الرجل ذو اليد اليابسة

21 أكتوبر 2025

كان اليوم سبت والسيد المسيح قد دخل مجمع اليهود، والرجل يجلس في أحد الأركان، لم تلحظه سوى العيون المتربصة، عيون الفريسيين المترقبة، ينتظرون غلطة يعرفون أنها قادمة.. فيد الرجل اليمنى يابسة بلا حياة، والمعروف من خبرتهم في خلال ما يقرب من السنة أن السيد المسيح "يتحنن" على هؤلاء المرضى المُهملين، فبالتأكيد لن يعتبر للسبت، ولن يهتم بكسر هذه الوصية العظيمة من أجل هذا الرجل. لذا كانت عيونهم تتربص.. يتململون متعجلين فرصتهم في الايقاع به.الرجل.. لم يكن يرى فيهم سوى جماعتين مختلفتين: الفريسيون والكتبة، معروفون، خليط من الجدية والقسوة والغلاظة، أسرى الفروض والأحكام الدينية، أسرى الحروف والحدود! والجماعة الأخرى.. السيد المسيح وتلاميذه، فقراء بسطاء ولكنهم مازالوا يحملون قلوبًا إنسانية لحمية.وعندما طلب الرب يسوع من الرجل ذو اليد اليابسة أن يقف في الوسط (مرقس 3:3)، قام بهدوء ووقف، وهو يعلم أنه في مركز اختبار من نوع ما، مسابقة أو تحدٍ بين المجموعتين!وكسر الرب حالة الصمت بسؤال: «هَلْ يَحِلُّ فِي ٱلسَّبْتِ فِعْلُ ٱلْخَيْرِ أَوْ فِعْلُ ٱلشَّرِّ؟ تَخْلِيصُ نَفْسٍ أَوْ قَتْلٌ؟» (مرقس٣: ٤)... ساد صمت!وكان هذا الصمت كالسكين الحاد يمزق كرامة الرجل ونفسيته، كان يتوقع أن يسارع أحدهم فيجيب: بالطبع يحل.. وهل يُجرَّم أحد إن تسبّب في شفاء وإنقاذ انسان؟... ولكن أحدًا لم يجب، بل صمتوا!وتغضّن وجهه من الحسرة، إذ لم يكن أحد من الفريسين أو الكتبة يعاني أيّة إعاقة أو عجز.. جميعهم أصحاء، فكيف سيشعرون بألمه أو يفهموا أمله الشديد منذ ناداه الرب يسوع! ولكن حتى ولو لم يختبروا العجز.. أما أمكنهم الشفقة؟!هل يحل فعل الشر في السبت إذًا؟ربما لهذا صمتوا، لأن جميعهم يفعلون الشر في السبت وغيره! فلا يوجد من لم يفعل الشر وإن كانت حياته يومًا واحدًا على الأرض.. فهل يحلّلون الشر ويهلكون النفس لأنها طبيعة البشر، ويُحَرِّمون الخير وخلاص النفس لأنه كسر للوصية!وأكمل الرب يسوع بسؤال، ربما يستطاع أن يحرك تلك المياه الراكدة والعقول المتحجرة، منطقًا أو مشاعر. سألهم: «أَيُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ يَكُونُ لَهُ خَرُوفٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ سَقَطَ هَذَا فِي ٱلسَّبْتِ فِي حُفْرَةٍ، أَفَمَا يُمْسِكُهُ وَيُقِيمُهُ؟» (متى11: 12). وتعاظم الألم في قلب الرجل حينما ظل الصمت باقيًا، هل يرونه أقل من خروف؟ هل يستحق الحيوان الرأفة أكثر منه؟ أم أن للخروف ثمنًا بينما هو.. لا ثمن له!ونظر الرب حوله، ربما يجد أحدًا قد تحرك قلبه، أو تفاعل عقله مع المنطق الواضح.. لا حياة لعقول تقودها الحروف القاتلة! لا روح يحيي قلوبًا متحجرة قاسية! فنظر الرب يسوع إليهم بغضب حزينًا على غلاظة قلوبهم! وقال للرجل «مد يدك». فمدها وعادت صحيحة! (مرقس٣: ٥). لم يصدق الرجل أن الحياة تدب في اليد العاجزة، ونظر من حوله مذهولًا متوقعًا نظرات حمد أو فرحة أو.. ولم يجد سوى أنهم امتلأوا حمقًا وغيظًا.. لم يرَ أحدهم اليد تتحرك، ولكنهم رأوا فرصة النوال من الرب يسوع تتسرب من أيديهم!والسيد المسيح، وهو ابن الإنسان ورب السبت، يقول لنا كما لأولئك إن السبت قد وُضِع لأجل الإنسان، فلا يصح أن ينعكس الوضع وتصبح الوصية فرصة للدوس على رقاب المحتاجين والمتألمين.
ماريان إدوارد

عدد الزيارات 18

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل