الصوم يسبق كل نعمة وخدمة

11 مارس 2020
Large image

كل بركة يقدمها لنا الله ، نستقبلها بالصوم ، لكي نكون في حالة روحية تليق بتلك البركة الأعياد تحمل لنا بركات معينة لذلك كل عيد يسبقه صوم و التناول يحمل لنا بركة خاصة لذلك نستعد لها بالصوم والرسامات الكهنوتية تحمل بركة لذلك نستقبلها بالصوم فالأسقف الذي يقوم بالسيامة يكون صائماً ، والمرشح لدرجة الكهنوت يكون أيضاً صائماً ، كذلك كل من يشترك في هذه الصلوات واختيار الخدام في عهد الآباء الرسل كان مصحوباً بالصوم " ففيما هم يخدمون الرب ويصومون ، قال الروح القدس إفرزوا لي برنابا وشاول فصاموا حينئذ وصلوا ، ووضعوا عليهما اليادي "( اع 13: 2، 3) .
والصوم أيضاً يسبق الخدمة
والسيد المسيح قبل ان يبدأ خدمنه الجهارية ، صار أربعين يوماً ، في فترة خلوة قضاها مع الآب علي الجبل وفي سيامة كل كاهن جديد ، نعطية بالمثل فترة يوماً يقضيها في صوم وفي خلوة في أحد الأديرة مثلاً ، قلب ان يبدأ خدمته وآباؤنا الرسل بدأوا خدمتهم بدأت بحلول القدس وكان صومهم مصاحباً لخدمتهم ، لتكون خدمة روحية مقبولة والخادم يصوم ، ليكون في حالة روحية ، ولكي ينال معونة من الله ، ولكي يحنن قلب الله بالصوم ليشترك معه في خدمته ولعلنا نري في حياة يوحنا المعمدان ، انه عاش حياته بالصوم و الخلوة في البرية ، قبل أن يبدأ خدمته داعياً الناس إلي التوبة وليست الخدمة فقط يسبقها الصوم ، بل أيضاً
أسرار الكنيسة يسبقها الصوم:-
سر المعمودية ، يستقبله المعمد وهو صائم ، ويكون إشبينه أيضاً صائماً ، والكاهن الذي يجربة يكون صائماً كذلك . الكل في صوم لاستقبال هذا الميلاد الروحي الجديد ونفس الكلام نقوله عن سر الميرون ، سر قبول الروح القدس الذي يلي المعمودية سر الأفخارستيا ، التناول ، يمارسه الكل وهو صائمون سر مسحة المرضي ( صلاة القنديل ) يكون فيه الكاهن صائماً أيضاً ولكن يستثني المرضي العاجزون عن الصوم ، الذين يعفون من الصوم حتى في سر التناول وسر الكهنوت كما قلنا ، يمارس بالصوم لم يبق سوي سر الأعتراف ، وسر الزواج وما اجمل ان يأتي المعترف ليعترف بخطاياه وهو صائم ومنسحق ولكن لن الكنيسة تسعي وراء الخاطئ في كل وقت ، لتقبل توبته في أي وقت ، لذلك لم تشترط الصوم أما سر الزواج فقد أعفاه السيد المسيح بقوله " لا يستطيع بنو العرس ان يصوموا مادام العريس معهم " ( مر 2 : 19) ومع ذلك ففي الكنيسة الناسكة الولي ويستمران ذلك اليوم في صوم حالياً طبعاً لا يحدث هذا إن بركات الروح القدس التي ينالها المؤمنون في الأسرار الكنيسة كانت تستقبل بالصوم ، إلا في حالات الإستثنائية وكما عرفت الكنيسة الصوم في حياة العبادة ، وفي حياة الخدمة ، كذلك عرفته في وقت الضيق ، وخرجت بقاعدة روحية وهي :
بالصوم يتدخل الله:-
لقد جرب هذا الأمر نحميا ، وعزرا ودانيال وجربته الملكة أستير من اجل الشعب كله وجربته الكنيسة في الرابع في عمق مشكلة آريوس وجربته الأجيال كلها وأصبح عقيدة راسخة في ضمير الكنيسة ، تصليها في صلاة القسمة في الصوم الكبير ، مؤمنه إيماناً راسخاً أن الصوم يحل المشاكل الإنسان الواثق بقوته وذكائه أما الشاعر بضعفه ، فإه في مشاكله ، يلجأ إلي الله بالصوم في الصوم يتذلل أمام الله ، ويطلب رحمته وتدخله قائلاً " قم أيها الرب الإله " وفي ذلك ينصت إلي قول الرب في المزمور " من أجل شقاء المساكين وتنهد البائسين ، الآن أقوم - يقول الرب - أصنع الخلاص علانية "( مز 11) الصوم هو فترة صالحة ، لإدخال الله في كل مشكلة فترة ينادي فيها القلب المنسحق ، ويستمع فيها الله فترة يقترب فيها الناس إلي الله ، ويقترب فيها الله من الناس ، يستمع حنينهم وإلي أنينهم ، ويعمل طالما يكون الناس منصرفين إلي رغباتهم وشهواتهم ، ومنشغلين بالجسد و المادة فإنهم يشعرون أن الله يقف بعيداً لا لأنه يريد أن يبعد ، وإنما لأننا أبعدناه ، أو رفضناه ، أو رفضنا أن نقترب منه علي وجه أصح أما في فترات الصوم الممزوج بالصلاة ، فإن الإنسان يقترب إلي الله ، ويقول له إشترك في العمل مع عبيدك إنه صراخ القلب إلي الله ، لكي يدخل مع الإنسان في الحياة يمكن ان يكون في أي وقت . ولكنه في فترة الصوم يكون أعمق ، ويكون أصدق ويكون أقوي فبالصوم الحقيقي يستطيع الإنسان أن يحنن قلب الله والذي يدرك فوائد الصوم ، وفاعليه الصوم في حياته ، وفي علاقته بالله ، إنما يفرح بالصوم .
الفرح بالصوم:-
إننا لسنا من النوع الذي يصوم ، وفي أثناء الصوم يشتهي متي يأتي وقت الإفطار إنما نحن حينما نكون مفطرين ،نشتهي الوقت الذي يعود فيه الصوم من جديد الإنسان الروحي يفرح بفترات الصوم ، أكثر مما يفرح بالأعياد التي يأكل فيها ويشرب كثيرون يشتهون الصوم في فترة الخمسين المقدسة التي يأتي بعد القيامة ، والتي لا صوم فيها ولا مطانيات وفيها يشتاق الكثيرون إلي الصوم اشتياقاً ، لذلك يفرحون جداً عندما يحل صوم الرسل ، إذ قد حرموا من لذه الصوم خمسين يوماً من قبله ومن فرح الروحيين بالصوم ، لا يكتفون بالأصوام العامة ، إنما يضيفون إليها أصواماً خاصة بهم ويلحون هلي آباء اعترافهم أن يصرخوا لهم بتلك الأصوام الخاصة ،مؤيدين طلبهم بأن روحياتهم تكون أقوي في فترة الصوم ، بل أن صحتهم الجسدية أيضاً تكون أقوي ،وأجسادهم تكون خفيفة إن الذين يطلبون تقصير الأصوام وتقليلها ،هؤلاء يشهدون علي أنفسهم أنهم لم يشعروا بلذة الصوم أو فائدته وسنتحدث بمشيئة الرب في الفصول المقبلة عن فوائد الصوم ، التي من اجلها صار فرحاً للروحيين ، وصار للرهبان منهج حياة …
منهج حياة:-
من محبة آبائنا الرهبان للصوم ، جعلوه منهج حياة صارت حياتهم كلها صوماً ماعدا أيام الأعياد ، ووجدوا في ذلك لذة روحية ولم يشعروا بأي تعب جسدي بل استراحوا للصوم وتعودوه وروي أنه لما حل الصوم الكبير في احدي البراري ، أرسلوا من ينادي في البرية لينبه الرهبان إلي حلول هذا الصوم المقدس ، فلما سمع أحد الشيوخ من المنادي هذا التنبية ، قال له ما هو يا أبني هذا الصوم الذي تقول عنه ؟ لست أشعر به الآن أيام حياتي كلها واحدة ( لأنها كلها كانت صوماً ) والقديس الأنبا بولا السائح ، كان يأكل نصف خبزة يومياً ، وفي وقت الغروب كنظام حياة ثابت وبعض الرهبان كان يصوم كل أيامه حتي الغروب ، مثل ذلك الراهب القديس الذي قال مرت علي ثلاثون سنة ، لم تبصرني فيها الشمس آكلاً وبعض الرهبان كانوا يطوون الأيام صوماً والقديس مقاريوس الإسكندري لما زار أديرة القديس باخوميوس كان يأكل في يوم واحد من الأسبوع طوال أسابيع الصوم الكبير ، وكان يطوي باقي الأيام ولم يقتصر صوم أولئك الآباء علي طول فترات الصوم ، أو طي الأيام ، إنما شمل النسك أيضاً نوع طعامهم أبا نفر السائح كان يتغذي بالبلح من نخله في مكان توحده ، والأنبا موسى السائح كان يقتات بحشائش البرية ، وكذلك كان الأنبا بيجيمي السائح . وكان يشرب من الندي هذا الصوم الدائم كان يجعل حياة الآباء منتظمة في الواقع أن حاله الرهبان من هذه الناحية مستقرة علي وضع ثابت ، إستراحت له أجسادهم ، واستراحت له أرواحهم وضع لا تغيير فيه إعتادوه ونظموا حياتهم تبعاً له أما العلمانيون فهم مساكين ، أقصد هؤلاء الذين ينتقلون من النقيض إلي النقيض من صوم يمنعون فيه أنفسهم ، إلي فطر يأخذون فيه ما يشتهون يضبطون أنفسهم فتره ، ثم يمنحونها ما تشاء فترة أخري ، ثم يرجعون إلي المنع ، ويتأرجحون بين المنع و المنح فترات وفترات يبنون ثم يهدمون ، ثم يعدون إلي بناء يعقبه هدم إلي غير قيام أما الصوم الحقيقي الذي يتدرب فيه الصائم علي ضبط النفس ويستمر معه ضبط النفس كمنهج حياة فيضبط نفه في أيام الفطر كما في أيام الصوم ، علي الرغم من اختلاف أنواع الأعمة ومواعيد الأكل وهكذا يكون الصوم نافعاً له ، ويعتبر بركة لحياته وبهذا المعني لا يكون الصوم عقوبة ، بل نعمة كانت أكبر عقوبة توقع علي أحد الروحيين ، أن يأمره أب اعترافه بان يأكل مبكراً ، أو يأكل لحماً أو طعاماً شهياً وكان أب الإعتراف يفعل هذا إن رأي أبنه الروحي قد بدأ يرتفع قلبه أو يظن في نفسه أنه قد صار ناسكاً أو زاهداً فيخفض كبرياءه بالأكل ، فتنكسر نفسه ، وبذلك يتخلص من أفكار المجد الباطل الصوم والإستشهاد:-
طبيعي أن الذي لا يستطيع الاستغناء عن أكله ، يكون من الصعب عليه أن يستغني عن الحياة كلها أما النفوس القوية التي تتدرب علي احتمال الجوع والعطش ، والتي تستطيع ان تخضع أجسادها وتقهر رغباتها وشهواتها ، هذه بتوالي التداريب ، و بعدم الاهتمام بالجسد واحتياجاته ، يمكنها في وقت الاستشهاد ان تحتمل متاعب السجون وآلام العذاب ، وتستطيع بنعمة الله أن تقدم أجسادها للموت لهذا كان الصوم مدرسة روحية تدرب فيها الشهداء ليس من جهة الجسد فقط ، وإنما أيضاَ من جهة روحانيه الصوم لأنه إذ تكون أيام الصوم مجالاً للعمل الروحي والتوبة والاقتراب إلي الله ، تساعد هذه المشاعر علي محبة الأبدية و عشرة الله ، و بالتالي لا يخاف الإنسان من التقدم إلي الموت ، إذ يكون مستعدا للقائه ، بل أنه يكون فرحاً بالتخلص من الجسد للالتقاء بالله ، ويقول " لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ، فذاك أفضل جداً "( في 1: 23) بالصوم كانت الكنيسة تدرب أولادها علي الزهد وبالزهد كانت تدربهم علي ترك الدنيا والاستشهاد فالذين استشهدوا كانوا في غالبيتهم أهل صوم وصلاة وزهد في العالم . وكما قال القديس بولس الرسول " يكون الذين يستعملون العالم ، كأنهم لا يستعملونه ، لأن هيئة هذا العالم تزول "( 1 كو 7: 31) .
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب روحانية الصوم

عدد الزيارات 732

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل