تعريف الصوم

20 مارس 2020
Large image

تعريف الصوم من الناحية الروحية سنذكره بالتفصيل فيما بعد ولكن ما هو تعريف الصوم من الناحية الجسدية ؟ الصوم هو إنقطاع عن الطعام فترة من الوقت ، يعقبها طعام خال من الدسم الحيواني .
فترة الإنقطاع:-
لابد من فترة إنقطاع ، لأننا لو اكلنا من بدء اليوم بدون انقطاع ، لصرنا نباتيين وليس صائمين وحتي الصوم في اللغه هو الإمتناع أو الإنقطاع فلا بد إذن أن نمتنع عن الطعام لفترة معينة فترة الإنقطاع عن الطعام تختلف من شخص لآخر وذلك لأسباب كثيرة نذكر من بينها :-
- يختلف الناس في درجتهم الروحية فهناك المبتدئ الذي لا يستطيع أن ينقطع عن الطعام لفترة طويلة واكثر من هؤلاء الناسك الذي يستطيع ان يطوي الأيام صوماً ،كما كان يفعل آباؤنا الرهبان و المتوحدون و السواح .
- يختلف الصائمون في سنهم فمستوي الطفل أو الصبي في الصوم ،غير مستوي الشاب أو الرجل الناضج ،غير ما يستطيعه الشيخ أو الكهل .
- يختلف الصائمون أيضاً في صحتهم ، فما يحتمله القوي غير ما يحتمله الضعيف كما أن المرضي قد يكون لهم نظام خاص ،أو يعفون من الانقطاع حسبما تكون نوعية امراضهم وطريقة علاجهم .
- يختلف الصائمون كذلك في نوعية عملهم فالعض يقومون بأعمال تحتاج إلي مجهود جسدي كبير والبعض أعمالهم مريحة يجلسون فيها إلي مكاتبهم بضع ساعات في اليوم واحتمال هؤلاء للانقطاع غير احتمال أولئك .
- هناك أيضا نظام التدرج فقد يبدأ الصائم الأسبوع الأول من صومه بدرجة إنقطاع معينة ، تزداد علي مر الأسابيع ، حتي يكون إنقطاعه في آخر الصوم أعلي بكثير من نقطه البدء وهذا التدرج نافع وينصح به الآباء الروحيون علي انه قد يوجد حد ادني لهذا الإنقطاع وربما يختلف هذا الحد الأدنى من صوم إلي آخر فالصوم الكبير مثلاً يكون حده الأدني أعلي من باقي الأصوام والحد الأدني في أسبوع الآلام يكون أعلي مما في الصوم الكبير نفسه والبعض كانوا يطوون الفترة من بعد خميس العهد إلي قداس العيد وأيام البرامون في أصلها تطوي أيضا أما الضعفاء فلهم تسهيل خاص ومع كل ذلك ، فيمكننا ان نضع قاعدة هامة وهي :-
فترة الإنقطاع تكون حسب إرشاد أب الاعتراف وذلك حتى لا يبالغ فيها البعض فتتبعهم جسدياً ، وقد تتعبهم روحياً أيضا إذ تجلب لهم أفكارًاً من المجد الباطل كما أن العض من الناحية الإخري قد يتهاون بطريقة تفقده فائدة الصوم والأفضل ان يشرف أب اعتراف علي هذا الأمر علي أنه من جهة النظام العام للكنيسة في فترة الإنقطاع ، نود أن نسأل سؤالاً هل هناك علاقة بين الإنقطاع عن الطعام والساعة التاسعة ؟ يبدو أن هناك علاقة لانه في طقس الكنيسة الخاص بصلاة الساعة التاسعة نلاحظ إختيار فصل الإنجيل الخاص بمباركة الطعام بعد قترة من الجوع ( لو 9 : 10-17) وواضح أننا في صلاة الساعة التاسعة نذكر موت السيد المسيح علي الصليب ، فلماذا إذن هذا الفصل من الإنجيل الخاص بمباركة الطعام ؟ يبدوا أن نظام الإنقطاع كان عموماً إلي الساعة التاسعة ، فيصلي الناس هذه الساعة بإنجيلها المناسب ، ثم يتناولون طعامهم ولما كانت غالبية السنة صوماً ، ولكي لا يتغير نظام الصلاة اليومية بين الإفطار و الصوم ، بقي هذا الفصل من الإنجيل علي مدار السنة حتي في الأيام التي ليس فيها إنقطاع ، يذكرنا بمباركة الرب للطعام قبل الكل أياً كان الموعد و المعروف ان الساعة التاسعة من النهار هي الثالثة بعد الظهر ،علي اعتبار أن النهار يبدأ علي الأغلب من السادسة صباحا وعلي آيه الحالات ، لا داعي لاستفاضة في بحث هذه النقطة ، مادامت فترة الإنقطاع تتغير من شخص إلي آخر ، كما إننا تركنا تحديدها لأب الإعتراف ولحالة الصائم الروحية والمهم عندنا هو الوضع الروحي لفترة الانقطاع فلا نريد ان ندخل في شكليات أو في قوانين خاصه بفترة الانقطاع ، إنما نريد أن نتحدث عن الطريقة التي يستفيد بها الإنسان روحياً من فترة إنقطاعه عن الطعام لانه قد ينقطع إنسان عن الطعام إلي التاسعة من النهار أو غلي الغروب أو إلي ظهور النجم ، ولا يستفيد روحياً ، إذ كان قد سلك بطريقة غير روحية فما هي الطريقة الروحية إذن ؟
- ينبغي أن تكون أن تكون فترة الانقطاع فترة زهد ونسك فلا تهتم فيها بما للجسد أي لا تكون منقطعاً عن الطعام ، وتظل تفكر متي تأكل إنما ينبغي أن تكون فترة الإنقطاع فترة زاهدة ناسكة ، ترتفع فيها تماماً عن مستوي الكل وعن مستوي المادة وعن مستوي الطعام .
- وبعد فترة الإنقطاع لا تأكل بشهوة فالذي ينقطع عن الطعام ، ثم يأكل بعد ذلك ما يشتهيه ، او يتخير أصنافاً معينة تلذ له ، هذا لا يكون قد أخضع جسده او أمات شهواته وإذ يأكل بشهوة ، أو إذ يأكل ما يشتهي ، يدل علي انه لم يستفيد روحياً من فترة الإنقطاع ، ولم يتعلم منها الزهد و النسك! أنظر ما قاله دانيال النبي عن صومه " لم آكل طعاماً شهياً "( دا 10:3) وهكذا يكون يهدم ما يبنيه ، بلا فائدة! وليس الصوم هو أن نبني ونهدم ثم نبني ثم نهدم ، بغير قيام!
- ولا تترقب نهاية فترة الانقطاع ، لتأكل أن جاء موعد الكل ، فلا تسرع إليه وحبذا لو قاومت نفسك ، ولو دقائق قليلة وانتظرت أو إن حل موعد تناولك للطعام ، قل لنفسك نصلي بعض الوقت ثم نأكل ، أو نقرأ الكتاب ونتأمل بعض الوقت ثم نأكل ، ولا تتهافت علي الطعام الزهد الذي كان لك أثناء فترة الإنقطاع ، فليستمر معك بعدها فهذه هي الفائدة الروحية التي تنالها .
- أجعل روحياتك هي التي تقودك ، وليس الساعة وادخل إلي العمق العمق الذي في الامتناع عن الطعام الذي الإرتفاع عن مستوي الكل ، وعن مستوي الماده ، وعن مستوي الجسد وبالنسبة إلي فترة الإنقطاع وموعدها ، حبذا لو وصلت بك إلي الشعور بالجوع فهذا أفيد جداًهنا ونحدثك عن عنصر الجوع في الصوم .
عنصر الجوع:-
كثيرون ينقطعون عن الطعام ، ثم يأكلون دون أن يشعروا بالاحتياج إلي الطعام ، ودون أن يشعروا بالاحتياج إلي الطعام ، ودون أن يصلوا إلي الشعور بالجوع ، وغلي احتمال الجوع والصبر عليه واخذ ما فيه من فوائد روحية . وقدم لنا الكتاب أمثله للجوع في الصوم :-
- السيد المسيح صام حتى جاع ، وكذلك الرسل قيل عن السيد المسيح له المجد في صومه الأربعيني إنه " جاع أخيرا " ( مت 4: 2) وحسب روايه معلمنا لوقا البشير" لم يأكل شيئاً في تلك الأيام ولما تمت جاع أخيراً " ( لو 4: 2) وذكر عن السيد المسيح أنه جاع ، في مناسبة أخري ، في أثنين البصخة ( مر11: 12) ولكت لعل البعض يقول أن مستوي صوم السيد صعب علينا ، فلنتحدث عن صوم البشر ، وفيه أيضاً عنصر الجوع قيل عن القديس بطرس الرسول إنه " جاع كثيرً واشتهي أن يأكل "( أع 10: 1) وفي حديث القديس بولس الرسول عن خدمته هو وزملائه ، قال " في تعب وكد ، في أسهار مراراً كثيرة ، في جوع وعطش ، في أصوام مراراً كثيرة "( 2كو 11: 27) وقال أيضا " تدربت ان اشبع وان أجوع "( في 4: 12) .
- وقد طوب الله حالة الجوع فقال " طوباكم أيها الجياع الآن ، لأنكم ستشبعون "( لو 6: 21) وأن كان جوع لعازر المسكين قد أهله للجلوس في حضن أبينا إبراهيم ، علي اعتبار أنه استوفي تعبه علي الأرض علي الرغم من أن ذلك كان بغير إرادته ، فكم بالأكثر ينال خيراً في الأبدية من قد جاع ههنا بإرادته ، نسكاً وزهداً ،وتقرباً إلي الله .
- وقد درب الرب شعبه في البرية بالجوع وقال لهذا الشعب " وتتذكر كل الطريق التي فيها سار بك الرب هذه الأربعين سنه في القفز فإذنك واجاعك وأطعمك المن الذي لم تكن تعرفه ولا عرفه آباؤك لكي يعلمك انه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، بل بكل ما خرج من فم الرب يحيا الإنسان "( تث 8:2،3) إن الذي يهرب من عبارة " أذلك وأجاعك "، ستهرب منه عبارة " واطعمك المن في البرية " علي أن بني إسرائيل تذمروا علي تدريب الجوع ، فهلكوا في البرية
- إن الصوم يصل إلي كماله ، في الجوع واحتماله فإن كنت لا تجوع ، فأنت لم تصل إلي عمق الصوم بعد وإن اطلت فترة إنقطاعك حتى وصلت غلي الجوع ، ثم آكلت مباشرة ، فأنت إذن لم تحتمل الجوع ولم تمارسه وبالتالي لم تنل الفوائد الروحية التي يحملها الجوع .
فما هي الفضائل الروحية التي يحملها الجوع ؟
الذي يمارس الجوع ، يشعر بضعفه عن الغرور و الشعور بالقوة والثقة يذل الجسد ، فتذل النفس ، وتشعر بحاجتها إلي قوة تسندها ، فتلجأ غلي الله بالصلاة وتقول له أسند يارب ضعفي بقوتك الإلهية ، فأنا بذاتي لا أستطيع شيئا
- صلاة الإنسان وهو جائع ، صلاة اكثر عمقا أن الجسد الممتلئ بالطعام ، لا تخرج منه صلوات ممتلئة بالروح ولذلك دائماً تمتزج الصلاة بالصوم ، ويمتزج الصوم و الصلاة وحينما يريد الناس ان يصلوا في عمق ، نراهم يصومون وهكذا صلوات الناس في أسبوع الآلام لها عمقها ، وحتي القراءات كذلك حينما تقال بصوت خافت من الجوع إن تسجيل لحن من ألحان البصخة ، خلال أسبوع الآلام ، يكون له عمق لن الذي سجله كان صائماً ، وله روحيات الصوم وتسجيل نفس اللحن في غير أيام الصوم ، وصاحبة مفطر ، يجعل اللحن يفقد الكثير من عمقه الروحي ، وربما يتحول إلي مجرد أنغام وموسيقي إن الله يحب أن يشعر الإنسان بضعفه ، لكيما ينسحق قلبه والجوع يساعد علي الشعور بالضعف ولذلك تصلح فيه المطانيات ، ولا تصلح لمن هو ممتلئ بالطعام نصيحتي لك أن شعرت بالجوع فلا تأكل وإنما أحتمل وخذ بركة الجوع إن السيد المسيح صام أربعين يوماً وجاع أخيرا ولما نصحه الشيطان ان يأكل رفض أن يأكل علي الرغم من جوعه واعطانا بذلك درسا لذلك أحتمل الجوع وأيضا :
- إن شعرت بالجوع ، لا تهرب منه لا تهرب من الشعور بالجوع ، عن طريق الإنشغال ببعض الإحاديث ، أو ببعض المسليات ، أو عن طريق النوم ، لكي تمضي فترة الجوع دون ان تشعر بها فإنك بالهروب من الجوع ، إنما تهرب من بركاته ومن فوائده الروحية ، وتهرب من التدريب علي فضيلة الإحتمال وفضيلة قهر الجسد إننا نريد أن نستفيد من الجوع ، وليس أن نهرب منه .
- إن ضغط عليك الجوع ، قل إنك لا تستحق الأكل قل لنفسك أنا لا أستحق آكل بسبب خطاياي وهكذا تنسحق فسك من الداخل ، في الوقت الذي يسحقها فيه أيضاً تعب الجسد وهكذا تتخلي عنك الكبرياء والخيلاء والعجب بالذات وإن يصلي أما الشبعان كثيراً ما ينسي الصلاة ولذلك غالبية المتدينين يصلون قبل الأكل وقليلون هم الذين يصلون بعد الانتهاء من الأكل أيضاً ، إلا في الرسميات .
- تدريب الجوع في الصوم ، ينبغي أن يكون بحكمة حقاً إن الذين شعروا بالفائدة الروحية التي تأتي من الجوع ، كانوا يطيلون مدته علي إني لا أقصد بهذا التدريب المبالغة فيه ، بحيث يصل الصائم إلي وضع لا يستطيع أن يقف فيه علي قدمية للصلاة من شدة الإعياء وقد يفضل أن يصلي وهو ساجد ، ليس عن خشوع وإنما طلباً للراحة واسترخاء الجسد في تعب إنما يجب السلوك في هذا التدريب بحكمة ، في حدود احتمال الجسد ومع ذلك أقول لك كلمة صريحة وهي :
- لا تخف من الجوع ، فهو لا يستمر معك فالمعدة كلما تعطيها أزيد من احتياجها تتسع لتحتمل ما هو اكثر ويزداد اتساعها في حالا الترهل ، مع ضعف جدران المعدة وإن لم تعطها ما يصل بها إلي الامتلاء تشعر بالجوع ،فإن صبرت علي الجوع ولم تعط المعدة ما يملؤها ، تبدأ في أن تكيف نفسها وتنكمش وبتوالي التدريب لا تعود تتسع لكثير ولا يستمر الجوع ، فالقليل يشعرها بالشبع والإنسان الحكيم هو الذي يضبط نفسه ، ويحفظ نظام معدته ، فهو لا يكثر من تناول الطعام حتي تترهل معدته ، ولا يبالغ في منع الطعام عنها بحيث تنكمش إلي وضع أقل من احتياج جسده فالإعتدال في هذا الأمر نافع وفيه حكمة .
الصوم والسهر:-
الامتلاء بالطعام يساعد علي ثقل الجسد ، وبالتالي علي النوم أما الصائم فيكون جسده خفيفاً ، غير مثقل بعمليات الهضم ، ويمكنه السهر و الصوم مع السهر يعطي استضاءة للفكر وكل القديسين الذين اتقوا الصوم ، اشتهروا أيضاً بالسهر نلاحظ ان التلاميذ بعد العشاءين ، ثقلت عيونهم بالنوم وهم في البستان ، ولم يستطيعوا أن يسهروا مع الرب ولا ساعة واحدة ( مت 26 : 40 ) وأنت يا اخي ، ليس من صالحك أن يأتي الختن في نصف الليل فيجدك نائماً ، بينما الكتاب يقول " طوبي لأملئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين ( لو 12: 37) تدريب إذن علي الصوم ، فالصوم يتمشي مع السهر ونقصد بالسهر ، السهر مع الله ، وقضاء الليل في الصلاة .
نوع الطعام:-
تحدثنا في الصوم عن الجوع وفترة الإنقطاع ، بقي أن أحدثكم عن نوع الطعام ويهمني هنا أن اذكركم بقول دانيال النبي عن صومه " لم آكل طعاماً شهياً "( دا 10: 3) لذلك إن صمت ، أعطيت جسدك ما يشتهيه ، لا تكون قد صمت بالحقيقة إبعد إذن عن المشتهيات لكي تقهر جسدك وتخضعه لإرادتك لا تطلب صنفاً مختاراً بالذات ، ولا تطلب أن تكون طريقه صنع الطعام بالأسلوب الذي يلذ لك وإن وضع أمامك - دون أن تطلب - صنف من الذي تحبه نفسك ، لا تكثر منه في أكلك ولا أريد أن أقول لك كما قال أحد الآباء القديسين " إن وضع أمامك طعام تشتهيه ، فافسده قليلاً ثم كله "و لعله يقصد بإفساده ، أن تضيف عليه كمثال شيئاً يغير طعمه علي الأقل مثل هذا الصنف المشتهي ، لاتاكل كل ما يقدم لك منه وكما قال أحد الآباء " إرفع يدك عنه ، ونفسك ما تزال تشتهيه "أي أن جسدك يطلب أن يكمل أكله من هذا الصنف ، وأنت تضبط نفسك وتمنعها عنه هنا ونقف أمام أسئلة كثيرة يقدمها البعض هل النباتين و المسل الصناعي يحل آكله في الصوم أو لا ؟ هل الجبنه الديمكس طعام صيامي أم فطاري ؟ هل السمك نأكله في هذا الصوم أم لا نأكله ؟ ما رأيك في الشوكولاته الصيامي ؟ إلخ أسئله كثيرة يمكن الإجابة عليها من جهة تركيب تلك الإطعمه ، ويمكن من ناحية أخرى أن تبحث روحيا فالسمن النباتي ، إن كانت مجرد زيت نباتي مهدرج تكون طعاماً نباتياً يتفق مع حرفية الصوم أما عن كنت تأكلها شهوة منك في طعام السمن ، فالأمر يختلف تكون من الناحية الشكلية صائماً ، ومن الناحية الروحية غير مستفيد ونحن لا نريد ان ناخذ من الصوم شكلياته كذلك الجبنة الديمكس ، المقياس هو هل يوجد في تركيبها عنصر حيواني ؟هذا من الناحية الشكلية ولكن روحياً هل أنت تحب الجبنة وتصر علي أكلها منفذاً رغبات جسدك في الصوم ؟ وكذلك بالنسبة للشوكولاته الصيامي هل أنت تشتهي هذا الصنف بالذات ؟ ولماذا لا تستبدله بكوب من الكاكاو ؟ أما السمك ،فهو أصلاً طعام حيواني وقد صرح به للضعفاء الذين لا يحتملون كثرة الأصوام ولكن لا يصرح به في أصوام الدرجة الولي ومع ذلك إن اشتهي جسدك سمكاً في الصوم ، إي صوم ، فلا تعطه ليس فقط السمك ، بل كل المشتهيات مهما كانت حلالاً لأنك في الصوم تضبط شهواتك أليس الزواج حلالاً ؟ ولكن الصائمين يبعدون عن المعاشرات الجسدية في الصوم ضبطاً لأنفسهم ( 1 كو 7:5) بل هكذا فعل أيضاً الملك دار يوس الأممي ( دا 6:8) .
الطعام النباتى:-
تحدثنا في الصوم عن فترة الإنقطاع وعن الجوع ، بقي ان نتحدث عن الطعام النباتي في الصوم ، ونشرح كيف انه نظام إلهي ، وأنه الأصل في الطبيعة ، إذ أن أبانا آدم كان نباتياً ، وامنا حواء كانت نباتية . وكذلك أولادهما إلي نوح إن الله خلق الإنسان نباتياً فلم يكن آدم وحواء يأكلان في الجنة سوي النباتات البقول والثمار وهكذا قال الله لآدم وحواء " إني قد أعطيتكم كل بقل يبذر بذراً علي وجه كل الأرض وكل شجر فيه ثمر شجر يبذر بذراً ، لكم يكون طعاماً "( تك 1: 29) بل حتى الحيوانات إلي ذلك الحين كانت نباتية أيضا ، إذ قال الرب " ولكل حيوان الأرض وكل طير السماء ، وكل دابة علي الأرض فيها نفس حية ، أعطيت كل عشب أخضر طعاماً ( تك 1: 30) وبعد طرد الإنسان من الجنه ، بقي أيضاً نباتياً ولكنه إلي جوار البقول وثمار الأرض ، أعطي أن يأكل من عشب الأرض ، أي من الخضراوات ، فقال له الرب بعد الخطية " وتأكل عشب الحقل "( تك 3: 18) ولم نسمع أن أبانا آدم مرض بسب سوء التغذية ، ولا امنا حواء بل نسمع ان أبانا آدم - وهو نباتي - عاش 930 سنة ( تك 5:5) وهكذا طالت أعمار أبنائه وأبناء أبنائه في هذه الأجيال النباتية( تك5) ولم يصرح للإنسان بأكل اللحم بعد فلك نوح وحدث ذلك في زمن مظلم كان فيه " شر الإنسان قد كثر علي الأرض " حتي " حزن الرب أنه عمل الإنسان وتأس في قلبه " ، واغرق العالم بالطوفان ( تك 6:5، 6) وهكذا بعد رسو الفلك ، قال الله لأبينا نوح وبنيه " كل دابه حية تكون لكم طعاماً ، كالعشب الأخضر ، دفعت إليكم الجميع غير أن لحماً بحياته دمه لا تأكلوه " ( تك 9:3،4) ولما قاد الله شعبه في البرية ، إطعامه طعاماً نباتياً وكان هذا الطعام النباتي هو المن " وهو كبذر الكزبره أبيض ، وطعمه كرقاق بعسل " ( خر 16: 31) وكان الشعب يلتقطونه ويطحنونه أو يدفونه في الهاون كما كانوا أيضاً يطبخونه في القدور ويعملونه ملأت وكان طعمه كطعم قطايف بزيت ( عدد 11: 8) ولما صرح لهم باللحم ، فعل ذلك بغضب وكان ذلك التصريح بسبب شهوتهم ، وتذمرهم علي الطعام وطلبهم اللحم بدموع فأعطاهم الرب شهوتهم ، وضربهم ضربه عظيمة " وإذ كان اللحم بعد بين أسنانهم قبل أن ينقطع ، حمي غضب الرب علي شعب ، وضربهم ضربة عظيمة جداً ، فدعي أسم ذلك الموضوع قبروت هتأوة ( أي قبور الشهوة ) لأنهم هناك دفنوا القوم الذين اشتهوا "( عدد11، 33، 34) والأكل النباتي كانا أيضاً طعام دانيال النبي وأصحابة إذ كانوا يأكلون القطاني أي البقول ( دا 1 :12) ،هؤلاء الذين وضعوا في قلوبهم ألا يتنجسوا بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه ( دا 10: 3) وكان الطعام النباتي آكل حزقيال النبي في صومه وفعل ذلك بأمر إلهي ، إذ قال له الرب " وخذ أنت لنفسك قمحاً وشعيراً وفولاً وعدساً ودخناً وكرسنة ( حز 4:9) والطعام النباتي طعام خفيف ، هادئ ومهدئ ليس فيه ثقل اللحوم ،دهونها وشحومها ، بكل تأثير ذلك علي صحة الجسد ونلاحظ أنه حتى في الحيوانات المتوحشة منها هي آكله اللحوم ، والأليفة منها هي آكله النباتات والمعروف أن النباتيين أكثر هدوء في طباعهم من آكلي اللحوم والعجيب أن غالبية الحيوانات التي نأكلها هي من الحيوانات آكله النباتات كالبهائم والغنام و الماعز و الطيور الداجنة وتلك الحيوانات النباتية لم تضعف بالطعام النباتي بل إننا قد نصف الإنسان بأن صحته كالجمل أو كالحصان ،وهما نباتيان وكانوا قديماً يقيمون رياضة هي مصارعة الثيران،لإثبات القوة بمصارعة هذه الحيوانات الجبارة في قوتها،وهي نباتية إذن أكل النبات لا يضعف الأجساد .
وقد طالت أعمار النباتيين ، ومنهم المتوحدون و السواح كان برنلرد شو الكاتب المشهور نباتياً ، وقد عاش 94 سنة ولم يصبه أي مرض طوال حياته وما أكثر النباتيين الذين طالت أعمارهم والقديس الأنبا بولا اول السواح ،عاش ثمانين سنة كسائح لم ير خلالها وجه إنسان ، أي عاش حوالي المائة سنة وغالبية السواح عاشوا اعماراً طويلة ولم يكن هؤلاء نباتيين فحسب ، بل كانت حياتهم كلها زهداً ،وكانت أطعمتهم زهيدة ومع ذلك كانت صحتهم قوية والقديس الأنبا انطونيوس أب جميع الرهبان عاش 105 سنة ،وكانت حياته صوماً مستمراً ، وكان قوياً في صحته يمشي عشرات الأميال ولا يتعب موضوع الطعام النباتي لا أريد أن أبحثه علمياً بل عملياً ، في حياة البشرية منذ آدم حقاً إن الأحماض الأمينية الرئيسية موجودة بغني في البروتين الحيواني أكثر مما في البروتين النباتي ، التي توجد فيه علي أية الحالات بنسب أقل ، ولكنها كانت كافية لكل الذين ذكروناهم ، وعاش بها الرهبان و النباتيون في صحة قوية ومع ذلك لاننسي أن الكنيسة تسمح في بعض الأصوام بالسمك ، ولا شك أنه يحوي بروتيناً حيواناً كما ان هناك فترات طويلة من الإفطار .
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب روحانية الصوم

عدد الزيارات 1023

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل