بمناسبة بدء صوم الميلاد الذي نستعد فيه لاستقبال تجسد الله الكلمة ، نتذكر أنه لما اتحد بطبيعتنا بارك هذه الطبيعة وقدسها كما نقول في القداس الالهى باركت طبيعتي فيك
لما اتحد السيد المسيح بطبيعتنا البشرية التي اعترف الكل بضعفها بعد الخطية بارك هذه الطبيعة ومنحها قوة وأرضى فيها الله الآب وغلب بها الشيطان وبكل هذا أوصلنا إلى ثلاث نتائج هامة جداً.
۱ - نصر هذه الطبيعة على الشيطان انتصارا كاملاً وكانت الطبيعة البشرية منهزمة قبل ذلك أمام الشيطان في كل الأجيال حتى قيل في الكتاب الجميع زاغوا وفسدوا وأعوزهم مجد الله ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد حتى أن الشيطان وقف متحدياً في قصة أيوب الصديق وادعى أنه يستطيع أن ضرب أيوب - أن يجعله يجدف على الله ... !
وبسبب هذه النصرة الخطيرة للشيطان اطلق عليه لقب و رئيس هذا العالم ولكن السيد المسيح كابن الإنسان انتصر على الشيطان على طول الخط حتى قال و أبصرت الشيطان نازلا مثل البرق من السماء وقال أيضاً رئيس هذا العالم قد دين وقال رئيس هذا العالم يأتى وليس له في شيء أى ليس شيء قد ضعف أمام الشيطان وتحداه في ذلك بقوله للناس و من منكم يبكتني على خطية ؟!
لأول مرة يجد الشيطان نفسه أمام بشرية منتصرة.
٢ - وكان انتصار المسيح سبب رجاء للبشر رفع معنوياتهم وأصبح لهم رجاء أن يقودهم الرب في موكب نصرته وقول السيد المسيح ثقوا أنا قد غلبت العالم كان يعنى أن يعطيهم ثقة في أن هذه الطبيعة البشرية التي قدسها لم تعد ضعيفة وإنما أصبحت قادرة أن تغلب العالم بالمسيح ولهذا قال بولس الرسول عبارتة الخالدة أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني.
٣- وبهذا الانتصار استطاع السيد المسيح أن يرضى الآب كما ارضى عدل الله بموته على الصليب إذ قدم وفاء للعدل الإلهى هكذا أرضى الآب بحياته إذ ناب عن البشرية في أن يقدم الآب نموذجاً كاملا للبشرية الطائعة التي تفرح قلب الآب بطاعتها في كل شيء أن السيد المسيح بارك طبيعتنا البشرية في قيامته الا أعطاها ايضا عربون النصرة على الموت و بهذا استطاع القديس بولس أن يتحدى قائلا "أين شوكتك يا موت ؟! أين قسوتك يا هاوية "وأن يقول أيضاً و لا موت ولا حياة يقدر أن يفصلنا عن المسيح يسوع والرب أيضاً أعطى البشرية عربون الانتصار على الموت فقال لتلاميذه في ارساليته لهم أقيموا موتى اخرجوا شياطين.
الاقامة من الموت كانت انتصارا على الشيطان الذي جلب الموت الى العالم باسقاطه للانسان في الخطية ولكن كل من أقيم من الموت قبل قيامة المسيح عاد فمات ثانية إلى أن قام المسيح القيامة التي لا موت بعدها وصار باكورة للراقدين حينئذ وجد الشيطان أن أخطر نتيجة لأعماله الشريرة قد تزعزعت وكذلك كان اخراج الشياطين تحطيما الأسطورة الشيطان غير المنهزم فأزال الرب كرامته وأصبحت الطبيعة البشرية قادرة فيما بعد على اخراج الشياطين ولم تعد هذه الطبيعة تخاف الشيطان كما كان الأمر قبلا ليس فقط الرسل بل المؤمنون القديسون عموماً أخذوا قوة يهزمون بها الشيطان
السيد المسيح بارك طبيعتنا فبارك الجسد ....
بارك الجسد حينما اتحد بجسد وأصبح الجسد بركه وقال القديس بولس الرسول و مجدوا الله في أرواحكم وأجسادكم التي هي الله إذن لم يعد الجسد مجرد مقاوم للروح بل أصبح سبباً ووسيلة لتمجيد الله وأجساد الموتى بعد أن كان من يمسها يتنجس كما في العهد القديم أصبحت اجساد القديسين الذين رقدوا سبب بركة ففي العهد القديم كانت تموت الأجساد وهى تحت الحكم اما بالفداء الذي منحه المسيح صارت هذه الأجساد هى أجساد المفديين الذي محا الدم الطاهر كل نجاسة منهم بالموت مع المسيح في المعمودية.وقدس المسيح الاجساد فصارت هياكل الروح القدس صار روح الله يحل فيها وأصبحت منزلا لله إنه تأميل لهذه الطبيعة البشرية منحه الرب لها .
والرب أيضا بمباركة طبيعتنا ، انقذها من الخوف ....
سواء الخوف من الشيطان أو الخوف من الخطية أصبحنا "فرحين في الرجاء " (رو ۱۲) "شاعرين أننا بقوة الله التي وهبها الله لطبيعتنا في التجديد أصبحنا قادرين أن تهدم حصوناً ، وأن نستأسر كل فكر الطاعة المسيح كما يقول الرسول
وفي مباركة طبيعتنا منحنا الحياة الجديدة وصلب الانسان العتيق وقد ورد ذلك في حديث الرسول عن المعمودية في ( رو ٦ ) حيث ندفن مع المسيح بالمعمودية فيصلب إنساننا العتيق ونقوم مع الرب في جدة الحياة أى فى الحياة الجديدة التي منحها لنا القادرة على الانتصار .
وهكذا انقذنا الرب من فساد الطبيعة البشرية ليس فقط بموته خلصنا من عقوبة الخطية إنما أيضاً بمباركة طبيعتنا خلصنا من الفساد وأصبحنا نخلص بحياته (رو ه) وهكذا حررنا الان فصرنا أحراراً كما قال كل هذا إن عشنا في المسيح وعاش المسيح فينا إن ثبتنا فيه وهو فينا ما أجمل أن الرب قد أنقذنا من عبودية الفساد ونقلنا إلى حرية مجد أولاد الله أعاد إلينا الصورة الإلهية التي كانت لنا قبل السقوط إذ أخذ طبيعتنا وهو صورة الله غير المنظورة
وامسك الرب بالشيطان وهزمه في كل ميدان سبق للشيطان أن هزم فيه هذه الطبيعة البشرية ولعلنا نسأل كيف حدث ذلك خطوة بخطوة ...؟
أول خطية كانت للانسان هي العصيان فهزمه المسيح في هذه النقطة إذ أطاع حتى الموت موت الصليب وكان يقول للآب باستمرار لتكن لا مشيئتي بل مشيئتك وكمل كل بر الناموس بلا لوم .
خطية الكبرياء التي أوقع الشيطان فيها الانسان تحطمت
بالاتضاع قال الشيطان لادم وحواء و تصيران مثل الله فخضعا لهذا الإغراء واشتهى الانسان أن يصير إلهاً فكيف هزمه الرب في هذه النقطة وهو الإلهه أخلى ذاته وأخذ شكل العبد وصار في الهيئة كانسان اتضاع عجيب لم يحتمله الشيطان ولذلك كان يحب في كل وقت أن يتأكد من هذه النقطة
الشيطان هزم الانسان بالاغراء فهزمه الرب في كل اغراء وجد الشيطان أمامه على جبل التجربة إنسانية منتصرة أمام كل إغراء وفى كل تجربة حطمت كبرياء المجرب الذي تعود أن ينتصر من قبل وهكذا تتابعت الانتصارات في كل ميدان وقدم الرب مثالا كيف أن ابن الانسان يمكن أن يكون منتصرا في كل موقع سبق للشيطان أن هزم فيه الانسان ....
هناك نقطة أخرى هزم فيها حدثت متأخرة وهي الياس اليأس الذي ضرب به الشيطان يهوذا فشنق نفسه وهذه خطية ليست في أيام آدم انما في احداث الصلب كيف رد المسيح على هذه ؟ رد عليها بأن فتح باب الرجاء أمام الكل بقبول اللص اليمين في آخر ساعات حياته وهو معلق على الصليب حتى لا ييأس أحد من قبل وهكذا لا تقع الطبيعة البشرية في اليأس لما تتذكر قول الرب للص " اليوم تكون معى في الفردوس".
السيد المسيح هزم الشيطان بضربة قاضية على الصليب . ولكنه هزم بالنقط في كل تجربة حاربه فيها أكانت الخطية الأولى هى الأكل من الشجرة لقد وجد الشيطان نفسه أمام ابن الانسان الذي بدأ خدمته بصوم أربعين يوماً على الجبل لا يأكل من أي ثمر ولا حتى من الخبز ولا سلطان للطعام عليه لقد بارك هذه الطبيعة فانتصرت فيما سقط فيه أبوانا الأولان مقدماً المثالية المطلوبة .
ملاحظة أخرى أحب أن أقولها .
ان المسيح لا بارك طبيعتنا بارك كل مراحل العمر .
بارك الطفولة لما صار طفلا وبارك الشباب وهو شاب وبارك الرجولة وهو رجل بارك كل مراحل وسنى العمر فلم تعد مرحلة منها يمكن أن تنفرد بالتمرد على الرب.
كذلك في طبيعتنا ، بارك كل أوضاعها وصورها فمثلا بارك طبيعة الرجل إذ ولد رجلا وبارك طبيعة المرأة إذ ولد من امرأة وبارك البتولية والزواج لما وقف على جبل التجلي بين إيليا البقول وموسى المتزوج انظروا اية بركة منحها الرب لطبيعتنا في المعمودية : يقول الكتاب" لأن جميعكم الذين اعتمدتم المسيح قد لبستم المسيح " ( غل ۳ : ۲۷ ) . ما أعظم أن تلبس طبيعتنا المسيح ! فتصير في حالة تختلف تماماً عن ذي قبل حقاً ما أصدق قول بولس الرسول و الأشياء القديمة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً إنها الطبيعة الجديدة وقد باركها المسيح لما تجسد .
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عظة البابا يوم 28/11/1980