المقالات

13 يوليو 2020

بين فكر الله وفكر الإنسان

أبدأ بالآية «لأن مَنْ عرف فكر الرب؟ أو مَنْ صار له مشيرًا؟» (رو11: 34)، وهنا يكشف الكتاب عن الفارق الكبير بين معرفة الله ومعرفة الإنسان، وبين صلاح الله وصلاح الإنسان، وبين قداسة الله وقداسة الإنسان، ورؤية الله ورؤية الإنسان... وهكذا نرى بوضوح شديد تميُّز الله في صفاته المطلقة، وصفات الإنسان المحدودة والقاصرة..لذلك يحتاج الإنسان إلى التقرُّب إلى الله لكي يقوده فكريًا، وبالتالي يستفيد من فكر الله.. من هنا جاءت فكرة «لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله» (رو8: 14)، بمعنى انتماء الإنسان لله وارتباطه به واحتياجه لقيادة روح الله له، حتى يتغير فكر الإنسان ليأخذ فكر الله ويعيش به. وممكن أن نشبّه الفرق بين فكر الله والإنسان، بالفرق بين الطبيب ومريضه، وبين فكر المعلم وتلميذه، وبين فكر الأب وابنه الطفل الصغير، وبين فكر القائد المدبّر حسنًا ومَنْ ينقاد به.. وهكذا يشعر الإنسان باحتياجه لفكر الله، يطلبه في الصلاة، ويتعرف عليه من الكتاب المقدس.ولكن كيف يستفيد الإنسان من فكر الله؟ وكيف ينال هذا الفكر؟ وما هي وعود الله في ذلك؟ وأبدأ بوعود الله: 1- «وأعطيهم قلبًا واحدًا، واجعل في داخلكم روحًا جديدًا، وأنزع قلب الحجر من لحمهم، وأعطيهم قلب لحم» (حز11: 19)، والمقصود هنا التغيير الذي يحدث في القلب من الداخل، الذي منه جميع مخارج الحياة. وهذه إمكانية لا يملك إعطاءها إلّا الله فقط. وهذا القلب الجديد والروح الجديد يمنح الإنسان إمكانية الفكر الجديد، بل الطبيعة الجديدة في المعمودية، والفكر المتجدد الذي يدوم.2- وعد آخر «لأنه ينجيك من فخ الصياد ومن الوبأ الخطر، بخوافيه يظلّلك وتحت أجنحته تحتمي» (مز91: 3-4)، ومكتوب أيضًا «لأنه بجناحيه يظلّلك، وتحت جناحيه تحتمي» ( مز91).. أي أن الطائر بخوافيه (وهي منطقة البطن بما فيها من ريش ناعم) يخفي صغاره ويعطيهم الدفء والحنان والاطمئنان، فيحميهم من الحشرات الصغيرة ومن المخاطر المحيطة. والله يشبّه نفسه بهذا الطائر ويقدم هذا المثال الحقيقي والطبيعي لكي نشعر كأبناء لله بمدى حرصه على حمايتنا وحفظنا، فلا تستطيع أي قوى شريرة أن تضرّنا أو تؤذينا. هذه الثقة في الله تقودنا في كل الظروف المحيطة بنا والمتغيرة والمتلاحقة، منها الطبيعي كالوبأ، ومنها بسبب خطايانا. ومن صلواتنا في القداس الإغريغوري: "ربطتني بكل الأدوية المؤدية إلى الحياة" ويقصد أدوية روحية كالتوبة وطاعة كلمة الله، وما قدمته الكنيسة لنا من أسرار مقدسة تُحيينا. وهكذا نختبر إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة (رو12: 2)؛ والإرادة هي تلاقي الفكر مع المشاعر، فتكون الإرادة والمشيئة المقدسة كثمرة حقيقية للسلوك الروحي المقدس والمفرح.مما سبق نرى فكر الله من حيث وعوده المملوءة محبة للإنسان، والتي بها يعبّر الله عن محبته للإنسان، ومدى رغبته أن يقود المؤمن فكريًا وروحيًا وإراديًا، في كل وقت وفي كل مراحل حياة الإنسان، منذ ميلاده وفي صباه وشبابه وحتى شيخوخته، ويبقى لخلاصه مدى طاعته وخضوعه لإرادة الله وفكر الله، وكل هذا لينعم بمحبة الله وحراسته له وحفظه من شرور العالم وحروب الشيطان وباقي ضغوط العالم والمجتمع عليه، وسيبقى فكر الله مضيئًا من خلال الأب الروحي الذي يرشد ويقود ويوجه دائمًا. نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
المزيد
25 مايو 2020

القيامة حياة

لقد خلق الله الإنسان ليحيا لا ليموت، ولكنه بسبب الغواية من الحية سقط في المعصية وأكل، فخسر الحياة ودخل في دائرة الموت وخسر علاقته بالله، لذلك حين كلمه الله اختبأ آدم وراء الشجرة التي أكل منها فصارت حائلًا بين الله والإنسان، لذلك بصلب المسيح على الخشبة حوّل الشجرة إلى تلاقي بين الإنسان والله في العهد الجديد، وصار يحمل قوة القيامة، لذلك حين اكتشفت الملكة هيلانه صليب المسيح وضعت ميتًت عليه فقام.من هنا نرى أن الفداء مرتبط بالخلاص من الخطية ومن الموت، وشركة في القيامة المجيدة. هكذا نؤمن أن القيامة حياة نحياها في الكنيسة من خلال التناول من الأسرار المقدسة، لذلك يُعطى لمغفرة الخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه (أي جسد المسيح ودمه) شركة حياة.. ومن خلال هذه الحقيقة نؤمن أننا نحيا القيامة بعمل الروح القدس في العهد الجديد من خلال سر المعموديةن إذ به ننال الطبيعة الجديدة التي تحيا إلى الأبد مع المسيح في ملكوته الأبدي بالقيامة، وكذلك سر الميرون الذي من خلاله نصير مسكنًا لعمل الروح القدس كهيكل مقدس مُهيَّأ للنصرة بالثبات في المسيح القائم من الأموات، من خلال التناول من جسد الرب ودمه الأقدسين كما أشرنا سابقًا.. ومن خلال سر مسحة المرضى ننال الشفاء المؤدي للحياة عكس المرض المؤدي للموت، ونمارس قبله سر التوبة والاعتراف حتى نتخلص من الخطية بغفرانها فنتهيّأ للشفاء، لأن المرض دخل للبشرية بالخطية. أمّا عن سر الزواج فهو على مثال المسيح والكنيسة. وسر الكهنوت به تنال الكنيسة الحياة من الأسرار المقدسة، لأنه كهنوت المسيح رئيس الكهنة الأعظم، مصدر الحياة للكنيسة كلها بقيامته المقدسة وصعوده للسماء.حقًا بصليبه صار المسيح ذبيحة، وبقيامته صار ذبيحة حيّة، وبصعوده صار ذبيحة حَيَّة دائمة..مما سبق نرى أن حدث القيامة المجيدة نقطة تحول في حياة المؤمن، ورجاء كل مَنْ يتألم لأن للألم نهاية بالشفاء، وكل شفاء هو اختبار للقيامة المقدسة، لذلك كل مَنْ لمس الرب يسوع نال شفاءً من المرض. وكذلك هناك مَنْ نال قيامة من الأموات مثل ابنة يايروس، والشاب وحيد أمه، ولعازر الذي أنتن في القبر أربعة أيام. حقًا كان الرب مصدر حياة لأنه يحمل قوة القيامة بلاهوته لكل متألم التقى به، إن كان مريضًا، أو مَنْ له طلبه لأجل مريض أو منتقل، كما حدث مع لعازر إذ قالت له مرثا «هوذا الذي تحبه مريض»، وقالت أيضًا «لو كنت ههنا لم يمت أخي» في ثقة أن الرب يسوع مصدر حياة، وجاء لكي يُحيي الجنس البشري كله بعمل الروح القدس.لذلك نحن ننظر لحدث القيامة أنه هدف للتجسد الإلهي، إذ شابهنا في كل شيء كإنسان ما خلا الخطية وحدهل، لكي يحمل خطايانا وينقذنا من موت الخطية ويخلصنا من شهوات الجسد، ويقدسنا حتى ننال قوة القداسة وحمل الصليب لإماتة الذات، ونفرح بقوة عمل الروح القدس فينا للثبات في عضوية الكنيسة والثبات في الرأس المسيح بالتناول من الأسرار المقدسة، والسلوك بالوصية الإلهية تنير لنا الطريق للأبدية السعيدة، وتمنحنا قوة صلب الذات البشرية الضعيفة، لننال التوبة كقوة قيامة من ضعفات بشرية ومحاربات شيطانية للإغراء، ومن كل هذه الكلمات نحيا قوة القيامة للنصرة على تحديات كثيرة يضعنا فيها الشيطان..لذلك نقول من القلب "خريستوس آنستي- آليثوس آنستي / المسيح قام – بالحقيقة قام".. نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
المزيد
18 مايو 2020

البُعد اللاهوتي - البعد الروحي - البعد الطقسي

البعد اللاهوتي في هذا العيد: 1- قدرة السيد المسيح بفعل لاهوته أن يقوم من بين الأموات. القدرة على الإقامة من الموت هي من صفات اللاهوت سواء لاهوت الآب أو لاهوت الابن أو لاهوت الروح القدس. (رومية 1: 4) "وتعين ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات". إذًا هو الله واهب الحياة. 2- إنه استعلن لتلاميذه ونفخ في وجوههم وأمرهم أن يقبلوا الروح القدس لغفران الخطية، "أقبلوا الروح القدس" (يو 20: 20– 23). 3- إتمام الخلاص للقيامة معنى الصليب والقيامة والصعود الثلاثة مربوطين معًا وليس مخلص هو الرب. 4- تعبير أقامنا معه أي له القدرة على إعطاء نعمة القيامة سواء القيامة الأولى (التوبة) أو القيامة الثانية من بين الأموات (القيامة العامة). البعد الروحي: - فكرة تأمين الإنسان ضد الماضي، الماضي دائمًا يُطارد الإنسان وهو ابتلاع الماضي للحاضر في حياة الإنسان، السيد المسيح عالج هذا الموضوع أنه أتى بالمستقبل كله جسد القيامة وقال له إن كان الماضي يبتلع حياتك فالأبدية ستعوضك هذا. "إن كان الخارج يفنى فالداخل يتجدد، إن كان إنساننا الخارجي يفنى فالداخل يتجدد يومًا فيومًا" حتى لا يصير الإنسان أسير الماضي. -القيامة قدمت لنا حياة لا يغلبها الموت. البعد الطقسي: دورة القيامة وتعنى وجود المسيح في وسط الكنيسة، وقبلها تمثيلية القيامة، وفي القداس نقول بموتك يا رب نبشر وبقيامتك نعترف، بينما الموت لا يُبشر به. س) لماذا لا يقل نبشر بالقيامة ونعترف بالموت؟ ج) حياة الله أمر طبيعي لكن الغريب موت الله فالذي يريد تبشير هو الموت موت المسيح. كيف يموت الله؟ يموت ناسوتيًا فاللاهوت لا يموت لذلك نعبر عن هذه الحقيقة في القداس فالقيامة جزء من طبيعة الله لأن الله هو الحياة."بالموت داس الموت" "أبطل عز الموت" لذلك نقول في القداس بموتك يا رب نبشر. - لا يوجد رفع بخور عشية لعيد القيامة بينما في الميلاد والغطاس وكل الأعياد السيدية لها رفع بخور عشية لماذا لا يوجد رفع بخور عشية؟ لأن السيد المسيح قام في فجر الأحد ولذلك نبدأ بباكر اليوم مباشرة وليس بالعشية. ولذلك يوم القيامة العامة ليس له مساء لأن النور دائم والحياة دائمة ليس هناك مساء ولذلك لا توجد لها عشية. - لا تُصلى المزامير إلا مزمور القداس ورفع بخور باكر، "هذا هو اليوم الذي صنعه الرب فلنفرح ونبتهج به". نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
المزيد
11 مايو 2020

ظهورات السيد المسيح بعد القيامة

هناك (11) ظهور: + الظهور الأول (مت 28) للمريمتين (مريم المجدلية ومريم الأخرى). + الظهور الثاني (يو 20) لمريم وهي تبكى عند القبر عندما ظنته أنه البستاني فظهر لها المسيح مخصوص لكي يقول لها لا تبكى وللآسف نحن نبكى حتى الآن على الموتى، المسيح يحب أن نعيش القيامة بالإيمان قبل أن نعيشها بالعيان، كما قال لأرملة نايين لا تبكى، لأنه كان يعرف أنه سيقيمه. + الظهور الثالث (لو 24) لتلميذيّ عمواس. + الظهور الرابع (يو 20) للتلاميذ العشرة في العلية. هؤلاء الأربع ظهورات في نفس يوم القيامة. + الظهور الخامس (يو 20) للتلاميذ ومعهم توما الأحد الجديد، أول يوم أحد بعد القيامة. + الظهور السادس للتلاميذ جميعًا في الجليل. السيد المسيح أصر على أن يُقابل التلاميذ في الجليل، لأن الجليل هو المكان الذي تقابل فيه مع التلاميذ لأول مرة، وكان يريد أن يبدأ مع التلاميذ بداية جديدة وأراد أن يقول لهم هلم ننسى ما مضى الإنكار والخيانة والهروب وهلم نتقابل وكأننا نتقابل لأول مرة شيء رائع. + الظهور السابع (يو 21) كان في بحر طبرية صيد 153 سمكه. وفي بحر طبرية كان هناك سبع تلاميذ. + الظهور الثامن (يو 21) لبطرس وحده في العتاب "يا سمعان ابن يونا" أتحبني أكثر من هؤلاء؟!" + الظهور التاسع (1 كو 15) ليعقوب وحده أول رسول شهيد. + الظهور العاشر (1 كو 15) لخمسمائة أخ. + الظهور الحادي عشر(مت 28) على جبلالصعود. = هناك ثلاث معجزات صنعها الرب بعد قيامته، وأكد بها ناسوته: أ‌- بقاؤه على الأرض بجسد القيامة أربعين يوم. ب‌- الاحتفاظ بالجراحات في جسد القيامة. ج- الأكل مع التلاميذ لأن جسد القيامة لا يأكل. صفات جسد القيامة: من واقع حديث معلمنا بولس الرسول (1 كو 15) يظهر جسد القيامة أنه: - أولًا: نوراني - روحاني - لا يفسد. - ثانيًا: خالد لا يقوى عليه الموت مرة أخرى يحيا إلى الأبد. س) لماذا أحتفظ المسيح بآثار الجراحات في جسد القيامة؟ ج) لكي يُستعلن كذبيحة أمام الآب السماوي. نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
المزيد
04 مايو 2020

عيد القيامة أو أحد القيامة

إذا كان اليوم السابع هو السبت فيكون اليوم الأول هو الأحد، بداية الخليقة كانت يوم الأحد، ويكون على هذا الأساس أنه في الترجمة القبطي نقول "خبزنا الذي للغد على اعتبار أننا في اليوم السابع فيكون الغد هو اليوم الثامن" ويكون هنا قيامة السيد المسيح هي باكورة لقيامة البشر "صار باكورة الراقدين" (1 كو 15). أي أنه أول واحد قام قيامة ليس بعدها موت، هناك قيامة قبل ذلك حدث لـ8 عبر تاريخ الكتاب المقدس 3 في العهد القديم، وفي العهد الجديد: 2 أقامهم السيد المسيح و2 أقاموهم الرسل: بطرس أقام طابيثا وبولس أقام أفتيخوس. لكن باكورة الراقدين أي أول قيامة لا يعقبها موت، قيامة دائمة وحياة أبدية جديدة لذلك يوم عيد القيامة نسميه أحد القيامة باعتبار أنه اليوم الثامن ليس في عداد الزمن البشرى على الأرض ولكنه زمن الأبدية الذي ننتظره. المزمور يقول "هذا هو اليوم الذي صنعه الرب فلنفرح ونبتهج فيه " (مز 118: 24).لماذا نقول هذا على يوم قيامة السيد المسيح هذا هو اليوم الذي صنعه الرب؟خلاصة ما تممه الرب لأجل البشرية في خلاصها من الخطية ومن الموت، بمعنى أن شوكة الموت قد كُسرت وغلبة الهاوية قد انتهت (1 كو 15: 55) "أين شوكتك يا موت أين غلبتك يا هاوية؟" شوكة الموت انكسرت وغلبة الهاوية انتهت. كيف انكسرت شوكة الموت ومازال الناس تُخطئ؟ وكيف انتهت غلبة الهاوية ولا زال ناس تهلك؟ شوكة الموت انكسرت بمعنى أن الدين قد سُدد المسيح دفع الدين لم يكن هناك دين على البشرية، لكنه تسدد على الصليب ما علاقة الصليب بالقيامة؟ صحيح تسدد بالصليب لكن لو لم يقم السيد المسيح من الموت كانت قد بقيت خطية قتل المسيح. لذلك في القيامة كملت المسألة الدين قد سُدد على الصليب لأن المسيح كان ذبيحة للصليب وصار ذبيحة حية بالقيامة. كون أحد يُخطئ أو لا يُخطئ هذه حرية شخصية.أين غلبتك يا هاوية؟ بمعنى أنه لم يعد للشيطان سلطان على الإنسان، إلا بإرادته. مثال: فكرة خروف الفصح في حالة الدهن بالدم للقائمتين والعتبة العُليا يعبر الملاك المُهلك ولا يقتل الابن البكر. إذا لم يذبح واحد خروف الفصح ولم يدهن القائمتين والعتبة العُليا؟ كان سوف يهلك الملاك الابن البكر. وفي حالة عدم الدهن بالدم معنى عدم ذبح خروف الفصح لن يعبر الملاك المُهلك وسيقتل الابن البكر. هنا واضح أن سلطان الشيطان قد زال عن كل من استفاد بالقيامة، المستفيد من سداد الدين والذي لم يعد للشيطان سلطان عليه نتيجة فعل الخلاص الذي تممه السيد المسيح."يكن لعيد الفصح المقدس المنزلة الأولى في أعياد المسيحيين من أزمنة الرسل والسيد المسيح قال لمريم المجدلية "إني صاعد لأبى وأبيكم وإلهي وإلهكم" هذه رسالة حملتها مريم المجدلية للتلاميذ. رسالة تُلَخِّص الفكرة وهنا يريد السيد المسيح أن يقول أن إلهنا بالخلقة صار إلههُ بالتجسد لكي يُصير أباه بالطبيعة أبًا لنا بالتبني. هنا يريد أن يقول كمال الذبيحة في الصعود بمعنى: 1- المسيح صار ذبيحة بالصليب 2- المسيح صار ذبيحة حية بالقيامة 3- صار ذبيحة حية دائمة بالصعود. لذلك ربط الصعود بالقيامة، فعندما لمسته مريم المجدلية عند القبر ثم شكت في القيامة نتيجة الإشاعة أن المسيح أحد سرقه، فعندما ذهبت تبكى عند القبر وتبكى للتلاميذ وتقول: "أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه" وحتى عندما ظهر لها ظنته أنه البستاني، شكت لكنه قال لها أنه ليس هناك فقط قيامة لكن هناك أيضًا صعود. وأراد أن يربط القيامة بالصعود كما ربط الصليب بالقيامة عن طريق الجراحات. في جسد القيامة وُجدت أثار الجروح المسامير والحربة، وفي حديثه عن الصعود بعد القيامة ربط بين القيامة والصعود، "إني صاعد إلى أبى وأبيكم وإلهي وإلهكم" لذلك كانوا يسموا الذبيحة قديمًا صعيدة أي تنزل نار من السماء وتصعدها، صعيدة طاهرة. لأن علامة قبول الذبيحة هو صعودها.لذلك مهم نعرف الهدف من تمثيلية القيامة: هناك فرق بين تمثيلية ومسرحية، الفرق تمثيلية بمعنى أن أشخاص يمثلوا دور لأشخاص حقيقيين، لكن المسرحية هي أداء دور قد يكون غير حقيقي، ممكن تكون قصة خيالية لذلك نسميها تمثيلية القيامة لأن الذي يقول يمثل دور كائن حقيقي. تمثيلية القيامة جزئين، الجزء الأول نكون أمام قبر السيد المسيح الذي في الخارج يمثل التلاميذ والمريمات الذين يطمأنوا على القيامة لذلك عبارة "أخرستوس أنستى أو المسيح قام" هذه معلومة في صورة سؤال أو سؤال في صورة معلومة، أي هل المسيح قام؟ لأن كل الذي ذهب للقبر كان لكي يتأكد من حقيقة القيامة، الذي في الداخل يمثل الملاكين الذين كانوا داخل القبر وعاينوا القيامة، ونضع في الدفن فعلًا شمعدانيين أو قنديليين إشارة للملاكين، الذي كان عند الرأس هو الملاك ميخائيل رئيس السمائيين فكان حاضر القيامة وهو الذي دحرج الحجر وهو الذي أكد للمريمات القيامة.ورئيس الملائكة ميخائيل نسميه ملاك القيامة وهو الذي يبوق في يوم القيامة العامة أيضًا وسيعلن القيامة العامة كما أعلن قيامة السيد المسيح. الجزء الثاني يقولوا "أفتحوا أيها الملوك أبوابكم وارتفعي أيتها الأبواب الدهرية ليدخل ملك المجد". هذا هو الذي يقف خارج الهيكل وهو يمثل الذين كانوا صاعدين مع السيد المسيح في صعوده وبهذا يكون قد نقلنا من القيامة للصعود، وهذا جعل البعض يقول أن المسيح صعد بعد القيامة مباشرة ليأخذ اعتماد الآب لذبيحته بينما هذا كلام لم يحدث. لأنه إذا كان المسيح صعد بعد القيامة، لم نقل يوم عيد الصعود "أفتحوا أيها الملوك أبوابكم وارتفعي أيتها الأبواب الدهرية ليدخل ملك المجد".إذًا لماذا نذكرها في القيامة؟ طالما السيد المسيح لم يصعد بعد القيامة مباشرة؟ لعدة أسباب: 1) لكى نربط بين الصليب والقيامة والصعود لكمال الذبيحة، لأن ذبيحة السيد المسيح ذبيحة كاملة ومقبولة. 2) لكى يظهر أن هناك معجزة أن السيد المسيح بقى على الأرض أربعين يوم بينما جسد القيامة لم يبق على الأرض لابد أن يصعد إلى السماء. 3) لأن الكنيسة تريد أن تربط بين قيامة المسيح وقيامتنا نحن، لذا لم نجد النور ينور ليس عند إعلان القيامة لكن عند إعلان دخول المسيح داخل الأبواب الدهرية لأنه دخل سابقًا لنا لأنه كما دخل هو سندخل نحن أيضًا. لهذه الأسباب الثلاثة ربطت الكنيسة بين القيامة والصعود في تمثيلية القيامة.الملائكة من الداخل يقولوا من هو ملك المجد، هم ملائكة ليسوا آلهة لا يعرفوا كل شيء فيرد من بالخارج ويقول هذا هو الرب العزيز القوى الجبار القاهر في الحروب، ويدخل ويضاء النور إعلان بداية اليوم الثامن وهنا تربط الكنيسة بين قيامة المسيح وقيامتنا لأن النور يظلم إشارة لانتهاء اليوم السابع وتنور إعلان اليوم الثامن أو الحياة الجديدة. ثم يزفوا صورة القيامة وتظل تُزف في الكنيسة طيلة الخمسين يوم، من عيد القيامة لعيد الصعود في الكنيسة كلها ومن عيد الصعود لعيد العنصرة داخل الهيكل وفي يوم عيد العنصرة في باكر القداس تعمل الزفة بصورة القيامة والصعود كاملة في الكنيسة كلها باعتبار أن القيامة والصعود هما أساس حلول الروح القدس، لأن كان لابد أن يدخل المسيح إلى الأقداس "دخل إلى الأقداس مرة واحدة فوجد فداءًا أبديًا" (عب 9: 12).الفداء تم على الصليب؟ نعم لكن كان لابد أن ندخل إلى الأقداس لكي تكون الذبيحة قُبلت، إصعاد الذبيحة ودخولها إلى لدن الله الآب. قيامة الموتى هي أعظم عمل ينسب للاهوت، بمعنى أن أكبر معجزة كون الموتى يقوموا أكبر معجزة يصنعها الله مع البشر (يو 5: 25) "تأتى ساعة يسمع فيها كل من في القبور صوت ابن الله والذين يسمعون يُحيَون" بمعنى يقومون من الموت. نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين أسقف المنوفية
المزيد
27 أبريل 2020

حقيقة القيامة

عيد القيامة هو عيد الأعياد، أو غاية وهدف كل المناسبات التي تسبقه. وكل المناسبات التي تلي عيد القيامة نتيجة له. ومع هذه الحقيقة نتكلم عن شواهد ذلك: ولعل الدليل الأول هو مزمور قداس عيد القيامة «هذا هو اليوم الذي صنعه الرب، فلنفرح ونبتهج فيه. آه يارب خلِّص، آه يارب أنقذ. مبارك الآتي باِسم الرب» (مز118: 24-26). ولكن لماذا ذُكِر يوم القيامة على أنه اليوم الذي صنعه الرب؟! فالله هو صانع كل الأيام، بل كل شيء .. وللإجابة نوضّح الأمور التالية: 1- الله هو مصدر الحياة: لأنه هو مالك الحياة وواهب الحياة، لذلك هو الخالق لكل الكائنات إذ وهب الحياة للجميع، ولكن حين دخل الموت إلى العالم بحسد إبليس نتيجة دخول الخطية إلى العالم بغواية الشيطان لحواء التي أكلت وأعطت رجلها فأكل، ومن خلال هذه المعصية فقد الإنسان الحياة الأبدية والحياة الروحية والعلاقة مع الله، لذلك طُرد من الفردوس وحضرة الله، وقيل في (تك6: 3) «لا يدين روحي في الإنسان لزيغانه هو بشر».. لذلك بعد إتمام الفداء على الصليب وموت الفادي وقيامته في اليوم الثالث، أعلن الحياة الأبدية الغالبة للموت، ولم يَعُدْ للموت سلطان على الإنسان وحياته، لذلك صارت الصيحة «أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتكِ يا هاوية؟».. لم يعد للموت سلطان، لذلك نسمّي الموت الآن "انتقال"، وليس نهاية حياة بل استمرار للحياة بصورة مختلفة حتى يوم القيامة حيث تتحد الأرواح بالأجساد، ويقوم الجميع كما ورد في (يو5: 29) «تأتي ساعة يسمع فيها كل مَنْ في القبور صوت ابن الله، والذين يسمعون يُحْيَوْن، فيخرج الذين صنعوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين صنعوا السيئات إلى قيامة الدينونة». 2- مفهوم الحياة: الحياة المقصود بها الوجود الباعث للحياة، فكل المخلوقات تساهم في الحياة الإنسانية واستمرارها على الأرض، بمعنى أن بعض المخلوقات يستخدمها الإنسان كغذاء كالخضروات والفواكه والخبز والمنتجات البروتينية سواء حيوانية أو نباتية يتغذّى عليها الإنسان لاستمرار الحياة، فوجود هذه المخلوقات يفيد في استمرار حياة الإنسان.. وأيضًا الشمس كطاقة ضوئية وحرارية تفيد في إعطاء حياة للمخلوقات، ويدخل كذلك المعادن بتفاوت أنواعها وقيمتها في اقتصاديات الحياة، إذ تساعد الإنسان كتجارة وصناعة في أن تستمر الحياة بالجسد والروح معًا، مما ينتج عن هذا الاتحاد النفس أي العقل البشري الخلّاق والعاطفة الحاضنة للصغار والضعفاء والحواس التي تتصل بالحياة.. حقًا إنها الحياة عطية الله.. 3- قيامة الجسد: وهذا ما نحتفل به من خلال عيد القيامة المجيد الذي أعطانا القيامة أيضًا، وصار الموت فترة مؤقته لراحة الروح في الفردوس وراحة الجسد في القبر «"طوبى للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن". "نعم" يقول الروح: "لكي يستريحوا من إتعابهم، وأعمالهم تتبعهم"» (رؤ14: 13). هذا هو الموقف الآن، لذلك طيلة فترة الخماسين المقدسة تكون التحية "خريستوس آنستي... آليثوس آنستي"، أي "المسيح قام... بالحقيقة قام"، وصارت القيامة في التوبة لأن أجرة الخطية موت ولكن التوبة حياة من موت فتكون قيامة.. هذا نعيشه ليترسّخ في الأذهان لنعرف أن القيامة حقيقة معاشة فلا نخاف الموت... نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
المزيد
30 مارس 2020

المحبة الغافرة

المغفرة التي نطلبها من الله مشروطة بغفراننا لمن يسيء إلينا «واغفر لنا ذنوبنا، كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا» (مت6: 12)، وهذا ما قاله السيد المسيح: «إن لم تغفروا للناس زلاتهم، لا يغفر لكم أبوكم أيضًا زلاتكم» (مت6: 15)، وكذلك «اغفروا يُغفَر لكم» (لو6: 37).. ولكن لابد من المحبة حتى يمكن المغفرة، لأن المحبة هي دليل الكمال المسيحي الذي يقول عنه القديس مار إسحق "حينما تمتلئ النفس من ثمار الروح تتقوى، فلا تُهزَم أمام حرب العدو، بل ينفتح القلب بالحب لسائر البشر". والسيد المسيح أعطى مثلًا أن عبدًا طلب مسامحة سيده لِما عليه من دين مالي، ولكن سمع هذا السيد أن هذا العبد رفض مسامحة عبدًا آخر مديونًا له بدين مالي أقل كثيرًا فرفض مسامحته.. فطلب السيد أن يوضع ذلك العبد في السجن إلى أن يوفي الفلس الأخير (مت5: 26). ومن هذا المثل يتضح أن المغفرة هي لمن يغفر لغيره، وإلا لن ينال غفرانًا.. لذلك لابد أن نقتنع بضرورة: 1- أن نتنازل عن كرامتنا الشخصية وحقوقنا مهما كانت الإساءة، فنغفر أولًا حتى ننال الغفران من الله. 2- شرط أن يكون الغفران من القلب وليس بطريقة شكلية مظهرية. 3- نلتمس عذرًا لمن أخطأ في حقنا مثل السيد المسيح الذي التمس عذرًا لصالبيه وقال: «اغفر لهم يا أبتاه لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون» (لو23: 34). 4- احرص أن تقف أمام الله بريئًا من الحقد، حتى لا تُحزن الروح القدس. 5- واشعر أنك مديون أكثر من غيرك، مثلما قال الرب يسوع لسمعان الفريسي عن الدائن الذي كان له مديونان، الأول 500 دينار والآخر 50 دينارًا وسامحهما كليهما، ثم تساءل الرب: «تُرى مَنْ أحبه أكثر؟»، وكان يقصد أن يكشف لسمعان الفريسي أنه مديون بخطايا مثل المرأة الخاطئة ولو بقدر أقل، والسيد المسيح سامحهما كليهما، فأحبته المرأة الخاطئة أكثر من سمعان الفريسي لأنه سامحها بالأكثر. لذلك يقول البابا شنوده: "سلف المغفرة لكي تجدها في اليوم الأخير، ولا تكن بارًا في عيني نفسك لئلا تقسو على أخيك ولا تغفر له، لأنك لست محتاجًا للمغفرة لأنك بار". 6- اغفر لأخيك المخطئ إليك لأنه ضحية الشيطان الذي ملأ قلبه بمشاعر سلبية تجاهك. وحين تغفر له تملأ قلبه بالمحبة الغافرة فيتعلم أن يغفر. 7- كما أن غفرانك علامة تواضعك ومحبتك للقريب كنفسك التي تغفر لها كثيرًا. ولكن ما بالك إن كنت أنت المسيء ؟! هنا يطلب الوحي الإلهي أن تذهب وتصطلح مع أخيك وتعتذر له وتُصحّح أخطاءك.. ويُحكى عن القديس موسى الأسود أنه حين سمع أمر مسئول الدير بطرد راهب أخطأ، فقام بحمل قفة مملوءة رملًا ومثقوبة وحملها على كتفه، وذهب للآباء الذين جلسوا يحكمون على المخطئ وقال لهم: "هذه خطاياي تجري وراء ظهري ولا أراها، وجئت لكي أحكم على مخطئ غيري"، وكانت النتيجة أن قام الآباء بنصح المخطئ وأعطوا له فرصة أخرى. والتدريب الرائع الذي يعلمنا أن نغفر بنكران الذات ليظهر مسيحنا القدوس فينا كغافر للجميع ونردد «أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ» (غل2: 20). نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
المزيد
23 مارس 2020

القداسة ولباس العُرس

لعل هذا هو جوهر خبرة الحياة الروحية، أن نتقدّس ونقتني لباس العُرس الذي هو شرط دخول الملكوت الأبدي. ومفهوم القداسة هو الالتصاق بالله القدوس لأن القداسة هي صفه في الله، ففي (خر15: 11) «مَنْ مثلك في الآلهة يارب.. مَنْ مثلك معتزًا في القداسة مخوفًا بالتسابيح صانعًا عجائب»، فالله قدوس يكره الشر والمعصية، وخلق الإنسان على صورته ومثاله «نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا» (تك1: 26). ويقول القديس يعقوب السروجي: "خلق الله الإنسان أعظم من كل الخليقة، وأعطاه إمكانية التقديس، لذلك أوصى الإنسان أن يتقدس «إني أنا الرب إلهكم فتتقدسون وتكونون قديسين لأني أنا قدوس، ولا تنجسوا أنفسكم بدبيب الأرض» (لا11: 44)"، فالقداسة هي طبيعة الحياة مع الله «نظير القدوس الذي دعاكم كونوا أنتم أيضًا قديسين» (1بط1: 15), والقداسة عطية من الله باختيار الإنسان الذي خُلِق على مثال الله في كل سيره في حياته، وفي حالة حرص الإنسان على القداسة في كل سيرة يقتني ثوب العرس الذي هو شرط الدخول الى الملكوت الأبدي، الذي وُصِف بأنه "عرس ابن الملك" (مت22: 1-3) «يشبه ملكوت السموات إنسانًا ملكًا صنع عرسًا لابنه، وأرسل ليدعو عبيده المدعوين إلى العرس". وفي قول الأب غريغوريوس الكبير: "يمكننا القول أن الآب صنع لابنه الملك العرس خلال سر التجسد حيث التصقت به الكنيسة المقدسة مزيّنة بلباس العرس، بدءًا من العذراء القديسة مريم، ليتحد بعروسه المقدسة كنيسته المتزينة بلباس العرس في كل الأزمنة بقديسيه". وهنا نتساءل: ما هو ثوب العرس؟ إنه الحياة الداخلية المقدسة، والمُعلَنة من خلال السيرة العطرة بالتصرفات العملية والسلوك المسيحي، وأساسه ما نلناه في المعمودية بإيماننا المسيحي من إمكانية السلوك بوصايا الله، بقيادة الروح القدس العامل فينا دائمًا كنتيجة للتقديس بالميرون المقدس بعد المعمودية. ويؤكد القديس جيروم ذلك بقوله: "ثوب العرس نناله بتنفيذ وصايا الرب وتتميم ناموسه المقدس بعمل روح الله الذي يقودنا «فالذين ينقادون بروح الله فهم أبناء الله» (رو8: 14). والقديس أغسطينوس يوصي قائلًا: "ليكن لكم الإيمان العامل بالحب الإلهي فإن هذا هو ثوب العرس.. يا مَنْ تحبون المسيح، وتحبون بعضكم بعضًا، وكذلك الأصدقاء، بل حتى الأعداء. ولا يكون هذا ثقلًا عليكم". بل يرى الأب غريغوريوس الكبير أن ثوب العرس يُنسَج بين عارضتين هما: محبة الله ومحبة القريب، لأن الحب المقدس هو طبيعة النفس التي لا تقدر أن تفصل محبة الله عن محبة القريب. ولخطورة هذا الأمر نقتني المحبة المتكاملة لله وللناس، ونسهر عليه بالصلوات كما في نصف الليل: "ها هوذا الختن يأتي في نصف الليل، فطوبى للعبد الذي يجده مستيقظًا، أمّا الذي يجده متغافلًا فإنه غير مستحق المضي معه. فانظري يا نفسي لئلا تُثقلي نومًا فتُلقي خارج الملكوت، بل إسهري..." إننا جميعًا نشتاق إلى دخول العرس السماوي في الملكوت الأبدي، وشرط الدخول هو اقتناء ثوب العرس، لئلّا يأتي مَنْ يقول: «يا صاحب كيف دخلتَ إلى هنا وليس عليك لباس العرس؟.. فسكت» (مت22: 12). لذلك نحذر من أن تكون لنا صورة التقوى لكن ننكر قوتها، ولا أن نكون كالجاهلات نحمل مصابيح ليس لها رصيد في زيت الآنية، لأن زيت المصباح ينفذ لكن خزين زيت الآنية لا ينفذ مطلقًا. نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
المزيد
16 مارس 2020

حياة النمـو

+ النمو سمة الحياة: كل الكائنات الحية تختبر خاصية النمو في حياتها، فالطفل يولد ثم ينمو ليصل إلى المراحل المتعددة: الصبا والشباب والنضوج والرجولة والحكمة.. الخ. وكذلك النبات يُزرع بذرة صغيرة تنمو فتكبر وتصير نباتًا ثم شجرة صغيرة ثم شجرة كبيرة مثمرة.. فحبة الخردل وهي أصغر جميع البذور تصير شجرة كبيرة تتآوى فيها جميع طيور السماء.. وهكذا بقية الكائنات الحية كلها تبدأ صغيرة وتكبر في مراحل العمر المتعددة. +النمو تحدي لكل المعوقات: لا شك أن كل مَنْ ينمو في هذه الحياة يواجه تحديات في كل مراحل حياته، سواء في الصغر أو في الكبر، من أمراض أو عوامل الفناء الكثيرة التي تعمل في هذا الكون.. فالبقاء يمثل قوة تقاوم عوامل الفناء هذه، والنتيجة هي النمو واكتساب حصانة قوية ضد كل ما يُعطل النمو هكذا قال القديس بولس: «ننسى ما هو وراء ونمتد إلى ما هو قدام» (في13:3). يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: "إذ يستحيل على الذين يصعدون ويبلغون القمة أن يتحاشوا الشعور بالدوار، لهذا يحتاجون ليس فقط أن يتسلقوا صاعدين، بل وأن يكونوا حذرين عند بلوغهم الذروة، فالحذر شيء وفقدان توازن رؤوسنا عندما نرى المسافة التي تسلقناها شيء آخر، فلنلاحظ ماذا تبقى لنا أن نصعد ونهتم بهذا". +النمو الروحي هو سعي نحو الهدف: فهدف مَنْ يحيا مع الله هو الإعداد للوصول للحياة الأبدية كهدف رئيسي تُمهّد له كل الأهداف القريبة الأخرى كالصلاة والنقاوة والتوبة والجهاد ووسائط النعمة الكثيرة..الخ. ولقد حَذَّرَ القديس بولس من الانشغال بأي هدف آخر كبديل للحياة الأبدية فقال: «فليفتكر هذا جميع الكاملين منَّا، وإن افتكرتم شيئًا بخلافه فالله سيعلن لكم هذا أيضًا» (في3: 15)، بمعنى أن مَنْ ينشغل عن هذا الهدف الأساسي وهو الحياة الأبدية، بأي هدف آخر كالمواهب أو العطايا اللازمة للخدمة، وهي مجرد وسائل ولا ترقى لمستوى الهدف الأساسي وهو الملكوت الأبدي.. +النمو هو الوسيلة المثلى للترقّي الروحي المنشود: فأي بداية لابد أن تكمل حتى تصل إلى المستوى المطلوب الذي ينشده الرب لنا، وهذا ما نوّه عنه القديس بولس حين قال: «ليس أني قد نلت أو صرت كاملًا، لكني أسعى لعلي أدرك الذي لأجله أدركني أيضًا المسيح يسوع، أيها الأخوة أنا لست أحسب نفسي أني قد أدركت ولكني أفعل شيئًا أسعى نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع» (في3: 12، 14). يقول القديس أمبروسيوس: "يوجد شكلان للكمال شكل عادي وآخر علوي، واحد يُقتنى هنا والآخر فيما بعد، واحد حسب القدرات البشرية والآخر خاص بكمال العالم العتيد، أما الله فعادل خلال الكل، حكيم فوق الكل، كامل في الكل". فمن يبدأ ولا ينمو لا يستطيع أن يدرك ما يود أن يدركه ولا يسعى نحو الغرض.. لذلك فكل عمل روحي له بداية وله تكمله أيضًا، فالصلاة تبدأ بالجسد ثم بالفكر ثم بالروح ثم بالروح والذهن ثم بالاستعلانات الإلهية..الخ. وكذلك في الصوم: صوم الجسد ثم صوم اللسان ثم صوم الفكر ثم صوم الحواس جميعًا..الخ.. وهكذا بقية الوسائط الروحية... لابد أن يتحقق فيها النمو ويتحول هذا الجهاد إلى مكآفأة كرامة بهية أبدية. نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين أسقف المنوفية وتوابعها
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل