مولود غير مخلوق

27 أغسطس 2025

السيد المسيح -كما قال القديس أوغسطينوس- له ميلادان: ميلاد أزلي من أب بغير أم، قبل كل الدهور. وميلاد آخر في ملء الزمان من أم بغير أب هو مولود من الآب، غير مخلوق، إذ أن له ميلاد أزليًا "لا بداءة أيام له، ولا نهاية حياة" (عب7: 3). ومادامت ليست له بداية أيام، إذن هو غير مخلوق. لأن كل مخلوق له بداية، وهي يوم خلقه هنا قانون الإيمان يُعطي التعليم السليم، الذي هو ضد تعليم الأريوسيين.
إنه مولود من الآب كما يولد الفكر من العقل، وكما يولد الشعاع من الشمس.. لذلك قيل بعد ذلك في قانون الإيمان: مساوٍ للآب في الجوهر.
مساوٍ للآب في الجوهر
إنه رد على الأريوسية التي لم تفهم معني قول الرب "أبي أعظم مني" (يو 14: 28). فالآب ليس أعظم من الابن في الجوهر، لأن الابن له نفس طبيعة الآب، ونفس جوهره ونفس لاهوته: فهو مساو له في كل شيء. ولكن عبارة "أبي أعظم مني" قيلت عن حاله إخلاء الذات في التجسد. كما قيل إنه "إذ كان في صورة الله، لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله. لكنه أخلَى نفسه آخِذًا صورة عبد، صائرا في شبه الناس. وإذا وجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (في2: 6-8) حاله الإخلاء هذه هي التي قيل عنها "أبي أعظم مني"، أي من صورة العبد التي أخذتها، مع بقاء جوهر اللاهوت كما هو أعظم من صورة الآلام والصليب. في كل ما تحمله الابن في تجسده من إهانات. أما جوهر اللاهوت المتحد بهذا الناسوت، فهو كما هو، لم ينقصه تواضع الناسوت شيئًا وهكذا استطاع في ناسوته أن يقول ويعمل ما يناسب لاهوته الذي يتساوَى فيه مع الآب فقد قال "أنا والآب واحد" (يو 10: 30) "من رآني فقد رأى الآب" (يو 14: 9) "أنا في الأب والآب فيَّ" (يو 14: 10). وقال "لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب" (يو 5: 23) كما أنه في تجسده قال للمفلوج "مغفورة لك خطاياك" (مر2: 5، 10). وقال نفس العبارة للمرأة الخاطئة التي بللت قدميه بدموعها (لو 7: 48). وفي تجسده مشى على الماء (مت 14: 25)، وانتهر الريح والأمواج فسكنت وهدأت (مر 4: 29). وفي تجسده خلق مادة جديدة في معجزة الخمس خبزات والسمكتين (مت 14: 17)، وفي تحويل الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل (يو2). وفي منح البصر للمولود أعمى (يو 9) وعمل أعمالًا كثيرة تدل على لاهوته.. كذلك قيامته والقبر مغلق، ودخوله العلية وَالأَبْوَابُ مُغَلَّقَةٌ (يو 20: 19). وصعوده إلى السماء.
الذي به كان كل شيء
هنا يتحدث قانون الإيمان عن الابن كخالق، خلق كل شيء كما ورد في إنجيل يوحنا "كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يو 1: 3) وأيضًا كما ورد في الرسالة إلى كولوسي "الكل به وله قد خلق" (كو 1: 16) وهنا نسأل من خلق العالم؟ أهو الآب أم الابن؟ ونجيب الآب خلق كل شيء بالابن "فإنه فيه خلق الكل ما في السموات، وما على الأرض ما يُرى وما لا يُرى سواء كان عروشًا أم سيادات أم رياسات أم سلاطين" (كو 1: 16) هو عقل الله الناطق. والله خلق كل شيء بعقله ونطقه وهو "قوة الله وحكمة الله" (1 كو 1: 24). والله خلق كل شيء بقوته وحكمته.
هذا الذي من أجلنا نحن البشر، ومن أجل خلاصنا
إن الابن كانت له أعمال كثيرة إلى جوار الغرض الأساسي من التجسد، أعني الفداء فهو قد أعاد إلى الإنسان الصورة المثالية التي خلق عليها كان الإنسان قد خلق على صورة الله ومثاله (تك 1: 26-27) ولكنه بخطيئته فقد هذه الصورة الإلهية. فأتَى السيد المسيح ليعيد هذه الصورة الإلهية مرة أخرى بحياته المثالية في كل شيء كذلك جاء يقدم للناس التعليم السليم، ويصحح المفاهيم الخاطئة التي انتشرت نتيجة لتفسير القادة الجهال، الذين أغلقوا ملكوت الله أمام الناس. فلا هم دخلوا، ولا تركوا الداخلين يدخلون (مت 23). لذلك تكررت في عظته على الجبل عبارة: "سمعتم أنه قيل للقدماء.. أما أنا فأقول لكم.." (مت 5). وهكذا كانوا يسمونه (المعلم الصالح) كذلك جاء يعطي الناس فكرة سليمة عن الله من حيث هو الآب السماوي الذي يحبهم وجاء يؤدي رسالة نحو المساكين المحتاجين، كما قيل عنه في نبوة أشعياء النبي ".. مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ، وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ" (أش 61: 1). وهكذا قدم للعالم صورة الراعي الصالح، كما جاءت في سفر حزقيال النبي (حز 34: 15-16) "أَنَا أَرْعَى غَنَمِي وَأُرْبِضُهَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. وَأَطْلُبُ الضَّالَّ، وَأَسْتَرِدُّ الْمَطْرُودَ، وَأَجْبِرُ الْكَسِيرَ، وَأَعْصِبُ الْجَرِيحَ" ومع هذا كله، كان العمل الأساسي للسيد الرب في تجسده، هو الخلاص والفداء فنزل من السماء من أجلنا ومن أجل خلاصنا. لو أنه لم يعمل شيئًا سوى الفداء والخلاص، لكان هذا يكفي ولكن من الناحية العملية كان لا بُد أن يؤدي المسيح رسالة قبل أن يقوم بعمل الفداء لكي يعرفه الناس. ولأنه لا يمكن أن يبقي بلا عمل. وهكذا أدى رسالة كمعلم وكراعي للخراف الضالة، وكصورة مثلي أمام الناس، وكقلب مملوء بالحب من أجل خلاصنا نزل من السماء.
نزل من السماء
وهذا يعني أن موطنه الأصلي هو السماء كما قيل "من عند الآب خرجت، وأتيت إلى العالم. وأيضًا أترك العالم، وأذهب إلى الآب" (يو 16: 28). وقال أيضًا.. "فإن رأيتم ابن الإنسان صاعدًا إلى السماء إلى حيث كان أولًا" (يو 6: 62). إذن هو كان أولا في السماء ونزل منها. ولذلك قال لنيقوديموس "ليس أحد صعد إلى السماء، إلا الذي نزل من السماء: ابن الإنسان الذي هو في السماء" (يو 3: 13) سكناه في السماء أولًا، دليل على لاهوتهفهو -كما يقول القديسون- ليس إنسانًا صار إلها بل هو إله صار كإنسان أخلى ذاته وأخذ شكل العبد، وصار في الهيئة كإنسان.. وفعل ذلك لأجل خلاصنا لأجل الخلاص كان لا بُد أن يموت الإنسان المحكوم عليه بالموت منذ أكل من الشجرة. فمات المسيح ليفدى الإنسان. عبارة (نزل من السماء) لا تعني تركه للسماء فهو نزل من السماء إلى الأرض، واستمر باقيًا في السماء، لأنه موجود في كل مكان، ولا يخلو منه مكان ولذلك قال لنيقوديموس "ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء" (يو 3: 13). فهو نزل من السماء، وهو في السماء عبارة "نزل من السماء" تعني إخلاءه لذاته من ناحية (في 2: 7)، وظهوره لنا من ناحية أخرى نزل، أي تنازل "أخذ شكل العبد، وصار في الهيئة كإنسان، ووضع ذاته حتى الموت موت الصليب" (في 2: 7-9). وعبارة (نزل من السماء) تعني لنا، بصورة مرئية، في الجسد. كما قال الرسول "عظيم هو سر التقوى، الله ظهر في الجسد.." (1 تي 3: 16). وهكذا غير المرئي صار مرئيًا.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب قانون الإيمان

عدد الزيارات 93

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل