عظة عيد التجديد
عيد التجديد : جاء في بعض كتب التفسير الكنسية المخطوطة أن سبب قراءة فصول إنجيل القداس المذكور فى يوم ۱۷ توت هو « أن مدينة القدس بعد صعود ربنا بنحو ثلاثين سنة كانت قد أخربت أخربها الرب على يد الروم نقمة منه لليهود صالبيه كما تقدم وأعلمهم بذلك قبل صلبه ولم تزل خرابا حتى ظهرت خشبة الصليب على يد قسطنطين ملك الروم لأنه صار ملكا مسيحيا ، وحينئذ بني المدينة من جديد لهذا يقرأ في هذا اليوم هذا الفصل الذي فيه ذكر تجديدها
تمهید :
بعد أن أعاد المخلص البصر للرجل المولود أعمى ، وبعد خطابه الشهير عن الراعى الصالح ، حضر عيد التجديد بأورشليم حيث قامت المناقشة بينه وبين اليهود كما وردت بفصل الأنجيل ، وفيها أثبت أنه المسيح ، وأنه واهب الحياة ، وأن معجزاته خير دليل على ألوهيته :
ييوع هو المسيح :
وكان عيد التجديد فى أورشليم وكان شتاء وكان يسوع يتمشى في الهيكل في رواق سلمان فاحتاط به اليهود وقالوا له إلى متى تعلق أنفسنا إن كنت أنت المسيح فقل لنا جهرا أجابهم يسوع إنى قلت لكم ولستم تؤمنون . الأعمال التي أعملها بأسم أبي هي تشهد لي ولكنكم لستم تؤمنون لأنكم لستم من خرافى كما قلت لكم .
كان الملك أنطيوخوس الرابع الملقب أبيفانوس الذي حكم الشام من ١٧٤ - ١٦٤ ق.م قد استولى على مدينة بيت المقدس وخربها وقتل أربعين ألفا من يهودها ، وباع منهم مثل هذا العدد ، وذبح خنزيرة على باب الهيكل لينجسه ولكن زعيم المعارضين له وهو يهوذا المكاني قام بتعيين ( عيد التجديد ) تذكارا لتطهير الهيكل من النجاسة التي أصابته على يد أنطيوخوس الطاغية وهذا العيد هو الذي سماه يوسيفوس المؤرخ "عيد الأنوار " لكثرة المصابيح التي كانت توقد فيه ، وكانت مدته ثمانية أيام تبدأ في ١٥ كانون الأول الذي يوافق شهر كيهك تقريبا ، وكان يقضيها اليهود في فرح شامل وبسبب برد الشتاء في ذلك العيد كان السيد يتمشى في رواق سليمان لأنه كان مسقوفا فحدث أن أحاط به اليهود ، وقيل الكتبة والفريسيون ، وسألوه إن كان حقا هو المسيح المنتظر حتى يزول ارتيابهم وتنقضى حيرتهم والواقع أنهم كانوا غير مخلصين في طلبهم إذ كانوا يقصدون أن يعترف بأنه المسيح لكي يشتكوا عليه بدعوى التجديف وقد أوضح السيد في إجابته أنه أعلن لهم غير مرة أنه المسيح المنتظر وذلك حين قال « أنا نور العالم » ، و« أنا الراعي الصالح ، و أنا ابن الله ) ، ولكنهم كانوا يتعامون عن ذلك ولا يصدقونه ، ثم أشار إلى معجزاته التي يصنعها بسلطان أبيه وأنها كانت كافية لحملهم على تصديقه ،ومع ذلك أصروا على عدم التصديق حسدا وكبرياء ، لأنهم ليسوا من خرافه التي تسمع صوته وتطيعه .
وهو واهب الحياة :
خرافي تسمع صوتى وأنا أعرفها وتتبعنى وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحد من يدى أبى الذى أعطاني إياها هو أعظم من الكل ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبى أنا والآب واحد .
ثم استطرد المخلص يبين لهم ما يناله المؤمنون به من نعم فقال إن خرافه تطيعه وتحبه وتقبل تعاليمه ، وهو بدوره يحبها ويسد احتياجاتها ويعزيها في أحزانها وينقذها من تجاربها وهى تسير فى خطواته وتتكل عليه فيمنحها حياة دائمة ، فتنعم برضا الله في هذا العالم ،وبالأمجاد السماوية في العالم الآخر ،وهي لن تهلك بعذاب النار كالأشرار ،ولن يجتذبها أحد إلى الخطية فتبعد عنه ،ولا تقوى على خدعها حيل الأبالسة ،وفصاحة المضلين ،وسطوة المضطهدين وظلمهم كل ذلك لأن الآب هو الذي أعطاه إياها وبما أنه لا قدرة لأحد على انتزاعها من يد الآب كذلك لا يستطيع انتزاعها من يد الابن ، لأن الآب والابن واحد في الجوهر والمجد والقوة وسائر الكمالات الألهية.
اتهام بالتجديف :
فتناول اليهود أيضا حجارة ليرجموه أجابهم يسوع أعمالا كثيرة حسنة أريتكم عند أبى . بسبب أي عمل منها ترجموني أجابه اليهود قائلين لسنا نرجمك لأجل عمل حسن بل لأجل تجديف فأنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلها .
لم يقتنع اليهود عند سماع ذلك بأنه المسيح ، وتناولوا حجارة ليرجموه ، مما دل على أنهم كانوا غير مخلصين في السؤال الذي وجهوه إليه ولكنه غل أيديهم بقدرته فلم يتمكنوا من تنفيذ قصدهم ثم شرع يتساءل عن سبب محاولتهم رجمه وقد أتى بينهم أعمالا حسنة كثيرة ، كشفاء المرضى وتطهير البرص وفتح أعين العميان وإقامة المقعدين والموتى ، وما إلى ذلك من عجائب عملها بسلطان أبيه ، وبرهن بها على وحدته معه ، وليس فيها شر يستوجب الرجم فراحوا يبررون محاولتهم الشريرة بقولهم أنه جعل نفسه إلها ، وهذا في نظرهم يعد تجديفا .
معجزاته دليل ألوهية :
أجابهم يسوع أليس مكتوبا في ناموسكم أنا قلت إنكم آلهة إن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله . ولا يمكن أن ينقض المكتوب فالذى قدسه الآب وأرسله إلى العالم أتقولون له أنك تجدف لأني قلت إنى ابن الله إن كنت لست أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بي ولكن إن كنت أعمل فأن لم تؤمنوا بي فآمنوا بالأعمال لكى تعرفوا وتؤمنوا أن الآب في وأنا فيه .
بادر السيد بدحض تهمة التجديف التي وجهت إليه فبين في دليله الأول أنه جاء في المزمور قول الله عن القضاة عقب موت يشوع بن نون تطرق الوهن إلى نفوس بني إسرائيل واختلت أمورهم وغرقوا فى شرورهم وأعرضوا عن إلههم فسمح الله لأعدائهم بأذلالهم ولكن رحمته الواسعة كانت تمتد إليهم كلما دعوه لدفع مكروه حل بهم فكان يقيم لهم قوادا ينقذونهم من أعدائهم المحيطين بهم ،وهؤلاء القواد هم القضاة وكانت سلطتهم في الغالب تنتهي بانتهاء الأزمة التي دعت إلى قيامهم وبلغ عددهم خمسة عشر قاضيا وأشهرهم باراق وجدعون ويفتاح وشمشون وعالى وصموئيل النبي « أنا قلت إنكم آلهة وبنو العلى كلكم » ( مز ٦:٨٢ ) ، وذلك لسموهم في المنزلة عن غيرهم ، ولأن كلمة الله "صارت اليهم " أى أوحى الله بكلامه إليهم ،وأعطاهم سلطانا أن يقضوا باسمه ، وهذا الذي كتب لا يمكن إبطال حرف منه بل يجب قبوله باحترام وبما أنه جاز تسمية هؤلاء آلهة وهم بشر ، دون أن يعد ذلك تجديفا فمن باب أولى لا يكون السيد مجدفا إن سمى نفسه ابن الله ، وهو حقيقة ابنه الأزلي الذي أرسله لخلاص العالم وأما الدليل الثاني فاستمده المخلص من عجائبه فأوضح أن اليهود لا يطالبون بالإيمان به إن لم يكن قد صنع عجائب لا يستطيع أن يعملها إلا الله أما وقد صنعها فلا مندوحة لهم عن الإيمان بها ما داموا بتعنتهم وكبريائهم لا يؤمنون به وهذه المعجزات لا تترك مجالا للشك في أنه والآب واحد ، وأن الاتحاد بينهما تام والمساواة كاملة.
المتنيح الارشيذياكون بانوب عبده
عن كتاب كنوز النعمة الجزء الاول