رسالة شهيد

09 سبتمبر 2018
Large image

من رسالة معلمنا بولس الرسول إلى أهل رومية بركاته على جميعنا آمين ” من سيفصلنا عن محبة المسيح أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عُري أم خطر أم سيف كما هو مكتوب إننا من أجلك نُمات كل النهارقد حُسبنا مثل غنمٍ للذبح ولكننا في هذه جميعها يعظُم انتصارنا بالذي أحبنا فإني مُتيقن أنه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة ولا علو ولا عمق ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا “ ( رو 8 : 35 – 39 ) لماذا استشهد الشهداء وكيف تحملوا ؟ تخيلوا الشهيد يقف وأمامه آخر مثله يُهان ويُضرب ويُجلد ويُعذب وتُقطع رأسه وهو واقف يرى كل ذلك بالطبع يوجد من ضَعَف ومن أنكر الإيمان وهناك أيضاً من ثَبَت حتى أن الكنيسة وضعت قانون توبة لمن أنكر الإيمان في هذه الفترة وكانت هناك عظات تُسمى عظات المُرتدين أي من ترك الإيمان أثناء فترة الإستشهاد كيف يصبر الإنسان ويصمُد أمام آلام الجسد مارجرجس احتمل سبع سنوات تعذيب أمر عجيب لكنهم عاشوا ثلاثة أمور مهمة هي :-
1. لا تُحبوا العالم :-
لا يمكن لإنسان مُتعلق بمقتنيات العالم ويستشهد .. كيف يقف أمام سيف السياف وهو مربوط بسبب الموت ؟ العالم في قلب الشهيد غير موجود .. مفطوم عن العالم .. حدث له انفصال نفسي عن العالم وكأنه غير موجود في العالم لكنه يراه من الخارج ولا يملُك عليه العالم كما يقول معلمنا بولس الرسول ” الذين يشترون كأنهم لا يملكون .. والذين يستعملون هذا العالم كأنهم لا يستعملونه “ ( 1كو 7 : 30 – 31 ) .. أي قلبهم غير مُتعلق بالقنية .. لا تُحبوا العالم .
كان الشهيد تيموثاوس متزوج حديثاً .. ولأن المُضطهدين كانوا يكرهون عبادة المسيحيين فكانوا يسرقون كتب العبادة فخبأ المسيحيون كتب العبادة في منازلهم .. كان الشهيد تيموثاوس لديهِ كُتب العبادة والقراءات في منزله .. فدخل المُضطهدون بيت تيموثاوس وأخذوه وضربوه وأهانوه وعذبوه ليأخذوا كتب العبادة لكنه رفض .. فحاولوا إغرائه بعروسه وزوجته فلم يستطيعوا أن يثنوه فأحضروا له زوجته ليتراجع عندما يراها لكنها كانت قوية مثله فقوَّته .. فعذبوهما .. رغم إنهما كانا مُتزوجان حديثاً لكنهما لم يُحبا العالم ولم يضعا ويخططا مستقبل لأنفسهما .. لأنه صعب على إنسان يحب العالم أن يستشهد .
هناك قصة خيالية تقول أنه كان هناك شاب في عمر الثلاثين متزوج وله طفلان ويعمل من أجل بيته وزوجته .. وفي أحد الأيام جاءه ملاكه الحارس وقال له أنت أتعبتني أنت لست مع الله .. أجابه الشاب أنت الذي أتعبتني .. أُريدك أن تتجاوب معي وتساعدني على امتلاك الممتلكات والمال .. أريد أن أصير غني وأتمتع و...... فقال له الملاك أنت تعرف أن الزمن مِلك لله وأستطيع بحركة من جناحي أن أُدير الكون وتِكبر في عمرك .. وبالفعل حرك الملاك جناحه وفي ثوانٍ كبر الشاب حوالي " 45 " سنة وصار مُسن أشيب وأولاده يتزوجون وزوجته طريحة الفراش وصديقه الذي كان يُنافسه في عمله قد مات وماله موجود كما هو لكن أمامه ثلاثة أيام ويموت .. فسأل الملاك ماذا أفعل الآن ؟ هل أستطيع أن أُعطي نصف أموالي للفقراء ؟ وأصوم هذه الأيام الثلاثة وأصلي وأعمل ميطانيات وأسجد لإلهي ؟ أجابه الملاك تستطيع ذلك .. بالفعل صام وصلى وسجد وطلب مراحم الله .. ثم قال للملاك هل أستطيع أن أُعطي كل أموالي لله ؟ أجابه الملاك تستطيع .. ثم طلب منه الملاك مهلة لحظة وحرك جناحه فعاد الزمن وعاد الشاب لعمره الأصلي .. شاب .. وسأله حينئذٍ الملاك ماذا تريد الآن ؟ هل تريد أموال .. ممتلكات ....... ؟
نحن لنا طموحات لن تشبع .. قد نرى المُسن في دار المسنين يغطي وجههُ أثناء النهار لا يريد أن يرى أحد لأنه حقق كل طموحاته ولم يشبع .. كل جزء يفرغ في قلبه ولا يملأه بمحبة الله لذلك يتعب .. الأولاد تزوجوا و........ إملأ الفراغات بالمسيح تِشبع .
الشهداء لم يحبوا العالم لذلك عندما أتتهم الفرصة لتقديم حياتهم للمسيح لم يتراجعوا لأنهم رفضوا العالم بكل مغرياته لأن محبة المسيح التي ملكت قلوبهم أقوى من محبة العالم .. دقلديانوس كان يتلذذ بتعذيب المسيحيين لكنه كان يتعجب من فرحتهم أثناء الإستشهاد فقال لمساعديه يستحيل أن يكونوا هؤلاء مربوطين بشهوات .. ” الذي يقتني في نفسه شهادة صالحة يشتهي الموت أكثر من الحياة .. وكل إنسان تدبيره ردئ أمور هذا العالم شهية عنده “ .. بينما الإنسان الروحاني الأفكار المقدسة والكتاب شهية عنده .. الشهيد يعيش في العالم لكنه لم يتغير ولم يسمح لماء العالم أن يدخل سفينته بل ركب العالم وسار فوقهُ .
2. لا تخافوا :-
يقول الآباء أن الكتاب المقدس به " 365 " مرة كلمة " لا تخافوا " .. أي بعدد أيام السنة .. الخوف ضد الله لذلك الخوافين لا يدخلون الملكوت .. هناك خوف طبيعي هذا أمر عادي لكن لا تتحول حياتنا إلى سلسلة خوف ووقت الجد نُنكر الإيمان .. لا .. هذا مرفوض .. نعم كل شئ فيَّ ردئ إلا إني مسيحي وهذا أجمل ما فيَّ فلا أخاف لو ظُلمت أو كنت في وسط مخيف .. لا أخاف لأني في يد المسيح الغالب الموت .. ” الذي فيكم أعظم من الذي في العالم “ ( 1يو 4 : 4 ) .. الشهداء لم يخافوا من رعب دولة .. أمامهم حاكم قاسي وجلاَّد مُرعب والسيف والقسوة على وجوه من حولهم ولم يخافوا .
لابد أن نعرف أنه سيكون لنا في العالم ضيق .. قايين قتل هابيل لكن هابيل لم يمُت .. هيرودس قتل يوحنا المعمدان لكن يوم قتل يوحنا كان يوم حزن عند هيرودس وكانت رأس يوحنا الميتة تصرخ ” لا يحل لك “ ( مت 14 : 4 ) .. عيسو اضطهد يعقوب .. فرعون اضطهد بني إسرائيل .. عيسو أراد قتل يعقوب وفرعون أراد قتل بني إسرائيل .. هناك مرات كثيرة أراد العالم إبادة شعب الله .. عثليا أرادت قتل النسل الملكي هذا أمر غير منطقي .. فرعون أراد قتل أطفال بيت لحم منتهى القسوة ويسوع مُضطهد لكنه يبقى .. بعد ذلك هيرودس يقتل يعقوب الرسول وأراد قتل بطرس .. هل الكل يخاف ؟ لا .. دقلديانوس قتل الكثير والكثير .. وحتى اليوم وغداً و...... .
الإضطهاد موجود لأن وجود المسيحيون يُسبب ألم للعالم لكن لا تخاف حتى لو أدى الأمر للإستشهاد لأن المسيح أعطاني وعد أنه ” ثقوا أنا قد غلبت العالم “ ( يو 16 : 33 ) .. أكثر شئ يُخيف الإنسان نفسه .. 65 % من مخاوف الإنسان لا تحدث .. الذي يجعل ثقته في الله .. في يقين أن الله قادر أن يُدير كل أموره هذا لا يخاف .. قل له كل يوم " أنا مِلك لك " .
القديس أبو مقار كان يصلي فظهر له الشيطان وفي يده سيف يريد قطع يدي أبو مقار .. لكن القديس لم يهتز ولم يخاف .. فقال له الشيطان أما تخاف يا راهب ؟ أجابه أبو مقار إن أمرك الله أن تقطعها فاقطعها .. ما يحدث هو الذي يسمح به الله فقط .. لا تخف لأنك كلما ارتبطت بالأرض كلما خفت أكثر .
شخص في طريقه للسفر وكان الطريق طويل ومعه حقيبة بها أمور مهمة كثيرة فوضع الحقيبة بجانبه ولم يحرك عينه عنها لكنه كان النُعاس يغلبه وهو يقاوم ويعود يطمئن على الحقيبة إلا أن النُعاس غلبهُ فغفل للحظات وقام من غفلتهِ ونظر لم يجد الحقيبة .. لقد سُرقت عندئذٍ استسلم للنوم .
هناك ما يربطك بالحياة ويُخيفك وكلما انحليت من العالم كلما عشت فوقهُ .. الإنسان يخاف من نفسه ومن أطماعه وضعفه لكن مادمت في يد الله لا أخاف شراً .. لذلك رأينا في الشهدتء بطولات .. عندما تُوضع فتاة رقيقة في زيت مغلي .. عندما يحضروا رضيع بربتوا تصرخ من جوعها فتقول لهم بربتوا " هو أعطاني إياها .. هو يقُوتها " .. قوية .. لا تخاف .. ويحاولون إضعافها أكثر فيضعون الرضيعة في حضنها لعلهت تتراجع .. عذابات نفسية وجسدية لكنهم غلبوا لأنهم من داخلهم غالبين .
3. لا تنسوا المجد الأبدي :-
لهم هدف ترى منظر الشهيد وترى الدم وهو يرى السماء أنت ترى سيف وهو يرى مجد الذي يجعلك تصبِر على السيف وعلى الآلام أنك ترى السماء قديسون كثيرون سمح الله لهم أن يروا إكليلهم لأن بعد لحظات قليلة يتحول الضعف إلى قوة ومجد ويُستبدل الإضطهاد إلى استقبال في مجد لا تنسى مجد السماء لا تنظر للجزء المُتعب في القصة بل انظر للمكافأة الشهيد عينه على المكافأة فكان مشتاق لمجد السماء ووجد أن الإستشهاد خطوة للمجد يقول القديس أغسطينوس ” يا الله أنت قلت لا أحد يراني ويعيش إذاً لكي أراك لابد أن أموت أريد أن أموت لكي أراك “ لذلك رأينا في الكنيسة صفوف شهداء وقالوا للملك قسطنطين نحن غير فرحين بالحرية لأن عدو الخير وجد أنه قد خسر كثيراً عندما أشعل الإضطهاد على المسيحية لأن الضيق أقام في الكنيسة آلاف من الشهداء فغيَّر الشيطان خطته وجعل الضيق من داخل الكنيسة بالبدع والهرطقات لكن وسط كل هذا حب الإستشهاد مازال في قلوب أولاد الله فأقاموا صفوف تريد الرهبنة فنجد في القرن الخامس 20.000 راهب في البرية وكان في منطقة الساحل الشمالي حوالي " 400 " دير فكانت الأديرة تُسمى بالأرقام وصوت التسبيح لا ينقطع في هذه المنطقة الشهيد تُقطع رأسه وينزف" 5 " لتر دم والراهب ينزف نفس الدم لكن قطرة قطرة بالميطانيات والجهاد عندما تملُك محبة المسيح على القلب تهون الحياة لذلك أُطلِق على الرهبنة اسم " الإستشهاد الأبيض " قدموا حياتهم على مذبح العبادة والنسك يجوع ولا يأكل ويتعب وكل يوم يجدد عهد استشهاده مع يسوع هذا أتى من إنسان وضع مجد السماء هدف له الشهيد يقول لك لا تنسى مجد السماء إجعل في عقلك شكل أجمل وهو صورتي وعلى رأسي إكليل المجد الذي يضع لنفسه هدف يسعى له وتهون عليه الوسيلة والتعب كان أسهل طريق على الشهيد لنوال المجد هو قطع الرأس لكن الأصعب أن يتعذب يوم بعد يوم لكي يواجه الإنسان الموت أيام هذا أمر صعب ورغم ذلك صمدوا هم ليسوا بشر الله غيَّر طبيعتهم وجعلهم يتخطون طبع البشر لم يكونوا أصحاب قوة جسمانية وعضلات بل قوَّتهم في عبادتهم لذلك هدفهم مجد الأبدية وصارت عائلات بأكملها تتقدم للإستشهاد طفل صغير كان يشاهد أبوه يستشهد وتقابلت نظرات الأب مع الطفل فدمعت عين الأب فأجابه طفله " إحذر أن يتغير قلبك بسببي " أي كان يُشدده ويشجعه الشهيد يقول لك " ألا تريد أن تكون مثلي " ؟ أنا ضعيف مثلك لكني أحببت الله أكثر من العالم ولم أخاف ولم أنسى مجد الأبدية فصرت شهيد وتمتعت بالمجد عِش هذه الثلاثة تقدم له نفسك شهيد كل يوم حتى يأتي اليوم الذي تكون فيه معه وتسمع صوته الجميل ” كنت أميناً في القليل فأُقيمك على الكثير ادخل إلى فرح سيدك “ ( مت 25 : 21 )” من سيفصلنا عن محبة المسيح أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عُري أم خطر أم سيف كما هو مكتوب إننا من أجلك نُمات كل النهار قد حُسبنا مثل غنمٍ للذبح ولكننا في هذه جميعها يعظُم انتصارنا بالذي أحبنا فإني مُتيقن أنه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة ولا علو ولا عمق ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا “ ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته له المجد دائماً أبدياً آمين
القس أنطونيوس فهمى
كاهن كنيسة مارجرجس والانيا أتطونيوس – محرم بك - الاسكندرية

عدد الزيارات 1469

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل