في المسيح

28 أكتوبر 2025

لقد كانت مشيئة الله الآب ومسرته التي قصدها منذ البدء، وحققها الابن الكلمة بتجسده، وتمّمها الروح القدس في الكنيسة. هي أن يجمع كل شيء ممّا في السموات وما على الأرض "في المسيح" «إِذْ عَرَّفَنَا بِسِرِّ مَشِيئَتِهِ، حَسَبَ مَسَرَّتِهِ الَّتِي قَصَدَهَا فِي نَفْسِهِ... لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ، مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ» (أف1: 9، 10). في المسيح، هو التعبير الذي صبغ الكنيسة منذ انطلاقها يوم الخمسين، لتعلن أن المسيح هو أساس وجودها، وسر حياتها، وينبوع بركاتها، وجوهر كرازتها. فصار عنوانًا ولقبًا يُعرف به أتباعه وتلاميذه "مسيحيون". في المسيح، هو ذلك التعبير الذي حفظ للمسيحية جوهرها وفرادتها وتميّزها في وجه "الابيونية" (اليهود)، "الغنوسية" (الأمم). الابيونية التي أرادت الارتداد لليهودية ولكن في ثياب مسيحية، إذ رفضت التخلي عن ناموس موسي، وحاولت أن تصبغ المسيحية بالعوائد والعادات اليهودية، لتجعل منها إحدى أشكال أو طرق الديانة اليهودية، دون أن تنكر تاريخية مسيحها. فجاء تعبير في المسيح، ليعلن أنه لا ناموس يصلُح، ولا عوائد تُفيد، ولا حتى وصايا تُغني. في المسيح وحده نفهم الناموس كمؤدِّب يقودنا اليه، ونُدرك الذبائح كرموز تشير إلى صليبه، ونعي مغزى الأعياد كظلال تجد معناها في أحداث حياته، والنبوات كإشارات وعلامات ترشدنا إلى عمله. في المسيح وحده يحقّق الناموس هدفه، وتأخذ الوصية قوتها، والطقوس فعلها وتأثيرها. بينما الغنوسية، أرادت الارتداد للفلسفة وخاصة الأفلاطونية، التي ترى أن العقل قبل الإيمان، والمعرفة أهم من الإعلان، والخلاص في أن تعرف لا أن تؤمن. فأرادت أن تجنح بالمسيحية عن عريسها، سر إيمانها، ينبوع خلاصها. المسيح المُذخَر فيه جميع كنوز الحكمة والمعرفة. أأقنوم الحكمة، جوهر كتابات الفلاسفة، وغايه رسالتهم. أقنوم الإعلان، الذي ألهم الفلاسفه، وحرّك أقلامهم، ليكتبوا عن ذلك المبدأ الأول، الكائن المُطلَق، واللا نهائي. وإن كانوا قد عجزوا عن إدراكه. فجاء المسيح متجسدًا «والكلمة صار جسدًا»، كاشفا عن أزليته وأبديته ووحدانيته مع الله الآب، فهو الألف والياء، البداية والنهاية. هو الذي كان من البدء والدائم الى الأبد. هو اللوغوس الحقيقي، عقل الله الناطق، أو نُطق الله العاقل. في المسيح، نعرف الله، إذ أن المسيح هو كمال الإعلانات وهدفها. فالله كلّمنا بأنواع وطرق متعدّده وكثيره (الطبيعة، الضمير، الناموس)، ولكن جميعها لم تكن كافيه. فأراد الله أخيرًا أن يكشف عن نفسه، فجاء الابن الوحيد، الذي يعرف الآب معرفة حقيقية، إذ له نفس الجوهر الذي لله الآب. فكل من رآه فقد رأى الآب، إذ هو والآب واحد. لذلك هو وحده الطريق والحق، الوسيلة والغاية. في المسيح نجد هويتنا الحقيقية، كأبناء وأحباء وليس عبيدًا أو أجراء، بل وبالأحرى شركاء للميراث الأبدي. إذ فيه تصير لنا الدالة والامتياز أن نخاطب الله وندعوه "أبانا.."، وبالتالي يحق لنا الميراث السماوي، كنعمة وعطية مجانية، يمنحها لنا الآب السماوي، لإنه إن كنا أبناء فنحن ورثة، وراثون مع المسيح. في المسيح تجد الكنيسة صخرتها القوية التي بُنيت عليها، ومنه تستمد قوتها ونصرتها. وتُبنى جذورها الثابتة التي تستند إليها، ومنه ترتوي وتفرح وتنمو. وتتحقق رسالتها، إذ المسيح رأسها الذي يهب حياته مسكوبة ومبذولة بالروح القدس العامل فيها. لنكون في المسيح، يجب أن نعرفه على المستوى الفكري (من يقول الناس إني أنا؟)، ثم نحبه على المستوى القلبي (العبادة والتسبيح والصلوات)، ثم نتحد به على المستوى السرائري في الكنيسة (الأسرار الكنسية)، ثم على المستوى الحياتي، نصير بالحقيقة مسيحيين شاهدين لنعمته وحياته فينا.
القس إبراهيم القمص عازر

عدد الزيارات 18

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل