رحلة العائلة المقدسة الي مصر

01 يونيو 2020
Large image

بشائر وومضات الرحلة المقدسة
في عام 1 قبل الميلاد، ظهر جبرائيل ملاك الرب لعذراء مخطوبة اسمها مريم، ليبشرها بميلاد ابن اسمه يسوع أو عيسى. وبالطبع أدرك الملاك أن خطيبها يوسف النجار سوف تنتابه الشكوك من هذه المسألة؛ فظهر له هو الآخر وطمأنه. وكان من الواضح انشغال السماء بهذا الميلاد، فمع هذين الاثنين ظهرت رؤية لثلاثة ملوك من بلاد فارس وأنبأتهم بالخبر؛ كما ظهر ملاك لأحد أحبار اليهود وبشره بميلاد ابن له يدعي يوحنا المعمدان (النبي يحيي)، وأنبأه بأن تلك ستكون علامة لميلاد يسوع. وكانت التوراة مليئة بنبوءات قديمة تتحدث عن تفاصيل هذا الميلاد، ومكانه، وعما سيهديه الملوك لهذا المولود، وعن رحلته لأرض مصر وكذلك عن جنون الملك الذي سيؤدي إلى هذه الرحلة.
وفي العام صفر، صدرت أوامر من أوغسطس قيصر بأنه على اليهود التوجه إلى الدائرة التابع لها لكي يتمكن من عمل تعداد للسكان. فاصطحب يوسف النجار خطيبته إلي بيت لحم (حيث تنبأت الكتب القديمة أن الملك سيولد هناك)، ونظراً لأن الفنادق كانت كاملة العدد؛ اضطرا للبيات في مذود بقر، والتي تعد إشارة لتواضع الملك القادم.في طريقهم، مر ملوك الشرق بهيرودس ملك اليهود وسألوه عن مكان ميلاد الملك الطفل؛ فرحب بهم وقدم لهم الطعام والضيافة وقام بواجب الضيافة علي أكمل وجه. ولكن اضطرب قلبه خوفاً على عرشه من ذلك المولود الطفل، فجمع كل رؤساء الكهنة وسألهم:" أين يولد ملك اليهود؟" فقالوا له طبقاً للنبوءات القديمة، سيولد الملك الطفل في بيت لحم. فأوصي ملوك الشرق بأن يعودوا له بعد أن يجدوا المولود لكي يذهب هو أيضاً ويسجد له مُقدماً واجب الضيافة. ذهب الملوك لحظيرة البقر وسجدوا مع رعاة الغنم وقدموا هداياهم ذهباً" رمزاً لملكه" وألباناً" رمزاً" لآلامه على الأرض" ليظهر لهم النجم ويرحل بهم بعيداً عن هيرودس ملك اليهود.جن جنون هير ودس -الذي يعد واحداً من أكثر الملوك شراً في التاريخ- خوفاً من أن يشب هذا الرضيع ليأخذ ملكه، فأصدر أوامره بذبح كل طفل يبلغ من العمر أقل من عامين؛ ولكن كان الملاك قد ظهر ليوسف النجار في الحلم وأخبره بأن يأخذ الطفل ومريم إلى مصر، قائلا : خذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر، وكن هناك حتى أقول لك، لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه، فقام وأخذ الصبي وأمه ليلا وانصرف إلى مصر، وكان هناك إلى وفاة هيرودس ، بهذه الكلمات تحدث الإنجيل عن رحلة السيد المسيح والسيدة مريم العذراء إلى مصر، التي سطرت صفحة جديدة في تاريخها واستغرقت زيارة العائلة المقدسة في مصر 3 سنوات، وقد رصد البابا "ثاؤفيلس" البطريرك رقم 23 في كرسي الكرازة المرقسية بمصر في الفترة ما بين 385-412م وفقا لمخطوطة " الميمر" (وهى كلمة سيريانية تعني السيرة)، أهم المحطات الرئيسية في رحلة العائلة المقدسة، بداية من "الفرما" والتي كانت تعرف بـ"البيليزيوم"، وهي المدينة الواقعة بين مدينتي العريش وبور سعيد حاليا، حتى جبل قسقام بمحافظة أسيوط في صعيد مصر، حيث رجعا مرة أخرى إلى فلسطين بعد وفاة الملك هيرودس.وفي أكثر تفصيل يحدثنا أشعياء النبي في سفره الإنجيلي عن هذه الرحلة المقدسة فيقول : "هو ذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر ، فترتجف أوثان مصر من وجهه ويذوب قلب مصر داخلها وهذا ما حدث فعندما كان السيد المسيح يدخل أي مدينة في مصر ، كانت الأوثان تسقط في المعابد وتنكسر، فيخاف الناس من هذا الحدث غير المألوف ويرتعبون" .وكان دخول السيد المسيح أرض مصر بركة كبيرة لأرضها وشعبها ، فبسببها قال الرب "مبارك شعبي مصر" ( أش 19 : 25 ) ، وبسببها تمت نبوءة أشعياء القائلة : " .. يكون مذبح للرب في وسط أرض مصر فهو مذبح كنيسة السيدة العذراء مريم الأثرية بدير المحرق العامر ، حيث مكثت العائلة المقدسة في هذا المكان أكثر من ستة شهور كاملة ، وسطح المذبح هو الحجر الذي كان ينام عليه المخلص الطفل .ويقع دير المحرق في منتصف أرض مصر تماماً من جميع الاتجاهات ، كما كثرت في أرض مصر على امتدادها الكنائس ، خصوصاً في الأماكن التي زارتها العائلة المقدسة وباركتها.
مسار الرحلة
سارت العائلة المقدسة من بيت لحم إلى غزة حتى محمية الزرانيق ( الفلوسيات ) غرب العريش بـ ٣٧ كم ودخلت مصر عن طريق صحراء سيناء من الناحية الشمالية من جهه الفرما ( بلوزيوم ) الواقعة بنين مدينتى العريش وبور سعيد.ودخلت العائلة المقدسة مدينه تل بسطا ( بسطة ) بالقرب من مدينه الزقازيق بمحافظة الشرقية وتبعد عن مدينة القاهرة بحوالى ١٠٠ كم من الشمال الشرقى وفيها انبع السيد المسيح عين ماء وكانت المدينة مليئة بالاوثان وعند دخول العائلة المقدسة المدينه سقطت الأوثان على الأرض فأساء اهلها معاملة العائلة المقدسة فتركت العائلة المقدسة تلك المدينة وتوجهت نحو الجنوب.تم غادرت العائلة مدينه تل بسطا ( بسطه ) متجهه نحو الجنوب حتى وصلت بلدة مسطرد - المحمة وتبعد عن مدينه القاهرة بحوالى ١٠ كم تقريباً.وكلمة المحمة معناها مكان الاستحمام وسميت كذلك لان العذراء مريم أحمت هناك السيد المسيح وغسلت ملابسة وفى عودة العائلة المقدسة مرت ايضاً على مسطرد وانبع السيد المسيح له المجد نبع ماء لا يزال موجوداً الى اليوم.ومن مسطرد انتقلت شمالاً الى بلبيس ( فيلبس ) مركز بلبيس التابع لمحافظة الشرقية وتبعد عن مدينة القاهرة حوالى ٥٥ كم تقريباً.واستظلت العائلة المقدسة عند شجرة عرفت باسم شجرة العذراء مريم ومرت العائلة المقدسة على بلبيس ايضاً فى رجوعه.ومن بلبيس رحلت العائلة شمالاً بغرب الى بلدة منية سمنود - منية جناح مــن منيـة سمنود عبـرت العــائلة المقـدسـة نهـر النيــل الـى مـدينة سمنـود ( جمنوتى - ذبة نثر ) داخـل الدلتا واستقبلهم شعبها استقبـالاً حسناً فباركهـم السيد المسيح لـه المجـد ويوجد بها ماجور كبير من حجر الجرانيت يقال ان السيدة العذراء عجنت به اثناء وجودها ويوجد ايضا بئر ماء باركه السيد بنفسه ومن مدينة سمنود رحلت العـائلة المقدسة شمالاً بغــرب الـى منطقة البرلس حتى وصلت مدينة ( سخا - خـاست - بيخـا ايسوس ) حالياً فــى محافظة كفــر الشيخ.وقد ظهر قدم السيد المسيح على حجر ومنه اخذت المدينه اسمها بالقبطية وقد اخفى هذا الحجر زمناً طويلاً خوفاً من سرقته فى بعض العصور واكتشف هذا الحجر ثانيه من حوالى ١٣ عاما فقط.واذا كانت العائلة المقدسة قد سلكت الطريق الطبيعى اثناء سيرها من ناحية سمنود الى مدينة سخا فلا بد انها تكون قد مرت على كثير من البلاد التابعة لمحافظة الغربية وكفر الشيخ ويقول البعض انها عبرت فى طريقها فى برارى بلقاس.ومن مدينة سخا عبرت نهر النيل (فرع رشيد ) الى غرب الدلتا وتحركت جنوباً الى وادى النطرون ( الاسقيط ) وقد بارك السيد المسيح وامه العذراء هذا المكان.ومن وادى النطرون ارتحلت جنوباً ناحية مدينة القاهرة وعبرت نهر النيل الى الناحية الشرقية متجهه ناحية المطرية وعين شمس. ومنطقة المطرية وهى بالقرب من عين شمس ( هليوبوليس - اون ) وتبعد عن مدينة القاهرة بحوالى ١٠ كم وفى هذا الزمان كانت عين شمس يسكنها عدد كبير من اليهود وكان لهم معبد يسمى بمعبد اونياس. وفى المطرية استظلت العائلة المقدسة تحت شجرة تعرف الى اليوم بشجرة مريم . وانبع الرب يسوع عين ماء وشرب منه وباركه ثم غسلت فيه السيدة العذراء ملابس الطفل يسوع وصبت الماء على الارض فنبت فى تلك البقعة نبات عطرى ذو رائحة جميلة هو المعروف بنبات البلسم او البلسان يضيفونه الى انواع العطور والاطياب التى يصنع منها الميرون المقدس.ومن منطقة المطرية وعين شمس سارت العائلة المقدسة متجهه ناحية مصر القديمة وارتاحت العائلة المقدسة لفترة بالزيتون وهى فى طريقها لمصر القديمة.ومرت وهى فى طريقها من الزيتون الى مصر القديمة على المنطقة الكائن بها حالياً كنيسة السيدة العذراء الاثرية بحارة زويلة وكذلك على العزباوية بكلوت بك.ووصلت العائلة المقدسة الى مصر القديمة وتعتبر منطقة مصر القديمة من اهم المناطق والمحطات التى حلت بها العائلة المقدسة فى رحلتها الى ارض مصر ويوجد بها العديد من الكنائس والاديرة. وقد تباركت هذه المنطقة بوجود العائلة المقدسة ولم تستطع العائلة المقدسة البقاء فيها الا اياماً قلائل نظراً لتحطم الاوثان فأثار ذلك سخط والى الفسطاط فأراد قتل الصبى يسوع. وكنيسه القديس سرجيوس ( ابو سرجه ) بها الكهف ( المغارة ) التى لجأت اليه العائلة المقدسة وتعتبر من اهم معالم العائلة المقدسة بمصر القديمة.وارتحلت العائلة المقدسة من منطقة مصر القديمة متجهه ناحية الجنوب حيث وصلت الى منطقة المعادى احد ضواحى منف - عاصمة مصر القديمة.وقد اقلعت فى مركب شراعى بالنيل متجهة نحو الجنوب بلاد الصعيد من البقعة المقام عليها الان كنيسة السيدة العذراء المعروفة بالعدوية لان منها عبرت (عدت) العائلة المقدسة الى النيل فى رحلتها الى الصعيد ومنها جاء اسم المعادى وما زال السلم الحجرى الذى نزلت عليه العائلة المقدسة الى ضفة النيل موجوداً وله مزار يفتح من فناء الكنيسة.ومن الاحداث العجيبة التى حدثت عند هذه الكنيسة انه فى يوم الجمعة الموافق ١٢ مارس ١٩٧٦ م وجد الكتاب المقدس مفتوحاً على سفر اشعياء النبى الاصحاح (١٩- ٢٥) مبارك شعبى مصر طافياً على سطح الماء فى المنطقة المواجهه للكنيسة من مياة النيل.وبعد ذلك وصلت العائلة المقدسة قرية دير الجرنوس(ارجانوس) على مسافة ١٠ كم غرب اشنين النصارى - مركز مغاغة.وبجوار الحائط الغربى لكنيسة السيدة العذراء يوجد بئرعميق يقول التقليد ان العائلة المقدسة شربت منه.مرت العائلة المقدسة على بقعة تسمى اباى ايسوس ( بيت يسوع ) شرقى البهسنا ومكانه الان قرية صندفا ( بنى مزار ) وقرية البهنسا الحالية تقع على مسافة ١٧ كم غرب بنى مزار.ورخلت العائلة من بلدة البهنسا ناحية الجنوب حتى بلدة سمالوط ومنهاعبرت النيل ناحية الشرق حيث يقع الآن دير السيدة العذراء بجبل الطير ( اكورس ) شرق سمالوط ويقع هذا الدير جنوب معدية بنى خالد بحوالى ٢ كم حيث استقرت العائلة بالمغارة الموجودة بالكنيسة الاثرية. ويعرف بجبل الطير لان الوفاً من طير البوقيرس تجتمع فيه. ويسمى ايضاً بجبل الكف حيث يذكر التقليد القبطى ان العائلة المقدسة وهى بجوار الجبل - كادت صخرة كبيرة من الجبل ان تسقط عليهم فمد الرب يسوع يده ومنع الصخرة من السقوط فامتنعت وانطبعت كفه على الصخر.وفى الطريق مرت على شجرة لبخ عالية ( شجرة غار ) على مسافة ٢ كم جنوب جبل الطير بجوار الطريق المجاور للنيل ، والجبل الواصل من جبل الطير الى نزلة عبيد الى كوبرى المنيا الجديد ويقال ان هذه الشجرة سجدت للسيد المسيح له المجد وتجد ان جميع فروعها هابطة بإتجاه الارض ثم صاعدة ثانيه بالاوراق الخضراء ويطلق عليها شجرة العابد.وتغادر العائلة المقدسة من منطقة جبل الطير وعبرت النيل من الناحية الشرقية الى الناحية الغربية واتجهت نحو الاشمونيين ( اشمون الثانية ) وحدثت فى هذه البلدة كثير من العجائب وسقطت اوثانها وباركت العائلة المقدسة الأشمونيين.وارتحلت العائلة المقدسة من الاشمونيين واتجهت جنوباً حوالى ٢٠ كم ناحية ديروط الشريف فيليس ثم تغادر من ديروط الشريف الى قرية قسقام ( قوست قوصيا ) حيث سقط الصنم معبودهم وتحطم فطردهم اهلها خارج المدينة واصبحت هذه المدينه خراباً.وتهرب العائلة المقدسة من قرية قسقام واتجهت نحو بلدة مير ميره تقع على بعد ٧ كم غرب القوصية وقد اكرم اهل مير العائلة المقدسة اثناء وجودها بالبلدة وباركهم الرب يسوع والسيدة العذراء.ومن مير ارتحلت الى جبل قسقام حيث يوجد الان دير المحرق ومنطقة الدير المحرق هذه من اهم المحطات التى استقرت فيها العائلة المقدسة حتى سمى المكان بيت لحم الثانى. يقع هذا الدير فى سفح الجبل الغربى المعروف بجبل قسقام نسبة الى المدينة التى خربت ويبعد نحو ١٢ كم غرب بلدة القوصية التابعه لمحافظة اسيوط على بعد ٣٢٧ كم جنوبى القاهرة. مكثت العائلة المقدسة نحو حوالى سته اشهر وعشرة ايام فى المغارة التى اصبحت فيما بعد هيكلاً لكنيسة السيدة العذراء الأثرية فى الجهه الغربية من الدير ومذبح هذه الكنيسة حجر كبير كان يجلس عليه السيد المسيح. وفى هذا الدير ظهر ملاك الرب ليوسف فى حلم قائلا قم وخذ الصبى وأمه وإذهب أرض اسرائيل لانه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبى.وفى طريق العودة سلكوا طريقا أخر إنحرف بهم الى الجنوب قليلا حتى جبل اسيوط المعروف بجبل درنكة وباركته العائلة المقدسة حيث بنى دير باسم السيدة العذراء يقع على مسافة ٨ كم جنوب غرب اسيوط. ثم وصلوا الى مصر القديمة ثم المطرية ثم المحمة ومنها الى سيناء ثم فلسطين حيث سكن القديس يوسف والعائلة المقدسة فى قرية الناصرة بالجليل.وهكذا انتهت رحلة المعاناة التى استمرت اكثر من ثلاث سنوات ذهابا وايابا قطعوا فيها مسافة اكثر من الفى كيلو متر ووسيلة مواصلاتهم الوحيدة ركوبة ضعيفة الى جوار السفن احيانا فى النيل وبذلك قطعوا معظم الطريق مشيا على الاقدام محتملين تعب المشى وحر الصيف وبرد الشتاء والجوع والعطش والمطاردة فى كل مكان فكانت رحلة شاقة بكل معنى الكملة تحملها السيد المسيح وهو طفل مع أمه العذراء والقديس يوسف بفرح لأجلنا.
دلالات وبراهين
عُرفت مصر منذ فجر التاريخ بأنها واحة الأمن والأمان وموطن الحضارات ومهد الأديان. وخير مثال علي ذلك احتضانها لكثير من أنبياء العهد القديم؛ ومن بينهم إبراهيم، ويعقوب، والنبي موسي _الذي تهذب بحكمة المصريين_، ويوسف الصديق _الذي جاء إلى مصر أيام فرعون حتى أصبح وزيراً_؛ بل نجد أكبر مثالاً على أن مصر خطاها الأنبياء والقديسون هو رحلة العائلة المقدسة، وقد سارت العائلة المقدسة في البلاد من أقصاها إلى أقصاها لتباركها، ولكي تحطم الوثنية بأصنامها وتغرس غرساً روحياً مباركاً يدوم مع الزمن.احتمت العائلة المقدسة في حضن مصر وباركت أرضها. فقد نشرت جامعة كولون بألمانيا لأول مرة بردية أثرية ترجع إلى القرن الرابع الميلادي تتحدث عن فترة وجود السيد المسيح والعائلة المقدسة في مصر؛ مؤكدة أن طفولة السيد المسيح استمرت ثلاث سنوات وأحد عشر شهراً. وقد كُتبت البردية باللهجة القبطية الفيومية، وتؤكد أحد المصادر المهمة أن البردية تؤكد أن البركة قد حلت بمصر وأن شهر بشنس هو أكثر شهور السنة بركة؛ لذا نجد الكنيسة القبطية تحتفل في اليوم الرابع والعشرين منه_ والذي يوافق 1 يونيو_ من كل عام بذكري دخول العائلة المقدسة إلى مصر. إن رحلة العائلة المقدسة لمصر تحمل الكثير من المعاني والقيم التي يجب أن يتحلى بها الجميع، أهمها أن مصر بلد للسلام والاطمئنان، وأن رحلة المسيح فيها ملأت ربوعها بالبركة؛ فكل الأديان السماوية أكدت أن مصر هي واحة الأمان. كما تتمثل العظة الكبيرة من هذه الرحلة في الاقتداء بهؤلاء العظماء في طريقة عيشهم البسيطة وتعاملهم بالمودة مع الناس؛ فمصر هي أرض التعايش والضيافة، أرض اللقاء والتاريخ والحضارة والسلام، وهي الأرض المباركة عبر العصور بدم الأبرار والشهداء الثمين؛ فهي التي عاش فوقها القديس يوسف، والعذراء مريم والطفل يسوع والكثير من الأنبياء.ويُقال أيضاً أنه ارتجفت الأوثان آنذاك في عهد الرومان من هيبة يسوع، وتزلزلت الأرض تحت أقدامها ومالت بثقلها الحجري فتحطمت وتكسرت أمام رجلي الصبي القادم على مصر. وقد روي المؤرخون هذه الحادثة أيام حكم الرومان فقالوا:" إن الأصنام كانت تتكسر لدي ظهوره أمامها والبراري أفقرت من شياطينها، وذاب قلوب كهنة الأصنام خوفاً وهلعاً فهرعوا إلى حكام مصر لينصروهم على القادم الصغير ولكنه لم يكن سلطان الظلمة له سيطرة عليه."وفي أثناء هروب العائلة المقدسة من بلدة إلى أخري، كان يؤمن بعض المصريين بيسوع ولكنه كان يجد الكره والعداوة من بعضهم الآخر ومن كهنة الأوثان وخدامها لفقدهم أرزاقهم؛ فحلت على الأولين بركته وحلت على الآخرين هيبته. وكما تحطم تمثال داجون أمام تابوت العهد المقدس سقطت التماثيل عند مجيء يسوع، فلم تقو على مواجهة حضوره.
تحمل هذه الرحلة في طياتها دلالات ومعان حضارية، وتاريخية وثقافية؛ بل تحمل أيضاً مفاهيم إنسانية راقية؛ وتتمثل المعاني التاريخية أنها تحمل تراثاً إنسانياً عظيماً ملكاً لكل إنسانية، وروعته أن هذا الحدث التاريخي والتراثي في مصر _التي تمثل قلب العالم_. وقد تمثل المعني الديني والروحي في البعد الكتابي، حيث وردت نصوص عنها في العهد الجديد، ووردت نبوءات عنها في العهد القديم. كما أن هناك بعداً وحقيقة أثرية، فما زالت هناك أثاراً تؤكد مجيء العائلة المقدسة لأرض مصر منها أديرة، وكنائس أثرية، وهياكل، ومذابح أثرية، ومغائر دينية، وصخور، وأحجار، وآبار وأشجار. وهذه الأثار تمتد على طول البلاد الواقعة على مسار الرحلة ويضاف لذلك الأيقونات الأثرية، والمخطوطات والقطع الفنية، والأديرة والكنائس الأثرية القديمة.وهناك أيضاً بعداً حضارياً يمثل جزءاً من الهوية المصرية وتلامساً مع البعد التاريخي، فرحلة العائلة المقدسة في أرض مصر هي من المكونات الأساسية للحضارة المصرية القبطية بل زادت أهمية أرض مصر بين العالم لأنها أرض الطيبة التي قدمت الحماية واحتضنت العائلة المقدسة منذ وقت مبكر من التاريخ، بل بني في معظم مسار العائلة المقدسة الأديرة والكنائس التي عمرت مصر بالإيمان بالله، كما حملت قيماً إنسانية رائعة تتمثل في المحبة، والسلام والتعايش علي أرض مصر.

عدد الزيارات 1716

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل