
لقد كانت مريم العذراء تعرف أنها نذيرة الهيكل للرب منذ أن حبلت بها أمها حنة، ولذلك كانت تسمى بعذراء الهيكل، ووفقاً للشريعة اليهودية متى بلغت الفناة سن 12 سنة، لابد أن تخرج من الهيكل، ولما كانت مريم العذراء فى ذلك الوقت يتيمة الأب والأم لا تجد من يرعاها، رأى كهنة الهيكل أن يستودعوها عند رجل صالح، ووقع الإختيار الإلهى على الشيخ يوسف النجار الذى خطبها تمهيداً لعقد زواج بتولى معها، بحيث تعيش معه فى مسكنة وبيتة ويتولى رعايتها والإنفاق عليها ويكون لها بمثابة الأب وتحت غطاء شرعى أمام الناس أنه رجلها فى نفس الوقت، ولذلك عندما تمت خطبتها ليوسف النجار، وهما الإثنان يعلمان ومتفقان على أنها ستعيش معه كبتول عذراء. فهى طفلة فى سن الثانية عشرة وهو رجل شيخ تجاوز الثمانين عاماً، فهى تريد تنفيذ وصية أمها حنة برضى وقبول تام، ويوسف النجار بالطبع لا يريد كسر ذلك النذر الذى هو عالم به من قبل ولادة العذراء. ولذلك إندهشت من قول الملاك لها أنها ستحبل وتلد إبنا، وردت عليه قائلة: كيف يكون هذا وأنا عذراء لا أعرف رجلا؟.
ماهى مراسم إتمام الخطبة والزواج فى بنى إسرائيل وقت ميلاد المسيح؟
يقول التقليد والأباء أن الخطبة كانت تتم حسب عادة اليهود رسمياً أمام الكهنة، والشريعة تعتبر المخطوبة كالمتزوجة تماماً ماعدا العلاقات الزوجية، وتدعى زوجة وتصبح أرمله وتتمتع بجميع الحقوق المالية إن مات خطيبها أو طلقت منه، ولايمكن أن يتخلى عنها خطيبها إلا بكتاب طلاق، مثلها مثل الزوجة تماماً، وإذا زنت تعتبر خائنة لزوجها وتعامل معاملة الخائنة وتموت بالرجم، وليس معاملة العذراء الغير مرتبطة برجل كما جاء فى سفر التثنية:
(تثنية 22: 23) «إِذَا كَانَتْ فَتَاةٌ عَذْرَاءُ مَخْطُوبَةً لِرَجُلٍ فَوَجَدَهَا رَجُلٌ فِي المَدِينَةِ وَاضْطَجَعَ مَعَهَا فَأَخْرِجُوهُمَا كِليْهِمَا إِلى بَابِ تِلكَ المَدِينَةِ وَارْجُمُوهُمَا بِالحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَا. الفَتَاةُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا لمْ تَصْرُخْ فِي المَدِينَةِ وَالرَّجُلُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَذَل امْرَأَةَ صَاحِبِهِ. فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ وَسَطِكَ. وَلكِنْ إِنْ وَجَدَ الرَّجُلُ الفَتَاةَ المَخْطُوبَةَ فِي الحَقْلِ وَأَمْسَكَهَا الرَّجُلُ وَاضْطَجَعَ مَعَهَا يَمُوتُ الرَّجُلُ الذِي اضْطَجَعَ مَعَهَا وَحْدَهُ. وَأَمَّا الفَتَاةُ فَلا تَفْعَل بِهَا شَيْئاً. ليْسَ عَلى الفَتَاةِ خَطِيَّةٌ لِلمَوْتِ بَل كَمَا يَقُومُ رَجُلٌ عَلى صَاحِبِهِ وَيَقْتُلُهُ قَتْلاً. هَكَذَا هَذَا الأَمْرُ. إِنَّهُ فِي الحَقْلِ وَجَدَهَا فَصَرَخَتِ الفَتَاةُ المَخْطُوبَةُ فَلمْ يَكُنْ مَنْ يُخَلِّصُهَا.«إِذَا وَجَدَ رَجُلٌ فَتَاةً عَذْرَاءَ غَيْرَ مَخْطُوبَةٍ فَأَمْسَكَهَا وَاضْطَجَعَ مَعَهَا فَوُجِدَا يُعْطِي الرَّجُلُ الذِي اضْطَجَعَ مَعَهَا لأَبِي الفَتَاةِ خَمْسِينَ مِنَ الفِضَّةِ وَتَكُونُ هِيَ لهُ زَوْجَةً مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ أَذَلهَا. لا يَقْدِرُ أَنْ يُطَلِّقَهَا كُل أَيَّامِهِ.
ويروى التقليد أن العذراء مريم خطبت ليوسف رسمياً أًمام كهنة اليهود بعقد رسمى وكما يروى الكتاب والتقليد أيضاً أنه إحتفظ بها فى بيته فى الناصره. فكانت فى نظر بنى إسرائيل خطيبته وإمرأته، فهو رجلها، وقال له الملاك: "لا تخف ان تأخذ مريم أمرأتك".
متى تمت خطوبة مريم العذراء ليوسف النجار؟
هذا يتضح من الزمن المستخدم فى اللغة اليونانية فى قوله "كانت مريم مخطوبة ليوسف" والذى يبين أن الخطبة كانت قد تمت حديثاً جداً وربما قبل ظهور الملاك لها بأيام قليلة جداً. وهذا مايبين قصد الله من خطبة العذراء ليوسف، فقد خطبت قبل الوقت المعين للبشارة بوقت قليل، لتصبح تحت حماية رجل، ولأنها نذرت بتوليته إلى الأبد فقد عاش معها يوسف النجار التى تجمع التقاليد على إنه كان شيخاً وعاش معها فى حالة قداسه كامله.
هل عرف الشيطان مضمون رسالة بشارة الملاك جبرائيل لمريم العذراء؟
لم يعرف الشيطان رسالة الملاك جبرائيل لمريم العذراء للأسباب التالية:
1- البشارة حدثت فى دائره ضيقة جداً وللعذراء فقط.
2- لم تبوح العذراء بهذا السر لأى إنسان ولا حتى ليوسف النجار، ولا حتى تكلمت مع يوسف النجار عندما رأت الشك فى عينية نحوها بل ظلت صامتة حتى أظهر الله ليوسف فى حلم ذلك السر الإلهى، ومعروف عن العذراء مريم أنها كانت دائماً صامتة تحفظ كل شئ فى قلبها، وربما كان هذا طلب من الملاك جبرائيل لها أن لا تتكلم عن هذا السر مهما كان:
(لوقا 2: 19) وَأَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هَذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا.
(لوقا 2: 51) وَكَانَتْ أُمُّهُ تَحْفَظُ جَمِيعَ هَذِهِ الأُمُورِ فِي قَلْبِهَا.
3- أغلب الظن أن الملاك ظهر للعذراء فى مخدعها وقت صلاتها وبالتأكيد لم يعرف إبليس بهذا، وربما لم يكن قادراً على إختراق الحائط النورانى والروحى لمكان والسياج الإلهى الذى يحمى السيدة العذراء، ومعلوم أن الله يحمى قديسية ويسيج حولهم أسوار وسياجاً من عدو الخير: (أيوب 1: 10) أَلَيْسَ أَنَّكَ سَيَّجْتَ حَوْلَهُ وَحَوْلَ بَيْتِهِ وَحَوْلَ كُلِّ مَا لَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ؟
4- لم يسمح الله للشيطان بالإطلاع على هذا السر.
وعموماً مخطئ تماماً من يتصور أن إبليس وكأنه كلى المعرفه ولا محدود! فهذا غير صحيح، ومخطئ أيضاً من يتصور أن إبليس ذو ذكاء شديد وإن كان كذلك فإنما هو ذكى فى الشر، أما فى معرفه التدابير الالهيه فهو أغبى ما يكون عن أى تصور لانه فقد النور الإلهى تماما مثل البشر الذين يبتعدون عن النور الحقيقى فلا يعرفون ما هو لخلاصهم!
ولذلك كانت بشارة الملاك جبرائيل لمريم أحد الأسرار الإلهية التى أخفاها الله عن الشيطان لإتمام عمل الخلاص، لأنه لو علم الشيطان يقيناً أن الملود هو فعلا المسيح إبن الله القادم لخلاص العالم لبذل كل جهدة وسخر كل قواتة لتعطيل ذلك الخلاص وتاخيرة قدر المستطاع، فهو يعلم تماماً أن نسل المرأة سوف يسحق رأس الحية، ولكن لا يعلم كيف ومتى سيتم ذلك الخلاص، بل لم يكن الشيطان متأكداً من أن المصلوب على الصليب هو بالفعل إبن الله، ولو كان يعلم أنه هو لكان الشيطان أول المعارضين لصلب المسيح. نستطيع القول أن الشيطان كان متشككاً فى أمر السيد المسيح فتارة يراه يصنع المعجزات ويقيم الموتى ويشفى المرض ويشبع الجياع ويسكت رياح البحر، ويخرج الشياطين وهى تخرج صارخة أنت هو المسيح إبن الله الحى لتصطاد منه كلمة تتأكد منة انه هو فعلا ولكنه يأمرهم بالسكوت والصمت ويتركهم حيارى، وتارة أخرى يراه الشيطان يجوع ويعطش ويأكل فهل هذا هو الله ام إنسان!!!.
بل ونستطيع القول أيضاً أن اللحظة الأولى التى تأكد فيها الشيطان أن المسيح هو إبن الله الحى، هى لحظة موت المسيح ونزولة للجحيم لإصعاد أرواح الأنبياء والأبرار والقديسين الذين رقدوا على رجاء القيامة، فى تلك اللحظة فتحت الهاوية فاهها وإستعدت أبواب الجحيم لإستقبال فريستها الذى مات، وقوات الشر وعلى رأسهم رئيس الشياطين فى أهبة الإستعداد لملاقاة ذلك الذى كان يعذبهم ويخرجهم ويهدد مملكتهم، وفجأة إذ بهم يرون ملك الملوك ورب الأرباب المسيح إبن الله فى عظمتة قادماً لهم وبأقدامة سحقهم جميعاً بل وإزدادوا سقوطا تحت سقوطهم، وخلص المأسورين من سجن الهاوية.