أهمية الوحدة للكفارة والفداء

26 أغسطس 2020
Large image

إن الإيمان بطبيعة واحدة للكلمة المتجسد ، هو أمر لازم وجوهري وأساسي للفداء . فالفداء يتطلب كفارة غير محدودة ، تكفى لمغفرة خطايا غير محدودة ، لجميع الناس في جميع العصورولم يكن هناك سوى تجسد الله الكلمة ليجعل بلاهوته الكفارة غير محدودة فلو أننا تكلمنا عن طبيعتين منفصلتين . وقامت الطبيعة البشرية بعملية الفداء وحدها لما كان ممكناً على الاطلاق أن تقدم كفارة غير محدودة لخلاص البشرومن هنا كانت خطورة المناداة بطبيعتين منفصلتين ، تقوم كل منهما بما يخصها ففي هذه الحالة ، موت الطبيعة البشرية وحدها لا يكفى للفداء ولذلك نرى القديس بولس الرسول يقول " لأنهم لو عرفوا لما صلبوا رب المجد (1كو8:2) ولم يقل لما صلبوا الإنسان يسوع المسيح . إن تعبير رب المجد هنا يدل دلالة أكيدة على وحدة الطبيعة ولزومها للفداء والكفارة والخلاص . لأن الذي صلب هو رب المجد طبعاً صلب بالجسد ولكن الجسد كان متحداً باللاهوت في طبيعة واحدة . وهنا الأمر الأساسي اللازم للخلاص ويقول القديس بطرس الرسول لليهود " أنكرتم القدوس البار وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل . ورئيس الحياة قتلتموه " (أع3 :14،15) وهنا أشار إلى أن المصلوب كان رئيس الحياة ، وهذا تعبير ألهي ، فلم يفصل الطبيعتين مطلقاً في موضوع الصلب لأهمية وحدتهما من أجل عمل الفداء ويقول القديس بولس الرسول أيضاً في رسالته إلى العبرانيين " لأنه لاق بذاك الذي من أجله الكل وبه الكل ، وهو آت بأبناء كثيرين إلى المجد ، أن يكمل رئيس خلاصهم بالآلام " (عب10:2) وهنا في مجال آلامه ، لم ينس مطلقاً لاهوته ، إذ أنه من أجله الكل ، وبه الكل . هذا الذي قال عنه في موضع آخر " الكل به وله قد خلق " (كو16:1) والسيد المسيح نفسة حينما ظهر ليوحنا الرائي قال له " أنا هو الأول وآلا خر والحى وكنت ميتاً" " وها أنا حي إلى أبد الآبدين آمين . ولى مفاتيح الهاوية والموت" (رؤ1 : 17،18) . فهذا الذي كان ميتاً هو الأول والآخر ، وبيده مفاتيح الهاوية والموت .
وهكذا لم يفصل لاهوته عن ناسوته هنا وهو يتحدث عن موته إذن فالذي مات هو رب المجد ، ورئيس الحياة ، ورئيس الخلاص ، هو أيضاً الأول والآخرإنها خطورة كبيرة على خلاصنا أن نفصل ما بين الطبيعتين أثناء الحديث عن موضوع الخلاص . ولعل البعض يقول : ومن هذا الذي فصل ؟! أليس مجمع خلقيدونية يقول بطبيعتين متحدتين ؟! نعم يقول هذا . ويقول معه طومس لاون أيضاً : إن المسيح اثنان إله وإنسان ، الواحد يبهر العجائب ، والثاني ملقى للإهانات والآلام فإن كان هذا الإنسان وحده هو الملقى للآلام، فأي خلاص إذن نكون قد أخذناه ؟! هنا ونفحص موضوع :
الطبيعة الواحدة والالأم:-
حقا إن اللاهوت غير قابل للآلام . ولكن الناسوت حينما وقع عليه الألم ، كان متحداً باللاهوت فنسب الألم إلى هذه الطبيعة الواحدة غير المحدودة . ولذلك نرى أن قانون الإيمان الذي حدده مجمع نيقية المقدس يقول إن ابن الله الوحيد ، نزل من السماء ، وتجسد وتأنس وصلب عنا على عهد بيلاطس وتألم وقبر وقام … فرق كبير بين أن نقول إن الناسوت وحده منفصلاً عن اللاهوت قد تألم ، وبين أن نقول إن نقول إن الابن الوحيد تجسد وصلب وتألم وقبر وقام . هنا فائدة الإيمان بالطبيعة الواحدة التي تعطى الفداء فاعلية غير المحدودة فهل تألم اللاهوت إذن ؟نقول إنه بجوهره غير قابل للألم … ولكن المسيح تألم بالجسد ، وصلب بالجسد . ونقول فى قطع الساعة التاسعة " يا من ذاق الموت بالجسد في وقت الساعة التاسعة …" مات بالجسد ، الجسد المتحد باللاهوت . فصار موته يعطى عدم محدودية للكفارة وقد قدم لنا الآباء مثالاً جميلاً لهذا الموضوع وهو الحديد المحمى بالنار مثال اللاهوت المتحد بالنا سوت : فقالوا إن المطرقة وهى تطرق الحديد إنما تضرب الحديد المحمى بالنار فتقع على الاثنين . ولكن الحديد يتثنى ( يتألم ) بينما النار لا يضرها الطرق بشيء ومع ذلك فهي متحدة بالحديد أثناء طرقه .وفى صلب المسيح يقدم لنا الكتاب آية جميلة جداً في حديث القديس بولس الرسول مع أساقفة أفسس حيث قال " لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه " (أع28:20) .ونسب الدم هنا إلى الله ، بينما الله روح ، والدم هو دم ناسوته . ولكن هذا التعبير يدل دلالة عجيبة جداً على الطبيعة الواحدة للكلمة المتجسد ، حتى أن ما يتعلق بالنا سوت يمكن أن ينسب في نفس الوقت للاهوت ، بلا تفريق إذ لا يوجد انفصال بين الطبيعتين إن انفصال الطبيعتين الذي ناد به نسطور لم يستطع أن يقدم حلاً لموضوع الكفارة والفداء . وقد حرصت الكنيسة على تعبير الطبيعة الواحدة من أجل أهمية هذا الموضوع ، كما لباقي النتائج أيضاً المترتبة على وحدة الطبيعة ونحن في التعبيرات العادية نقول فلان مات ، ولا نقول أن جسده فقط قد مات ، إن كانت روحه على صورة الله وهبها الله نعمة الخلود … والروح لا تموت وإن كان الهدف الأول من التجسد هو الفداء . والفداء لا يمكن أن يتم عن طريق الطبيعة البشرية وحدها ، إذن الإيمان بطبيعة واحدة للكلمة المتجسد أمر جوهري لا يستطيع أحد أن ينكره . ولا يمكن أن يتم الفداء إن قلنا أن الناسوت وحده هو الذي له الآلام والصليب والدم والموت . انظر إلى الكتاب كيف يقول عن الله الآب " الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين " ( رو 32:8 ) وقوله أيضاً " هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد ، لكي لا يهلك كل من يؤمن به "( يو16:3 ) . ويقول أيضاً " هو أحبنا أرسل ابنه كفارة لخطايانا " (1يو 10:4) إذن فالذي بذله الآب هو الابن ، والابن الوحيد ، أي الاقنوم الثاني ، الكلمة … ولم يقل بذل ناسوته أو أي شيء من هذا القبيل ، مع أنه مات على الصليب بالجسد ولكن هذا دليل كبير على وحدة طبيعة الله الكلمة ، وأيضاً أهمية هذه الوحدة من أجل عمل الفداء ويقول أيضاً في هذا المجال عن الله الآب ، الذي أنقذنا من سلطان الظلمة ، ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته ، الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا ، الذي هو صورة الله غير المنظور(كوا:13-15) حينما يتحدث عن مغفرة الخطايا بدم المسيح ، ينسب هذا إلى الابن الذي هو صورة الله غير المنظور الذي له الملكوت . وهذا دليل آخر على وحدة الطبيعة واهتمام الكتاب بها في موضع الفداء ومثال آخر مشابه ، ظهر في حديث المسيح عن الكرامين الأردياء . يقول إن صاحب الكرم أرسل أخيراً ابنه لهؤلاء الكرامين فلما رأوا الابن … أخذوه وأخرجوه خارج الكرم وقتلوه " (متى 21 : 37-39) وهنا ينسب الموت إلى الابن ، ولم يقل إلى ناسوته . فما أعمق هذا الكلام عن الطبيعة الواحدة . ويعوزنا الوقت إن تحدثنا عن باقي الأمثلة . نكتفى بهذا الآن في كل هذه الأمثلة نرى أن الكتاب – وعلى لسان السيد المسيح نفسه – لا يفصل مطلقاً بين طبيعة المسيح ناسوتياً أو لاهوتياً ، إنما يتكلم عنها كطبيعة واحدة ما يقوله عن ابن الله ، هو ما يقوله عن ابن الإنسان .
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب طبيعه المسيح

عدد الزيارات 967

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل