إن أصلح صورة للمسیح كملك، ھي صورته وھو مصلوب ذلك لأنه على الصلیب اشترانا بدمه (رؤ ٥: 9) فصرنا ملكًا له، وھكذا ملك الرب على العالم الذي اشتراه، وھكذا بدأت مملكة روحیة للرب ونحن
ننظر إلى ھذا الملك الذي اشترانا، ونغني له في یوم الجمعة الكبیرة لحن "بیك إثرونوس" أي "عرشك یَا الَلهُ إِلَى دَھْرِ الدُّھُورِ قَضِیبُ اسْتِقَامَةٍ قَضِیبُ مُلْكِكَ" نقول له " تَقَلَّدْ سَیْفَكَ عَلَى فَخْذِكَ أَیُّھَا الْجَبَّارُ، واستله
وانجح واملك" (مز ٤٤).
كیف ملك الرب على خشبة؟ وما قصة ھذا المُلك؟
الرب یملكنا منذ البدء، لأنه خلقنا وأوجدنا من العدم، ولكننا بالخطیة انفصلنا عن ملكوت الله، وبالخطیة ملك الموت علینا (رو ٥: 17 , 14) إذ صرنا تحت حكمه والسید المسیح على الصلیب، بالموت داس الموت، وخلصنا من حكم الموت، ووھبنا الحیاة، فصرنا له بمُلك الخطیة والموت، كان الشیطان أیضًا یملك، ولذلك تلقب في الإنجیل أكثر من مرة بأنه "رَئِیسُ ھذَا الْعَالَمِ" (یو ۱۲: 31) ، أي العالم الذي تحت الخطیة والموت وبالصلیب، استطاع المسیح أن یقضي على مملكة الشیطان،ویدوس الموت، ویدفع ثمن الخطیة وإذا بالرب یقول عن الشیطان "رَئِیسَ ھذَا الْعَالَمِ قَدْ دِینَ" (یو ۱٦: 11) ویقول أیضًا "رَأَیْتُ الشَّیْطَانَ سَاقِطًا مِثْلَ الْبَرْقِ مِنَ السَّمَاءِ" (لو ۱۰: 18) إن السید المسیح قد ھزم الشیطان في كل تجاربه وكل حروبه، ولكنه بالصلیب تمم الفداء الذي قضى على ملكه كل ما اقتناه الشیطان خلال آلاف السنین، أفقده المسیح إیاه على الصلیب لما افتدى الناس من خطایاھم، لذلك فإن الشیطان یخاف الصلیب الذي یُذكِّره بھزیمته ولھذا كان لعلامة الصلیب سلطان على الشیطان ھذا الفادي ھو ابن الله الذي یقدم كفارة غیر محدودة، تكفي لغفران جمیع الخطایا لجمیع الناس في جمیع العصور، لذلك صرخ الشیطان على أفواه تابعیه بعبارته المشھورة "إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَانْزِلْ عَنِ الصَّلِیبِ" (مت ۲۷: 40 ؛ مر ۱٥ : 30) وسكت المسیح لأنھا عبارة لا تستحق الرد فھو، لأنه ابن الله، صعد على الصلیب، وملك اللص على الصلیب اعترف بملكوت المسیح فقال "اذْكُرْنِي یَارَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ" (لو ۲۳: 42) ولعله كان یقصد الملكوت الآتي،ولكن السید المسیح نبه اللص إلى موضوع ھام، وھو أن ھناك مملكة قد تأسست على الصلیب ، وبدلاً من عبارة "متى جئت" قال له "الیوم تكون معي" أبشر، فالیوم قد بدأت مملكة المسیح، وقد تقلد سیفه على فخذه،وقید الشیطان ألف سنة، وسقط الشیطان مثل برق من السماء كان المسیح على الصلیب أكثر جمالاً وجلالاً من كل أصحاب التیجان حینما نقول له "قَضِیبُ اسْتِقَامَةٍ قَضِیبُ مُلْكِكَ" نقصد أنه ملك بكل استقامة، بكل عدل، بدفع ثمن الخطیة ووفاء العدل الإلھي تمامًا مبارك الرب في ملكه.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث