مركز الله في الخدمة ج2

15 يوليو 2020
Large image

4- الله هو الذي يعطي القوة والتأثير
لقد أمر السيد المسيح تلاميذه ألا يبرحوا أورشليم حتى يلبسوا قوة من الأعالي (لو49:24). وماذا كانت تلك القوة؟ لقد قال لهم "ولكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم، وحينئذ تكونون لي شهودًا" (أع8:1). وفعلًا لم يخدموا إلا بهذه القوة التي أخذوها من الروح القدس..
فإن كنت لم تأخذ قوة من الروح القدس، فبأي قدرة يمكنك أن تخدم؟!
5- إعداد الخدام
هنا ولعلنا نسأل: كيف يكون إعداد الخدام للخدمة؟
كثيرون يعدونهم بالمناهج: مناهج تربوية، ودروس في الكتاب وفي التاريخ، وفي العقيدة وفي الطقس، مع تداريب عملية تحت إشراف. وكل هذا نافع، ولكنه ليس كل شيء.. ولا هو قبل كل شيء. إنما..
لابد من الإعداد الروحي، الذي يمتلئ فيه الخادم من روح الله، ليأخذ منه ما يعطيه.لا يأخذ منه فقط الكلام، وإنما أيضًا القوة والروح والتأثير، كما يأخذ منه كذلك الحب العميق الذي يحب به المخدومين ويسعى به إلى خلاصهم بكل اجتهاد.لقد قال بطرس الرسول كلمة في يوم الخمسين. نخست القلوب. فآمن ثلاثة آلاف من اليهود، إذ نخسوا في قلوبهم. واعتمدوا في ذلك اليوم (أع41:2) فكيف حدث ذلك؟ هل كلمة عادية تحدث كل هذا التأثير؟ كلا. وإنما كانت الكلمة تحمل قوة، تحمل روحًا، وتحمل أيضًا لسامعيها قدرة على التنفيذهناك فرق بين إنسان يقول لك كلامًا، فتقتنع به، ومع ذلك تشعر بعجزك عن التنفيذ، وبين إنسان آخر يعطيك الاقتناع ومعه القدرة على العمل.المسألة ليست مجرد ثقافة أو لباقة أو قدرة على التخاطب. إنما روح يصل إلى السماع مع الكلام الذي يصل إلى أذنيه إذن تحضيرك للدرس هو تحضير نفسك روحيًا لكي تكون في حالة روحية، تملأ فيها النعمة قلبك، وتمنحك مع الكلمة قوة وتأثيرًا. وتستطيع أن تحضر الله معك، يدخل إلى الفصل. وهو الذي يتكلم على لسانك، وهو الذي يعمل في القلوب وفي الإسماع. ويشعر السامعون إن الله كان معهم أثناء الكلمة. ويقولون: حقًا إن هذه الكلمة مملوءة من روح الله.. كنا نشعر أثناءها أن روح الله يحرك قلوبنا. ويشعل إحساساتنا ومشاعرنا.
الخادم الحقيقي هو إنسان حامل الله (ثيؤفورس) مثل لقب القديس أغناطيوس الأنطاكي. إنه يحمل الله معه أينما سار. وينقله إلى الناس، إنه إنسان عاش مع الله. وذاق حلاوة العشرة مع الله. وهو يقدم هذه المذاقة إلى الناس. ويقول لهم "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب" (مز8:34) لذلك نقول إن هناك فرقًا بين الخدمة والتدريس التدريس هو توصيل المعلومات إلى العقول من شخص تربوي خبير بطرق التعليم. أما الخدمة في توصيل الناس إلى الله عن طريق شخص روحي لا يعطيهم مجرد معلومات، إنما يعطيهم روحًا، ويعطيهم حبًا لله ولملكوته عندنا في مدارس الأحد مدرسون كثيرون ليسوا خدامًا عندنا كثيرون يقرأون الكتب، ويمتلئون بالمعلومات. ولهم قدرة على تفهيم الآخرين هذه المعلومات. ولكن هل هذه هي الخدمة؟! إن هذا تعليم وليس خدمة.. أما الخدمة فهي روح ينتقل إلى السامعين فيشعلهم بمحبة الله. وهكذا يكون الخادم: يوصل الروح والحب، وليس مجرد الكلام إنه شخص يحب الناس وينقل إليهم محبة الله إنه ثابت في الله. وبالتالي ثابت في المحبة، لأن الله محبة (1يو16:4). والله يدرب خدامه على الحب، لأن الحب عنصر لازم للخدمة، بدونه تصبح الخدمة مجرد نشاط. والمحبة التي في القلب هي التي تخدم. ولا تستريح حتى توصل كل نفس إلى قلب الله إن كنت لم تصل إلى هذه المحبة، فأنت لم يتم إعدادك بعد للخدمة ولكن أية محبة؟ نجيب تحب الناس كل الحب، كما يحبهم الله. تحبهم لأنهم أخوتك، ولأنهم أولاد الله. تحب خلاص أنفسهم، وتحب أرواحهم لكي توصلها إلى الله. تحب الكنيسة التي هي جسده وتحب الملكوت الذي هو متعة الناس بالله. ومن كل قلبك تريد أن الجميع يحبون الله، لأنه هو قد أحبهم أولًا (1يو19:4) الخدمة ليست مجرد معرفة تنتقل من عقل إلى عقل، إنما هو روح وحياة يمتصها المخدوم من الخادم.. من خادم يحل الله فيه، وينتقل حبه إلى السامع، فيشعر بنفس الحلول ومسكين هو ذلك الخادم البعيد عن الله، أي فراغ يقدمه لسامعيه؟ وكيف يقدم الله للناس وهو لم يختبره؟!وما أجمل المثل القائل: فاقد الشيء لا يعطيه. ونود هنا أن نقدم مثالًا من سفر الرؤيا يوضح علاقة الرب بالكنيسة وبالخدام.
6- مثال المنائر والكواكب
قال القديس يوحنا الرائي إنه أبصر الرب في وسط سبع منائر من ذهب هي السبع الكنائس، ويمسك في يمينه سبعة كواكب هي ملائكة الكنائس (رؤ1:2) (رؤ20:1) والرؤيا تشرح كيف أن الله في وسط الكنيسة "الماشي في وسط السبع المنائر الذهبية. أليس هو الذي قال "حيثما أجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فهناك أكون في وسطهم" (مت20:18). أو ليست هذه هي صورة خيمة الاجتماعفي وسط الشعب كله.. والله يكون في وسط الكنائس عاملًا ومدبرًا ومقويًا، ومعطيًا كلمة للمتكلمين أنه النور الحقيقي. وبنوره تنير هذه المنائر السبع إنه الزيت المقدس الذي تتشبع به الفتيلة، فتضئ في المسرجة. وهو عصارة الحياة التي تسري في الكرمة، فتنتعش وتنمو وتثمروهو الذي يمسك الخدام في يمينه، ويحركهم حيث يشاء يمينه هي التي تتحرك بهم، فَيُخَيَّل إلى الناس أن الخدام هم الذي يتحركون..
وفيما هم في يمينه، يغني كل خام بمزمور داودقائلًا: "يمين الرب صنعت قوة. يمين الرب رفعتني" (مز117). وإن كان الخادم في يمين الله فلا يمكن أن يشرد أو ينحرف أو يضل. لأنه لا يتحرك من ذاته، بل يمين الله هي التي تحركه. عليك إذن أن تتأكد من وضعك إن لم تكن في يمين الله، فلا يمكنك إذن أن تخدم إذن إعداد الخدام في جوهره هو وضعهم في يمين الله، فيعمل بهم، ويتحرك بهم من موضع إلى موضع، كمجرد أدوات طيعة في يديه. كل منهمطينة ناعمة لينة، طيعة في يدي الفخاري العظيم، يصنع بها آنية للكرامة (رو21:9). إنها الخدمة الفعالة الناجحة والخادم يحاول باستمرار أن يستمد قوة من الله تتجدد فيه كل يوم إنه يصلي باستمرار ويقول إن العالم صعب كما ترى، يزخر بفنون متعددة من الفساد. ومن أنا حتى أقاوم المنجذبين إليها؟ أنت يا رب الذي تستطيع أن تمنح القوة لي، ولهؤلاء السامعين، فأعطني كلمة من عندك، وأعطني حكمة أسلك بها، واحفظني حتى لا أكون عثرة لأحد.
أنت ترشدني وترشدهم. تعلمني وتعلمهم، ترعاني وترعاهم، وتقودني وإياهم إلى المراعي الخضراء وينابيعالمياه الحية وكما قال القديس أوغسطينوس "إنني أبدو معلمًا لهم، ولكنني تلميذ معهم في فصلك. وقد أبدو راعيًا لهم، ولكنني واحد منهم في قطيعك". بهذا تدخل الله معك إلى الخدمة، ويكون الدرس الذي تلقيه، هو درس من الله لك ولهم. درس في محبة الله والالتصاق به وهكذا يكون الله هو الدرس وهو أيضًا المدرس وبهذه تكون الخدمة عبارة عن نعمة من الله تعمل في إنسان من أجل إنسان آخر، لتربط كليهما بالله. أو تكون الخدمة هي شركة الروح القدس حيث يشترك الروح مع الخادم من أجل المخدومين، وإن كانت الخدمة هكذا، فماذا يكون التكريس إذن؟! التكريس هو نمو في الحب، حتى يصبح القلب كله لله، والوقت كله لله، في مناجاته أو خدمته ولكن ماذا عن الذين ينهمكون في الخدمة، حتى تنسيهم الله؟ هؤلاء لم يفهموا الخدمة بمفهومها السليم، وظنوها مجرد دروس ومعلومات!! أو مجرد أنشطة وحركة! أو هم قد انشغلوا بالوسيلة عن الهدف! أو جعلوا ذاتهم هي محور الخدمة، وبعدوا بالخدمة عن الله نفسه الخدمة ليست مجرد معرفة. فالمعرفة كانت أول حرب للإنسان لذلك حينما اشتهى شجرة المعرفة (تك3) وأكل منها، فصار جاهلًا. لأنه اشتهى "معرفة الخير والشر" وليس معرفة الله، الذي نقول له في القداس الإلهي "أعطني فضل معرفتك" هذه المعرفة التي قال عنها ربنا يسوع المسيح لله الآب" هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك.." (يو3:17).
والاقتصار على المعرفة يخرج علماء وليس متدينين ما أكثر الذي يعرفون. ويعلمون ويشرحون، وحياتهم خالية من الله! وإن جادلتهم في شيء يضجون ويثورون، ولا تبدو في ملامحهم صورة الله! ما أكثر العلماء، ما أقل القديسين.. ومع ذلك نحن نحب المعرفة. ولكن أية معرفة؟ معرفة الله ومعرفة طرقه، كما قال داود النبي الرب "علمني طرقك، فهمني سبلك". وأيضًا المعرفة المتواضعة التي لا تنتفخ (1كو1:8). والمعرفة التي هي مجرد وسيلة تقود إلى الله. لأن كثيرين ملأوا عقولهم وعقول الناس بمعلومات ينطبق عليها قول الكتاب "الذي يزداد علمًا يزداد غمًا" (جا18:1). فابحث معلوماتك من أي نوع هي؟
البعض ظنوا الخدمة مجرد أخلاقيات لا روحيات والأخلاقيات موجودة في الفلسفة أيضًا، وخارج نطاق الدين، كما في الفلسفة الرواقية مثلًا. وتجدها في بعض الديانات البدائية، كما في الهندوسية والبوذية. ولكن هناك فرقًا بين الأخلاقيات والروحيات. فالواحدة منها قد تكون مجرد سلوك، بينما الأخرى فيما روح الإنسان تتعلق بروح الله. وما أكثر ما نجد إنسانًا مهذبًا، ولكن لا علاقة روحية بينه وبين الله.
إذن في الخدمة هناك مستويات تتطور من مجرد المعلومات، إلى الأخلاقيات إلى الروحيات والإلهيات.
فمن أية الأنواع أنت وخدمتك؟ وهل تحرص في خدمتك أن تربط مخدوميك بالفكر، أم بالمجتمع، أم بك أنت؟ أم تربطهم بالله. هل تعلمهم مجرد الخلق الكريم، أم تدربهم على القداسة التي بدونها لا يعاين أحد الرب، وعلى نقاوة القلب التي يصبحون بها صورة الله، ويؤهلون لسكنى الله فيهم، بالإيمان..؟
الفضائل لازمة، ولكنها ليست منفصلة عن الله، وكذلك المعلومات. وما أقوله في ذلك عن الخادم في الكنيسة، أقوله أيضًا عن الأب والأم في البيت. فهل التربية المنزلية هدفها إيجاد أبناء مؤدبين هادئين، أم إيجاد أبناء الله، تربطهم بالله علاقة حب، وعلاقة طاعة وانتماء، ليكونوا مقدسين له فكرًا وجسدًا وروحًا. ولهم سلوك طيب نابع من محبتهم بالله وملكوته. ويعدون أنفسهم باستمرار لسكنى الله فيهم هذا المنهج هو الذي يدخل في التدريس فيعطيه وروحًا.
7- أمثلة في التعليم من الكتاب المقدس
1. في الكتاب المقدس هل تقدم فيه معلومات، أم قصة الله مع الناس في محبته ورعايته واحتماله؟
أتحكي قصص الكتاب كما تحكى روايات من التاريخ المدني؟ أم تركز على الله ومعاملاته. الله الذي أحب البشر قبل أن يوجدوا، ومن أجل هذا خلقهم. وفي محبته رعى وهدى وفدي. إنه عمانوئيل الذي تفسيره "الله معنا"(متى23:1). وما الحديث عن الخلق، سوى حديث عن محبة الله الخالقة، وعن قدرة الله الفائقة، وعن حكمة الله المدبرة، التي رتبت للإنسان كل شيء قبل أن يخلقه الله..
2. وإن تحدثنا عن الخطية والتوبة، أيكون حديثًا عن الله؟ فالخطية ليست مجرد فساد وضلال، إنما هي بالأكثر انفصال عن الله، وتمرد على الله. والتوبةليست مجرد إصلاح السيرة، إنما هي بصورتها السليمة تصالح مع الله ورجوع إلى الله، وتغيير المسيرة من محبة العالم إلى محبة الله وهكذا تكون الدعوة إلىالتوبة: لماذا تحيا بعيدًا عن الله، محرومًا منه؟! اقترب إذن إليه وتمتع به وبعشرته، كما يقول المرتل "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب".
3. وعلى هذا النحو فكيف يكون تدريس سير القديسين؟
هل هو مجرد سرد لتاريخ حياتهم وأعمالهم؟ أم كيف أعد الله هذه النفوس، حتى وصلت إلى ذلك المستوى العالي؟ وكيف قواها وحفظها؟ وكيف أحبوه هم من كل القلب وظهرت هذه المحبة في حياتهم.
هل قصة القديس هي قصة حياتهن أم هي حكاية الله داخل هذا الإنسان؟
أو هي قصة عمل الله فيه، ومحبة الله له، ومحبته هو لله. وكما لخص بولس الرسول تاريخ حياته بقوله "لأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا في" (غل20:2). أنستطيع إذن أن نحكي سيرة القديسين بدون حياة الله فيهم؟! بدون المواهب التي من الله، وقيادة الله لهم في موكب نصرته (2كو14:2). وقصة الحب الإلهي الذي أغناهم عن محبة الأقرباء والأصدقاء والمعارف. وكما قال الشيخ الروحاني "محبة الله غربتني عن البشر والبشريات".
4. والنعيم الأبدي: هل نصفه بعيدًا عن البشرية؟!
هل هو مجرد سماء، ومجرد نعم وملكوت، وأورشليم السمائية؟ وهل هو جنة؟ أم النعيم السمائي هو التمتع بالله نفسه، هو العشرة الدائمة مع الله ومع القديسين الذين أحبوه هو تحقيق لقوله الإلهي "حيث أكون أنا، تكونون انتم أيضًا" (يو3:14) إنه "سكنى الله مع الناس" (رؤ3:21).
5. وبنفس الأسلوب يكون تدريس اللاهوت والعقائد والطقوس فلا تكون مجرد معلومات عقلية جافة، إنما تكون حديثًا ممتعًا عن الله، يشعر فيه سامعوك أنك "ناطق بالإلهيات" بأسلوب شيق ممتع يعمق محبتهم لله.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي

عدد الزيارات 1069

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل