قدسوا صوماً

01 أبريل 2020
Large image

قال الرب علي لسان يوئيل النبي " قدسوا صوماً ، نادوا باعتكاف " ( يوئيل 1:14، 2:15) فما معني تقديسنا للصوم ؟ وكيف يكون ؟
معنى عبارة " قدسوا صوما ً"
كلمه " تقديس " كانت في أصلها اليوناني تعني التخصيص فلما قال الرب لموسى " قدس لي كل بكر ، كل فاتح رحم إنه لي " ( خر 13: 2) كان يعني خصص لي هؤلاء الأبكار ، فلا يصيرون لغرض آخ : أبكار الناس كانوا يتفرغون لخدمة الرب قبل اختيار هرون وأولاده وأبكار البهائم كانت تقدم ذبائح والثياب المقدسة هي المخصصه للرب لخدمه الكهنوت وفي هذا قال الرب لموسى النبي " فيصنعون ثياباً مقدسة لهرون أخيك ولبنية ، ليكهن لي "( خر 28: 5) أواني المذبح هي أوان مقدسة للرب ، لأنها مخصصة لخدمته ، لا يمكن أن تستخدم في غرض آخر وتقديس بيت للرب معناها تخصيص بيت للرب ، فلا يمكن أن يستخدم في أي غرض آخر سوي عبادة الرب " بيتي بيت الصلاة يدعي " ( مت 21: 13) ولعل البعض يسأل ما معني قول الرب عن تلاميذه " من أجلهم أقدس انا ذاتي" ( يو 17: 19) ؟ معناها قول الرب عن تلاميذه " من أجلهم ، أي لأجل الكنيسة ، لأني جئت لأقدي هؤلاء وبهذه تكون المقدسات هي المخصصات للرب أي أنها أشياء للرب وحده وليس لغيره ، هي مخصصه للرب ، مثل البكور مثلاً وفي هذا يقول الرب علي لسان حزقيال النبي " هناك أطلب تقدمانكم وباكورات جزاكم جميع مقدستكم " ( حز 20: 40) ويقول عن بكور كل شجرة مثمرة " وفي السنة الرابعة يكون كل ثمرها قدساً لتمجيد الرب " ( لا 19: 24) أي يكون ثمرها مخصصاً للرب ، يعطي لكهنة الرب ( حز 44: 30) والموال التي تدخل إلي خزانه الرب في الهيكل ، قيل عنها " تكون قدساً للرب ، وتدخل في خزانه الرب "( يش 6: 19 ) . أي تخصص للرب وبنفس المعني كان تقديس الأيام أي تكون مخصصه للرب فعبارة " أذر يوم السبت لتقديسه " ( خر 20: 8) أي تخصص هذا اليوم للرب " لا تعمل فيه عملاً ما " إنه للرب وبنفس المعني تقديس كل مواسم الرب ، كل أعياده تقام فيها محافل مقدسة ، وتخصص تلك الأيام للرب لا تعمل فيها أي عمل ( لا 23: 7، 8، 21، 25، 31، 36) وهكذا تقدس الصوم معناه تخصيصه للرب تكون أيام الصوم مقدسه ، أي مخصصة للرب هي أيام ليست من نصيب العالم ، ولكنها نصيب الرب ، قدس للرب ولهذا وضح الوحي الإلهي هذا المعني بقوله " قدسوا صوماً نادوا باعتكاف "لأن الاعتكاف يليق بسبب أعمالك الرسمية أعتكف ما تستطيعة من الوقت لكي تتفرغ للب وإن ضاق وقتك علي الرغم منك ، فهناك معني آخر للتخصيص علي الأقل خصص هدف الصوم للرب وهكذا يكون صوماً مقدساً أي مخصصاً للرب في هدفه ، وفي سلوكه بهذا ندخل في المعني المتداول لكلمة مقدس ، أي طاهر ، لأنه للرب فهل هدف صومك هو الرب .
ما هو هدف صومك؟
لماذا نصوم ؟ ما و هدفنا من الصوم ؟ لأنه بناء علي هدف الإنسان ، تتحدد وسيلته وأيضاً بناء علي الهدف تكون النتيجة هل نحن نصوم ، لمجرد أن الطقس هكذا ؟
لمجرد أنه ورد في القطمارس ، أو التقويم ( النتيجة ) ، أن الصوم قد بدأ ، أو قد أعلنت الكنيسة هذا الأمر ؟ إذن فالعامل الفلبي الجواني غير متكامل طبعاً طاعة الكنيسة آمر لازم ، وطاعة الوصية أمر لازم . ولكننا حينما نطيع الوصية ، ينبغي أن نطيعها في روحانية وليس في سطحية وان كانت الكنيسة قد رتبت لنا هذا الصوم ، فقد رتبته من أجل العمق الروحي الذي فيه . فما هو هذا العمق الروحي ؟ ؟ وما هدفنا من الصوم ؟
هل هدفنا هو مجرد حرمان الجسد وإذلاله في الواقع إن الحرمان الجسد ليس فضيلة في ذاته ، إنما هو مجرد وسيلة لفضيلة وهي أن تأخذ الروح مجالها . فهل نقتصر علي الوسيلة ، أم ندخل في الهدف منها وهو إعطاء الروح مجالها ؟ ما اكثر الأهداف الخاطئة التي تقف أمام الإنسان في صومه !
فقد يصوم البعض لمجرد أن يرضي عن نفسه لكي يشعر أنه إنسان بار ، يسلك في الوسائط الروحية ، ولا يقصر في آيه وصية أو قد يصوم لكي ينال مديحاً لكي ينال مديحاً من الناس في صومه ، أو في درجة صومه وهكذا يدخل في مجال المجد الباطل ، أي يدخل في خطية ! ما هو إذن الهدف السليم من الصوم ؟
الهدف السليم أننا نصوم من أجل محبتنا لله من أجل محبتنا ، نريد أن تكون أرواحنا ملتصقة بالله . ولا نشاء أن تكون أجسادنا عائقاً في طريق الروح . لذلك نخضعها بالصوم لكي تتمشي مع الروح في عملها . وهكذا نود في الصوم ، أن نرتفع عن المستوي المادي وعن المستوي الجسداني ، لكي نحيا في الروح ، ولكي تكون هناك فرصه لأرواحنا البشرية أن تشترك في العمل مع روح الله ، وان تتمتع بمحبة الله وبعشرته . حقاً ان التمتع بمحبة الله وحلاوة عشرته ، من المفروض أن يكون أسلوب الحياة كلها . ولكن لا ننسي أننا ننال ذلك بصورة مركزه في الصوم ، فيها عمق اكثر ، وحرص أكثر ، كتدريب وكتمهيد لكي تكون هذه المتعه بالله هي أسلوب الحياة كلها فنحن نصوم لأن الصوم يقربنا إلي الله الصوم فيه اعتكاف ، والاعتكاف فرصة للصلاة والقراءة الروحية والتأمل والصوم يساعد علي السهر وعلي المطانيات والسهر والمطانيات مجال للصلاة . والصوم فيه ضبط للإرادة وانتصار علي الرغبات وهذا يساعد علي التوبة التي هي الطريق إلي الله وإلي الصلح معه ونحن نصوم وفي صومنا تتغذي علي كل كلمة تخرج من فم الله ( مت 4) إذن من اجل محبة الله وعشرته ، نحن نصوم نصوم ، لأن الصوم يساعد علي الزهد في العالميات والموت عن الماديات وهذا يقوينا علي الاستعداد للأبدي والالتصاق بالله إن كان الصوم إذن هو أيام مخصصه لله وحده ، وإن كنا نصوم من اجل الله ومحبته ، فإن سؤالاً يطرح نفسه علينا وهو
هل هناك اصوام غير خصصه لله ؟
نعم ، قد توجد أصوام للبعض لا نصيب لله فيا كإنسان يصوم ولا نصيب لله في حياته علي الرغم من صومه ! يصوم وهو كما هو ، بكل أخطائه ، لم يتغير فيه شئ ! أو يصوم كعادة ، أو خوفاً من الإحراج لأجل سمعته كخادم أو أن صيامه مجرد صوم جسداني كله علاقة بالجسد ، ولا دخل للروح فيه ! أو هو صوم لمجرد إظهار المهارة ، والقدرة علي الأمتناع عن الطعام أو قد يكون صوماً عن الطعام ، وفي نفس الوقت يمتع نفسه بشهوات أخري لا يقوي علي الأمتناع عنها! يظن البعض أن الصوم مجرد علاقة بين الإنسان وبين الطعام ، دون أن يكون الله طرفاً ثالثاً فيها كل اهتماماته في صومه هي هذه ما هي فترة الأنقطاع ؟ متي يأكل ؟ وكيف ينمو في أطاله فترة إنقطاعه ؟ وماذا يأكل ؟ وكيف يمنع نفسه عن أصناف معينه من الطعام ؟ وكيف يطوي أياماً ؟ كأن الصوم بين طرفين هو و الطعام ، أو هو والجسد ! دون أن يكون الله طرفاً في هذا الصوم بأيه صورة من الصور !! أحقاً هذا صوم ؟! إن الصوم ليس هو مجرد تعامل مع الجسد بل هو تعامل مع الله والصوم الذي لا يكون الله فيه ، ليس هو صوماً علي الأطلاق نحن من أجل الله نأكل ، ومن أجله نصوم من اجل الله نأكل ، لكي ينال هذا الجسد قوة يستطيع بها أن يخدم الله ، وأن يكون أميناً في واجباته تجاه الناس ونحن من أجل الله نجوع لكي نخضع الجسد فلا يخطئ إلي الله ولكن يكون الجسد تحت سيطرتنا ، ولا نكون نحن تحت سيطرة الجسد ، لكي لا تكون رغبات الجسد وشهواته هي قائدتنا في تصرفاتنا وإنما نسلك حسب الروح وليس حسب الجسد ، من أجل محبتنا لله ، وحفاظاً علي شركتنا مع روحه القدوس اما في غير ذلك فيكون الصوم مرفوضاً من الله .
أصوام باطلة ومرفوضة :-
ليس كل صوم مقبولاً من الله . فهناك أصوام باطلة ، لا تعتبر بالحقيقة أصوامأ ، وهي مرفوضة من الله . وقد قدم لنا الكتاب أمثلة من هذه الأصوام المرفوضة منها
1- الصوم الذي لكسب مديح الناس الصوم المكشوف الظاهر ، الذي يشاء أن يكون مكشوفاً لكي يراه الناس ويمتدحوه وعن هذا الصوم قال السيد الرب في عظته علي الجبل " ومتي صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين ، فإنهم يغيرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم وأما أنت فمتي صمت ، فادهن رأسك واغسل وجهك ، لكي لا تظهر للناس صائماً بل لأبيك الذي في الخطاء فأبوك الذي يري في الخفاء يجازيك علانية "( مت 6: 16-18 ) هذا الصوم الذي لمديح الناس ، ليس لأجل الله ، ولا نصيب لله فيه لذلك هو صوم باطل
2- وصوم الفريسي الذي وقف مثال آخر لصوم غير مقبول هذا الفريسي الذي وقف أمام الله يتباهي بفضائله ويقول " أصوم يومين في الأسبوع وأعشر جميع أموالي "وفي نفس الوقت كان يدين العشار قائلاً عن نفسه " لست مثل سائر الناس الظالمين الخاطفين الزناه ولا مثل هذا العشار " لذلك لم يخرج من الهيكل مبرراً، مثلما خرج العشار المنسحق القلب ( لو 18: 9-14) وهذا المثل يرينا ان الصوم الذي لا يمتزج بالتواضع والانسحاق هو صوم مرفوض من الله لأن صاحبه يظن في نفسه أنه بار ، ويحتقر الآخرين ( لو 18: 9) .
2- الصوم الذي هدفه خاطئ ، صوم غير مقبول .
ومن أمثله هذا الصوم أولئك اليهود الذين صنعوا اتفاقاً فيما بينهم " وحرموا أنفسهم قائلين إنهم لا يأكلون ولا يشربون حتي يقتلوا بولس . وكان الذين صنعوا هذا التحالف نحو الأربعين " أع 23: 12، 13) وطبعاً كان صومهم هذا خطية بل لا نستطيع أن نسمية صوماً بالمعني الروحي .
4- صوم الشعب الخاطئ أيام ارمياء النبي .
هؤلاء لم يقبل الرب صومهم بل قال عنهم لأرميا النبي " لا تصل لأجل هذا الشعب للخير حين يصومون لا أسمع صراخهم وحين يصعدون محرقه وتقدمه لا أقبلهم بل بالسيف والجوع والوبأ أنا أفنيهم "( أر 14 : 11، 12)هؤلاء لم يقبل الرب أصوامهم ولا صلواتهم ولا محرقاتهم ، لأنهم كانوا يعيشون في الشر ، وقلوبهم لم تكن طاهرة قدامه أذن الصوم البعيد عن التوبة هو صوم غير مقبول فالله يريد القلب النقي ، أكثر مما يريد الجسد الجائع والإنسان الذي يصوم فمه عن الطعام ، ولا يصوم قلبه عن الخطايا ، ولا يصوم لسانه عن الأباطير ، فصوم هذا الإنسان باطل ، حتي إن يسلم جسده ليحترق فلا ينتفع شيئاً ( 1 كو 13: 3)
5- والصوم العيد عن الرحمة و الصدقة ، غير مقبول وقد شرح الرب هذا الأمر لإشعياء النبي ، فقال له " يقولون لماذا صمنا ولم تنظر ؟ ذللنا أنفسنا ولم تلاحظ ؟ ها إنكم للخصومة و لنزاع تصومون أمثل هذا يكون صوم اختاره هل تسمي هذا صوماً ويوماً مقبولاً للرب ؟! أليس هذا صوماً أختاره حل قيود الشر ، فك عقد النير ، وإطلاق المسحوقين أحرارا أليس أن تكسر للجائع خبزك ، وأن تدخل الماسكين التائهين إلي بيتك " ( أش 58: 3- 7) فالذي يصوم ، حتي ولو كان صوماً بتذللك بالمسوح و الرماد ، يحني فيه كالأسلة رأسة ، هو صوم غير مقبول ، أ لم يكن ممتزجاً بأعمال الرحمة وبنقاوة القلب.
6- والصوم الذي ليس لأجل الله ، صوم باطل فقد يصوم إنسان ، لأن الأطباء أمروه بهذا وقد يصوم آخر من أجل رشاقة جسده وحسن منظرة وكلاهما ليس من أجل الله ، ولا ينتفع روحياً بصومه وقدوم إنسان ثالث ، بأسلوب إضراب عن الطعام ، وليس بهدف روحي ، ولا من أجل الله كما يمتنع رابع عن الطعام حزناً أو يأساً ، ولا نستطيع أن نعتبر أحداً من هؤلاء صائماً بالحقيقة نعود ونقول كل صوم ليس هو من أجل الله ، وليس هو بسبب روحي ، لا يمكن أن نعتبره صوماً علي الأطلاق ، ولا يقبله الله .
فما هو الصوم الروحي المقبول أمام الله ؟
هو الصوم الذي تكون فيه علاقة عميقة مع الله الصوم الذي تشعر فيه بالله في حياتك ، هو الفترة المقدسة التي تشعر أن الله يملكها ، وأنها مخصصة كلها لله ، وان وجود الله ظاهراً جداً خلالها في كل تصرفاتك ، وعلاقتك بالله تزداد وتنمو في كل يوم من أيام الصوم ، بمتعة روحية تشتهي بسببها أن يطول صومك ولا ينتهي لعل هذا يجعلنا نفحص سؤال هاماً وهو ما علاقة الله بصومك وهذا ما نجيب عليه فى المقاله القادمة
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب روحانية الصوم

عدد الزيارات 2375

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل