صليب الألم... صليب الأمل

18 مارس 2020
Large image

يقولون إن المسيح هو أعظم نجار في التاريخ، حيث بنى جسرًا يصل الأرض بالسماء، فقط بعارضتين من الخشب وثلاثة مسامير... هذا هو الصليب الذي صار مذبحًا عليه الذبيحة الدائمة، مسيحنا القدوس، الإله المتأنس من أجل خلاص جنس البشر، لأنه «هكذا أحبّ الله العالم حتى بذل (صُلب) ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية» (يو3: 16). وصار الصليب فاتحة خلاص انتظرته أجيال وأجيال كما نقرأ في أسفار العهد القديم.ومن المدهش أن يكون «الصليب» في معناه وتاريخه وأحداثه وآثاره هو صورة الألم الشديد والقاسي، وفي نفس الوقت هو صورة الأمل الرائع والواسع أمام الإنسان، وهذا هو سر عظمة الصليب الذي يعشقه كل مسيحي يعيش إيمانه القويم، ويُعبّر عنه باللحن والصلاة والفن والموسيقى والعبادة، ومن خلاله ينال البركة والراحة والسلام والفرح والأمل.صليب الألم:منذ سقوط آدم وحواء وكسر الوصية الإلهية ورفضها وكسر قلب الله الذي خلقهما وأبدعهما وأحبهما جدًا ووضعهما على قمة الخلقة والخليقة.. وكلتهما اختارا طريق الخطية التي عمت العالم فيما بعد، وانتشرت انتشار النار في الهشيم، حتى عبر داود النبي المعتبر بين الأنبياء «... هأنذا بالإثم صُوِّرت، وبالخطية حبلت بي أمي» (مزمور 51: 5).لقد كانت خطة الخلاص على امتداد الزمن والأجيال في حلقات متصلة، ولكن بقيت علامة الصليب رمزًا للعقوبة والألم والعذاب، وصار الألم من أجل الإيمان طريقًا إلى المجد لأنه مشاركة مع المسيح في آلامه.نقرأ هذه الكلمات: «إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني» (مت16: 24). «ومن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر أن يكون لي تلميذًا» (لوقا14: 27). وهكذا صــــــــار حمل «صليب الألم» أحد مفردات حياة المسيحي مهما تنوع هذا الألم بين المرض أو الضيق أو الفشل أو الاضطهاد وغير ذلك. وهذا يبين كيف تنظر المسيحية إلى قضية «الألم» حيث صار هناك رفيق وصديق يحمل معك صليب الألم أو سبق وحمله عنكَ. وهذا ما عبّر عنه بولس الرسول حين قال: «مع المسيح صُلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ» (غلاطية2: 20).إن الصلب مع المسيح يعني معانٍ كثيرة: مثل قبول الألم سواء الجسدي أو النفسي أو المعنوي. ويعني أيضًا قبول الموت أو الاستشهاد الفعلي من أجل الإيمان. وقد يعني حياة النُسك والصوم والتوبة والتعفّف وبذل الوقت أو الجهد أو المال حبًا في المسيــــــــــــح ومــــــــــن أجـــــــــل مجد كنيسته.إذا أردت عزيزي القارئ أن تقرأ عن صورة الألم الشديد الذي حمله المسيح من أجلك، افتح الأصحاح 53 من سفر إشعياء وأعلم أنه «إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير..» (يوحنا12: 24و25).نقول في ذكصولوجية عيد الصليب: «الصليب هو سلاحنـــــــــــا. الصليــــــــــب هو رجاؤنـــــــــا. الصليب هـــــــــــــو ثباتنــــــــــا فــــــــي ضيقاتنا وشدائدنا».صليب الأمل:يقول القديس يوحنــــــــــا ذهبــــــــــي الفم: «الصليـــــــــب جعـــــــــــل الأرض سمــــــــــاء. هدم حصونًا وحطم قوة الشرير... حطـــم قيودنا.. وفتح الفردوس.. وأوصل جنس البشر إلى ملكوت السموات... تأملوا الخير الذي عاد علينا... أنشدوا تسابيح التمجيد للغالب.. صيحوا بالصوت العالي: يا موت أين نصرتك؟ ويا هاوية أين شوكتك؟». لم يكن قبر المسيح هو نهاية الصليب، بل كان نصرة الصليب ومحطة انطلاق وأمل ورجـــــــاء نحو الملكوت.إذا كانت العارضة الأفقية في الصليب تمثل الامتداد الذي يكون بين إنسان وآخر.. وعادة تكون آلام الإنسان بسبب إنسان آخر بأي صورة؛ فإن العارضة الرأسية تمثّل الرجاء والأمل المفتوح أمام الإنسان، والذي يصعد عليه نحو الله بواسطة الصلاة المستمرة. وإذا كنا نحتفل بتذكار الصليب المقدس يوم الجمعة الكبيرة، فإننا نحتفل بتذكار القيامة يوم الأحد.. إنه صليب الألم يوم الجمعة الكبيرة، وصليب الفرح يوم الأحد الذي صار هو العيد الأسبوعي للقيامة المجيدة.. إنه يوم النور. دائمًا يوجد أمل ورجاء لأن الصليب هو إعلان محبة الله الدائمة للإنسان صنعة يديه، إذ صار قوة خلاص وقوة رجاء، وهذا ما نعلنه في تسبحة البصخة ونكرره ونحن نصلي في أسبوع الآلام إذ نقول: «لك القوة والمجد والبركة والعزة إلى الأبد. يا عمانوئيل إلهنا وملكنا» (رؤ5: 12،13؛ 7: 12). إنه صاحب القوة ومصدرها، ورجاؤنا في المجد، وبركة حياتنا وعزة وفخر إيماننا القويم، ومكتوب:«إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضًا معه» (رؤ8: 17)«وإن كنا قد متنا معه فسنحيا أيضًا معه، وإن كنا نصبر فسنملك أيضًا معه» (2تي2: 11)«أنا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا» (يو11: 25)كل أسبوع آلام وأفراح القيامة وجميعكم بخير
قداسة البابا تواضروس الثانى

عدد الزيارات 1099

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل