الصوم والشفاء

02 مارس 2020
Large image

الصوم وصية إلهية وُجِّهت للإنسان لتأكيد حبه لله، وذلك حين طلب الله من الإنسان أن يأكل من كل الشجر في الجنة ماعدا شجرة معرفة الخير والشر. وهكذا وُجِد الصوم في عبادة الإنسان لله، وكان أمام الإنسان فرصة الطاعة لتأكيد محبته لله، أو المعصية والأكل والسقوط ودخول الموت إلى الإنسان، وهذا ما حدث فعلًا... لذلك حين تجسد الابن الكلمة اُقتيد بالروح للبرية صائمًا حتى يُصحّح خطأ آدم الأول، ويصير آدم الثاني رأس البشرية الجديدة. ومن هنا اكتسب الإنسان أهمية الصوم، لأنه يرفض الموت ويحب الحياة، لذلك ركزت الكنيسة في قراءات الآحاد علي الأمور التالية:
(1) علاقة الصوم بالعبادة: وهذا إنجيل أحد الرفاع قبل بداية الصوم، ويضع صورة العبادة المقبولة: في صلاة في المخدع، وصوم داخلي بقناعة وتُعفّف النفس، وصدقة مُخفاة عن أعين الجميع وعطاء المديون وليس المتباهي بمنطق «من يدك وأعطيناك... والمعطي المسرور يحبه الرب»، كمن هو فرح بسداد ديونه للرب المسئول عن الفقير والمحتاج. وهنا دعوة للاستشفاء من التباهي والمتعة بالتفضُّل علي الآخر.
(2) علاقة الصوم بالنصرة: كما انتصر السيد المسيح على الشيطان الذي لم يستطع أن يُسقطه كما حدث مع آدم الأول، وذلك أعطى للإنسان الجديد كرامة أقوي وأعلىن حتى مع إمكانيات العهد الجديد ينتصر على عدو الخير بصورة تجعله يحيا بالفضيلة والقداسة الداخلية بعيدًا عن موت الخطية. وهذا نوع من الشفاء من مرض الخطية، فالذي يبدأ بالعبادة ومنها الصوم، يصل إلى النصرة على موت الخطية.
(3) علاقة الصوم بالعودة لبيت الآب: حيث السيادة ورفض عبودية الكورة البعيدة مع الخنازير المتسخة، والتمسك ببيت الآب وبالأمان وبالغذاء والحياة الكريمة، والاستشفاء النفسي والجسدي. والصوم من العوامل الأساسية لحفظ إرادة الإنسان صالحة نقية، وتظل اختيارات الإنسان تُفرح قلب الله دائمًا بنعمة الله.
(4) علاقة الصوم بالمصالحة: حين التقي الرب بالسامرية لكي يُنهي العداوة بين اليهود والسامريين، إذ هو المخلص والمصالح الإنسان مع الله والإنسان مع أخيه والإنسان مع الخليقة. وهنا نجد المصالحة تبدأ مع الله ثم مع الإنسان ثم مع الخليقة، وبذلك تمنح الحياة، لأن الخصومة موت لأنها عداوة، أمّا المصالحة فحياة.
(5) علاقة الصوم بالشفاء: وهذه نتيجة لكل ما سبق بالصوم. والشفاء هو المحصِّلة لبركات الصوم في كل ما سبق الحديث عنه. وشفاء الإرادة التي بدأت بالعبادة، فاختزنت للنصرة على الشر، بفضل العودة لبيت الآب، والمصالحة التي تقدِّس الإرادة، وتُنير العينين لرؤية الحياة الأبدية، بالقيامة التي تهزم الموت إلى الأبد، من خلال الخلاص والفداء الذي نحتفل به في أسبوع الآلام، وصولًا إلى القيامة التي تعلن جسد الحياة الأبدية. وواضح جدًا أن الصوم كعبادة، مع الصلاة والصدقة، يُحرّر النفس من سلطان الشيطان، ويعيدنا لبيت الآب، ويُنهي العداوة بالمصالحة الشافية للروح بالتوبة، وللنفس بالتوبة، وللنفس بالقداسة، وللجسد بالحفظ من إغراءات أو شهوات تضر بالكيان الإنساني. ونخلص من كل هذا أن مراحل الشفاء الإرادي من أي ضرر شرير تتوقف على الصوم بطريقة روحية تقدّس الإرادة، لذلك قيل «وتنبت صحتك سريعًا» (إش58: 8).
نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها

عدد الزيارات 593

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل