
تتضمن الحث على الصوم والتزين بالفضائل مرتبة على قوله تعالى "لا يحتاج الأصحاب إلى طبيب بل المرضى" ( لو ٥ : ۲۷-۳۹ )
إذا كان المرضى هم الذين يحتاجون إلى المداواة ويحتملون مضض العلاج وقد حضر إلى مدينتنا الطبيب الفاضل الماهر والحكيم العالم القادر فما بالنا لا نعتنى بمداواة أمراض نفوسنا ونجتهد في تطهير سائرنا وعقولنا ما دام لنا وقت يصلح للمعالجة؟ وكيف لا نبالغ في الاهتمام ما دام العريس حاضرا، قبل أن يدخل إلى خدره ويغلق الباب ونكون نحن خارجا خائبين وإذا كان أطباء الأجسام إذا ما عزموا على العلاج يأمرون المريض أولا بالحمية وثانياً بتنقية الأخلاط الرديئة وثالثاً بالإمتناع عن الاشياء المضرة وذلك حتى يصادف الدواء في الأبدان محلا قابلا ويأتى بالفائدة المطلوبة وهم يحمدون على ذلك ويشكرون فكيف لا يكون هذا العزم أولى بنا نحن إذا عزمنا على تناول الأدوية الروحانية بأن نظهر أجسادنا ونزكى نفوسنا وننقى سرائرنا قبل سماع أقوال ربنا والمفاوضة فى منافع الصوم المقدسة لأن الأجسام إذا تقلت بالمآكل وغرقت العقول بالسكر من الخمر. مالت الحواس إلى الشهوات الخبيثة فأى كلام يسمعون؟ وأى فهم يفهمون؟ أو أية قباحة أشد وأية شناعة أعظم مما يحدث عن الذين يأكلون من الطعام فوق طاقتهم ويواصلون شرب الخمر ليلاً ونهاراً وهم يتنفسون من السكر ويشتمون ويتقيأون ويتقلبون كالأفعى فيضحك عليهم العبيد والخدم ويصيرون هزءاً للأخرين مع علمهم أن الخروج في كل شئ عن الحد يستوجب السخط من الله لان الرسول يقولك " أم لستم تعلمون أن الظالمين لا يرثون ملكوت الله لا تضلوا لا زناة ولا عبدة أوثان ولا فاسقون ولا مأبونون ولا مضاجعو ذكور ولا سارقون ولا طماعون ولا سكيرون يرثون ملكوت الله ويقول ايضاً " أن محبة العالم عداوة الله " فمن يكون أشقى ممن يعاقبون عن الملاذ الحقيرة بالبعد عن أبواب الملكوت الأبدية وإذا كان الإنسان الأول بأكله واحدة سقط من ذلك المجد وطرد من فردوس النعيم فكيف يكون عقوبة المذنبين؟ أرايت ايها الحبيب كيف أنه بعلة الشره من البدء دخل الموت إلى العالم وكثرت شقاوة البشر ؟ وبأعمال الفضائل ظهر الخلاص للفاضلين واليك ما جاء في الكتاب الإلهى من أخبار العصاة البذخين كبني اسرائيل واهل الطوفان وأهل سدوم وعمورة ومن قصص الفائزين كنوح وابراهيم وموسى وإيليا ودانيال وأخنوخ واهل نينوى لان أولئك بالإدمان على الأعمال الرديئة لنيل الشهوات الخبيثة قد عذبوا بالعقاب العظيم وهؤلاء بالأصوام الطاهرة والاعمال الفاضلة قهروا الملوك وغلبوا جيوش الأعداء وسدوا أفواه الأسود وأخمدوا لهيب النار ودفعوا مواقع الغضب واستعدوا للخلود في النعيم ومالي أقول عن هؤلاء ولا أذكر فضل صوم المسيح ربنا فقد صام أربعين يوماً وأربعين ليلة ثم خرج لجهاد الشيطان الخبيث وصنع لنا بذاته مثالا ورسما لكي نقتدي نحن بآثاره الطاهرة وهو القائل " تعلموا منى لانى وديع ومتواضع القلب فسبيلنا الآن أن نتدرع بحلل الصوم ونتزين بأعمال الفضائل ونحمل سلاح الامانة ونشجع نفوسنا ونطهر قلوبنا ونخرج لقتال عدونا لنفوز بالغلبة والظفر فنصل إلى ملكوت ربنا الذى له المجد إلى الأبد. آمين.
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية