مفهوم القيامة وروحياتها

06 مايو 2020
Large image

إن القيامة دخل على البشرية فعندما خلق الله الإنسان خلقه للحياة نفخ فيه نسمة حياة ، فصار نفساً حية و أراد الله له الحياة و الخلود و لكن حرية الإنسان انحرفت إلي الخطيئة ، فجلب لنفسه الموت كنتيجة لخطيئته ، لأن " أجرة الخطية هي موت " ( رو 6 : 23 ) و هكذا دخل الموت إلي العالم . و ساد علي الجميع لذلك نحن نفرح بالقيامة لأنها أنتصار علي الموت و عودة بطبيعة الإنسان إلي الحياة فالله خلق الإنسان ليحيا ن لا ليموت قيامة المسيح هي عربون لقيامتنا جميعاً ، لذلك وصفه القديس بولس الرسول بأنه " باكورة الراقدين " ( 1 كو 15 : 20 ) هو الباكورة ، و نحن من بعده و لعل سائلاً يسأل كيف يكون المسيح هو الباكورة ، بينما قام من قبله كثيرون ؟! إبن ارملة صرفة صيدا اقامة إيليا النبي من الموت ( 1 مل 17 : 22 ) و ابن المرأة الشمونمية اقامة أليشع النبي من بعد أن مات ( 2 مل 4 : 32 - 36 ) كما أن هناك ثلاثة أقامهم السيد المسيح نفسه و هم إبن ارملة نايين ، و ابنة يايرس ، و لعازر حقاً إن هناك اشخاصاً قاموا من الموت قبل المسيح ، و لكنهم بعد قيامتهم عادوا فماتوا ثانية و مازالوا ينتظرون القيامة العامة أما قيامة المسيح فهي القيامة التي لا موت بعدها ، و هي الباكورة ، و الشهوة التي يشتهيها كل مؤمن بحب الخلود القيامة التي نعينها هي الطريق إلي الأبدية التي لا نهاية لها و نحن نعلم أن قصة حياة الإنسان علي الأرض هي قصة قصيرة جداً و إذا ما قيست بالأبدية تعتبر كأنها لا شئ و الخلود هو الحلم الجميل الذي تحلم به البشرية إن القيامة ترفع من قيمة الإنسان ، و تؤكد أن حياته لا تنتهي بموته القيامة تؤكد أن هناك حياة أخري غير هذه الحياة الأرضية ، سوف نحياها بمشيئة الرب بعد القيامة و هكذا نقول في " قانون الإيمان " الذي نتلوه كل يوم في صلواتنا " و ننتظر قيامة الأموات ، و حياة الدهر الآتي اَمين " إذن لعلنا نقول إن أهم ما في القيامة هو ما بعد القيامة فالقيامة تدل علي أن لحياة الإنسان امتداداً في العالم الآخر ، و أن الموت هو مجرد مرحلة في حياة الإنسان ، أو هو مجرد جسر بين حياتين إحداهما أرضية و الأخري سمائية و لا شك أن الحياة الأخري أفضل بكثير ، لأنها حياة في السماء ، مرتفعة عن مستوي المادة كما أنها حياة نقية ، لا توجد فيها أية خطية و فوق كل ذلك فهذه الحياة الأخري هي عشرة مع الله و ملائكته و قديسيه عبر عنها الكتاب بقوله " ما تره عين ، و لم تسمع به أذن ، و لم يخطر علي قلب بشر ، ما أعده الله للذين يحبونه " ( 1 كو 2 : 9 ) و لهذا قال مار اسحق " إن مخافة المكوت تزعج قلب الرجل الجاهل أما الإنسان البار فيشتهي الموت مثلما تشتهي الحياة " و لهذا قال القديس بولس الرسول " لي اشتهاء أن أنطلق ، و أكون مع المسيح ، فذلك أفضل جداً " ( في 1 : 23 ) حقاً أن الموت يصبح شهوة للذين يحبون الله و يحبون الحياة الأخري ، و يرون أنها أفضل جداً من عالمنا هذا الذي فقد نقاوته هؤلاء لإيمانهم بالقيامة - لا يرون الموت نهاية حياة ، إنما هو انتقال لحياة أخري إن القيامة غيرت نظرة الناس لي الموت ، فأصبح مجرد أنتقال ، جسر يعبر إلي حياة أخري ، أو قل هو عملية ارتقاء ، لذلك صار شهوة للأبرار لما حدث أن المسيح داس الموت بقيامته ، سقطت هيبة الموت إلي الأبد ، و لم يعد القديسون يخافون الموت اطلاقاً ، كما أصبحوا لا يخافون مسبباته ، كالمرض مثلاً ، أو مؤامرات الناس الأشرار و اعتدائاتهم إنما يخاف الموت الإنسان الخاطئ ، الذي لم يتب ، فيخشي مصيره بعد الموت ، و الوقوف أمامدينونة الله العادلة أو يخاف الموت الإنسان الخاطئ ، الذي له شهوات يمارسها في هذا العالم و يخشي أن يحرمه الموت منها أما البار فلا يخاف الموت اطلاقاً ، لأنه يؤمن بالقيامة و القيامة ترتبط بالإيمان ، فالملحدون مثلاً لا يؤمنون بالقيامة الإنسان المؤمن يؤمن بقدرة الله علي اقامة الجحسد من الموت ، فالذي خلق البشر من التراب ، و خلق التراب من العدم ، هو قادر علي اعادة الجسد إلي الحياة ليعود فيرتبط بروحه أما الملحدون فلا يؤمنون بوجود الروح أو استمرارها بعد الموت ،و لا يؤمنون بالحياة الأخري ، و لا بالثواب و العقاب لهذا قلت إن القيامة ترتبط بالأيمان و الإيمان بالقيامة يقود إلي حياة البر و الفضيلة فهو يؤمن بأنه بعد القيامة ، سيقف أمام الله في يوم الدينونة الرهيب ، لكي يعطي حساباً عن كل أعماله ، إن خيراً و إن شراً لذلك يقوده هذا الإيمان إلي حياة الحرص و التدقيق خوفاً من دينونة الله العادلة و بالتالي يحاسب نفسه علي كل عمل ، و كل فكر و كل شعور ، و كل كلمة ، و يقوم نفسه ، كما قال القديس مقاريوس " احكم يا أخي علي نفسك ، قبل أن يحكموا عليك " بل إن الإيمان الحقيقي بالقيامة يقود إلي حياة الزهد و النسك القيامة حولت أنظار الناس إلي أمجاد العالم الآخر ، فتصاغرت في أعينهم المتعالزائلة في هذا العالم الفاني و من فرط تفكيرهم في غير المنظور ، ازدادوا بالمحسوسات و المرئيات و أصبحوا كما قال الكتاب " غير ناظرين إلي الأشياء التي تري ، بل إلي التي لا تري لأن التي تري وقتية ، و أما التي لا تري فابدية " ( 2 كو 4 : 18 ) و لو لم تكن القيامة ، لتهالك الناس علي هذه الحياة الرضية ، و غرقوا في شهواتها كالأبيقوريين الذين كان يقولون " لنأكل و نشرب ، لأننا غداً نموت " ( 1 كو 15 : 32 ) أما الذين يؤمنون بالقيامة و يستعدون لها ، فإنهم يضبطون أنفسهم حسناً و يدخلون في تداريب روحية لتقويم ذواتهم و لا ينقادون وراء الجسد و لا المادة بل يحيون بالروح بأسلوب روحي ، و يقمعون أجسادهم و حواسهم و أعصابهم حب الأبدية جعل الأبرار يشتاقون إلي شئ أكبر من العالم و أسمي كل ما في العالم لا يشبعهم ، لأن في داخلهم اشتياقاً إلي السماء و إلي النعيم الروحي الذي يسمو علي الحس و يرتفع فوق كل رغبة أرضية لذلك نظر القديسون إلي الأرض كمكان غربة ، و اعتبروا أنفسهم غرباء ههنا ، يشتاقون إلي وطن سماوي ، إلي حياة أخري ، من نوع اَخر روحاني نوراني سمائي ما لم تره عين اشتاقوا إلي العالم الآخر الذي كله قداسة و طهارة وروحانية ، و سلام و حب و نقاء حيث الله يملأ القلوب فلا تبقي فيها شهوة لشئ اَخر غيره القيامة فيها لون من العزاء و التعويض للناس فالذي لا يجد عدلاً علي الأرض ، عزاؤه أن حقه محفوظ في السماء ، عند الرب الذي يحكم للمظلومين الذي لا يجد خيراً علي الرض مثل لعازر المسكين ، عزاؤه أنه سيجد كل الخير هناك و كما كان علي الأرض يتعذب ، فهو في السماء يتعزي فالقيامة تقيم توازناً في حياة كل إنسان إذ أن محصلة ما يناله علي الرض ، و ما يناله في السماء تشكل توازناً قوامه العدل و القيامة تقدم عزاء حقيقياً لجميع الأصدقاء و المحبين ، إذ تجمعهم ثانية ، بعد أن يفرقهم الموت لو كان الأمر ينتهي عند القبر و لا قيامة ، إذن لكان احباؤنا الذين فارقونا بالموت قد أنتهوا ، و انتهت صلتنا بهم ، و ما عدنا نراهم و هذا لا شك يتعب القلب ، و يسبب فجيعه للمحبين الذين بغير القيامة يفقدون احباءهم إلي غير رجعة إن القيامة تعطينا أيضاً فكرة عن قوة الله و محبته الله القوي الذي يستطيع أن يقيم الأجساد بعد أن تكون قد تحللت و تحولت إلي التراب ، و يعيدها بنفس شكلها الأول ، و لكن بلون من التجلي روحانية و نورانية إنه الله المحب الذي لم يشأ أن يتمتع وحده بالوجود ، فخلق كائنات أخري كما لو يشأ أنه يعيش وحده في الخلود ، فأنعم بالخلود علي الناس و الملائكة ، و وهب البشر حياة أبدية بعد قيامهم من الموت و من متع القيامة زوال الشر و زوال كل ما سببته الخطية ففي النعيم الذي يحياه الأبرار لا يكون هناك شر و لا خطيئة بل مجرد معرفة الخطية ستنتهي و نعود إلي حياة البساطة الكاملة و النقاوة الكاملة كالملائكة ،و كالأطفال في براءتهم و تتخلص النفس من الأمراض التي رسبتها عليها الخطية كالخوف ، و الشك ، و الشهوة ، و القلق ، و ما شابه ذلك ، و عندئذ تلبس النفس اكليل البر ، و تزول منها جميع النقائص نفسية كانت أم جسدية يعوزنا الوقت إن تحدثنا عن كل أمجاد القيامة فذلك يحتاج إلي كتب .
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب تأملات في القيامة

عدد الزيارات 1136

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل