الراهب القمص بنيامين المحرقي

Large image

حاصل على بكالوريوس علوم زراعية 1990.
ماجستير علوم زراعية ومحاصيل كليه الزراعة جامعة المنيا 1994
بكالوريوس الكلية الإكليريكية بالمحرق
دبلوم من قسم اللاهوت معهد الدراسات القبطية 2012

المقالات (12)

03 يونيو 2024

الاستنارة عطية القيامة

يقول معلمنا القديس لوقا عن تلميذي عمواس: "حِينَئِذٍ فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ" (لو ٢٤ : ٤٥) ، وعندما فتح الرب ذهنهم، كان شفاء "النوس" هو عربون الفداء الذي نالته البشرية بقيامة مخلصنا الصالح. عندما خلق الله الإنسان نَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاة" (تك ٢: ۷) وبموجب هذه النفخة اكتسب الإنسان قوى جعلته على صورة الله، ومن هذه القوى العقل [الذهن، الفكر العقل الفهم ](سترونج (٣٥٦٣) لقد خلق الإنسان في حالة نقية قابلة للنمو في المعرفة والفهم. فيذكر القديس يوستينوس الشهيد [إن الكلمة الأزلي ينير العقول البشرية منذ البدء، فأخصبت بذورا (Sperma) منه وزرع فيه جذر الإدراك والفهم؛ لكي يكون عاقلاً] (الدفاع الثاني ۱۰). لكن الاستنارة يتعطل عملها بالخطية. فبسبب السقوط صارت هناك غمامة على عين الإنسان، بل أَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ لَأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً" (يو ۳ :۱۹) ، وابتعد الإنسان عن الله مصدر النور هكذا عاش الكتبة والفريسيين: عُمْيَانٌ قَادَةُ عُمْيَانِ" (مت ١٥: ١٤) يبصرون النور ولكن لا يدركونه يبصرون المعجزات والتعاليم النقية السامية فيقولون به شَيْطَانٌ" (يو ۱۰ :۲۰)، بينما الذين لهم البصيرة يقولون: لَيْسَ هَذَا كَلامَ مَنْ بِهِ شَيْطَانٌ. أَلَعَلَّ شَيْطَانًا يَقْدِرُ أَنْ يَفْتَحَ أَعْيُنَ الْعُمْيَانِ؟" (يو ۱۰ : ۲۱). بالقيامة نلنا الاستنارة ورد الإنسان إلى رتبته واستنارته الأولى. ما هو السبيل للاستنارة؟ ١- الكتاب المقدس يقودنا إلى الاستنارة ففي حديث السيد المسيح مع تلميذي عمواس قال لهما : أَيُّهَا الْغَبِيَّانِ وَالْبَطِينَا الْقُلُوبِ فِي الْإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ ابْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا الأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُب" (لو ٢٤: ٢٥-٢٧)، فعلمنا أن نبحث عن الاستنارة في كلام الله، الذي يهب نقاوة للنفس كما قال لتلاميذه: أَنْتُمُ الآنَ أَنْقِيَاءُ لِسَبَبِ الكلامِ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ" (يو ٣:١٥). أما عدم قدرة التلاميذ على إدراك النبوات التي قيلت عنه، فكان بسبب عدم امتلاكهم الذهن المفتوح، بدليل إنه بعد حلول الروح القدس طفقوا يفسرون النبوات(أع ٤ : ٢٥ ؛٣: ۲۲، ٢٣، ۸ :۳۵). ٢- الأسرار ونعمة الروح القدس تمنحنا الاستنارة بالقيامة أعطانا الأسرار الكنسية التي نحصل عن طريقها على استحقاقات الفداء الذي تم على الصليب وبالتالي الاستنارة الروحية. ويقول معلمنا بولس الرسول الإِنْسَانَ الطَّبِيعِيُّ لا يَقْبَلُ مَا لِرُوحِ اللَّهِ لأَنَّهُ عِنْدَهُ جَهَالَةٌ وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَعْرِفَهُ" (١كو ٢ : ١٤) الإنسان الطبيعي هو الذي لم يولد الميلاد الثاني ولم ينل نعمة الروح القدس وبالتالي ليس لديه القدرة على إدراك الإيمانيات التي لا يمكن فهمها إلا بواسطة الاستنارة التي يعطيها الروح القدس. لاحظ إن القديس بولس قال: "لا يَقْبَلُ مَا لِرُوح الله"، أي إنه لا يسمح للحقائق الإلهية أن تلج إلى قلبه. ٣- الصلاة والزهد طريقنا إلى الاستنارة أحاط جيش آرام بأليشع النبي ولكنه لم يخف لأنه كان يملك الاستنارة، بينما خاف جيحزي لأن محبته للمادة أعمت استنارته رغم إنه خادم أليشع، لكن بصلاة اليشع: "يَا رَبُّ فَأَبْصَرَ، وَإِذَا الْجَبَلُ مَمْلُوءٌ افْتَحْ عَيْنَيْهِ فَيُبْصِرَ. فَفَتَحَ الرَّبُّ عَيْنِي الْغُلَامِ خَيْلًا وَمَرْكَبَاتِ نَارٍ حَوْلَ أَلِيشَعَ" (٢ مل ٦ :١٧). لنجاهد يا إخوتي ونصلي ليهبنا المسيح القائم حياة الاستنارة، حسب قول القديس بولس الرسول: "مُسْتَنِيرَةً عُيُونُ أَذْهَانِكُمْ، لِتَعْلَمُوا مَا هُوَ رَجَاءُ دَعْوَتِهِ، وَمَا هُوَ غِنَى مَجْدِ مِيرَاثِهِ فِي الْقِدِّيسِينَ" (أف ۱: ۱۸). القمص بنيامين المحرقي
المزيد
26 ديسمبر 2022

لماذا التجسد؟

٢- لكي نعرف الله : يقول القديس أثناسيوس الرسولي : [ لأنه أية منفعة للمخلوقات لو أنها لم تعرف خالقها ؟ أو كيف يمكن أن تكون عاقلة لو لم تعرف كلمة الآب الذي به خلقوا ؟ لأنهم لن يتميزوا بالمرة عن المخلوقات غير العاقلة لو أنهم انحصروا فقط في معرفة الأمور الأرضية ( تجسد الكلمة ١١ : ٢ ) . الصورة الإلهية في الإنسان كانت كافية في حد ذاتها لكي تجعلنا نعرف الله الكلمة ، ونعرف الأب بواسطته . وبالخطيئة تشوهت صورة الله في الإنسان وأكل من شجرة معرفة الخير والشر وأصبحت معرفته بعيدة عن الله خالقه !! وعجزت الطبيعة - كما عجز الناموس- عن أن ترد الإنسان إلى المعرفة الحقيقية . لذا تجسد أقنوم الحكمة والمعرفة لكي يعرفنا الآب « الله لم يره أحد قط . الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر » ( يوحنا ۱ : ۱۸ ) . يقول القديس أثناسيوس : [ لكي عندما يرون تلك الصورة -أي كلمة الآب- يمكنهم عن طريقه أن يصلوا إلى معرفة الآب ... لأن كلمة الله صار إنسانا لكي يرفعنا نحن ، وأظهر جسد لكي تحصل على معرفة الأب غير المنظور ] ( تجسد الكلمة 11 : 3 ، 54 : 3 ) . معرفة الله أمر واجب ، فقد قال عنها السيد المسيح : « وهذه هي الحياة الأبدية : أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته » ( يوحنا 17 : 3 ) ،والمقصود بمعرفة الله ليست المعرفة النظرية فقط ، ولكن المعرفة العملية والإيمان العملي بوجوده ، فعندما ندخل مع الله في حياة الإيمان ، ونعيش في وسائط النعمة ، نراه ونلمسه بالعين الروحية والحس الروحي . ليس المقصود بمعرفة الله المعرفة التامة ، لأن الله غير محدود ، وعقل الإنسان محدود ، فكيف يستطيع المحدود أن يحوي غير المحدود ، « أإلى عمق الله تتصل أم إلى نهاية القدير تنتهي ؟ ... » ( أيوب ١١ : ۷-۹ ) . يقول القديس غريغوريوس النزينزي : [ لا تستطيع اللغة ( البشرية ) أن تعبر عن اللاهوت ، وهذا قد أثبت لنا ، ليس فقط بالحجة بل عن طريق أحكم حكماء العبرانيين ( كتاب العهد القديم ) ؛ الذين أعطوا صفات ذات كرامة لله ولم يسمحوا لأي اسم دون المستوى أن ينسب لله ، لأنهم يرون أنه ليس من اللائق إن الله يسمح لخليقته أن تعادله ، فبالتالي كيف يقرون بأن الطبيعة غير المنظورة وغير المنقسمة ( البسيطة ) أن نعبر عنها بكلمات ضعيفة ، فنحن نتصوره من خلال صفاته ، فجوهر الله لم يتمكن مخلوق ولا عقل من تصوره أو احتوائه بالكامل ، ولم تتمكن لفظة من احتواء حقيقته احتواء كاملا ، ولكننا نتخذ مما حواليه طريقا إلى تخيله في ذاته ، ونرسم لنا صورة غامضة وضعيفة وجزئية عنه ، إن أعظم لاهوتي ليس من اكتشف « الكل » ، إذ أن القيود التي نحن فيها لا تسمح لنا أن نعاين الكمال ، بل من تفوق على غيره في التصور ، ومن حقق في ذاته صورة الحقيقة أفضل من غيره ( The fourth theological oration , L17 : 30 ) . كذلك يقول القديس يوحنا ذهبي الفم : [ لقد رأى الأنبياء الله ، لكنهم لم يروا جوهره إنما بدا لهم ذلك قدر ما يستطيعون ، وقد أعلن ذلك النبي : وكلمت الأنبياء وكثرت الرؤى وبيد الأنبياء مثلث أمثالا ( هوشع ١٢ : ١٠) ، كأن الله يقول : لا أعلن جوهري ذاته ، إنما أتنازل ( في رؤى ) بسبب ضعف الذين يرونني ، فالله يتنازل ويجعل نفسه منظورا ليس كما هو ، بل بالقدر الذي به يقدر الناظر أن يرى ، أي حسب ضعف الناظرين في الرؤية ( ضد الأنومبين 3 : 15 ، 4 : 19 ) . القمص بنيامين المحرقى
المزيد
20 ديسمبر 2022

لماذا التجسد ؟

1 - حتى يستعيد الإنسان الصورة التي خلق عليها:- خلق الله الإنسان على صورته ( تكوين 1 : ٢٦ ، ٢٧ ) . يقول القديس أثناسيوس الرسولي : « الله صالح بل هو بالأحرى مصدر الصلاح . والصالح لا يمكن أن يبخل بأي شيء وهو لا يحسد أحدا حتى على الوجود ، ولذلك خلق كل الأشياء من العدم بكلمته يسوع المسيح ربنا ، وبنوع خاص تحنن على جنس البشر . ولأنه رأى عدم قدرة الإنسان أن يبقى دائما على الحالة التي خلق فيها ، أعطاه نعمة إضافية ، فلم يكتف بخلق البشر مثل باقي الكائنات غير العاقلة على الأرض ، بل خلقهم على صورته وأعطاهم شركة في قوة كلمته » ( تجسد الكلمة 3 : 3 ) . ويفسر القديس كيرلس عمود الدین معنی خلقتنا على صورة الله ، فيقول : « رغم أننا خلقنا على صورته ومثاله إلا أن الفارق بين الله والإنسان فارق شاسع .. فالله بسيط في طبيعته وغير مركب بينما نحن نملك طبيعة مركبة ، إذ أن طبيعتنا البشرية مكونة من أجزاء متعددة . ونحن من التراب فيما يخص الجسد وهذا يعني أننا معرضون للفساد والزوال مثل الأعشاب ، بينما الله فوق كل ذلك . والنفس الإنسانية عرضة لتقلبات كثيرة من الصالح إلى الطالح ومن الطالح إلى الصالح ، ولكن الله هو هو دائما ، صالح إلى الأبد ولا يتحول ولا يتغير من حال إلى حال . وعدم تغير الله ليس صفة عرضية بل يرجع إلى جوهره . وهكذا أصبح من الواضح أن البشر الذين أتوا إلى الوجود من العدم لا يتشابهون مع الله حسب الطبيعة ، بل يمكن أن يتشابهوا معه في نوعية الحياة الجديدة والسلوك المستقيم » ( حوار حول الثالوث ، الحوار الأول ) . بحسب خلقتنا على صورة الله كان يمكننا أن نقاوم الفناء الطبيعي مادمنا محافظين على الصورة التي خلقنا عليها . ولكن بسوء استخدامنا للحرية الممنوحة لنا سقطنا من الحياة الأبدية ، وأصبح « الإنسان العاقل المخلوق على صورة الله أخذا في التلاشي ، وكانت خليقة الله أخذه في الانحلال » ( تجسد الكلمة 6 : 1 ) . ما الفائدة من خلق الإنسان على صورة الله ، إذا كان سيعيش بعيدا عن الله في الخطيئة ؟ كان من غير اللائق أن تهلك الخليقة وترجع إلى العدم بالفساد ، تلك الخليفة المخلوقة على صورة الله . فيذكر القديس أثناسيوس أنه لذلك وجب أن يتجسد الكلمة ، الصورة الحقيقية لله الآب يقول القديس أثناسيوس : « ما هو الذي كان ممكنا أن يفعله الله ؟ وماذا كان يمكن أن يتم سوى تجديد الخليفة التي وجدت على صورة الله ، مرة أخرى ، ولكي يستطيع البشر أن يعرفوه مرة أخرى ؟ ولكن كيف كان ممكنا لهذا الأمر أن يحدث إلا بحضور نفس صورة الله مخلصنا يسوع المسيح ؟ كان ذلك الأمر مستحيلا أن يتم بواسطة البشر لأنهم هم أيضا خلقوا على مثال تلك الصورة ( وليس هم الصورة نفسها ) ولا أيضا بواسطة الملائكة لأنهم ليسوا صورا ( لله ) ولهذا أتى كلمة الله بذاته لكي يستطيع – وهو صورة الآب - أن يجدد خلقة الإنسان ، على مثال صورة الله « ( تجسد الكلمة 13 : 7 ) . لذلك تجسد الابن الوحيد صورة الآب يرد الإنسان إلى رتبته الأولى ، كما يقول القديس غريغوريوس « أخذت الصورة ولم أحفظها .فأخذ جسدى لكى يخلص الصورة ويهب الخلود للجسد »عظة على الثيؤفانيا. القمص بنيامين المحرقى
المزيد
27 ديسمبر 2022

نمجد ميلادك غير المُدرَك

تجسد الله الكلمة من العذراء القديسة مريم، دون زرع بشر. ووُلِد ميلادًا بتوليًا، ويرى إيسيذورس الفرميّ أن التجسد الإلهيّ في بطن العذراء بدون زرع بشر، ليس أمرًا مستحيلًا، فحواء خُلقت من ضلع آدم، أي بدون زرع بشر، إذ يقول: [«فَأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلَهُ سُبَاتًاعَلَى آدَمَ فَنَامَ فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَمَلَأَ مَكَانَهَا لَحْمًا» (تك2: 21)، حيث أنه في الأول قد خُلِق آدم من تراب الأرض، إذًا ها أن الرجل من الأرض والمرأة من الرجل، والاثنان خُلقا بدون اتحاد جسديّ. فلأن المرأة كان عليها دَيْنٌ للرجل، لأنها صارت منه بدون زرع بشر (بذرة)؛ سدّدت له الدين بأن صارت أُمَّ الرب وأعطته جسدًا بدون زرع بشر. إذًا ليس من المستحيل على الطبيعة، لكن مثلما قد صار بالضبط بالفعل مع الأبوين الأولين، هكذا أكملَ بتدبير الرب، بالرغم من أن كل العجائب ترجع إلى هذا المولود ذاته] (رسالة إلى اليهود فيما يتعلق بالحبل الإلهيّ).يؤكد ذلك أيضًا القديس كيرلس الأورشليميّ (348 -386)، فيتسائل: [ كيف وُلدت حواء في بدء الخليقة؟ من هي الأم التي حملت بها؟ إن الكتاب يقول إنها وُلِدت من جنب آدم ... فهل تولد حواء من جنب آدم بدون أم، ولا يولد طفل من بطن عذراء بدون أب؟! إن هذا دَيْن للرجل على المرأة. لأن حواء وُلِدت من الرجل فقط دون أن تحبل بها أم. ولكن مريم العذراء أوفت الدَيْن وردت الجميل لأنها حبلت حبلًا بلا زرع رجل، بل حبلت بالروح القدس حبلًا بلا دنس] (الكلمة صار جسدًا).ويشرح القديس كيرلس الكبير هدف التجسد، موضحًا [لقد جاء الابن وصار إنسانًا لكي يحوّل طبيعتنا فيه هو، وابتدأ أولًا بالميلاد الذي جعله مقدسًا وعجيبًا، إذ جعله ميلادًا للحياة، لكي ننال نحن هذه النعمة وتصل إلينا منه لكي نولد «لَيْسَ مِنْ دَمٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُلٍ بَلْ مِنَ اللَّهِ» (يو1: 13)، وبالروح القدس تولد نفوسنا ميلادًا جديدًا روحيًا، مشابهًا لميلاد ذاك الذي هو بالطبيعة وبالحق الابن، وبذلك ندعو الله أبًا، ويؤهّلنا هذا الميلاد أن نبقى في عدم انحلال لأننا امتلكنا ليس طبيعة آدم الأول الذي فيه انحللنا، بل طبيعة آدم الثاني] (المسيح الواحد: 5).فحاجتنا لكي نصبح أبناء الله، أن يولد الكلمة المتجسد من عذراء دون زرع بشر، فالابن الوحيد، هو ابن بالطبيعة: لذلك نصلي في قانون الإيمان: [مولود من الآب قبل كل الدهور]، ونؤكد على ذلك أيضًا، أنه [مولود غير مخلوق]، فالمولود له نفس طبيعة الوالد، وله نفس خواصه وطبيعته، فلقب ابن غير مضاف إليه (حوار حول الثالوث 1)، في تجسده لم يخلق لنفسه جسدًا من خارج العذراء مريم، بل أخذ جسدًا حقيقيًا محْيِيًا بروح عاقلة من الطبيعة المخلوقة التى للعذراء مريم. بفعل الروح القدس اتخذ ناسوتًا خاصًا به جدًا، متحدًا به اتحادًا طبيعيًا وأقنوميًا، حقيقيًا، كاملًا، بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغير، فاحتفظ كلٌّ منهما بخصائصه، فالطبيعة الواحدة لها خصائص الطبيعتين معًا في آنٍ واحد، لذلك يُسمّى سر التجسد، وسر الاتحاد. مساوٍ لنا كالتدبير، من قِبَله أخذنا نعمة البنوة، وأصبحنا أبناء الله. لذلك ولُد الكلمة المتجسد من أم عذراء دون زرع بشر. القمص بنيامين المحرقي
المزيد
27 أغسطس 2022

امتحان إيمانكم (يع 1: 3)

كلمة امتحان: تأتي في اللغة اليونانية πειρασμός، بمعنى تجربة ناجمة عن ضيقات من الخارج، مثل «مَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ» (مت5:10)، امتحان يهدف إلى غاية، محاولة، يُجرّب شخصٌ ما أي يقيس قوته. كذلك كلمة δοκίμιον وتأخذ معنى عملة أصيلة غير زائفة، نقية من كل زغل أو شوائب. فعندما تحقّق التجربة هدفها من تقدم طبيعيّ، يسمح بها الله لغرض نافع وصالح، يؤدي إلى التنقية والتطهير، مثل تجربة أبينا إبراهيم (تك22). كذلك لم يطرد الله الأمم الذين في أرض فلسطين، عندما جاء بنة إسرائيل «لِيَمْتَحِنَ بِهِمْ إِسْرَائِيلَ» (قض3:1). ما هو الإيمان؟ الإيمان هو «الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى» (عب11:1)، وهو شيء معنوي مرتبط بالنفس ارتباطًا كيانيًا. ولكننا نجد الكتاب المقدس يعبّر عنه كأنه شيء مرئي، فالذين حملوا المفلوج قيل عنهم: «فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ إِيمَانَهُمْ» (مت9:2)، كما يضع درجات للإيمان: عدم الإيمان (مت13:58)، إيمان قليل (مت6:30؛ 8:26،14،31)، إيمان مثل حبة الخردل (مت17:20)، إيمان عظيم (مت15:28). فما هو مقياس الإيمان؟ مقياس الإيمان هو الأعمال: فالإيمان ليس مجرد فكر إطلاقًا، ولكنه حياتيّ، فإذا كنت تؤمن بوجود الله، هذا جيد، ولكن هل ممكن بعد ذلك أن تتجنّب القلق، وتعيش السلام والطمأنينة، لكون الله يدبّر مجرى حياتك؟في التجربة، علينا أن نكفّ عن التفكير بصورة سلبية: يحاول الكثيرون أن يكون كل رد فعلهم موجهًا لتبرير موقفهم، وآخرون يدخلون في كآبة وحزن قد يؤذي النفس، ويستسلم فيه الإنسان بخنوع. بينما يوصينا يعقوب الرسول «اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَّوِعَةٍ» (يع1:2). ليتنا نبحث عن الهدف المرجو من التجربة، ونفكر بصورة إيجابية. لماذا سمح الله بالتجربة؟ نتقبّلها بفرح وبشكر لا بحزنٍ وتذمر. يقول القديس أثناسيوس الرسوليّ: [لنفرح عالمين أن خلاصنا يحدث في وقت الألم، لأن مخلصنا لم يخلصنا بغير ألم، بل تألم من أجلنا مبطلًا الموت، لهذا أخبرنا قائلًا: «في العالم سيكون لكم ضيق»، وهو لم يقل هذا لكل إنسان بل للذين يخدمونه خدمة صالحة بجهاد وإيمان، أي الذين يعيشون بالتقوى].نُمتحَن فنجاهد، ننتصر فنُكافَأ: نُمتَحن فنجاهد، لكي نهزم التجارب، فينصحنا سليمان الحكيم، قائلًا: «إِنِ ارْتَخَيْتَ فِي يَوْمِ الضِّيقِ؛ ضَاقَتْ قُوَّتُكَ» (أم24:10)، نُمتَحن، فنصير أكثر نقاءً، وننمو ونسير أكثر نحو الهدف الذي حسب إرادة الله، فإن «الذهب يُمحَّص في النار، والمرضيين من الناس يُمحَّصون في آتون الاتضاع» (سي2:5)، فالشخص الذي يجاهد في التجربة، يصير أقوى وأكثر نقاء، هكذا قال أيوب الصديق: «إِذَا جَرَّبَنِي أَخْرُجُ كَالذَّهَبِ» (أي23:10). ننتصر فنُكافَأ: «لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا» (2كو4:17)، و«مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ الَّتِي فِي وَسَطِ فِرْدَوْسِ اللهِ» (رؤ2:7)، فأبناء الملكوت: «هُمُ الَّذِينَ أَتُوا مِنَ الضِّيقَةِ الْعَظِيمَةِ، وَقَدْ غَسَّلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيَّضُوهَا فِي دَمِ الْحَمَلِ» (رؤ7:14)، هم الذين دخلوا من الباب الضيق (مت7:13). الصوم تكثر فيه التجارب، لذا لنكثر من تجاوبنا مع النعمة، لكي نسمع «أَنْتُمُ الَّذِينَ ثَبَتُوا مَعِي فِي تَجَارِبِي» (لو22:28). القمص بنيامين المحرقي
المزيد
20 أغسطس 2022

الإيمان في حياة العذراء: «لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ» (لو1: 38)

إن كلمة إيمان في اللغة العبرية nāma تعني "أن يكون أمينًا"، كما جاء في سفر التثنية: «فَاعْلمْ أَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ هُوَ اللهُ الإِلهُ الأَمِينُ الحَافِظُ العَهْدَ وَالإِحْسَانَ لِلذِينَ يُحِبُّونَهُ وَيَحْفَظُونَ وَصَايَاهُ إِلى أَلفِ جِيلٍ» (تث7: 9). وكذلك: يؤتمن على. واُختُصَّ بها الله الذي هو الأساس والمصدر الحقيقيّ للأمن.وفي اللغة اليونانيّة ίστιϛπ تعني الثقة التي لدى الشخص في الله، أو في آخرين. وكان الإيمان في العهد الجديد يتضمن إدماج الإيمان بابن الله، والتوبة عن الأعمال التي تؤدي للموت، والمعمودية: «لِذَلِكَ وَنَحْنُ تَارِكُونَ كَلاَمَ بَدَاءَةِ الْمَسِيحِ لِنَتَقَدَّمْ إِلَى الْكَمَالِ، غَيْرَ وَاضِعِينَ أَيْضًا أَسَاسَ التَّوْبَةِ مِنَ الأَعْمَالِ الْمَيِّتَةِ، وَالإِيمَانِ بِاللهِ» (عب6: 1). هكذا كانت العذراء القديسة مريم تحيا حياة الإيمان، الذي ظهر جليًا، إذ كانت تحيا حياة التسليم الكامل. لمشيئة الله، في هدوء، بدون جدال.السيدة العذراء آمنت وصدقت لكنها كانت تستوضح: «كَيْفَ يَكُونُ هَذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلًا؟» (لو1: 34)، إنها طاعة واعية واثقة، في كل ما احتملته لم تتذمر اطلاقا. بالرغم من ذلك قالت للملاك: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ» (لو1: 38). يقول القديس أمبروسيوس: [لم ترفض مريم الإيمان بكلام الملاك، ولا اعتذرت عن قبوله، بل أبدت استعدادها له، أما عبارة: "كيف يكون هذا؟ فلا تنم عن الشك في الأمر قط، إنما هو تساؤل عن كيفيّة إتمام الأمر... إنها تحاول أن تجد حلًا للقضيّة... فمن حقِّها أن تعرف كيف تتم الولادة الإعجازيّة العجيبة]. أمام هذا الإعلان أعلنت العذراء خضوعها بالطاعة. إن طاعة العذراء مريم قد حلت محل عصيان حواء أمها. ونلاحظ أن العذراء كانت إجابتها كلها اتضاع، فهي قد علمت أن من في بطنها هو الله، لكنها ها هي تقول هوذا أنا أمة الرب. إنه في اللحظة التي قبلت فيها العذراء كلام الملاك وقدمت الطاعة لله، قبلت سرّ التجسد، فالله يقدس الحرية الإنسانيّة، وكان غير ممكنًا أن يتجسد المسيح منها وهي لا تقبل هذا.ففى قولها «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ» (أى عبدة أو جارية)؛ يعنى استسلام والتزام تام لمشيئة الله وحضوره غير المفحوص. هو في نفس الوقت تجاوب مع النعمة، واستسلام لعطية الله. فهى لم تسعَ لفحص كلام الله، ولم تضعه تحت مجهر العقل، بل كان كلامها وتجاوبها إعلان للإيمان والتسليم الكامل. فلم تطلب أن ترى دليلًا ماديًّا، بل ولم تسعَ لحظة بالشك، كما فعل بعض الأنبياء من العهد القديم، مثل موسى النبي، وجدعون (قض6)، وأيضًا حزقيا الملك (2مل20: 9). وكذلك هنا ظَهر الفرق بينها وبين زكريا الكاهن، العالم بالشريعة، والذي من المفترض أن يكون على علاقة شخصية حياتية مع الله، ولكن نجده يضع كلام الله تحت المجهر العقلي، فأجاب الملاك: «كَيْفَ أَعْلَمُ هَذَا لأَنِّي أَنَا شَيْخٌ وَامْرَأَتِي مُتَقَدِّمَةٌ فِي أَيَّامِهَا؟». (لو1: 18). ألم تعرف يا زكريا أنه «غَيْرُ الْمُسْتَطَاعِ عِنْدَ النَّاسِ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اللهِ» (لو18: 27)، ألم تقرأ يا زكريا كيف أعطى الله إبراهيم نسل، وغيره مما كتب في التوراة، وأنت العالم بالناموس والأنبياء؟عاشت العذراء حياة الإيمان والتسليم، رغم رحلة الصليب التي عانتها في الألم والمتاعبِ المتنوعة: شك يوسف.. الولادة في مذود حيوانات .. الهروب من وجه هيرودس إلى أرض مصر.. كما احتملت أن ترى آلام السيد المسيح وصلبه. في كل هذا عاشت «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ». وبذلك استمرت القديسة مريم العذراء في كل حين، تعيش بالإيمان والطاعة والتسليم المطلق، من يوم البشارة ليوم انتقالها. القمص بنيامين المحرقي
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل