تشمل منظومة الخدمة في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ثلاث ركائز أساسية هي: “التعليم – التكريس – الرعاية”، وهذه الثلاثة مترابطة وغير منفصلة عن بعضها في العمل الكنسي لتكميل وتجميل الخدمة الكنسية. إن “المعلم والمكرس والراعي” يجب أن يكونوا في المتقدم إلى العمل الكنسي ولكن بنسب متفاوتة، فمثلاً خادم مدارس الأحد يكون معلمًا بمقدار ومكرسًا ساعات من وقته بمقدار وراعيًا لمن يخدمهم بمقدار.. وهكذا خادم الشباب والأب الكاهن والأب الأسقف والراهب الكاهن، ويأتي نجاح هذه المنظومة عندما تتم في إطار إداري مؤسسي منضبط وفعال.
أود في هذا المقال الحديث عن الركيزة الأولى “التعليم”: وخاصة تجويد التعليم الكنسي على كل مستوياته في فصول مدارس الأحد واجتماعات الشباب وعظات العشيات والقداسات والنهضات ومحاضرات المؤتمرات والخلوات وفصول إعداد الخدام امتدادًا إلى التعليم الرسمي في الكليات الإكليريكية والمعاهد الكنسية على تنوعها الدراسي لاهوتيًا واجتماعيًا. ويضاف إلى ذلك المناهج التي تُقدم وتُدرس وكيف يتم تجويدها باستمرار وفقًا لاحتياجات كل قطاع خاصة ونحن نعيش في زمن متسارع بصورة غير مسبوقة في النواحي التكنولوجية والرقمية والذكاء الاصطناعي وكل ما هو جديد في العالم يظهر كل يوم وكل ساعة لقد كانت مدرسة الإسكندرية التي أسسها مارمرقس الرسول في كرازته في الإسكندرية وقبل استشهاده هي اللبنة الأولى في التعليم الكنسي، ويقول العلامة إكليمنضس السكندري: “لقد صاغ الآباء التعليم باستنارة الروح القدس مع الاستفادة الناتجة من دراستهم الفلسفية والأدبية والعلمية التي كانت سائدة في عصرهم واكتسبوها وتعلموها لكي يتواصلوا مع العالم المحيط بهم”. وهكذا امتد التعليم عبر آباء الكنيسة في كل أقوالهم وكتاباتهم وشروحاتهم، وقبل كل ذلك في حياتهم وسيرهم. وصارت مهمة التعليم الكنسي تولد في الكنيسة أي من خلال الليتورجيا ونظام الصلاة الجماعي والشخصي، وتمتد من جيل إلى جيل ليس على مستوى التاريخ بل على مستوى الحياة لأنه كما يقول سفر الأمثال: “بِلاَ رُؤْيَا يَجْمَحُ الشَّعْبُ” (أم 29: 18) وإذا قمنا برسم خريطة للمعاهد والكليات الكنسية المنتشرة بين ربوع كنائسنا في مصر وفي الخارج سنجد الصورة كما يلي:
الكلية الأم بالأنبا رويس القاهرة منذ 150 سنة، وأعيد تأسيسها عام 1893م في حبرية البابا كيرلس الخامس ولها قسم مسائي تأسس عام 1946م.
وهذه هي الفروع:
الإسكندرية (1972م) وأيضًا مركز تيرانس (2015م) طنطا (1976م) المنوفية (1977م) شبرا الخيمة (2000م) دمنهور (2002م) بورسعيد (2003م) المحلة (2005م)
كما يوجد عدد من الفروع في الوجه القبلي:
الدير المحرق (1973م) المنيا (1976م) البلينا (1976م) الأقصر (2004م)
وكذلك توجد عدد من الكليات خارج مصر:
جيرسي سيتي (1989م) لوس أنجيلوس (1989م) (حاليًا ACTS) سیدني (1982م) ملبورن (2001م) (حاليًا كلية القديس أثناسيوس) إنجلترا (1997م) أكاديمية Teach (2020م) ألمانيا ( 2006م) ويمكن أن نضيف إلى هذه القائمة مراكز كنسية أخرى تابعة للكنائس والإيبارشيات وأيضًا بعض المراكز بجهود شخصية مثل مركز دراسات الآباء، مدرسة الإسكندرية-… إلخ.كما يوجد معهد الدراسات القبطية ومعهد الرعاية والتربية ومعهد المشورة-.. إلخ ومعنى ذلك أننا أمام خريطة واسعة في التعليم الكنسي تحتاج أن تعمل بمعايير الجودة والإتقان والفعالية، وهذا يتطلب جهدًا كبيرًا من الجميع، أساتذة ومختصين ومحاضرين جامعيين في الإدارة والتعليم ومراقبة الجودة تحت إشراف الآباء الأساقفة والكهنة ويوجد لنا في المجمع المقدس لجنة الإيمان والتعليم كإحدى اللجان المجمعية وأعضاؤها كلهم من المطارنة والأساقفة وتشرف على سلامة التعليم والاعتراف الكنسي بالكليات والمعاهد الجديدة. كما أصدر المجمع المقدس في عام 2014م لائحة الأكاديمية اللاهوتية لتكون إطارًا محكمًا لعمل الكليات والمعاهد الكنسية بأسلوب علمي وأكاديمي. ونشرت هذه اللائحة حتى تقوم كل كلية أو معهد كنسي بتوفيق الأوضاع حتى تصير عضوًا في الأكاديمية ولا ننسى أنه في عام 1962م قام القديس البابا كيرلس السادس بسيامة أسقف عام للتعليم في خطوة تاريخية في مسار التعليم الكنسي، وقد صار فيما بعد البابا شنوده الثالث. وكانت هذه السيامة بمثابة عملاً تنظيميًا في التعليم الكنسي في التربية الكنسية وفي الكلية الإكليريكية. وبعدها بخمس سنوات قام القديس البابا كيرلس السادس بسيامة الأنبا غريغوريوس أسقفًا عامًا للدراسات العليا والبحث العلمي والثقافة القبطية مما أثرى العملية التعليمية بصورة أوسع كذلك عقدت الكنيسة عدة مؤتمرات دراسية حول التعليم كان من أشهرها ما عقد في يونيو 2013م وشارك فيه ممثلو معظم الكليات والمعاهد الكنسية القبطية تحت عنوان: بين الواقع والمأمول في المعاهد اللاهوتية أما الآن فنحن نشعر بالاحتياج الشديد إلى ضبط التعليم الكنسي بمعايير الجودة الجامعية والأكاديمية لتصل إلى درجة الاعتماد الأكاديمي، خاصة وأن بعض الكليات في الخارج نالت هذا الاعتماد مثل کلية Acts (لوس أنجيلوس) – أكاديمية تيتش (لندن) – كلية القديس أثناسيوس (ملبورن أستراليا). ولدينا عدة أفكار في هذا الصدد نستعرضها للمناقشة وإبداء الرأي بأوراق بحثية بهدف التجويد والتطوير بالصورة التي نأملها لكل كلياتنا ومعاهدنا:
إنشاء مجلس التعليم الكنسي ويتكون من 24 عضوًا حاملي درجة الدكتوراه في تخصصات عديدة ويكون نصف الأعضاء من الإكليروس (أساقفة/ كهنة/ رهبان) والنصف الآخر من العلمانيين (أساتذة رجال ونساء)، ويقوم هذا المجلس بعمل بحثي لترقية التعليم الكنسي بكل مستوياته بطريقة علمية خالصة.
مجلس الأكاديمية اللاهوتية يضم ممثلين من كافة الكليات الإكليريكية والمعاهد الكنسية المعترف بها وذلك لتوحيد الجهود ومستويات التعليم وتنشيط الأساليب التدريسية بكافة نواحيها… والإتاحة العلمية لهيئات التدريس.
إنشاء كيان كنسي يضم صفوة الأساتذة يقومون بمناقشة الرسائل العلمية الكنسية ويساعدون الشباب والآباء في إعدادهم هذه الرسائل على أسس علمية راقية، كما يقوم هذا الكيان بنشر الرسائل وتبادلها مع الكليات والمعاهد بهدف إثراء العملية التعليمية الكنسية.
إرسال واستقبال البعثات الدراسية وتبادلها مع المؤسسات التعليمية بهدف إعداد كوادر معاصرة تتناسب مع تجديد العمل الدراسي والتعليمي في الكليات والمعاهد الكنسية.
النشر العلمي الرصين والاستعانة بالمكتبة البابوية المركزية ومركز المخطوطات القبطية الورقية والرقمية والبحث في كنوز الآباء العديدة.
الاهتمام والمتابعة الدورية لمعايير الجودة والحوكمة والرقمنة لكل مراحل التعليم الكنسي وعلى كل المستويات حقًا المشوار طويل ولكن يجب أن نسرع فيه بكل قوة حتى يكون لكنيستنا المكانة اللائقة بين كنائس العالم، ونحن نستطيع كل شيء في المسيح الذي يقوينا (فيلبي 13:4).
قداسة البابا تواضروس الثاني