
قَدِيماً كَانَ الهَارِب مُلْتَزِماً أنْ يَبْقَى فِي المَدِينَة حَتَّى مَوْت رَئِيسُ الكَهَنَة فَيَخْرُج مِنْهَا وَمَسِيحْنَا رَئِيسُ الكَهَنَة الأعْظَمْ مَاتَ مَرَّة لِيَدْخُلْ بِنَا لَيْسَ فِي مَدِينَة بَلْ دَاخِلَهُ فَتَرَكَ لَنَا الكَنِيسَة جَسَدَهُ عَلَى الأرْض إِمْتِدَاداً لِجَسَدِهِ الَّذِي لاَ يَمُوت حَتَّى لاَ يَخْرُج أحَدٌ مِنْهُ وَتَرَكَ لَنَا جَنْبَهُ المُقَدَّس كَبَاب مَفْتُوح لِكُلَّ النِّفُوس الهَارِبَة إِلَيْهِ مِنْ الدَيْنُونَة فَتَدْخُلْ إِلَيْهِ وَتَسْكُنْ فِي عَرْش نِعْمَتِهِ وَنَتَمَتَّعْ بِحِمَايَتِهِ إِلَى الأبَدْ .
بَرَكِة العَهْد الجَدِيد :-
فِي القَدِيمْ كَانَ القَاتِل يَهْرَب مِنْ وَجْه الوَلِيِّ إِلَى مَدِينَة المَلْجَأ لِيَحْتَمِي فِيهَا حَتَّى تَتِمْ مُحَاكَمَتُه وَإِنْ وُجِدَ بَرِيئاً يَبْقَى إِلَى مَوْت رَئِيسُ الكَهَنَة وَلكِنْ إِنْ وُجِدَ مُذْنِباً كَقَاتِل مُتَعَمِّدْ تَحْكُمْ الشَّرِيعَة عَلَيْهِ بِالقَتْل { فَافْعَلُوا بِهِ كَمَا نَوَى أَنْ يَفْعَلَ بِأَخِيهِ فَتَنْزَعُونَ الشَّرَّ مِنَ وَسْطِكُمْ وَيَسْمَعُ الْبَاقُونَ فَيَخَافُونَ وَلاَ يَعُودُونَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ ذلِكَ الأَمْرِ الْخَبِيثِ فِي وَسْطِكَ لاَ تُشْفِقْ عَيْنُكَ نَفْسٌ بِنَفْسٍ عَيْنٌ بِعَيْنٍ سِنٌّ بِسِنٍّ يَدٌ بِيَدٍ رِجْلٌ بِرِجْلٍ } ( تث 19 : 19 – 21 ) وَلكِنْ أُنْظُر الآنْ فِي نِعْمَة وَبَرَكِة العَهْد الجَدِيد يَتَنَازَل الله وَيُطِيلْ أنَاتُه عَلَى الجَمِيع بِالرَّحْمَة لأِنَّهُ أعْطَانَا أنْ نَحْيَا الزَّمَان المَقْبُول وَكُلَّ يَوْم يُدْعَى يَوْم خَلاَص وَجَعَلَ الفُرْصَة قَائِمَة لَنَا فَلَيْتَنَا نَسْتَفِيدْ مِنْ كَنِيسَتُه المُقَدَّسَة الَّتِي تَرَكَهَا لَنَا أفْضَلْ مِنْ مُدُن مَلْجَأ العَهَد القَدِيم وَنَتَمَتَّعْ بِأُبُوِتُه وَعِنَايَتُه التَّامَّة بِمَا نُظْهِرَهُ مِنْ الإِيمَان العَدِيمْ الرِّيَاء نَحْتَمِي فِي كَنِيسَتُه المُقَدَّسَة حَيْثُ صَارَ لَنَا القَّاضِي هُوَ الفَّادِي هُوَ أبُونَا وَمُخَلِّصْنَا يَسُوع الْمَسِيح الَّذِي عِوَض الإِنْتِقَام وَعَدَم الشَفَقَة فَتَحَ أبْوَاب مَرَاحِمَهُ الَّتِي لاَ تُغْلَق لِنَنْعَمْ لاَ بِالبَرَاءَة فَقَطْ بَلْ وَحَقّ الإِشْتِرَاك فِي أمْجَادِهِ إِنَّهُ أب مَغْلُوب مِنْ مَحَبَّتِهِ لأِوْلاَدُه فَصَنَعَ مَعَهُمْ أكْثَر جِدّاً مِمَّا يَسْألُون أوْ يُفَكِّرُون لأِنَّهُ أبو الرَّأفَة مُبَارَك ذَاكَ الَّذِي أعْطَانَا زَمَاناً لِلتَوْبَة لِنَسْتَجِيبْ لِنِدَاء رُوحُه القُدُّوس فِي دَاخِلْنَا وَنُسْرِع إِلَيْهِ وَلاَ نُؤَجِلْ فَنَنَال الحِمَايَة وَالبَرَاءَة لأِنَّ وَعْدُه أمِين أنَّ كُلَّ مَنْ يُقْبِل إِلَيْهِ لاَ يُخْرِجَهُ خَارِجاً لِلجَمِيعْ سَوَاء إِقْتَرَفُوا الخَطَايَا سَهْواً أوْ عَمْداً إِنَّهُ يَتَأنَّى وَيَدْعُو – بَلْ يَتَرَجَّى – فَمُبَارَك مَنْ سَمَعَ وَعَمَلَ وَلَبَّى النِدَاء وَإِلاَّ يَقِفْ فِي اليَوْم الأخِير خَارِجاً نَادِماً لاَ يَسْتَطِيعْ أحَدٌ أنْ يَصِفْ المَرَارَة وَالحَسْرَة الَّتِي يُعَانِي مِنْهَا مِثْل مَنْ أضَاعَ بِيَدِهِ فُرَص خَلاَصُه المُتَاحَة لَهُ طُول زَمَان حَيَاتُه وَهُوَ سَيَحْكُمْ عَلَى نَفْسُه لاَ تُشْفِقْ عَيْنُك .
لاَ يَنْتَظِرْنَا فَقَطْ بَلْ وَأيْضاً مَنْ صَلَبُوه :-
أُمِّة إِسْرَائِيل الَّتِي ضَرَبَتْ الْمَسِيح وَقَتَلَتْهُ حِينَ كَانَ قَدْ تَنَازَل لُطْفُه أنْ يَصِير قَرِيباً لَهَا وَيَسْكُنْ فِي وَسَطْهَا فَصَارَ عَلَيْهَا دَمَهُ وَهيَ إِلَى الآنْ مُهَاجِرَة أرْضَهَا وَلاَ تَزَال خَارِجَة عَنْهَا وَرَئِيسُ الكَهَنَة قَائِمْ يُمَارِس كَهَنُوتُه الآنْ دَاخِل الأقْدَاس حَيْثُ هُوَ الآنْ وَهُنَا تَعُود نِعْمَة الله تَعْمَلْ فِي بَقِيَّة هذِهِ الأُمَّة إِنْ رَجَعَتْ إِلَى نَفْسَهَا وَاعْتَرَفَتْ بِخَطَايَاهَا فَسَيَسْحَبْ الله مِنْ نِعْمَتِهِ أنَّهُمْ قَتَلُوه سَهْواً بِغَيْر عِلْم غَيْر مُبْغِضِينَ لَهُ وَيُرْجِعَهُمْ إِلَى نَصِيبَهُمْ وَيَرْحَمَهُمْ وَالرُّوح القُدُس أشَارَ لَهُمْ عَلَى لِسَان القِدِيس بُطْرُس الرَّسُول أنَّهُ يُرِيدْ أنْ يَحْسِبْ ذَنْبُهُمْ مِنْ نُوع السَهْو وَالجَهْل حَيْثُ قَالَ لَهُمْ { الآنَ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنَا أَعْلَمُ أَنَّكُمْ بِجَهَالَةٍ عَمِلْتُمْ كَمَا رُؤَسَاؤُكُمْ أَيْضاً وَأَمَّا اللهُ فَمَا سَبَقَ وَأَنْبَأَ بِهِ بِأَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ أَنْ يَتَأَلَّمَ الْمَسِيحُ قَدْ تَمَّمَهُ هكَذَا فَتُوبُوا وَارْجِعُوا لِتُمْحَى خَطَايَاكُمْ لِكَيْ تَأْتِي أَوْقَاتُ الْفَرَجِ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ } ( أع 3 : 17 – 19) وَلكِنَّهُمْ فِي حَمَاقَتِهِمْ لَمْ يَقْبَلُوا هذَا الكَلاَم بَلْ إِسْتَمَرُّوا فِي عِنَادِهِمْ فَأدْرَكَهُمْ الغَضَبْ إِلَى النِّهَايَة – وَلكِنْ لَيْسَ إِلَى الأبَدْ – وَهذَا مَا يُوضِحَهُ لَنَا مُعَلِّمْنَا بُولِس الرَّسُول فِي رِسَالَتِهِ البَدِيعَة إِلَى أهْل رُومِيَة { فَإِنِّي لَسْتُ أُرِيدُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَجْهَلُوا هذَا السِّرَّ لِئَلاَّ تَكُونُوا عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ حُكَمَاءَ أَنَّ الْقَسَاوَةَ قَدْ حَصَلَتْ جُزْئِيّاً لإِسْرَائِيلَ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ مِلْؤُ الأُمَمِ وَهكَذَا سَيَخْلُصُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ سَيَخْرُجُ مِنْ صِهْيَوْنَ الْمُنْقِذُ وَيَرُدُّ الْفُجُورَ عَنْ يَعْقُوبَ وَهذَا هُوَ الْعَهْدُ مِنْ قِبَلِي لَهُمْ مَتَى نَزَعَتُ خَطَايَاهُمْ }( رو 11 : 25 – 27 ) فَهَا هُوَ يُعْلِنْ نَفْسَهُ مُخَلِّصاً لِصَالِبِيهِ لِكُلَّ غَلِيظ الرَّقَبَة مُعَانِدْ لِكُلَّ مُتَهَاوِنْ وَلِي أنَا أيْضاً وَلِجَمِيعْ المُؤمِنِينَ بِإِسْمِهِ فَإِقْبَلْنَا إِلَيْكَ أيُّهَا الصَّالِحٌ مُحِبُ البَشَرإِذْ نَدْنُو إِلَى مَذْبَحِكَ المُقَدَّس كَكَثْرِة رَحْمَتِكَ
القس أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا أنطونيوس محرم بك الاسكندرية
عن كتاب مدن الملجأ