دوام بتولية العذراء ج4

04 يناير 2020
Large image

أخوتـــه
النقطة الأخيرة لهلفيديوس كانت هذه: أن أخوة الرب قد ذكروا في الاناجيل مثال ذلك “هوذا أمك وأخوتك واقفون خارجاً طالبين أن يكلموك” (مت 12)، وفي مكان آخر “وبعد هذا انحدر إلى كفرناحوم هو وأمه وأخوته” (يو 2)، ومرقس أيضاً ومتى يقولان “ولما جاء إلى وطنه كان يعلمهم في مجامعهم حتى بهتوا وقالوا: من أين لهذا هذه الحكمة والقوات؟ أليس هذا ابن النجار؟ أليست أمه تدعى مريم؟ وأخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا؟ أو أليست أخواته جميعهن عندنا” (مت 13، مر 6). ولوقا أيضاً يخبر في أعمال الرسل “هؤلاء كلهم كانوا بنفس واحدة يواظبون على الصلاة مع النساء ومريم ام يسوع ومع اخوته” (أع 1)، وبولس أيضاً يقول بنفس الرأي “ولم أرَ أحداً آخر من الرسل إلا بطرس ويعقوب أخا الرب” (غل 1). ويقول متى “ونسوة كثيرات كن هناك ينظرن من بعيد، وبينهن مريم المجدلية ومريم أم يعقوب ويوسي وأم ابن زبدي” (مت 27)، ومرقس أيضاً “وكانت أيضاً نساء ينظرن من بعيد بينهم مريم المجديلة ومريم أم يعقوب الصغير وسالومي” (مر 15).
إن غرضي من تكرار نفس الشيء مرة واخرى هو أن أمنعه من أن يحتج باطلاً ويصرخ بأني قد احتجزت مثل هذه الفقرات كما لو كانت نافعة له.
أنه يقول: “لاحظوا: يعقوب ويوسي .. هم ابناء مريم، ونفس الاشخاص دعوا من اليهود أخوة للرب. مريم هي أم يعقوب الصغير ويوسي. ويعقوب قد دعي الصغير لتمييزه عن يعقوب الكبير الذي كان ابناً لزبدي. كما يقول مرقس في موضع آخر: “مريم المجدلية ومريم أم يوسي نظرتا أين وضع. وبعدما مضى السبت احضرتا حنوطاً واتيتا لتدهناه” (مر 15). ومثلما كان متوقعاً، قال هلفيديوس: “ما أبأس وأشَّر الفكرة التي نأخذها عن مريم ان رأينا أن النسوة الأخريات كن مشغولات بدفن يسوع، بينما وهي أمه كانت غائبة، أو كنا نخترع نوعاً من مريم ثانية. وخصوصاً أن إنجيل يوحنا يشهد أنها كانت حاضرة هناك عندما عهد بها الرب وهو على الصليب كأم له وأرمله إلى عناية يوحنا، أم هل ينبغي أن نفترض أن الإنجيليين كانوا مخطئين ومضلين لنا في أن يسموا مريم أم أولئك الذين كانوا معروفين لليهود كأخوة ليسوع؟!”
أية ظلمة وأي جنون هائج مندفع نحو هلاك نفسه. أنك تقول أن مريم أم الرب كانت حاضرة عند الصليب، وتقول أنه قد عهد بها إلى تلميذه يوحنا بالنسبة إلى أرمليتها وحالتها المنفردة، كأنما هي في طريقة عرضك للأمر ليس لها أربعة أبناء وعدد وفير من البنات يعزين وحدتها !! كذلك أنت تفرض عليها لقب أرملة الذي ليس هو موجوداً في الكتاب. وعلى الرغم من أنك تقتبس كل الأمثلة الواردة في الأناجيل، فإن كلمات يوحنا فقط لا تعجبك. أنك تقول قبلاً أنها كانت حاضرة عند الصليب، إلا انك لم تذكر كلمة عن النسوة اللائي كن معها. كان يمكنني أن اسامحك لو كنت جاهلاً، ولكني أرى أن هناك سبباً لصمتك. دعني إذن أظهر ماذا يقول يوحنا: “وكانت واقفات عند صليب يسوع: أمه، وأخت أمه مريم زوجة كلوبا، ومريم المجدلية” (يو 19).
ليس أحد يشك في أنه كان هناك رسولان يدعيان باسم يعقوب: يعقوب بن زبدي ويعقوب بن حلفى. فهل تعني بالمقارنة أن يعقوب الصغير غير المعروف الذي يدعى في الكتاب ابن مريم – ليس مريم أم الرب – هو رسول أم لا؟ فإن كان رسولاً فلابد أنه ابن حلفى ومؤمن بيسوع .. وإن لم يكن رسولاً وإنما يعقوب ثالث – وهو ما لا أستطيع أن أخبر من يكون – فكيف أعتبر أخاً للرب …
لاحظ أن أخا الرب هو رسول كما يقول بولس الرسول (غل 1)، وكما يقول أيضاً “يعقوب وصفا ويوحنا المعتبرون أنهم أعمدة” (غل 2)، ولكيما لا تفترض أن يعقوب هذا هو ابن زبدي، ليس عليك إلا أن تقرأ أعمال الرسل، وستجد أن هذا الأخير كان قد قتل قبلاً بواسطة هيرودس (أع 12).
والخلاصة من هذا هي أن مريم التي توصف بانها أم يعقوب الصغير كانت زوجة حلفى، وأخت مريم أم الرب، وهي التي تدعى بواسطة يوحنا الإنجيلي “مريم زوجة كلوبا”. ولكن إن كنت تظن انهما اثنتين لأننا في مكان آخر نقرأ “مريم أم يعقوب الصغير” وهنا “مريم زوجة كلوبا”، فاعلم أنه من عادة الكتاب أن يحمل الشخص الواحد أسماء مختلفة. فراعوئيل حمو موسى يدعى أيضاً يثرون، وجدعون يربعل، وبطرس أيضاً دعي سمعان وصفا، ويهوذا الغيور يدعى في إنجيل آخر تداوس، وتوجد أمثلة أخرى عديدة يمكن للقارئ أن يجمعها لنفسه من كل جزء من الكتاب من الواضح إذن أن مريم أم يعقوب ويوسي لم تكن نفس شخصية أم الرب.
يقول هلفيديوس: كيف إذن دعو أخوة الرب هؤلاء الذين ليسوا هم أخوته؟
سأريك كيف يكون هذا؟
يوجد في الكتاب المقدس أربعة أنواع من الأخوة: بالطبيعة، وبالجنس، وبالقرابة، وبالحب.
من أمثلة الأخوة بالطبيعة عيسو ويعقوب، والبطاركة الاثنا عشر، وأندراوس وبطرس، ويعقوب ويوحنا.
أما عن الجنس فكل اليهود دعوا أخوة لبعضهم البعض كما في سفر التثنية “إذ بيع لك أخوك العبراني أو أختك العبرانية، وخدمك ست سنوات، ففي السنة السابعة تطلقه حراً من عندك (تث 15). وفي نفس السفر “فانك تجعل عليك ملكاً، الذي يختاره الرب، واحداً من بين أخوتك تجعله عليك ملكاً. لا يحل لك أن تجعل عليك رجلاً أجنبياً ليس هو أخاك” (تث 17). وبولس الرسول يقول “كنت أود لو أكون أنا نفسي محروماً من المسيح لأجل أخوتي انسبائي حسب الجسد الذين هم اسرائيليون” (رو 9).
كذلك يدعون أخوة بالقرابة الذين هم من أسرة واحدة. نقرأ في سفر التكوين “فقال ابرام للوط: لا تكن هناك مخاصمة بيني وبينك وبين رعاتي ورعاتك لأننا نحن أخوان” (تك 3). بالتأكيد لم يكن لوط أخاً لابراهيم ولكن أبناً لآرام أخي ابراهيم. لأن “تارح ولد ابراهيم وناحور وآرام وآرام ولد لوطاً” (تك 11). وأيضاً نقرأ “وكان ابرام ابن خمس وسبعين سنة لما خرج من حاران، وأخذ ابارم ساراي زوجته ولوطاً ابن أخيه” (تك 12). وإن كنت ما تزال تشك في ان ابن الأخ يدعى أخاً دعني أقدم لك مثالاً “ولما سمع ابرام أن أخاه قد سبي، جر رجاله المدربين المولودين في بيته ثلاثمائة وثمانية عشر” (تك 14)، وبعد وصف ليلة الهجوم والغزو يستطرد “واسترجع كل الاملاك واسترجع لوطاً أخاه أيضاً”. فليكفِ هذا للبرهنة على ما أريد اثباته. ولكن خوفاً من أنك تراوغ محتجاً، أو تتلوى في ضيقتك كالأفعى، فلابد لي أن أربطك جيداً برباطات البراهين لأوقف دمدمتك وشكواك …إن يعقوب ابن اسحق ورفقة “عندما كان خائفاً من غدر أخيه. ذهب إلى فدان آرام وتقدم ودحرج الحجر عن فم البئر وسقى غنم خاله لابان” (تك 29)، وقبل يعقوب راحيل ورفع صوته وبكى ، وأخبر يعقوب أنه أخو ابيها وأنه ابن رفقة”. هوذا مثال عن القاعدة التي أشرنا إليها التي بها يُدعى ابن الأخ أو ابن الأخت أخاً. وأيضاً “فقال لابان ليعقوب: ألا أنك أخي تخدمني مجاناً، أخبرني ما هو أجرتك” (تك 29). وهكذا عندما رجع إلى وطنه في نهاية عشرين سنة، بدون علم حميه مصطحباً مع زوجاته وأولاده، فإذا ادركه لابان عند جبل جلعاد وفشل في العثور على الأصنام التي خبأتها راحيل في الأمتعة، أجاب يعقوب وقال للابان ” ما هو جرمي وما هي خطيئتي حتى أنك في حرارة تتبعني؟ فمع أنك حسست جميع متاعبي. ما ذا وجدت من كل أمتعة بيتك؟ ضعه ههنا أمام إخوتي وإخوتك حتى يحكموا بيننا نحن الاثنين” (تك 31). فاخبرني من كان أخوة يعقوب وأخوة لابان الحاضرون هناك؟ عيسو أخو يعقوب بالتأكيد لم يكن هناك. ولابان بن يتوئيل لم بكن له أخوة بل كانت له أخت هي رفقة (تك 24).
يوجد في الاسفار المقدسة ما لا يُحصى من هذه الأمثلة. وللإختصار سأرجع إلى النوع الأخير من أربعة أنواع الأخوة. واعني به أخوة المحبة. وهؤلاء أيضاً ينقسمون إلى قسمين: نوع خاص بالعلاقات الروحية، وآخر خاص بالعلاقات العامة. وآخر خاص بالعلاقات العامة. أقول الروحية لأننا كلنا نحن المسيحيين ندعى أخوة كما في الآية: “هوذا ما أحسن وما أحلى أن يجتمع الأخوة معاً” (مز 133)، وفي مزمور آخر يقول المخلص “أخبر باسمك أخوتي” (مز 22)ن وفي موضع آخر “اذهبي إلى اخوتي وقولي لهم” (يو 20). أما النوع العام فلأننا كلنا ابناء أب واحد، لذلك توجد بالمثل رابطة أخوة بيننا جميعاً. إن الرسول يكتب إلى الكورنثيين فيقول “إن كان أحد مدعوا أخاً زانياً أو طماعاً أو عابد وثن أو شتاماً أو سكيراً أو خاطفاً أن لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا” (1 كو 5).
وأنا أسأل الآن: لأي نوع من هؤلاء ينبغي أن يُنسب أخوة الرب في اعتبارك؟
أتقول أنهم أخوة بالطبيعة؟ ولكن الكتاب لا يقول هذا. انه لا يدعوهم أبناء لمريم ولا ليوسف، فهل تقول إنهم أخوة بالجنس. ولكن من غير المعقول أن نفترض أن نفراً قليلاً من اليهود دعوا أخوته في حين أن كل اليهود في نفس الزمن كانوا على هذا المبدأ يحملون نفس اللقب ! فهل كانوا أخوة من جهة قرب الصلة ووحدة القلب والعقل؟ إن كان الأمر كذلك فمن كان أخوته على الحقيقة أكثر من الرسل الذين كانوا يتقبلون تعليمه الخاص ولاذين دعاهم أخوته وأيضاً إن كان كل الناس بالمثل أخوته، فمن الحمق الآن تقديم رسالة خاصة “هوذا أخوتك يطلبونك”، لأن كل الناس بالمثل يلقبون هكذا !!
الحل الوحيد إذن هو اعتناق التفسير السابق بفهم: أنهم دعوا أخوة بدافع من رابطة القرابة، كما دعي لوط أخاً لابراهيم، ويعقوب أخاً للابان.
الواضح أن أخوة الرب حملوا الاسم بنفس الطريقة التي دُعي بها يوسف أباً له “أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين” (لو 2). إنها أمه التي قالت هذا وليس اليهود، وتوجد عبارات مشابهة فد اقتبسنا منها قبلاً، وفيها يُدعى يوسف ومرسم والديه وفي إنجيل يوحنا قد كُـتب بوضوح: “فيلبس وجد نثنائيل وقال له قد وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء يسوع بن يوسف” (يو 1) والآن أخبرني: كيف أن يسوع أباه هو ابن يوسف بينما واضح انه ولد من الروح القدس !! هل كان يوسف أباه الحقيقي؟ مهما بلغت بك الحماقة فلن تجرؤ أن تقول هذا. هل كان أباه بحسب الصيت والشهرة؟ إن كان كذلك، فلتتبع مع الذين دعوا أخوته نفس القاعدة التي اتبعت مع يوسف عندما دعي أباه إنه إذ شعر بأنه قد ألقى الكلام على عواهنه، فإنه يقدم ترتليان كشاهد، ويقتبس كلمات فكتورينوس اسقف بتافيا. من جهة ترتليان، فلست أقول أكثر من أنه لم يكن ينتمي إلى الكنيسة، وأما من جهة فكتورينوس فإني أؤكد ما سبق اثباته أنه تكلم عن أخوة الرب ليس كأبناء لمريم، وإنما أخوة بالمعنى الذي شرحته، أعني أخوة من جهة القرابة وليس بالطبيعة.وعلى أية الحالات، نحن نضيع وقتنا في التوافه تاركين ينبوع الحق وتابعين بركاً ضحلة الرأي. فهل أصف ضدك أغناطيوس وبليكاربوس وإيريناوس ويوستين الشهيد وكثيرين غيرهم من الرجال الرسوليين الفصحاء الذين كتبوا مجلدات مليئة بالحكمة، تحوي نفس الآراء، ضد إبيون وثيئودوتس البيزنطي وفالنتينوس. فلو كنت قد قرأت ما كتبوه، لصرت أكثر حكمة …
القديس جيروم أسقف أثينا

عدد الزيارات 601

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل