السَيد المسيح يدعُو إلىَ الكمَال

03 أكتوبر 2018
Large image

السيد المسيح له المجد كان يعلّم باستمرار. في كل مكان وفي كل وقت. وكانوا يدعونه "يا معلم" أو "أيها المعلم الصالح". وهو كمثالي في كل شيء، كان يدعو إلى المثاليات. وفي مقدمة ذلك كان يدعو إلى الكمال، إذ يقول «كونوا كاملين، كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل» (مت5: 48).+ وطبعًا الكمال الذي يدعو إليه السيد المسيح هو الكمال النسبي، لأن الكمال المُطلق هو لله وحده لا غير...والكمال النسبي نُسميه كذلك، نسبة إلى ما عند الإنسان من مقدرة وإمكانيات، ونسبة لما يمنحه الله من معونة ومن قوة للسير في الطريق الروحي، وما يعطيه أيضًا من نعمة تساعده وتقويه. وكذلك نسبة إلى مدى تجاوب الإنسان مع عمل الله فيه، ومع عمل الله معه.+ وحياة الكمال الروحي تشمل علاقة الإنسان بالله – تبارك اسمه – وعلاقته بالناس، وعلاقته بنفسه أو بذاته.أما عن علاقة الإنسان بالله، فقد لخصها بقوله «تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك ومن كل فكرك» (مت22: 37)، وعبارة «من كل قلبك»، تعني أنه لا يكون في قلبك أي منافس لله. فلا تحب شيئًا ولا شخصًا ضد محبتك لله، ولا أزيد من محبتك لله. وفي ذلك يقول السيد الرب «من أحب أبًا أو أمًا أكثر مني فلا يستحقني. ومن أحب ابنًا أو ابنة أكثر مني فلا يستحقني».+ ومحبتنا لله تعني أن نطيعه في كل شيء. فهو يقول «من يحبني، يحفظ وصاياي». وإن حدث وكسرنا إحدى وصاياه، فعلينا بالتوبة سريعًا. فالتوبة هي شرط لازم لمغفرة الله لنا. فهو يقول «إن لم تتوبوا، فجميعكم كذلك تهلكون».ولكي ننال مغفرة الله لنا، علنيا أن نغفر أيضًا لمن أذنب إلينا. ونحن نقول في صلواتنا اليومية باستمرار: «اغفر لنا ذنوبنا، كما نغفر نحن أيضًا لمن أذنب إلينا». وعلمنا السيد المسيح قائلًا «إن لم تغفروا للناس زلاتهم، لا يغفر لكم أبوكم السماوي زلاتكم».+ وفي محبتنا لله علينا أن نطلب في كل حين ملكوته. والسيد المسيح قد تحدث كثيرًا عن ملكوت الله، وملكوت السموات. وعلمنا في صلواتنا اليومية – التي نرددها مرات عديدة كل يوم – أن نقول لله باستمرار «ليأتِ ملكوتك». وهذه الطلبة تعني العديد من المعاني: منها أن يأتي ملكوتك علينا، على قلوبنا، ومشاعرنا وحواسنا. فتملك أنت يا رب كل ما فينا. وتملك إرادتنا ونكون لك، نفعل في كل حين ما يرضيك حسبما نقول هذه الطلبة دومًا في صلاة باكر. وكلمة «ليأتِ ملكوتك» تعني أن يملك الله على سائر الناس، ويقودهم إلى حياة البر والفضيلة.+ ومن كمال محبتنا لله الصلاة الحقيقية، التي ليست من الشفتين، بل من القلب. فإن الله وبّخ الشعب قديمًا قائلًا «هذا الشعب يكرمني بشفتيه، أما قلبه فمبتعد عني بعيدًا». لذلك ليس كل من يقول يا رب يا رب يدخل ملكوت الله، بل الذي يفعل مشيئة الله.وفي كمال الصلاة، قال السيد المسيح: صلوا كل حين ولا تملّوا، صلوا بلا انقطاع. ومعنى ذلك أنه لا يقتصر الإنسان على صلوات معينة ويكتفي بذلك، بل في كل حين يمكنه أن يرفع قلبه لله ويصلي.+ ومن كمال محبتنا لله، أن نؤمن به، ونؤمن بعنايته بنا، واهتمامه بكل أمورنا. فقال السيد المسيح له المجد «لا تهتموا بما تأكلون وما تشربون... انظروا إلى طيور السماء، إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن وأبوكم السماوي يقوتها. ألستم أنتم بالحرى أفضل منها؟ ولماذا تهتمون بما تلبسون؟ تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو! لا تتعب ولا تغزل. ولكن أقول لكم إنه ولا سليمان في كل مجده، كان يلبس كواحدة منها!! ».. «الله يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها. أطلبوا أولًا ملكوت الله وبره، وكل هذه تزدادونها»..+ أما الكلام المطلوب من الإنسان فيقول السيد المسيح: «طوبى للأنقياء القلب... طوبى لصانعي السلام... ». والقلب النقي لا يوجد فيه شر أبدًا، بل لا توجد فيه سوى محبة الله، ومحبة الناس جميعهم. والقلب النقي لا تخرج من فمه كلمة خاطئة. وفي ذلك يقول السيد المسيح: «الإنسان الصالح: من كنز قلبه الصالح، يخرج الصلاح، أما الإنسان الشرير فمن كنز قلبه الشرير، يخرج الشرور». إذًا فالكلمة الشريرة، كلمة الإهانة والشتيمة، أو كلمة القسوة، أو كلمة التحقير، وما إلى ذلك... كل هذه مصدرها القلب، فهي خطية مزدوجة: خطية قلب ثم خطية لسان... والسيد المسيح يحذر من خطايا اللسان، فيقول «بكلامك تتبرر، وبكلامك تُدان». ويقول أيضًا «كل كلمة بطالة تخرج من أفواهكم، تعطون عنها حسابًا في يوم الدين». وعبارة كلمة بطّالة لا تعني فقط الكلمة الشريرة، بل تعني أيضًا كل كلمة ليست للبنيان، أي لا تنفع بشيء...+ أما قول السيد المسيح «طوبى لصانعي السلام» فتعني أن يكون بيننا وبين الآخرين سلام. وأيضًا أن نصنع سلامًا بين الآخرين بعضهم بعضًا. وأتذكر أنني كلما كنت أزور بيتًا من بيوت أبنائنا في الغرب، كانت أول كلمة لي، وأنا أخطو أول خطوة، هي: قال ربنا يسوع المسيح: «أى بيت دخلتموه، فقولوا: سلامٌ لأهل هذا البيت»...ولكي نصل إلى كمال السلام مع الناس، وضع لنا السيد المسيح قاعدتين: أولهما الاحتمال والتسامح، والثانية هي المغفرة للمسيئين. وفي ذلك قال لنا «سمعتم أنه قيل للقدماء: عين بعين، وسن بسن. أما أنا فأقول لكم: لا تقاوموا الشر... بل من أراد أن يخاصمك أو يأخذ ثوبك، فأترك له الرداء أيضًا. ومن سخرك ميلًا، فامشِ معه اثنين».+ ولعل من أكمل الوصايا التي قدمها السيد المسيح من جهة التعامل مع الأعداء أو المسيئين، هي قوله «أحبوا أعداءكم، باركوا لاعينكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم... لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم، فأي أجر لكم؟! أليس العشارون أيضًا يفعلون ذلك؟!». إن المسيحية تعتبر أن عدونا الحقيقي هو الشيطان أما الأعداء من البشر، فهم ضحايا للشيطان يحتاجون أن نصلي من أجلهم، ونحتملهم ونغفر لهم...+ ومن كمال الوصايا التي وضعها السيد المسيح في التعامل مع البشر، هي وصية العطاء، التي تُسمى أحيانًا بالصدقة. فقال «من سألك فأعطه. ومن أراد أن يقترض منك، فلا ترده». وهكذا رفع الناس من مستوى دفع العشور، الذي كان في العهد القديم، واعتبره السيد المسيح مجرد الحد الأدنى للعطاء. وأمر بوصية الاهتمام بالجائع والعطشان والعريان، والغريب والمسجون. وقال «مهما فعلتموه بأحد أخوتي هؤلاء الأصاغر فبي قد فعلتم» (مت25). ورفع مستوى العطاء إلى الكمال في قوله «ليس حب أعظم من هذا، أن يضع أحد نفسه عن أحبائه».+ ومن أجمل تعاليم السيد المسيح في العلاقات مع الناس، هي قوله: «مهما تريدون أن يفعل الناس بكم، افعلوا أنتم بهم». وقوله أيضًا «بالكيل الذي به تكيلون، يُكال لكم». فهذا هو الوضع الأصيل والكامل في التعامل: أن نعمل مع الناس ما نشتهي أن يعملوه معنا...+ ومن كمال ما يريده السيد المسيح في علاقاتنا مع الأمور العالمية والمادية، هي قوله «ماذا ينتفع الإنسان، لو ربح العالم كله وخسر نفسه!! أو ماذا يُعطي عوضًا عن نفسه؟!». إن العالم كله. لا شيء بالنسبة إلى مصيرنا في الأبدية.
مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث

عدد الزيارات 1584

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل