
تتضمن تبكيت منكرى القيامة والمجازاة مرتبة على قوله تعالى: "وفيما هو جالس على جبل الزيتون سأله بطرس ويعقوب ويوحنا واندراوس قل لنا متى يكون هذا ... " ( مر ۱۳ : ۳-٣٧ )
إذا كان الذين يعتقدون بحساب النجوم حين يسمعون كلام أولئك الخارجين عن الإيمان بحفظونه في قلوبهم جيداً حتى أن بعضهم إذا سمعهم يقولون إن السنة مجدبة وأن الفتن تقوم كثيرا تراهم يسارعون حالا وبكل قوتهم إلى شراء الآلات والغلال وينتقلون سريعاً إلى المدائن الحصينة كل ذلك توهما منهم حصول ما أخبر به أولئك فما بالك أنت تسمع سيدك يقول لك إن العالم يزول والقيامة تقوم والديان يجلس على منبر العدل والأمم يحاسبون، ومع كل ذلك لا تصدق فإن قلت لي وكيف لا أكون مصدقاً بما قد نطق به رب المجد ؟ قلت أراك تسمعه قائلا: إن الملائكة سيصرخون على العالم بغتة بأصوات تزلزل الجبال الراسية وتشقق القلوب القاسية وإذ ذاك تظلم الشمس ويبطل شعاع القمر وتتساقط الكواكب وتتفتح القبور وترسل الملائكة وتشرق وجوه الصالحين وتظهر كابة العاصين وأنت لا تخاف ذلك ولا تزدجر منه بل أراك مائلا إلى اللهو متهافتاً على السكر والطرب متعلقاً بذيول الشهوات مغرماً بأعمال الرذيلة، وليس ذلك وانت فى سن الحداثة فقط بل وفي سن الشباب حتى والشيخوخة والكهولة والهرم أيضاً وفضلا عن ذلك أراك مغرماً بعمارات المنازل والحمامات متهافتاً وتائقاً إلى غرس البساتين متصرفاً في هذا العالم تصرف الخالدين ويا للعجب من أناس يتحققون أن الموت هادم الأركان نفوسهم ناقص الأساس ارواحهم مخرب لبنيان أعضائهم ومع ذلك فهم غافلون مهملون عن خلاص نفوسهم أما أنا فإني أنوح دائماً وأندب متواتراً من هول ذلك اليوم الذي فيه تجتمع جميع الامم واللغات وتموج بحار العبرات وتظلم العيون الرائقة وتخرس الألسن الناطقة وتذل عظماء الجبابرة وتخضع رقاب الاكاسرة، وتغلل أعناق الظالمين ويكثر ضجيج الخاطئين حيث لا مال ينفع ولا محب يشفع ولا عذر يقبل ولا خلاص يؤمل بل سماع أصوات ملائكة يوبخون وربوات أجناد يبكتون وأعوان يتسابقون وخاطئون يعذبون وعصاة يصرخون وينوحون ولا يزحمون حيث يسمعون الملك حينئذ قائلا: أين هم أولئك المطيعون الشهوات تنفسهم المخالفون الأوامر ربهم ؟ أين الذين كانوا يتنعمون ويبذخون وهم عن الآخرة معرضون اين قادة الجيوش ومقدمو العساكر والجبابرة والقساة ؟ أين الذين كانوا يظلمون عبيد ربهم، ومخالفة الله ليست في قلوبهم؟ أين الذين كانوا يسرقون ويحلفون ويكذبون و هم مسرورون ؟ أين الذين كانوا يخرجون باكراً ويسعون في أثر النجاسات وينهبون مال الأيتام وهم عن أحكام ربهم معرضون ؟ أين عظمة الملوك وتجبر السلاطين وسطو الجبابرة وتعظم المتكبرين ؟
أجبني الآن أيها الملك ما بالك عنا ذليلا مالك خاضعاً كتيباً ما بالك طريحاً قتيلاً ؟ أين الحلل والتاجات أبن المنابر والروايات ؟ أين العبيد والحشم اين الدعوات والهمم ؟ أين العشائر والأصحاب، أين مضى الخائفون من رد
الجواب؟ كيف لم تحرس حياتك الجيوش ولا حجبت روحك العساكر الليوث ولا منعت عنك الحصون المنيعة ولا صانت جبروتك القلاع المشيدة ؟ كيف غفلت عنك الحراس في الليل ولماذا هجعت عيون حفظة النهار حتى خرجت من ملكك عارياً، وجذبت من قصرك ذليلاً وأصبحت طعاماً للحشرات أنيسا للفلوات وصائراً إلى رذيلة هذا عظم مقدارها فيجيب ذلك العاجز يقول: ارحم ياسيد من اغتر بطول الاجل واعتز بإمتداد الأمل فاشتغل بالماكل الفانية وتباهى بالجموع الخائبة حتى تركته عبرة للناظرين وتذكرة للغافلين فيقول له الملك حينئذ: لقد قبلت في الحياة خيراتك وأخذت حظك من نعيمها فإذا قد سررت باللذات الزائلة زماناً قصيراً فستعذب ههنا عذاباً طويلاً شدوا يديه ورجليه والقوة في الظلمة الخارجية واجعلوا حظه مع الأئمة والشياطين وإذ قد علمت أيها الحبيب أن هذه الأمور هكذا وأن وعد الله لا يخلف فما بالك تكون عاجزا ؟ ولماذا تبقى متكاسلا وإلا فقل لى ماذا ترى لو توعدك ملك المدينة بالقتل أو العذاب أو السجن ؟ أما كنت تبذل الجهد في عمل الوسائط التي تخلصك من تلك المصائب جميعها ؟ أما كنت تسترضيه جهدك وتستعطفه طاقتك وتتوسل لديه بإصحاب الوساطات وتبذل الأموال وتتوسل إلى الوزراء والكبراء حتى يحصلوا لك على العفو والأمان ؟ هل كنت توجد في حال غضبه لاهياً ضاحكاً سكرانا متغافلاً ؟ أما كنت تفكر حال أكلك وشربك وقيامتك وقعودك وأمثال ذلك ؟ وإذا كان هذا عملك نع الهالكين في شدة سخطهم وغضبهم خوفاً من عقوبة زمنية تزول سريعاً فكم يجب عليك أن تكون مع سيد البرايا تعالى ؟
فسبيلنا إذن أن نتيقظ من نومنا وننتبه من نعاس جهلنا، ونعمل ليوم لا نستطيع فيه حراكاً لنفوز بملكوته تعالى الذى لا يزول بنعمة ورأفة ربنا الذي له المجد إلى الأبد آمين.
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية