ضرورة التجسد الإلهيّ

09 ديسمبر 2019
Large image

بمناسبة صوم الميلاد، الذي نحتفل فيه بتجسد الكلمة في أحشاء العذراء القديسة مريم، يتساءل البعض: ألم تكن هناك وسيلة أخرى للخلاص؟ غاية التجسد الإلهيّ هو فداء الإنسان. فالله محب البشر دبّر خلاص الإنسان، والخلاص بدون موت أمرٌ ضد طبيعة الله:- الله له السلطان المطلق والقوة المطلقة، فلماذا لم يخلص الإنسان بقوته، بدون التجسد؟!!إن الله يليق به العدل والحق، آدم عندما أخطأ، وخالف الوصية، فعل ذلك بمحض إرادته الحره، فوجود الوصية: «وَأَوْصَى الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ قَائِلًا: مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلًا. وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا» (تك2: 16، 17). ووجود عقاب «لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوت»، دليل على الحرية، فحرية الإرادة التي منحها الله للإنسان، تجعل طبيعته قابلة للقداسة، وقابلة أيضًا للخطأ. يقول القديس مقاريوس الكبير: [إنك سيد نفسك، فإذا اخترت أن تهلك فطبيعتك تقبل التغير. وإذا اخترت أن تجدف أو أن تخلط سمومًا لكي تقتل إنسانًا ما، فلن يمنعك أو يعوقك أحد. فإذا أراد الإنسان، يمكنه أن يخضع لله ويسير في طريق البر ويضبط شهواته. فإن عقلنا هذا هو قوة متوازنة وقد أُعطيت له القدرة أن يخضع حركات وشهوات الخطية المخجلة] (عظات القديس مقاريوس15: 23). فكيف لله العادل أن يعاقب الإنسان على أمرٍ كان مجبرًا عليه؟!! فإذا رد اللهُ الإنسانَ، وخلصه بسلطانه وقوته، دون موت، يكون بذلك قد خرج من العدل. - ألم تكن توبة الإنسان كافية للخلاص؟! خطيئة آدم أحدثت فسادًا في الجنس البشريّ، يقول معلمنا القديس بولس الرسول: «وَكُنَّا بِالطَّبِيعَةِ أَبْنَاءَ الْغَضَبِ كَالْبَاقِينَ أَيْضًا» (أف2: 3)، فخطيئة آدم لم تكن خاصة به كشخص، فالبشرية كانت في صلب آدم حينما أخطأ، لذلك «بإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ وَهَكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ» (رو5: 12). يقول القديس أثناسيوس الرسولي: [لا تَقْدِر التوبة أن تُغَيِّر طبيعة الإنسان، بل كل ما تستطيعه هو أن تمنعه من أعمال الخطيئة. فلو كان تَعِدِّي الإنسان مجرد عمل خاطئ ولم يتبعه فساد، لكانت التوبة كافية. أما الآن بعد أن حدث التَعَدِّي، فقد تورّط البشر في ذلك الفساد الذى كان هو طبيعتهم ونُزِعَتْ منهم نعمة مُمَاثَلَة صورة الله. فما هى الخطوة التى يحتاجها الأمر بعد ذلك؟ أو مَن ذا الذي يستطيع أن يُعيد للإنسان تلك النعمة ويَرُدّه إلى حالته الأولى إلاَّ كلمة الله الذي خَلَقَ في البدء ـ كل شئ من العدم؟] (تجسد الكلمة7: 3، 4). لماذا تجسد الكلمة، ولم يترك الإنسان يموت؟ معنى أن الله يترك الإنسان يموت، وفقًا لنتيجة فعله ووجود عقاب هو عدل إلهيّ، ولكن صفات الله لا تتجزّأ، فالله عادل ورحيم في آنٍ واحد. وأيضًا إذا مات الإنسان فكأن الشيطان قد انتصر على الله، الذى خلق خليقة ولم يستطع أن يحميها. فحكم الموت يعني موت الإنسان موتًا أبديًا، وليس فقط موت الجسد. يقول القديس أثناسيوس الرسوليّ: [طالما طال الفساد الخليقة العاقلة، وكانت صنعة الله في طريقها إلى الفناء، فما الذى كان يجب على الله الصالح أن يفعله؟ أيترك الفساد يسيطر على البشر، والموت يسود عليهم؟ وما المنفعة إذًا من خلقتهم منذ البدء؟ لأنه كان أفضل بالحري ألاَّ يُخلقوا بالمرة من أن يُخلقوا وبعد ذلك يُهملوا ويفنوا. فلو أن الله قد أهمل ولم يبالِ بهلاك صنعته، لأظهر إهماله هذا ضعفه وليس صلاحه ... كان يجب إذًا أن لا يُترك البشر لينقادوا للفساد، لأن هذا يُعتبر عملًا غير لائق ويتعارض مع صلاح الله] (تجسد الكلمة6: 7، 8، 10). وان لم يمت الانسان يكون الله رحيمًا بغير عدل...اذ قد تساوى عنده وضع الإنسان وهو مخطئ .. كما ان الله سيكون حينئذ غير صادق لأنه قال للإنسان "موتا تموت"، وحاشا لله ان يكون غير عادل أو غير صادق... فما الحل اذًا والإنسان قد داس الوصية وأصبح مستوجبًا للموت؟ لذلك لكي تتحقق صفتا العدل والرحمة في الله، تجسد وأعدّ فداء الإنسان.
القمص بنيامين المحرقي

عدد الزيارات 790

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل