَة الكَافِيَة وَإِنْ إِتَهَمَهُ أحَدٌ بِحِمَايِة الخُطَاة !!! يُذَكِّرَهُمْ أنَّهُ لاَ يَحْتَاج الأصِحَاء إِلَى طَبِيب بَلْ المَرْضَى وَيُعَرِّفَهُمْ بِقِيمِة هذَا الَّذِي إِلْتَجَأَ إِلَيْهِ إِذْ هُوَ إِبْن إِبْرَاهِيم لأِنَّهُ جَاءَ لِيَطْلُبْ وَيُخَلِّص مَا قَدْ هَلَك .
الكَنِيسَة مَلْجَأنَا :-
وَلِيَضْمَنْ لَنَا دَوَام بَقَاء وَعْدَهُ بِسَلاَمِة الخَاطِئ طَالَمَا إِلْتَجَأَ إِلَيْهِ هَيَّأ لَنَا أرْوَع مَدِينِة مَلْجَأإِنَّهَا دَاخِلْ جَنْبَهُ المَطْعُون الَّذِي سَمَحَ أنْ يُفْتَح لِكَيْ نَدْخُلُ إِلَيْهِ وَنَسْكُنْ فِي عَرْشِ نِعْمَتِهِ وَيَكُونُ بِهذَا أسَّسْ كَنِيسَتُه الَّتِي هِيَ مَدِينَة المَلْجَأ الَّتِي تَحْمِلْ بَهَاء الْمَسِيح الَّذِي يُشْرِق عَلَى النِّفُوس إِنَّهَا تُنَادِي الجَمِيعْ إِهْرَبُوا إِلَى المَلْجَأ إِلَى الرَّجَاء الَّذِي يُقَدِّمَهُ لَكُمْ الْمَسِيح وَبِحَسَبْ تَعْبِير القِدِيس إِيرِينِيِئُوس أُسْقُفْ لِيُون يَنْبَغِي أنْ نَلْجَأ إِلَى الكَنِيسَة وَنَحْتَمِي فِي حِضْنَهَا وَنَرْضَعْ وَنَتَغَذَّى مِنْ أسْرَارِهَا الإِلَهِيَّة لأِنَّ الكَنِيسَة غُرِسَتْ فِي وَسَطْ العَالَمْ كَفِرْدُوس نَعِيمْ عَلَى الأرْض إِنَّهَا المَجَال الخِصْب لِعَمَلْ رُوح الله فَهِيَ إِسْتِمْرَار لِلبِشَارَة المُفْرِحَة حَيَّة وَحَاضِرَة وَدَائِمَة وَمَنْ هُوَ القَاتِلْ السَهْو الغِير مُبْغِض ؟هُوَ يُشِير لِلخَاطِئ الَّذِي هُوَ أنَا وَأنَا أقْتُلْ نَفْسِي سَهْواً رَغْم إِنِّي أعْلَمْ أنَّ أُجْرِة الخَطِيَّة مَوْت إِلاَّ إِنِّي دَائِمْ السَعْي إِلَيْهَا بِكُلَّ شَوْق وَاجْتِهَادْ وَأنْسَى أوْ أتَنَاسَى إِنِّي بِخَطَايَاي أذْهَبْ إِلَى الجَحِيمْ وَالهَلاَك وَهُنَا تَتَصَارَعْ رَغَبَات الإِنْسَان مَعَ حِيَلْ العَدُو فَيَدْخُلْ إِلَى اللامُبَالاَه فَالخَاطِئ يُرِيدْ أنْ يُحَقِّق رَغَبَات لَمْ يُدْرِك أنَّهَا لِهَلاَكُه فَهُوَ يَقْتُلْ نَفْسُه مَعَ أنَّهُ لاَ يُبْغِضْهَا فَهُوَ يَقْتُلْ بِغَيْر عِلْم " سَهْو " وَرَغْم مَحَبِّتْنَا لأِنْفُسَنَا إِلاَّ أنَّنَا نُهْلِكَهَا وَالسَيِّدْ الْمَسِيح الدَّيَان العَادِل يَنْظُر إِلَى الخَاطِئ أنَّهُ لاَ يُدْرِك هذَا مَا رَأيْنَاه فِيهِ حِينَ إِلْتَمَسَ العُذْر لِصَالِبِيه إِذْ قَالَ أنَّهُمْ لاَ يَدْرُونَ مَا يَفْعَلُون فَهُوَ مِنْ كَثْرِه صَلاَحُه جَعَلَ مِنْ تَعَدِّي الإِنْسَان عَدَم دِرَايَه وَحِينَ يَدْخُلْ الخَاطِئ فِي مَشَاعِر تَوْبَة حَقِيقِيَّة وَصَادِقَة يَكْتَشِفْ مِقْدَار الجَهْل وَالزِيف الَّذِي كَانَ يَحْيَاه فَيَصْرُخ خَطَايَا صِبَاي وَجَهْلِي لاَ تَذْكُر وَحِينَ يَتَضَرَّع الكَّاهِنْ أمَام الذَّبِيحَة عَنْ خَطَايَا شَعْبُه يَذْكُرْهَا { جَهَالاَت شَعْبَك }هذَا الشُّعُور أدْرَك مُعَلِّمْنَا بُولِس الرَّسُول الَّذِي كَانَ قَبْلاً يَضْطَهِدْ الْمَسِيحِيِّين وَيَظُنْ أنَّهُ يُقَدِّم خِدْمَة لله فَهُوَ لاَ يُدْرِك مَا يَفْعَلْ لِذلِك نَجِدَهُ يَعْتَرِف بِجَرْأة{ لكِنَّنِي رُحِمْتُ لأَنِّي فَعَلْتُ بِجَهْلٍ فِي عَدَمِ إِيمَانٍ } ( 1تي 1 : 13) فَإِنْ كَانَ قَتَلْ أوْ سَيَقْتِل أحَداً فَهُوَ يَعْتَرِف بِجَهْلٍ فَعَلْتُ ذلِك وَهذِهِ أرْوَع مَشَاعِر التَوْبَة الَّتِي تَجْلِب مَرَاحِمْ الله الغِير مُتَنَاهِيَة وَهيَ الإِعْتِذَار عَنْ الجَهْل وَلأِنَّ مَرَاحِمْ الله وَاسِعَة فَلَمْ يَشَأ أنْ يَجْعَلْ لِكُلَّ إِسْرَائِيل مَدِينَة مَلْجَأ وَاحِدَة بَلْ أمَرَ بِإِقَامِة سِتَّة مُدُن وَهذَا مَا سَوْفَ نَتَحَدَّث عَنْهُ .
القس أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا أنطونيوس محرم بك الاسكندرية
عن كتاب مدن الملجأ

عدد الزيارات 2489

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل