«وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ» (مت17: 2)

19 أغسطس 2020
Large image

ونحن نحتفل بعيد التجلي، يكشف لنا المسيح إلهنا عن طبيعة الله، الطبيعة النورانيّة المطلقة، فيقول القديس يوحنا: «إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ» (1يو1: 5)، ويترنم داود النبي، قائلًا: «اللاَّبِسُ النُّورَ كَثَوْبٍ» (مز104: 2). وقال أيضًا: «لأَنَّ الرَّبَّ اللهَ شَمْسٌ وَمِجَنٌّ» (مز84: 11). ونصلي في ثيؤطوكية يوم الأثنين: [الله هو نور وساكن فى النور تسبحه ملائكة النور]. وهذا النور هو النور غير المخلوق.ويقول معلمنا القديس بولس الرسول، عن الله: «سَاكِنًا فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ» (1تي6: 16). يشرح القديس يوحنا ذهبيّ الفم هذه الآية، قائلًا: [أعر انتباهك دقة أسلوب القديس بولس، فهو لم يقل: "الذي هو نور لا يُدنى منه"، بل قال: "مسكنه نور لا يُدنى منه". هذا كي تتعلم أنه إذا كان مسكنه لا يُدنى منه، فإن الله الذي يقيم في هذا المسكن، هو أيضًا كذلك، بل وأكثر كثيرًا ... وهو لم يقل: "الذي يسكن نورًا لا يُدرك"، ولكن: "لا يُدنى منه"، وهذا أقوى بكثير. إذ يُقال عن أمر إنه لا يُدرك عندما لا يتوصل الذين يدرسونه إلى إدراكه، بالرغم من بحوثهم وتنقيباتهم. أما الذي لا يُدنى منه، فهو ما يتوارى منذ أول وهلة عن كل تنقيب، ولا يمكن لأحد أن يدنو منه] (الله لا يمكن إدراكه، عظة3). ولكون السيد المسيح هو الإله المتجسد، فله الطبيعة الإلهيّة النورانيّة كاملة، متحدة بطبيعة بشريّة كاملة. فهو إله كامل وإنسان كامل في طبيعة واحدة وأقنوم واحد. وهو بهاء مجد الله «الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ» (عب1: 3). ويعلن عن ذاته قائلًا: «أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ» (يو8: 12). فعلى جبل التجلي أظهر حقيقة جوهره المحتجب في الناسوت، ولم يستمد شيئًا من خارجه.النور رمزٌ طبيعيّ لكل ما هو إيجابيّ، من العدل والحق والصلاح والخير، وهو يشير أيضًا إلى الفرح والسرور والابتهاج. فالنور تعبير مجازي يرمز إلى البر، فجاء في سفر الأمثال: بأنه «أَمَّا سَبِيلُ الصِّدِّيقِينَ فَكَنُورٍ مُشْرِقٍ يَتَزَايَدُ وَيُنِيرُ إِلَى النَّهَارِ الْكَامِلِ» (أم4: 18). والنور يشير إلى حياة الطهارة. وقد استخدم المسيح إلهنا النور كصورة للأعمال الحسنة: «فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هَكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ» (مت5: 16). فجوهر الله نور، فهو كلي القداسة. ومن طبيعة الله النورانيّة يستمد أبناؤه النور، ينالون قبسًا من هذا النور بحلول روح الله فيهم، يقول العلاَّمة أوريجانوس: [حقًا إن اللَّه هو النور الذي يضيء أفهام القادرين على تقبل الحق، كما قيل في المزمور 36 "بنورك نعاين النور". أيّ نور به نعاين النور، سوي اللَّه الذي يضيء الإنسان فيجعله يرى الحق في كل شيء، ويأتي به إلى معرفة اللَّه ذاته الذي يدعى "الحق". فبقوله "بنورك يا رب نعاين النور" يعني أنه بكلمتك وحكمتك أي بابنك نرى فيه الآب]. فعمل الله فينا ينقلنا، وينْقَذَنَا «مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ وَنَقَلَنَا الَى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ» (كو1: 13). فدعوة الله لنا، دعوة إلى النور «دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ» (1بط2: 9). فإن لم يكن لنا النور، فنحن لا نعرف الله. الذين يعرفون الله ويسلكون معه، هم من النور ويسلكون في النور. وقد صاروا مشاركين صفات الطبيعة الإلهية (بصورة نسبية) «هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ» (2بط1: 4).
القمص بنيامين المحرقي

عدد الزيارات 617

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل