دوام بتولية العذراء

01 يناير 2020
Large image

سئلت من أحد الأخوة منذ زمن ليس بطويل، أن أجيب على نبذة كتبها شخص اسمه هلفيديوس ولقد ترددت كثيراً في هذا، لا لأنه عمل صعب، وإنما خوفاً من ان إجابتي تجعله أهلاً لأن يهزم ينبغي لي أولاً أن أدعو الروح القدس ليوضح المعنى بواسطة فمي ويدافع عن بتولية الطوباوية مريم، وينبغي أن أدعو الرب يسوع ليحرس المسكن المقدس، الاحشاء التي حلَّ فيها أشهراً، من كل شبهة إتصال جنسي وينبغي أيضاً أن أتوسل إلى الله الآب ليظهر أن أم ابنه استمرت عذراء بعد ما ولد ابنها ليست لنا رغبة أن نجري في ميادين الفصاحة وإنما سندلي بحجتنا من كلمات الكتاب المقدس الفعلية، وننفض الحجج بنفس الاثباتات التي استخدمها ضدنا.
قبل أن يجتمعا
كانت أول حججه هي قول متى الرسول“قبل أن يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس” (مت 1) ويعلق هلفيديوس على هذا بأن الإنجيلي ما كان ليقول “قبل أن يجتمعا” إن كان سوف لا يجتمعان بعد ذلك لأنه ليس أحد يستعمل عبارة “قبل أن يتغذى” عن رجل ليس ذاهباً إلى الغذاء لست أدري ما إذا كنت أحزن لأجله أم أضحك ! تماماً كما لو أن شخصاً قال “قبل الغذاء في الميناء، أبحرت إلى افريقيا”، فهل كلماته هذه لا تنضبط حسناً ما لم يرغم يوماً على الغذاء في الميناء؟! وإن اخترت أن أقول أن “بولس الرسول قبل أن يذهب إلى اسبانيا، قيد في روما”، أو إن قلت “قبل أن يتوب هلفيديوس أدركه الموت”، فعل ينبغي لبولس إذ يفك أسره أن يمضي مباشرة إلى اسبانيا، أو هل ينبغي لهلفيديوس أن يتوب بعد الموت على الرغم من أن الكتاب يقول “ليس في الجحيم من يشكرك” (مز 6) ألا ينبغي لنا أن نفهم أن عبارة “قبل”على الرغم من أنها كثيراً ما تشير إلى ترتيب الوقت، إلا أنها في بعض الأحيان تشير فقط إلى الترتيب في الفكر، فليس هناك ضرورة لتحقيق هذا الفكر ـ إذا ما تدخل سبب كاف لمنع أفكارنا من أن تتحقق إذاً فعندما يقول الإنجيلي “قبل أن يجتمعا”إنما يشير إلى الوقت الذي سبق الزواج مباشرة، ويظهر أن الأمور تقدمت هكذا بسرعة، حتى أن هذه التي خطبت وكانت على وشك أن تصبح زوجة قبل ذلك وجدت حبلى من الروح القدس ولكن لا يتبع هذا أنه أجتمع بمريم بعد الولادة، إذ أن هذه الرغبة قد أخمدت بالوسيلة التي بها حبلت وعلى الرغم من أننا نجد أنه قيل ليوسف في حلم “لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك”، وأيضاً “فاستيقظ يوسف وأخذ إليه امرأته”، فينبغي أن لا يضطرب أحد بهذا لأننا نعرف أن الكتاب من عادته أن يعطي هذا اللقب للمخطوبات. والمثل الآتي من سفر التثنية يثبت هذه النقطة، إذ يقول“إذا كانت فتاة عذراء مخطوبة لرجل،فوجدها رجل في المدينة واضطجع معها، فاخرجوهما كليهما إلى باب تلك المدينة وارجموهما بالحجارة حتى يموتا الفتاة من أجل أنها لم تصرخ في المدينة، والرجل من أجل أنه أذل امرأة صاحبة، فتنزع الشر من وسطك” (تث 22) ولكن إن كان أحد يسأل لماذا حبلت العذراء بعد ما خطبت، وليس حينما كانت غير مخطوبة أو ليس لها زوج بلغة الكتاب؟ لأشرح ذلك بأنه كانت هناك ثلاثة أسباب:-
أولاً: لكي بنسب يوسف – التي كانت مريم قريبته – يمكن أن يظهر أيضاً أصل مريم.
ثانياً: حتى لا تُرجم طبقاً لشريعة موسى كزانية.
ثالثاً: حتى أنه في هربها إلى مصر تجد معها من يعزيها، كحارس وليس كزوج. لأنه من كان في ذلك الوقت سيصدق كلمة العذراء أنها قد حبلت من الروح القدس وأن الملاك جبرائيل قد أتى وبشرها بغرض الله؟ ألم يكن الكل سيقولون رأيهم ضدها مثل سوسنة؟ لأنه في وقتنا الحاضر، على الرغم من أن العالم كله قد اعتنق الإيمان، مازال اليهود يجادلون في أنه عندما قال إشعيا “هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً” كانت الكلمة العبرانية تعني فتاة وليس عذراء (ألما وليس بتوللا) فانه باستثناء يوسف واليصابات ومريم نفسها وبعض آخرين من الذين نفترض أنهم سمعوا بالحقيقة من هؤلاء، فالكل كانوا تعتبرون يسوع ابناً ليوسف. وإذا كان هذا هو الحال، فان الإنجيليين بتوضيحهم للرأي السائد، فانهم يدعونه أباً للمخلص. مثال ذلك “فأتى بالروح إلى الهيكل، ولما دخل بالطفل يسوع أبواه ليصنعا عنه كما يجب في الناموس” (لو 2). وفي موضع آخر: “وكان ابواه يذهبان كل سنة إلى أورشليم في عيد الفصح” … لاحظ أيضاً أن مريم نفسها التي أجابت جبرائيل بقولها “كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً؟!” تقول لابنها من جهة يوسف “يا ابني، لماذا فعلت بنا هكذا؟ هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين” (لو 2) الإنجيليون يدعون يوسف أباً، ومريم تعترف أنه أب، ليس لأن يوسف كان حقاً أباً للمخلص، وانما لكي تحفظ سمعة مريم، نظر إليه من الكل على أنه أب على الرغم من أنه سمع قبلاً قول الملاك “لأن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس” (مت 1)، وعلى الرغم من أنه فكر قبلاً في تخليتها سراً. وهذا يظهر أنه كان يعرف تماماً أن الحبل ليس منه هوذا قد قلنا كثيراً – بقصد التعليم وليس للرد على الخصم – لنظهر لماذا دعي يوسف أباً للرب، ولماذا دعيت مريم امرأة ليوسف. وهذا أيضاً بالمثل اجابة عن لماذا دعي بعض الأشخاص أخوة له، على أن هذه النقطة ستجد مكانها فيما بعد.
القديس جيروم أسقف أثينا

عدد الزيارات 554

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل