المقالات

07 أبريل 2021

العمل الإيجابي البناء

ما أجمل وأعمق ذلك المثل الصيني الذي يقول:'بدلًا من أن تلعنوا الظلام، أضيئوا شمعة'.حقًا، إن مجرد لعن الظلام لا ينقذ أحدًا من ظلمته. ولكن الظلام ينقشع من تلقاء ذاته، بعمل ايجابي هو نشر النور، ولو علي الأقل بإضاءة شمعة وهكذا في أي مجتمع قد توجد أخطاء أو نقائص أو مشاكل. وإذا بمحبي الإصلاح يتجهون إلي اتجاهين: احدهما يضج ويصيح لكي يفضح هذه الأخطاء، أو انه يبكي بسببها وينوح وينعي الخير الذي ضاع أما الاتجاه الآخر، فهو العمل الايجابي الذي يكتب صفحة جديدة ناصعة في تاريخ المجتمع، في هدوء وفي قوة.. وهذا هو الأكثر ثباتًا وتفهمًا.اثنان ينظران نارا تشتعل في مبني.. فيقيم احدهما ضجة بسبب هذا الحريق.. أما الآخر ففي ايجابية يبذل كل الجهد في إطفاء النار اثنان يمران بشاطئ البحر.. وإذا بشخص في خطر يكاد يشرف علي الغرق.. فيظل احدهما يوبخه: كيف ينزل إلي البحر وهو لا يجيد السباحة؟! أما الآخر فينزل بسرعة لكي ينقذ ذلك الإنسان من الغرق.. وفي كل ذلك يبدو الفرق بين المنشغل بالسلبيات وبين العمل الايجابي البناء غالبية الناس يركزون جهدهم الإصلاحي في أن يلعنوا الفساد.. و هذا أمر سهل يقدر عليه كل احد. ولكن من بين كل هؤلاء من يهتم بشرح الأسلوب العملي الايجابي للقضاء علي الفساد. سهل جدًا أن توبخ فكرة خاطئة. ولكن الأصلح ايجابيًا أن تقدم الفكرة الصائبة، وتشرح أسلوب تنفيذها أتذكر وأنا شاب صغير أنه كان لي زميل في الدراسة يسرف في التدخين.. فأخذت أنصحه كثيرًا، وأحدثه عن مضار التدخين الذي فيه يفقد صحته وإرادته وماله.. وإذا بهذا الزميل يقول لي 'لا تتعب نفسك كثيرًا في الشرح.. فأنا بالخبرة أعرف أضرار التدخين أكثر منك ولكن المشكلة هي كيف يمكنني أن أتخلص عمليا من هذه العادة؟!نعم، إن الحديث عن الأخطاء سهل. أما العمل علي علاج تلك الأخطاء، فهو العمل الايجابي البناء.. والكلام الموجع ليس هو الذي يصلح الأخطاء.. إنما تصلحها الخطة الايجابية العملية الممكنة التنفيذ.كذلك هناك فرق بين شرح الخطأ للوقاية منه، وبين الحديث عن الأخطاء للتشهير بالمخطئين بأسلوب لا يصلحهم بل يثيرهم.هناك فرق جوهري بين الفأس التي تقلب الأرض لزراعتها، و الفأس التي تضرب في البناء لتهدمه..! ما أسهل الإدانة والشجب بإمكان كل شخص أن يدين وأن يشجب.. أما المساهمة الإيجابية في الإصلاح، فهي العمل النافع.. النقد سهل.. وقد يكون النقض أيضًا سهلًا إن كاتبا بسيطا يمكنه أن ينقد قصيدة لشاعر مشهور.. ولكن هذا الناقد ربما لا يستطيع أن يكتب بيتًا واحدًا من الشعر! وكثيرون من الذين يستهزئون بعمل غيرهم، هم أنفسهم لا يعملون! قد يدعي القدرة علي العوم أولئك الذين يقفون علي الشاطئ..فإن نزلوا إلي البحر وسط أمواجه حينئذ يختبر ادعاؤهم. إن السلبيات قد تهدم.. أما الايجابيات فهي التي تبني.. والهدم عمل سهل.. أما البناء فيحتاج إلي مهارة ووقت.. يستطيع شخص بقنبلة أن يهدم في لحظات عمارة شاهقة.. ولكن بناء أية عمارة يحتاج إلي هندسة وفن ومدي زمني.. وهذا البناء عمل انفع وابقي.وكما أن نقد الأخطاء لا يصححها، ولا التشهير بها يصلحها.. كذلك الحزن علي المشاكل لا يحلها.. بل يحلها العمل الايجابي.إن الحزن علي المريض لا يشفيه من مرضه.. إنما يكون الشفاء عن طريق وصف العلاج وتقديم الدواء.والحزن بسبب انتشار الجهل أو الأمية لا يفيد شيئًا، بل النافع هو نشر التعليم ومحو الأمية.ويوسف الصديق لم يحزن من فرعون علي سنوات الجوع القادمة. إنما قدم الحل الايجابي وهو تخزين القمح ليكون تموينا لسد احتياجات تلك السنوات. وكان هذا هو النافع عمليا.والمعروف أن كثيرين قد بكوا وحزنوا بسبب تجريف بعض الأراضي الزراعية واستخدامها في إقامة المباني. ولكن الحزن لم يحل تلك المشكلة.. إنما كان حلها بالعمل الايجابي الفعال، الذي تمثل في مشروع تعمير الصحاري واستصلاح الأراضي وحفر الآبار، وما نتج عنه من إضافة مئات الآلاف من الأفدنة إلي الرقعة الزراعية في بلادنا، مع ما صاحب ذلك من أعمال التنمية.كذلك إن كنا ذاهبين إلي مكان ما، ووجدنا قناة أو مجري من الماء يعوقنا عن الوصول: هل الحزن في هذه الحالة ينفعنا؟! أم أن الذي ينفعنا هو إقامة جسر نصل به إلي المكان الذي نريده؟هذا هو العمل الايجابي الذي يلزمنا في كل أمور حياتنا، أكثر من الضجيج والنقد والشجب والسخرية.والذين سجلت أسماؤهم في التاريخ، هم الذين انشغلوا بالعمل الايجابي البناء ، قد نجحوا فيه.ولعل أولهم في تاريخ مصر هو الملك مينا الذي وحد القطرين وانشأ أول مملكة مصرية في عهد الفراعنة.ونحن نذكر بالخير كل الذين ساهموا في العمل البناء في تاريخ مصر الحديث. ومن بينهم طلعت حرب الذي ساهم في بناء اقتصاد مصر، وأسس البنوك والشركات. وسعد زغلول الذي جاهد حتى صدر دستور سنة 1923 وقاسم أمين الذي جاهد لتحرير المرأة.. وأحمد لطفي السيد الذي عمل لإنشاء الجامعة، وغيرهم من البنائين المهرة.إن العمل الايجابي هو دائما العمل المفيد، وهو المقبول من الجميع، ولا يعترض عليه احد.هناك مؤرخون كتبوا التاريخ.. ولكن أعظم منهم من صنع التاريخ.. صناع التاريخ لا يمكن نسيانهم، سواء في مجال السياسة أو العلم.. قد يكتب المؤرخون عن استقلال الهند بعد خضوعها فترة للاحتلال البريطاني.. أما صانع هذا التاريخ فهو المهاتما غاندي الزعيم الروحي للهند، الذي لم يقم إطلاقًا بإيذاء احد. إنما بالعمل الايجابي البناء، أوصل الهند إلي الاستقلال، وصارت لها حكومة وطنية وبرلمان.كذلك لا يستطيع التاريخ أن ينسي برايل، الذي استطاع أن يخترع طريقة الكتابة علي البارز، للمكفوفين يستطيعون بها القراءة والكتابة.. وأيضًا كل الذين قاموا بعمل ايجابي بناء في مجال الطب والدواء لا يمكن أن ينساهم التاريخ.ونحن نري في مجتمعنا بعض مشاكل لا يمكن أن يحلها الصياح ولا الضجيج ولا التشهير.. إنما تحتاج إلي عمل ايجابي بناء هناك مشاكل اقتصادية. مشاكل تختص بالبطالة وبارتفاع الأسعار. كذلك مشكلة التضخم السكاني، ومشكلة الدروس الخصوصية ومشكلة الإثارة ومشكلة الجمع بين الانضباط والحريات ومشاكل أخرى اجتماعية وسياسية وفكرية كيف يمكن حلها جميعًا بطريقة عملية وحضارية في نفس الوقت؟بحيث نتعاون جميعا في الحل، بغير صراع واصطدام إن مشكلة البطالة مثلًا: لا يمكن أن تحلها مهاجمة المسئولين في الحكومات المتتابعة. فكيف تحل؟لو كنت أنت أيها القارئ رئيسًا للدولة أو رئيسًا للحكومة، فماذا كنت ستفعل عمليا؟ ماذا تقترح للحل؟علي أن يكون الحل يمكن تنفيذه، ومضمونة نتائجه عمليًا وعلميًا.. هل نطرح السؤال، ونتلقى الإجابات ونصنفها ونحللها؟هل نقيم ندوات لبحث موضوع البطالة من ندوات أخرى لبحث باقي المشكلات؟ نعم، ما الحل الايجابي العملي البناء؟ قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
31 مارس 2021

تداريب أثناء الصوم 2

تداريب الحفظ:- يمكن أن تتخذ فترة الصوم مجالاً أيضاً للحفظ : حفظ آيات ، وحفظ مزامير وحفظ فصول من الإنجيل ، وحفظ ألحان وتراتيل أ‌- خذ مثلاً تدريباً لحفظ العظة علي الجبل . وتشمل 111 آية . لو انك حفظت كل يوم 3 آيات ، تنتهي منها في 37 يوماً . ب‌- أحفظ مثلاً قطع الأجبية ، وتشمل 36 قطعة ( غير الستار ) ، فلو حفظت كل يوم قطعة ، يمكنك الانتهاء منها في 36 يوماً . ج- أحفظ تحاليل الساعات ، وتشمل 8 تحاليل . ويمكن أيضاً القطع المشتركة في كل الصلوات مثل الثلاثة فكقديسات ، وصلاة الشكر ، والمزمور الخمسين وختام كل صلاة ، مع بعض القطع التي تنفرد بها صلاة باكر أو صلاة النوم . د- ‘حفظ ما يمكنك من مزامير الساعات ، ويمكن البدء بمزامير قصيرة هـ - أحفظ آيات مختارة من الكتاب ، وحبذا لو كانت بشواهدها . فلو أنك حفظت كل يوم ثلاث آيات ، لأمكنك أن تحفظ في الصوم الكبير وحده 150 آية في كل عام … و- تحفظ آيات تشمل معاني معينة ، او آيات علي كل سر من أسرار الكنيسة ، أو آياتخاصة بعقائد ، أو خاصة بكل فضيلة من الفضائل . ز- يمكن أن تحفظ خلال الصوم فصولاً مشهورة في الكتاب المقدس ، مثل ( 1كو 13) الخاص بالمحبة ، أو ( رو12) وهو مجموعة آيات ذهبية خاصة بفضائل عديدة ، وكذلك ( 1 تس 5:12-23) ، ( أف 6: 10-18) الخاص بالحروب الروحية ، و ( في 3: 7-14) … وما يشبه ذلك من الفصول المختارة في الكتاب . ح- ما تحفظة من آيات أتخذه مجالاً للتأمل الروحي ، غذاء لنفسك خلال الصوم . ويمكن أن تتخذه مجالاً للتطبيق العملي . أثناء ط- ما تحفظه من صلوات ومزامير ، ردده باستمرار ، لكي تضيفا إلي صلواتك اليومية . ي- كذلك ضع لك برنامجاًً في حفظ الألحان و التسابيح . وهكذا تجد أمامك جدولا روحيا ، تشعر فيه بقيمة وقتك وأهميته ، فتحرص عليه لكي تستخدمه فيما ينفعك . تداريب الصلاة:- أهتم في أيام الصوم أن تزيد برنامج صلواتك . فلا تقتصر علي صلوات الجبية أو الوضح العادي لك في الصلاة . وإنما نضع أمامك التداريب الآتية ، لتستخدمها حسب إمكانياتك : 1- تدريب الصلاة في الطريق : يمكن أن تكون سائراً في الطريق ، وقلبك منشغل مع الله ، إما بمزمور ، أو بصلاة خاصة ، أو بصلوات قصيرة ترفع بها قلبك إلي الله ، كأن تقول له : يارب أغفر لي ، لا تحسب علي آثامي . ارحمني يارب كعظيم رحمتك . نجني يارب من ضعفاتي ، أعطني قوة . أجعلها يارب أيام مباركة ، بارك أيام هذا الصوم أعطني يارب فترة أقضيها معك . أربط يارب قلبي بك . إملأني يارب من محبتك أعطني يارب نعمة ، أعطني معونة ، أعطني يارب حياة مقدسة ،أعطني قلباً نقياً. إغسلني يارب فأبيض أكثر من الثلج . يارب نقني . يارب نجني . أحفظني من كل شر . أشترك في العمل معي . كرحمتك يارب ولا كخطاياي … درب نفسك علي أمثال هذه الصلوات ، وانت في الطريق ، أو وانت في طرق المواصلات . المهم أن تشغل قلبك بالله … وهناك أيضا : 2- تدريب الصلاة وسط الناس : سواء كنت في اجتماع ، أو مع أصدقائك أو مع أفراد الأسرة ، أو وسط الناس في أي مكان ، أرفع قلبك إلي الله بأية عبارة . وهكذا تكون ساكتاً . وقلبك يشتغل من الداخل ، في شركة مع الروح القدس . لأن الإنسان الصامت يمكن أن يكون مخزناً لأسرار الله . وكما يقول الشيخ الروحاني " سكت لسانك ، لكي يتكلم قلبك …" 3- تدريب الصلاة أثناء العمل : العمل اليدوي يساعد كثيراً علي امتزاجه بالصلاة ، كما كان آباؤنا في عمل أيديهم . وهكذا يختلف عن الأعمال اليدوية التي يقوم بها أهل العالم . وحتى لو كان عملك فكرياً بحتاً ، بين الحين والآخر أرفع قلبك إلي الله ولو بصلاة قصيرة جداً كأن تقول : اشتقت إليك يارب . لا أريد أن أتغرب كثيراً عنك . إجعلني أعمل من أجلك . بارك كل ما أعمله . أحبك يارب من قلبي وأشتاق إليك . أسبح أسمك القدوس أثناء عملي . حلو أسمك ومبارك ، في أفواه قديسيك . أشكرك يارب من كل قلبي . كن معي . أشترك في العمل معي … لا تجعل العمل يفصلني عن الصلة الدائمة بك . لا شئ يفصلني عن محبة المسيح … 4- تدريب التأمل في الصلوات : خذ صلوات المزامير مثلاً ، وباقي صلوات الأجبية ، مجالاً لتأملك الروحي وهكذا عندما تصليها يكون ذلك بعمق . وكذلك صلوات القداس و التسبحة حتى يكون لها تأثيرها في قلبك عندما تسمعها . 5- تدريب الاستمرار في الصلاة : درب نفسك علي انه كلما تجد صلاتك قاربت علي الانتهاء ، حاول أن تطليها بعض الوقت ، ولو دقيقتين . المهم أنك لا تسرع بالانتهاء من الصلاة والانصراف من حضرة الله . قاوم نفسك واستمر ولو قليلاً جداً . ثم استأذن الرب واختم صلاتك . 6- تداريب نقاوة الصلاة وروحانيتها : وهي تداريب كثيرة جداً . منها الصلاة بفهم ، وبعمق ، وبحرارة ورغبة والصلاة باتضاع وانسحاق . والصلاة بلا طياشة بلا سرحان . وان لم تستطيع ذلك أدخل في التدريب التالي وهو: 7- تدريب الصلاة لأجل الصلاة : قيل لمار أسحق " كيف نتعلم الصلاة ؟" فقال " بالصلاة " … ولا شك أن الصلاة - كأي عمل روحي - هي عطية صالحة نازلة من فوق من عند أبي الأنوار "( يع 1: 17) . فاطلبها التلاميذ قائلين " علمنا يارب ان نصلي " ( لو 11:1) . قل له : أعطني يارب أن أصلي . أعطني خلوة حلوه معك . أعطني الحب الذي أحبك به فأصلي . أعطني الحرارة التي في الصلاة . وأعطني الدموع و الخشوع . أنا يارب لا اعلم كيف أصلي فعلمني . وأمنحني المشاعر اللائقة بالصلاة . وتحدث أنت معي يارب فأحدثك … 8- تدريب الصلاة لأجل الآخرين : لا تكن صلاتك في الصوم من اجل نفسك فقط . إنما تدرب أيضاً علي الصلاة من أجل الآخرين . كم من أناس طلبوا إليك أن تصلي لأجلهم ، ولم تفعل . تذكر ذلك في الصوم . كم من أشخاص تشعر بحاجتهم تشعر بحاجتهم إلي الصلاة ، لأنهم في مشكلة ، أو في ضيقة ، أو مرض ، أوهم محتاجون من أجل حياتهم الروحية . صل من أجل هؤلاء ، ومن أجل الذين رقدوا … صل من أجل الكنيسة ،، ومن أجل سلامه البلد ، ومن أجل الخير العام ، ومن أجل الذين لا يعرفون الله ، من أجل الملحدين والمستهترين وغير المؤمنين . صل لأجل ملكوت الله علي الأرض . إنه تدريب جميل ان تصلي لأجل غيرك . وبوجه خاص : 9-تدريب الصلاة لأجل المسيئين : إنه آمر إلهي أكثر من كونه تدريباً ، إذ يقول الرب " صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم "( مت 5:44) . إنها فرصة أن تدرب نفسك علي تنفيذ هذه الوصية أثناء الصوم . صل ان يغفر الله لهؤلاء المسيئين ، وأن ينقذهم مما هم فيه . وصل من أجل محبتهم لك ومحبتك لهم ، حتى لا يتغير قلبك من جهتهم بسبب إساءتهم لك . أطلب لهم الخير . وصل ان ينقذك الرب من إدانتهم في فكرك أو أمام الناس . طبيعي أنك تصلي لأجل أحبائك . والأجمل ان تصلي لأجل هؤلاء . قل له : أحفظهم يارب . خلصهم . أغفر لهم . أعطني نعمة في أعينهم واعطني ان أحبهم كسائر أحبائي . أجعل قلبي من جهتهم قلبي نقياً من جهتهم . 10-تداريب أخري للصلاة : أ‌- درب نفسك علي التبكير في الصلاة ، وان يكون الله هو أول من تكلمه في يومك ، ولو بعبارة قصيرة . أشكرك يارب . أجعله يارب يوماً مباركاً . أعطني يوماً مقدساً أرضيك فيه … ب‌- درب نفسك علي ترديد صلوات القديسين . أبحث عنها وصل بها ( صلوات الأنبياء موجودة في الكتاب وفي طقس سبت النور ) ج- أقرأ الكتب التي تعطيك حرارة روحية وتجعلك بحرارة . د- صل قبل كل عمل ، وقبل كل زيارة ومقابلة . تداريب وسائط روحية أخرى:- 1- درب نفسك علي القراءات الروحية : القراءات الدينية كثيرة ، ولا تدخل تحت حصر . ولكن أيام الصوم المقدسة - كفترة عبادة - لا يكون التركيز فيها علي الكتب التي تزيد معلوماتك ومعارفك ، إنما اهتم بالكتب الروحية التي تلهب قلبك بمحبة الله ، وتشغلك بحرارة تقودك إلي الصلاة ، وتحثك حثاً علي التوبة ونقاوة الحياة . بمثل هذه الكتب تهتم . وأنت ادري بالقراءات التي تؤثر فيك روحياً … اما باقي الدينية ، فلست أمنعك عنها ولكنها في الصوم لها الدرجة الثانية . اما الأولوية فللكتب الروحية وسير القديسين . 2- درب نفسك أيضاً علي التراتيل والألحان . وبخاصة التراتيل والألحان التي لها روح الصلاة ، وتشعر فيها انك تخاطب الله والتي ترتلها من قلبك وروحك ، وقد مست مشاعرك وأثرت في قلبك . ويمكن أن تحفظ هذه الترانيم التي تؤثر فيك وترددها في أي وقت 3- درب نفسك أيضاً علي المطانيات . أن أهملتها في أوقات أخري ، أحرص أن تمارسها أثناء الصوم ,. تداريب على فضائل معينة:- يمكن الاستفادة من المشاعر الروحية العميقة خلال فترة الصوم ، ليتدرب الصائم خلالها علي أية فضيله يشتاق إليها قلبه كان يدرب نفسه علي التسامح ، او الاحتمال ، او الهدوء ، أو الأمانة في العمل ، أو الدقة في كل شئ ، أو النظام الخ ولو أنك خرجت من كل صوم ، وقد أتقنت إحدى الفضائل ، فإن هذا لا شك ربح روحي كبير , قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب روحانية الصوم
المزيد
24 مارس 2021

تداريب أثناء الصوم

ما هي تداريب الصوم؟ مادام الصوم فترة روحية مقدسة ، يهدف فيه الصائم إلي نموه لالروحي ، أذن يليق أن يضع أمامه بعض التداريب روحية ، لكي يحول بها هذه الرغبات الروحية إلي حياة عملية . فما هي هذه التداريب ؟ تختلف التداريب الروحية من شخص إلي أخر . وذلك بحسب احتياج كل إنسان . سواء كانت هذه التداريب تشمل مقاومة نقط ضعف معينه في حياة الصائم ، أو تشمل فضائل معينة تنقصه ، أو اشتياقات روحية تجول في قلبه . وهكذا تختلف في الشخص الواحد حسب احتياجه . فما يحتاج إليه إنسان في وقت ، غير ما يحتاجه في وقت آخر . وذلك حسب حروبه من جهة ، وحسب درجة نموه من جهة أخري . المهم أن توجد التداريب ، حتى يشعر الصائم أنه يضع هدفا خاصاً أمامه أثناء الصوم يحاسب نفسه عليه ، ويتابع تنفيذه ، وحتي بنتيجة واضحة من صومه بالإضافة إلي الفضائل العامة للصوم . وما سنتحدث عنه الآن ، هو مجرد أمثلة . وليضع كل إنسان ما يناسبه من تداريب أثناء صومه . وليكن ذلك تحت إشراف أب اعترافه بقدر الإمكان . تداريب خاصة بالصوم:- والغرض منها ان يكون الصوم سليماً ، نامياً في نوعيته . ومنها تداريب خاصة بضبط النفس : وقد تشمل منع الصائم لنفسه من أكل أصناف معينة يشتهيها . سواء كلن ذلك منعاً كلياً طوال فترة الصوم ، أو منعاً جزئياً خلال فترة محددة أو يوم معين . أو كان ذلك المنع عن طريق الإقلاقل من الكمية ، أو عدم طلب صنف معين بالذات . وقد تشمل تداريب ضبط النفس : فترة الإنقطاع وتحديدها و النمو فيها . والبعض يلجأ إلي نظام التدريج حتى خلال الصوم الواحد . فالصوم الكبير يشمل ثمانية أسابيع ، قد يتدرج الصائم أثناءها في درجة نسكه وانقطاعه عن الطعام . ويشمل ضبط النفس يوم الرفاع ، يوم العيد أيضاً ، فلا يكون الأكل فيهما علي مستوي التسيب بلا ضابط . كذلك ضبط النفس يشمل أيضاً عنصر الجوع . وقد يكون التداريب خاصة بالفضائل المصاحبة للصوم . وبهذا تشمل النواحي الروحية في الصوم كضبط النفس عموماً خارج نطاق الأكل ، والسيطرة علي الجسد عموماً ، والامتناع عن كل شهواته الجسدية ، وكل الترفيهات الخاصة بالحواس . وتداريب السهر ، وتدريب البعد عن الكماليات . وكذلك التداريب الخاصة بما في الصوم تذلل وانسحاق أمام الله ، وما فيه أيضاً من زهد ، يتسع نطاقه بالتدريج . تداريب خاصة بالتوبة:- لأن الصوم هو بلا شك فترة توبة . وتداريب التوبة كثيرة نذكر منها : التركيز علي نقطة الضعيف أو الخطية المحبوبة . وكل إنسان يعرف تماماً ما هي الخطية التي يضعف أمامها ، ويتكرر سقوطه فيها ، وتتكرر في غالبية اعترافاته . فليتخذ هذه الخطايا مجالاً للتداريب علي تركها أثناء الصوم . وهكذا يكون صوماً مقدساً حقاً . وقد يتدرب الصائم علي ترك عادة ما . مثل مدمن التدخين الذي يتدرب في الصوم علي ترك التدخين . أو المدمن مشروباً معيناً ، أصبح عادة مسيطرة لا يستطيع تركها ، كمن يدمن شرب الشاي و القهوة مثلاً . أو الذي يصبح التفرج علي التلفزيون عادة عنده تضيع وقته وتؤثر علي قيامه بمسؤلياته . كل ذلك وأمثاله تكون فترة الصوم تدريباً علي تركه . وقد يتدرب علي تركه خطية كالغضب أو الإدانة . وهي من الخطايا المشهورة التي يقع فيها كثيرون . وربما تشمل التداريب مجموعة من خطايا اللسان تعود الإنسان السقوط فيها ، فيدرب نفسه في الصوم علي التخلص منها واحدة فواحدة . وما أسهل أن يضع أمامه آيات خاصة بالخطية . فمثلاً يذكر نفسه كلما وقع في خطية النرفزة يقول الكتاب " لأن غضب الإنسان لا يصنع بر الله "( يع 1:2) . ويكرر هذه الآية بكثرة كل يوم ، وبخاصة في المواقف التي يحاربه الغضب فيها . ويبكت نفسه قائلاً ماذا أستفيد من صومي ، إن أن كنت فيه أغضب ولا أصنع بر الله ؟! أو أن كان واقعاً في أية خطية من خطايا اللسان ، يضع أمامه قول الكتاب " كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس ، سوف يعطون عنها حساباً يوم الدين " ( مت 12: 36) . ويقول لنفسه في عتاب : ماذا أستفيد إن صمت صوماً فيه كل ضبط النفس ، ثم لم أضبط لساني وقلت لأخي يا أحمق ، وأصبحت بذلك مستحقاً لنار جهنم ( مت 5: 22) . وكلما تجوع وتشتهي الأكل ، بكت نفسك . وقل لها : حينما تتركن هذه الخطية ، سوف أسمح لك بالأكل . هوذا الكتاب يقول " إن الذي لا يعمل لا يأكل " ( 2تس 3:10) . وأنت لم تعملي عمل التوبة اللائق بالصوم ، أو اللائق بقلب هو مسكن الله . وبخ نفسك وقل لها : ما فائدة امتناعي عن الأكل ، أن كنت لم أمتنع بعد عن هذه الخطية التي تفصلني عن الله ، ولا تنفعني صومي كله . خذ نقطة الضعف التي فيك ، واجعلها موضوع صلواتك وجهادك خلال هذا الصوم . ركز عليها التركيز كله ، من جهة الحرص و التدقيق ، ومن جهة مقاومة هذه الخطية . واسكب نفسك أمام الله ، وقل له : نجني يارب من هذه الخطية . أنا معترف بأنني ضعيف في هذه النقطة بالذات ، ولن أنتصر عليها بدون معونة منك أنت . إرحم يارب ضعفي وعجزي . لأ أريد أن أنتهي من هذا الصوم ، قبل أنت تنتهي هذه الخطية من حياتي . أجمع آيات الكتاب الخاصة وضعها أمامك ، لتتلوها باستمرار . لتكن فترة الصوم هذه هي فترة صراع لك مع الله ، لتنال منه قوة تنتصر بها علي خطاياك . درب نفسك خلال الصوم علي هذا الصراع . وقل : مادام الصوم يخرج الشياطين حسب قول الرب ، فليته يخرج مني خطاياي مادام هو مع الصلاة يخرج الشياطين . تداريب الاعتكاف و الصمت:- يقول الكتاب " قدسوا صوماً ، نادوا باعتكاف "( يوئيل 1:14) . ضع هذه الآية أمامك ودرب نفسك علي الاعتكاف . والمقصود بالاعتكاف ، أنه اعتكاف مع الله . لأن هناك من يعتكفون في بيوتهم ، دون أي عمل روحي ، بل قد يعتكفون مع الراديو أو التلفزيون أو المجلات ، أو في أحاديث مع اهل البيت …! أو يعتكفون مع الأفكار الخاطئة ، ليس هذه هو الاعتكاف . إنما الاعتكاف يكون من أجل عمل روحي تعمله في مخدعك عليك مع الله . تعتكف مع الكتاب ، مع سير القديسين ، مع المطانيات ، مع الصلاة . إن كان لك برنامج روحي ، ستحب الاعتكاف . وإن استفدت فائدة روحية من اعتكافك ، ستستمر في هذا الاعتكاف ، وتشعر أنه بركة لك من الله . لذلك اجلس إلي نفسك . وضع هذا البرنامج ، واعتكف لأجل تنفيذه . وحاول أن تستغني عن صداقاتك وترفيهاتك خلال هذه الفترة ، التي سيكون فيها الله هو صديقك الحقيقي . درب نفسك أنك تستغني عن الحكايات و الدردشة والكلام الذي لا يفيد ، وحينئذ ستقدر أن تعتكف وتعمل مع الله . وإن لم تستطيع أن تعتكف طول الصوم ، فهناك حلول أسهل : أستخدم تدريب " بعض الأيام المغلقة ". أي حدد لنفسك أياما معينة لا تخرج فيها من بيتك ، وتكون قد نظمت مشغولياتك وزياراتك ، بحيث تعتكف في هذه الأيام المغلقة . ويمكن ان تبدأ بيوم واحد مغلق في الأسبوع ، ثم يومين ، ثم تنمو أكثر … ولكن ماذا تفعل إن لم تستطيع أن تغلق علي نفسك مع الله ؟ إن لم تستطيعوا أن تغلقوا أبوابكم خلال الصوم ، فعلي الأقل إغلقوا أفواهكم عن الكلام الباطل . فحديثنا مع الناس ، ما أسهل ان يعطل حديثنا مع الله . وكما قال أحد الآباء " الإنسان الكثير الكلام ، إعلم أنه فارغ من الداخل "… أي فارغ من العمل الروحي داخل القلب ، فلا صلاة ولا تأمل ولا تلاوات روحية … إن تدريب الخلوة والإعتكاف ، سيساعدكم علي الصمت . والصمت سيخلصكم من أخطاء السان ، كما أنه يعطيكم فرصة للعمل الداخلي ، عمل الروح … ولكن ماذا إذن ، أن كان الصائم لا يستطيع الاعتكاف الكامل ، ولا الأيام المغلقة ، ماذا يفعل ؟ هناك تدريب آخر هو : تدريب مقاومة الوقت الضائع : هناك إنسان مشكلته الأولي ضياع وقته . وقته تافه في عينيه . يضيع أوقاته دون أن يستفيد . هذه هي خطيته الأولي . ونتيجة لإضاعة الوقت ، لا صلاة ، ولا قراءة ،ولا أي فكر روحي . ونتيجة لهذا أيضاً : الفتور الروحي ، وربما الوقوع في الخطية . هذا يقول لنفسه : أريد خلال الصوم أن أدرب نفسي علي مقاومة الوقت الضائع ، وعلي الاستفادة من وقتي . وكيف ذلك ؟ توفر الوقت الضائع في الكلام مع الناس ، والوقت الضائع في المقابلات والزيارات ، وفي المناقشات التي لا تفيد ، والوقت الضائع في قراءة الجرائد والمجلات و التعليق علي ما فيها . وكذلك الضائع في الاستماع إلي الراديو و التلفزيون ، وفي سائر الترفيهات التي يمكن الاستغناء عنها ، وتحويل وقتها إلي عمل روحي مع الله كل إنسان يعرف أين يضيع وقته . ويعرف بالتالي كيف يمكن أن ينقذ هذا الوقت كجزء من حياته ، ويستفيد به . ليكن هذا تدريباً لنا خلال الصوم بإذن الله … وهذا التدريب يساعدنا علي تدريب آخر هو : صوم اللسان :- قال مار اسحق " صوم اللسان خير من صوم الفم " . إن عرفت هذا درب نفسك علي الصمت علي قدر إمكانك . وإن لم تستطيع ، استخدم هذه التداريب الثلاثة : I- عدم البدء بالحديث إلا لضرورة . II- الإجابة المختصرة . ج- إشغل فكرك بعمل روحي ، يساعدك علي الصمت . تداريب التذلل و الانسحاق:- أيام الصوم هي أيام انسحاق وتذلل أمام الله ، لذلك درب نفسك علي ذلك حتي تصل نفسك إلي التراب والرماد . وذلك عن طريق التداريب الآتية : I- أبعد عن محبة المديح ، وعن كلام الافتخار ومديح النفس . II- أستخدم كلام الانسحاق في صلواتك ، مثل ترديدك لمزمور " يارب لا تبكتني بغضبك ، ولا تؤذبني بسخطك "( مز 6) . ج- إذا جعت ، أو جلست لتأكل ، قبل لنفسك " أنا لا أستحق الطعام بسبب خطاياي ، لأني فعلت كذا كذا … أنا لست أصوم عن قداسة ، وإنما عن مذلة داخل نفسي ". حاق ، مهما وضعوا أمامه من مشتهيات ، لا يجد رغبة في الأكل . وأن ضغط عليه الجوع ، يقول لنفسه : تب أولاً ، حينئذ يمكنك أن تأكل … وان وجد نفسه ما يزال في خطأ ، يبكت ذاته قائلاً : هل هذا هو الصوم مقبول أمام الله ؟! هل هذا تقديس للصوم ؟! د- أيام الصوم فرصة صالحة للأعتراف وتبكيت الذات أمام الله ، وأمام أب الاعتراف . وداخل نفسك . إنها فترة صراحة مع النفس ، ومحاسبة للنفس ، وتوبيخ وتأديب لها . أحرص فيها أن تجلب اللوم علي ذاتك . وأهرب من كل تبرير للنفس في أية خطية ، مهما سهلت التبريرات . هـ - أدخل في تداريب الإتضاع ، وهي كثيرة جداً . ونود أن نقدم لك في ذلك كتابا؟ً خاصاً إن شاء الله . قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب روحانية الصوم وللحديث بقية
المزيد
17 مارس 2021

فضائل ومشاعر مصاحبة للصوم 2

الصوم يصحبه ضبط النفس:- جميل أن تضبط نفسك ضد كل رغبة خاطئة، سواء أتتك من داخلك أو من حروب الشياطين. فالذي يملك روحه خير ممن يملك مدينة) (أم 16: 32).أمسك إذن زمام إرادتك في يدك.في صوم الجسد تشمل كل فكر، وكل رغبة بطالة، وكل تصرف خاطئ، وكل شهوة للجسد. أما الذي يملك إرادتك في الطعام فقط، وينغلب من باقي شهواته، فصومه جسداني. والذي لا يستطيع أن يضبط نفسه في صوم الجسد، فبالتالي سوف لا يستطيع أن يضبط نفسه في الأفكار والشهوات والتصرفات.أما ضبطك لشهواتك فدليل علي الزهد ومحبة الله. الصوم يصحبه قهر الجسد:- تقول للجسد في الصوم: أرفع يدك عن الروح، وأطلقها من روابطك، لتتمتع بالله. وأنت تصوم لكي تنفك من رباطات الجسد. وشهوة الأكل هي إحدى هذه الرباطات. وهناك رباطات أخري كالشهوات الجسدية. وهكذا في الصوم، يكون قهر الجسد أيضا بالبعد عن العلاقات الزوجية، ولكن يكون ذلك باتفاق (1كو 7:5). وكما يقول يوئيل النبي في الصوم "ليخرج العريس من خدره، والعرس من حجلتها" (يوئيل 2: 16). وكما قيل عن داريوس الملك، لما ألقي دانيال في الجب إنه "بات صائمًا، ولم يؤت قدامه بسراريه" (دا 6: 18). حتى مجرد زينة الجسد.. قال دانيال النبي في صومه " ولم أدهن "(دا 10: 3). وقال عن شهوة الطعام "ولم آكل طعامًا شهيًا".قهر الجسد ليس هدفًا في ذاته، بل وسيلة للروح.إن ضبط الجسد لازم حتى لا ينحرف فيهلك الروح معه وفي ذلك ما أخطر قول الرسول "أقمع جسدي وأستعبده. حتى بعد ما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضًا" (1كو 9:27). فحينما يكون الجسد مقهورًا، تمسك الروح بدفة الموقف وتدبير العمل. والجسد حينئذ لا يقاومها، بل يشترك معها ويخضع لقيادتها. أضبط إذن جسدك، وأبعده عن كل المتع والترفيهات والشهوات، بحكمة.ولا يكفي فقط أن تصوم، بل تنتصر علي شهوة الأكل.وهذا يقودنا في الصوم إلي فضيلة أخري هي الزهد. الصوم يصحبه الزهد:- قد يمتنع الإنسان عن الطعام، ولكنه يشتهيه. لذلك فليس السمو في الامتناع عن الطعام، إنما في الزُّهد فيه. الارتفاع عن مستوي الأكل، يوصل إلي الزهد فيه، وإلي النسك فيه، وبالتالي إلي فضيلة التجرد. ولكن ماذا إن لم يستطع أن يصل إلي الزهد والتجرد؟ إن لم يمكنك التجرد و الزهد، فعلي الأقل أترك من أجل الله شيئًا.كان المطلوب من آدم وحواء، أن يتركا من أجل الله ثمرة واحدة من الثمار. والمعروف أن تَرْك الطعام أو نوع منه، ليس إلا تدريبًا لِتَرْك كل شيء لأجل الله.. وأنت ماذا تريد في الصوم أن تترك لجل الله، لأجل محبته وحفظ وصاياه؟ أن الله ليس محتاجًا إلي تركك شيئًا. ولكنك بهذا تدل علي أن محبتك لله قد صارت أعمق، وقد عملية. ومن أجل محبته أصبحت تضحي برغباتك. الصوم تصحبه الصدقة:- فالذي يشعر في الصوم بالجوع، يشفق علي الجوعانين. وبهذه الرحمة يقبل الله صومه، وكما قال "طوبي للرحماء فإنهم يرحمون" (مت 5: 7). والكنيسة من اهتمامها بالصدقة، ترتل في الصوم الكبير ترنيمة "طوبى للرحماء علي المساكين".ومن اهتمام الرب بالصدقة، قال في نبوة إشعياء."أليس هذا صومًا أختاره: حل قيود الشر.. إطلاق المسحوقين أحرارًا.. أليس أن تكسر للجائع خبزك، وأن تدخل المساكين التائهين إلي بيتك. إذا رأيت عريانًا أن تكسوه، وأن لا تتغاضي عن لحمك" (أش 58: 7).وفي عصر الشهداء و المعترفين، كانت الكنيسة تقول هذا التعليم أن لم تجد ما تعطيه لهؤلاء، فصم وقدم لهم طعامك. أي أنك لا تصوم، وتوفر الطعام لك. وإنما تصوم وتقدم للمساكين الطعام الذي وفرته. ولهذا اعتادت كثير من الكنائس في أيام الصوم، أن تقيم موائد للفقراء تسميها أغابي `agapy. ولكي لا يحرج الفقراء إن أكلوا وحدهم، يأكل الشعب كله معًا. الصوم تصحبه الميطانيات:- المطانيات metanoia هي السجود المتوالي، مصحوبًا بصلوات قصيرة.والكنيسة تربط المطانيات بالصوم الانقطاعي. فالأيام التي لا يجوز فيها الصوم الانقطاعي. مثل الأعياد والسبوت والآحاد والخماسين - لا تجوز فيها أيضًا المطانيات، سواء من الناحية الروحية أو الجسدية. لذلك يحسن أن تكون المطانيات في الصباح المبكر، أو في أي موعد أثناء الانقطاع قبل تناول الطعام.يمكن أن تكون المطانيات تذللًا أمام الله.أي أنه مع كل مطانية metanoia، يبكت الإنسان نفسه أمام الله علي خطية ما، ويطلب مغفرتها: أنا يا رب أخطأت في كذا، فاغفر لي. أنال نجست هيكلك فاغفر لي. أغفر لي أنا الكسلان، أنا المتهاون، أنا الذي.. ويمكن أن تكون المطانيات مصحوبة بصلوات شكر أو تسبيح.ويمكن القيام بتمهيد روحي قبل المطانيات.كمحاسبة للنفس، أو أية قراءة روحية تشعل الحرارة في القلب. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب روحانية الصوم
المزيد
10 مارس 2021

فضائل ومشاعر مصاحبة للصوم

الصوم مصحوب بفضائل إن الذين يصومون ولا يستفيدون من صومهم، لابد أنهم صاموا بطريقة خاطئة، فالعيب لم يكن في الصوم، وإنما كان في الطريقة.وهؤلاء إما أنهم صاموا بطريقة جسدانية، ولم يهتموا بالفضائل المصاحبة للصوم أو أنهم اتخذوا الصوم غاية في ذاتها، بينما هو مجرد وسيلة توصل إلي غاية. والغاية هي إعطاء الفرصة للروح. إن الصوم هو فترة روحيات مركزة.فترة حب لله، والتصاق به. وبسبب هذا الحب ارتفع الصائم عن مستوي الجسد الجسدانيات.هو ارتفاع عن الأرضيات ليتذوق الإنسان السمائيات. إنه فتره مشاعر مقدسة نحو الله. علي الأقل فيها الشعور بالوجود مع الله والدالة بالوجود مع الله والدالة معه. وهو فترة جهاد روحي: جهاد مع النفس، ومع الله، وجهاد ضد الشيطان.أيام الصوم هي أيام للطاقة الروحية وفترة تخزين. فمن عُمْق الروحيات التي يحصل عليها في الصوم، يأخذ الصائم طاقة روحية تسنده في أيام الإفطار. فالذي يكون أمينًا لروحياته في الصوم الكبير مثلًا، يحصل علي خزين روحي يقويه أيام الخمسين حيث لا صوم ولا مطانيات metanoia.. ولكي يكون صوم الإنسان روحيًا، عليه بالملاحظات الآتية-: 1- يكون الصوم روحانيًا في هدفه ودوافعه: لا يكون اضطرارًا، أو لكسب المديح، أو بسبب عادة. إنما يصوم لأجل محبة الله، ارتفاعًا عن الماديات والجسدانيات لتأخذ الروح فرصتها. 2- يكون الصوم فترة للتوبة ونقاوة القلب: يحرص فيه الصائم علي حياة مقدسة مقبولة أمام الله. فيها الاعتراف وتبكيت النفس، وفيها التناول من الأسرار المقدسة.. 3- يكون الصوم فترة غذاء روحي ببرنامج روحي قوي: ويهتم فيه بكل الوسائط الروحية. ولا يركز حول أمور الجسد في الصوم، أنما علي أمور الروح. واضعًا أمامه باستمرار ليس مجرد نوعية الطعام الصيامي، وإنما علي أمور الروح. واضعًا أمامه باستمرار ليس مجرد نوعية الصيامي، وإنما قدسية أيام الصوم وما يليق بها، لكي تقوي روحه فيها (اقرأ مقالًا آخرًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات).. الصوم يوصل إلي قوة الروح. وقوة الروح تساعد علي الصوم. وفي الصوم فضائل يرتبط بعضها بالبعض الآخر.الصوم يساعد علي السهر لخفة الجسد. والسهر يساعد علي القراءة والصلاة. والقراءة الروحية أيضًا تساعد علي الصلاة. والعمل الروحي في مجموعة يحفظ الإنسان الروحي ساهرًا. القراءة مصدر للتأمل، والتأمل يقوي الصلاة. والصلاة أيضًا مصدر للتأمل. والصوم يرتبط بالميطانيات metanoia. والمطانيات تساعد علي التواضع وانسحاق علي الواضع وانسحاق القلب كما أن انسحاق الجسد بالصوم يوصل إلي انسحاق الروح. كما يرتبط الصوم بفضائل تتعلق بغرض الصوم.فهناك صوم غرضه الاستعداد للخدمة، كصوم الرسل. وصوم غرضه التوبة كصوم نينوى. وصوم غرضه إنقاذ الشعب، كصوم أستير.. وهناك من يصوم لأجل غيره، وفي ذلك حب وبذل ومشاركة. وكلها أصوام ممزوجة بفضائل خاصة. ليتنا نتذكر في صومنا أن السيد المسيح صام وهو ممتلئ بالروح. أما نحن فعلي الأقل فلنصم لكي نمتلئ بالروح. الصوم تصحبه التوبة:- الصوم أيام مقدسة، يحياها الإنسان في قداسة لابد أن يكون فيها الفكر مقدسًا. والقلب مقدسًا، والجسد أيضًا مقدسًا. الصوم فترة تريد فيها أن تقترب إلي الله، بينما الخطية تبعدك عنه. لذلك يجب أن تبتعد عن الخطية بالتوبة، لتستطيع الالتصاق بالله. في الصوم، يصوم الجسد عن الطعام، وتصوم الروح عن كل شهوة أرضية، وكل رغبة عالمية، وتصوم عن الملاذ الخاصة بالجسد. وهكذا تقترب إلي الله بالتوبة. فاسأل نفسك: هل أنت كذلك؟ بدون التوبة يرفض الله صومك ولا يقبله. وبهذا تكون لا ربحت سماءًا ولا أرضًا. وتكون قد عذبت نفسك بلا فائدة.. فإن أردت أن يقبل الله صومك، راجع نفسك في كل خطاياك، وأرجع عنها.. لقد أعطانا الله درسًا، حينما تقدم التوبة قبل صومه. وكان ذلك رمزًا.خذ مثالًا واضحًا من صوم نينوى.قال عنها الكتاب في صومهم إنهم رجعوا كل واحد عن طريقه الرديئة وعن الظلم الذي في أيديهم (يون3: 8).ولهذا السبب لم يشأ الرب أن يهلكهم "لما رأي أعمالهم أنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة" (يون 3:10). ولم يقل لما رأي مسوحهم وصومهم، بل رأي توبتهم هذه التي كانت هي العنصر الأساسي في صومهم وفي سفر يوئيل نري مثالًا للتوبة المصاحبة للصوم.حيث قال الرب للشعب علي لسان نبيه "أرجعوا إلي بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح.. مزقوا قلوبكم لا ثيابكم، وأرجعوا إلي الرب إلهكم لأنه رؤوف.." (يوئيل 2: 12، 13). واضح هنا أن الصوم مصحوب بالتوبة و البكاء. إذن ليس هو مجرد امتناع عن العام إنه مشاعر قلب من الداخل نحو الله.وفي صوم دانيال النبي، قدم توبة الشعب كله.لقد صام، واعترف للرب قائلًا "أخطأنا وأثمنا، وعلمنا الشر وحدنا عن وصاياك.. لك يا سيد البر، أما لنا فخزي الوجوه.. يا سيد لنا خزي الوجوه، لملوكنا ولرؤوسنا ولآبائنا أخطأنا إليك" (دا 9: 5-8(إذن اصطلح مع الله في صومك لا تقل "إلي متى يا رب تنساني؟ إلي الانقضاء؟ حتى متى أحجب وجهي عنك" طهروا إذن نفوسكم وقدسوها، واستعدوا للقاء هذه الأيام، استعدوا بإسكان الله في قلوبكم، وليس بمجرد الامتناع عن الطعام.إن كنت في خطية، اصطلح مع الله. وان كنت مُصْطَلِحًا معه، عَمِّق محبتك له.وأن أبطلت الخطية في الصوم، استمر في إبطالها بعده.فليست التوبة قاصرة علي الصوم فقط، وإنما هي تليق بالصوم ويتدرب الإنسان عليها، فيتنقى قلبه، يحفظ بهذا النقاء كمنهج حياة. وفي ذلك كله، أعدد نفسك للجهاد ضد الشيطان. قال يشوع بن سيراخ "يا بني أن أقبلت لخدمة الرب الإله فاثبت على البر والتقوى واعدد نفسك للتجربة".. (سفر يشوع بن سيراخ 2: 1)إن الشيطان إذ يري صومك وتوبتك، يحسد عملك الروحي، فيحاربك ليفقدك ثمرة عملك، ويلتمس الحيل إسقاطك لك "لن أتركك حتى تكمل كل بر".. تذكر إذن قول القديس بطرس الرسول "قاوموه راسخين في الإيمان" (2بط 5: 9(الصوم إذن فترة حروب روحية كما حدث للسيد له المجد (مت 4). وهي أيضًا فترة انتصار لمن يشترك مع المسيح في صومه. الصوم تصحبه الصلاة والعبادة:- الصوم بدون صلاة يكون مجرد عمل جسداني.وهكذا يفقد طابعة الروحي ويفقد فائدته الروحية وليس الصوم هو الاكتفاء بمنع الجسد عن الطعام، فهذه ناحية سلبيه. أما الناحية الإيجابية فتظهر في إعطاء الروح غذاءها الذين يصمون، وليس في أصوامهم أي عمل روحي، لا صلاة، ولا تأمل، ولا قراءات روحية، ولا ألحان ولا تراتيل، ولا مطانيات metanoia، هؤلاء تكون أصوامهم ثقلًا عليهم، وبلا فائدة. ما الفرق بين هؤلاء وأصوام البوذيين و الهندوس. وأين شركة الروح القدس في الصوم؟! الصوم فرصة للصلاة، لأن صلاة واحدة تصليها في صومك، هي أعمق من مائة صلاة وأنت ممتلئ بالطعام وصوتك يهز الجبل! الكنيسة تعلمنا باستمرار ارتباط الصلاة بالصوم.وفي قسمة الصوم الكبير في القداس الإلهي تتكرر عبارة "بالصلاة و الصوم". والسيد المسيح لما تكلم عن إخراج الشياطين، قال "هذا الجنس لا يخرج إلا بالصلاة و الصوم" وهكذا قرن الصوم بالصلاة.والأصوام المشهورة في الكتاب، مرتبطة أيضًا بالصلاة.ففي صوم نحميا يقول "فلما سمعت هذا الكلام، جلست وبكيت، ونحت أيامًا، وصمت وصليت.. وقل "أيها الرب إله السماء.. لتكن أذنك مصغية وعيناك مفتوحتين، لتسمع صلاة عبدك الذي يصلي إليك الآن نهارا وليلًا.." (نح 1: 4-6) وبدأ يعترف بخطايا الشعب، طالبًا الرحمة وتَدَخُّل الرب.. وصوم عزرا أيضًا كان مصحوبًا بالصلاة والصراع مع الله، بقوله: "أمل أذنك يا إلهي واسمع. أفتح عينيك وانظر خرابنا و المدينة التي دعي أسمك عليها لأنه ليس لأجل برنا نطرح تضرعاتنا أمام وجهك، بل لأجل نفسك يا إلهي، لأن أسمك دعي علي مدينتك وعلي شعبك "(دا 9: 18،19). وصوم نينوى كانوا فيه "يصرخون إلي الله بشدة" (يون 3:8(فاصرخوا إلي الرب خلال صومكم، وارفعوا إليه قلوبًا منسحقة.وثقوا أن الله يستجيب لصومك وصراخكم، وينتهر الرياح والأمواج، فيهدأ البحر. حقًا ما أعمق الصلوات، إن كانت في أيام مقدسة، ومن قلوب متذللة أمام الله بالصوم، ومتنقية بالتوبة، وكم يكون عمقها إن كانت مصحوبة أيضًا بقداسات وتناول درب نفسك في الصوم علي محبة الصلاة والصراع مع الله.والمهم في صلاتك أن تعطي الله قلبك وفكرك. ولا تحاول أن تريح ضميرك بشكليات، بمجموعة من التلاوات لا عمق فيها وليست حاجة من القلب، ثم تقول "أنا صمت وصليت"! فالرب يعاتب قائلًا "هذا الشعب يكرمني بشفتيه، أما قلبه فمبتعد عني بعيدًا" (مر 7: 6). إن الصلاة صلة، فاشعر أثناء صلاتك وصومك، أنك في صله مع الله. وغن كان تقديس الصوم معناه تخصيصه للرب فهل فترة صومك خصصتها للصلاة وللعمل الروحي؟ هل هي فترة صلاة وتأملات وقراءات روحية، وتخزين روحي، وتفرغ لله وعشرته؟ وهل صلواتك فيها أضعاف صلواتك في الأيام العادية. وأن لم تخصص فيها أكبر وقت لله، فهل خصصت له مشاعرك وعواطفك؟ إن الصوم المصحوب بعشرة الله، يتحول إلي متعة روحية.وفي هذه المتعة، يحاول الصائم أن يكثر من صومه، ويصبح الطعام ثقلًا عليه، لأنه يرجعه إلي استعمال الجسد الذي استراح منه إلي حين طوال ساعات انقطاعه. الصوم مصحوب بالتذلُّل والبكاء:- الصوم فترة تنسحق فيها الروح أمام الله، بالتوبة والدموع وانكسار القلب واتضاعه، فتعرف الذات ضعفها، أنها تراب ورماد، وتلجأ إلي القوة العليا.حينما ينسحق الجسد بالجوع، تنسحق الروح أيضًا وفي انسحاقها، وتنحني النفس أمام الله خاشعة ذليلة معترفة بخطاياها وتذلل النفس يحنن قلب الله وقلوب السمائيين جميعًا. والإنسان في اتضاعه وشعوره بضعفه، يشعر أيضًا بزهد في كل شيء، ولا يتعلق قلبه بأيَّة شهوة فيكلم الله بعمق.والكتاب المقدس يقدم أمثلة عديدة عن التذلل في الصوم لأن الله لا يحتمل أن يري مذله أبنائه أمامه. وأكثر الأمثلة في سفر القضاة التي رأي فيها الله مذله شعبة فنزل وخلصهم (قض 2)، "في كل ضيقهم تضايق، وملاك حضرته خلصهم" (أش 63:9). بتذللهم وانسحاقهم يتضرعون. وقريب هو الرب من المتضعين، ومنسحقو القلوب هو يخلصهم.. الصوم الذي آمر به يوئيل النبي، مثال واضح.قال: "تنطقوا ونوحوا أيها الكهنة.. أدخلوا، بيتوا بالمسوح يا خدام إلهي... قدسوا صوما، نادوا باعتكاف" (يوئيل 1: 13، 14). "الآن -يقول الرب- أرجعوا إلي الرب إلهكم.. قدسوا صومًا نادوا باعتكاف.. ليخرج العريس من مخدعه و العروس من حجلتها. ليبك الكهنة خدام الرب بين الرواق و المذبح ويقولوا: أشفق يا رب علي شعبك، ولا تسلم ميراثك للعار، حتى تجعلهم الأمم مثلًا. لماذا يقولون بين الشعوب: أين إلههم؟" (يوئيل 2: 12-17)إننا نري هنا صورة تفصيلية للصوم المتكامل.الصوم، ومعه التوبة (الرجوع إلي الله)، ومعه الصلاة، والتذلل والبكاء و النوح والبعد عن الجسدانيات، ومعه أيضا الاعتكاف والمسوح... هذا هو الصوم في كل عناصره، وليس مجرد الامتناع عن الطعام. مثال آخر، هو صوم أهل نينوى.صاموا، حتى الأطفال و الرضع، لم يذوقوا ولم يأكلوا شيئًا ولكنهم لم يكتفوا بهذا، بل تذللوا أمام الله في المسوح والرماد. حتى الملك نفسه، خلع تاجه وملابسه الملكية. ولم يجلس علي عرشه، بل جلس معهم علي المسوح والرماد.. وصرخ الكل إلي الله بشدة (يون 3(. كذلك أيضًا صوم نحميا، وصوم عزرا.قال عزرا الكاتب والكاهن "ناديت هناك بصوم علي نهر أهوا، لكي نتذلل أمام إلهنا، لنطلب منه طريقًا مستقيمة لنا ولأطفالنا.. فصمنا وطلبنا ذلك من الله فاستجاب (عز 8: 21،23). وكذلك نحميا أيضًا يقول:" بكيت ونحت أيامًا، وصمت وصليت "(نح 1:4). هذا عن نفسه، أما عن الشعب، فيقول إنهم: اجتمعوا بالصوم، وعليهم مسوح وتراب، وانفصلوا عن الزيجات الخاطئة، ووقفوا واعترفوا بخطاياهم وذنوب آبائهم. وأقاموا في مكانهم، وقرأوا في شريعة الرب إلههم (نح 9:1-3). أليس هذا أيضًا صومًا متكاملًا: بالصلاة، والبكاء والنوح، وقراءة الكتاب، والتوبة والاعتراف في المسوح و التراب.. إذن ليس هو مجرد امتناع عن الطعام.. وبنفس الوضع كان أيضًا صوم دانيال النبي. يقول "فوجهت وجهي إلي الله السيد، طالبًا بالصلاة و التضرعات، بالصوم و المسح والرماد. وصليت إلي الرب إلهي واعترفت.. أخطأنا وأثمنا وعلمنا ¸الشر وتمردنا وحدنا عن وصاياك.." (دا9:3-5). وفي صوم آخر يقول "أنا دانيال. كنت نائحًا ثلاثة أسابيع أيام. لم آكل طعامًا شهيًا، ولم يدخل في فمي لحم ولا خمر، ولم أدهن.." (دا 10: 2، 3). إنها نفس عناصر الصوم التي وردت في الأصوام السابقة.. حقًا، هذا هو الصوم الذي قال عنه داود النبي "كان لباسي مسحًا. أذللت بالصوم نفسي" (مز 35:17) ولا شك أن النوح يوقف كل شهوة للجسد، ويبعد كل رغبة في الطعام. كما أنه بالاتضاع تفتح أبواب السماء. الصوم يصحبه الاعتكاف والصمت:- لقد تكررت هذه العبارة مرتين في سفر يوئيل النبي "قدسوا صومًا، نادوا باعتكاف" (يوئيل 1: 14؛ 2: 15)نادوا باعتكاف، لكي تجدوا وقتًا للعمل الروحي.في الاعتكاف تصمت، ولا تجد من تكلمه، فتكلم الله. ولكن لا تعتكف مع الخطية، أو مع طياشة الأفكار.. وتعتكف أيضًا حتى لا يظهر صومك للناس بل لأبيك الذي يري في الخفاء. والمعروف أن الصائم في نسكه وجوعه، قد يكون في حالة من الضعف، لا تساعده علي بذل مجهود، فالاعتكاف بالنسبة إليه أليق. في صومه، روحه مشغولة بالعمل الجواني مع الله، لذلك فالكلام يعطله عن الصلاة والهذيذ والتأمل، والمقابلات والزيارات تمنع تفرغه لله، وربما توقعه في أخطاء. السيد المسيح في صومه، كان معتكفًا علي الجبل.في خلوة مع الله الآب، وتفرغ للتأمل وهكذا أيضًا كانت أصوام آبائنا في البرية.. أما أنت، فعلي قدر إمكانياتك أعتكف.. وإذا اضطررت لخلطة، ليكن ذلك في حدود الضرورة، وتخلص من الوقت الضائع، ومن كل كلمة زائدة. وهذا يذكرنا بصوم آخر هو: صوم اللسان والفكر والقلب. صوم اللسان والفكر والقلب:- قال مار اسحق: "صوم اللسان خير من صوم الفم. وصوم القلب عن الشهوات خير من صوم الاثنين"، أي خير من صوم اللسان ومن صوم الفم كليهما. كثيرون يهتمون فقط بصوم الفم عن الطعام. وهؤلاء وبخهم الرب بقوله "ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان، بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الإنسان" (مت 15: 11). وهكذا أرانا أن الكلام الخاطئ نجاسة. وأيضًا قال معلمنا يعقوب الرسول عن اللسان إنه "يدنس الجسد كله" (يع3:6). فهل لسانك صائم مع صوم جسدك؟ وهل قلبك صائم عن الشهوات إن القلب الصائم يستطيع أن يصوم اللسان معه.لأنه "من فيض القلب يتكلم الفم" (مت 12: 34) وكما قال الرب أيضًا "وأما ما يخرج من الفم، فمن القلب يصدر" (مت 15: 18). وكذلك لأن "الرجل الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح. والرجل الشرير من كنز قلبه الشرير تخرج الشرور" (مت 12: 35). لذلك إن كان قلبك صائمًا عن الخطية، فسيكون لسانك صائمًا عن كل كلمة بطالة.والذي يصوم قلبه، يمكنه أن جسده أيضًا.أذن المهم هو صوم القلب والفكر عن كل رغبة خاطئة. أما صوم الجسد فهو أقل شيء. وأحرص إذن في صومك أن تضبط لسانك، وكما تمنع فمك عن الطعام، امنعه عن الكلام الرديء. وسيطر علي أفكارك، واضبط نفسك. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب روحانية الصوم
المزيد
03 مارس 2021

أمثال شائعة مع شرح وتعليق

ما أكثر الأمثال الشائعة, بعضها بالعامية وبعضها بالشعر.وهى تجرى عند الناس مجرى الحكمة. ولكن ليست كلها سليمة تمامًا, وقد تحتاج إلى تعليق. ونذكر من بينها: 1- امشي على مهلك, علشان توصل بسرعة... ويضرب هذا المثل بوجه خاص لسائقي السيارات الذين بسبب السرعة المتهورة تحدث لهم حوادث غالبًا ما تعطلهم. فلو أنهم تجنبوا تلك السرعة, لأمكنهم تجنب الحوادث ووصلوا بسرعة ويمكن أن يستخدم هذا المثل للتحذير من كل سرعة ضارة.وينضم إلى هذا المثل مثلان آخران هما: 2- في التأني السلامة, وفي العجلة الندامة. وأيضًا: 3- العجلة من الشيطان: ويضرب هذا المثل بقصد التروي, والتفكير وعدم التسرع. ذلك لأن بعض الأمور التي تعمل بسرعة, لا تأخذ ما يلزمها من الدراسة.. ولكن يجب ملاحظة الفرق بين السرعة والتسرع.التسرع مذموم. ولكن السرعة قد تكون واجبة أحيانًا, كالسرعة في إنقاذ شخص في خطر, وفي إغاثة المحتاج, مثل السرعة في إطفاء حريق أو إنقاذ غريق. كذلك السرعة في أداء الواجب, والسرعة في التوبة قبل أن تمدّ الخطيئة جذورها في أعماق النفس. وأيضًا السرعة في دفع أجرة الأجير لأنه محتاج.وبهذه المناسبة, نذكر أن أحد الشعراء في التأني: قد يدرك المتأني بعض حاجته وقد يكون مع المستعجلِ الزللُ فردّ عليه شاعر آخر بقوله: وكم أضرّ ببعض الناس بطؤهمو وكان خيرًا لهم لو أنهم عجلو وفى هذا المجال لا ننسى المثل الشائع القائل: 4- كل تأخيرة وفيها ِخيرة (أي خير): ولعل المقصود به التأخير الذي سببه التفكير والتروي أو الانتظار للاستشارة الحكيمة, أو الانتظار لتدبير الوقت المناسب ولا نستطيع أن نقول إن هذا المثل سليم في كافة الأحوال, فهناك أمور لا يكون التأخير فيها للخير. كالذي يتأخر في علاج مرض, فتزداد خطورته ويصبح غير قادر للعلاج.وأمور كثيرة جدًا يكون التأخير فيها مضرًا, حتى في بعض الأمور المادية. مثل تأخير مشروع, حتى ترتفع الأسعار والأجور فتكون تكاليفه أكثر, ولا يكون التأخير فيه خيرًا. وأيضًا التأخير الذي تضيع به بعض الفرص المتاحة. نذكر بهذه المناسبة المثل القائل: 5- اضرب الحديد وهو ساخن ذلك لأنه في تلك الحالة يمكن طرقه وتشكيله. أما لو تأخرت حتى يبرد, يصعب ذلك العمل. ويضرب هذا المثل في انتهاز الفرصة المناسبة. وهناك مثل آخر يحتاج إلى تعليق وهو: 6- امشي سنه, ولا تخطى قنه (أي قناة): ويضرب هذا المثل في الحث على البعد عن الأخطار, ولو أدّى الأمر أن يتكلف الإنسان مزيدًا من الوقت والجهد. أي أسلك في الطريق الأكثر أمنًا, ولو كان طويلًا. فلا تختصر المشوار بأن تعبر قناة ربما تسبب غرقك. حتى لو اضطررت أن تمشى سنة.وطبعًا عيب هذا المثل أنه ضد الجرأة و المخاطرة, بزيادة الحرص! وما أسهل أن يعبر الإنسان بدون خوف أو خطر. هناك مثل في الابتعاد عن التحدث في عيوب الناس, وهو: 7- من كان بيته من زجاج, لا يقذف الناس بالحجارة لأنهم لو بادلوه حجرًا بحجر, لا نهدم بيته كله. ويضرب هذا المثل للذي يتكلم عن عيوب الناس وكله عيوب. ولعل المثل مأخوذ من قصة المرأة الخاطئة التي أراد بعض معلمي اليهود أن يرجموها, وهم أيضًا خطاة. فقال لهم السيد المسيح "من كان منكم بلا خطية, فليرمها بأول حجر". ويشبه هذا المثل قول أحد الشعراء: إذا شئت أن تحيا سليمًا من الذي وحظك موفور وعِرضك ميّنُ لسانك لا تذكر به عورة امرئٍ فكلك عورات وللناس ألسنُ وعينك أن أبدت إليك معايبًا فصنها وقل يا عينُ للناس أعينُ ويشبه هذا الأمر المثل القائل: 8- لا تعايرني ولا أعايرك, دا الهم طايلني وطايلك أي لا داعي لأن تعيب أحدًا على خطأ أنت واقع فيه. أو لا تشمت في مصيبة إنسان, وأنت في نفس الحال. مثل آخر عن إيذاء الآخرين, هو 9- إللي يشدّ ديل قط, يخربشه يضرب هذا المثل عن رد الفعل للإيذاء, فإنه يُقابل بإيذاء مثله. لذلك ينبغي البعد عن التحرش بالغير.وقيل عن المعاملات السيئة التي تطول وتستمر: 10- مِثل ليالي الشتاء طويلة وباردة ويقال ذلك عن العداوات والعلاقات التي تُتعب ولا تنتهي بسهولة. أو عن التجارب والضيقات التي تستمر زمنًا. 11- كثرة العتاب تفرّق الأحباب: لا مانع من العقاب في بعض الأمور بأسلوب فيه محبة. ولكن إذا كان الإنسان يعاتب على كل صغيرة وكبيرة, مظهرًا في عتابه أخطاء أصدقائه, فربما يتعبون من كثرة نقده لهم ويبتعدون عنه, كما قال الشاعر: إذا كنت في الأمور معاتبًا صديقك لم تلق الذي تعاتبه فعِش واحدًا أو صِل أخاك فإنه مقارف ذنب مرةً ومجانبه إذا أنت لم تشرب مرارًا على القذى ظمئتَ وأي الناس تصفو مشاربه 12- ويقول مثل أخر: من غرْبَلَ الناس نخلوه 13- كل عقدة ولها حلاّل: يُضرب هذا المثل, لكي لا ييأس أحد مهما كانت المشاكل. فلا توجد مشكلة بدون حلّ, بل يوجد من يحلّها. وكذلك كل باب مغلق له مفتاح يمكن أن يفتحه. والإنسان المؤمن يلجأ إلى الله, باعتباره حلال المشاكل أو قد ُيضرب المثل في مدح ذكاء من يقدر على حلّ العقدة, أو في النصح باللجوء إلى المتخصصين في حل العقد.ويشبه هذا التغير, مثل آخر يقول: 14- وكل فولة لها كيّال أي كل نوع من الفول, له متخصص في كيله. فليس الكل سواء... ويقرب من نفس المعنى, مثل يقول: 15- ما كل من لبس العمامة يزينها, ولا كل من ركب الحصان خيّال. أي أن المظهر الخارجي لا يدل إطلاقًا على حقيقة الشخص, ولا كل من يشغل وظيفة هامة يمكنه أن يشرفّ هذا المنصب.وكلمة خيالّ معناها من يتقن ركوب الخيل. فليس كل من ركب حصانًا يعتبر فارسا. ويشبهه مثل آخر يقول: 16- ما يجيبها إلا رجالها: أي لا يقوم بالمسئولية, ولا يحل المشكلة, إلا من اتصف بالرجولة. 17- إن فاتتك فرصة, فالتمس غيرها: يُضْرَب هذا المثل تشجيعًا لمن فشل في مرحلة ما, لكي يحاول مرة أخرى ولا ييأس مهما كانت الخسارة. وهو مثل يدعو إلى تجديد القوة, ورفع الروح المعنوية. ويكملّه مثل آخر يقول: 18- الجايات أكثر من الرايحات: أي أنه سوف تجئ فرص ومناسبات أكثر من الفرص التي مضت. فلا تندم على ضياعها. وليكن لك رجاء في المستقبل. 19- يقتل القتيل ويمشى في جنازته يقال عن الذي يتسبب في مشكلة, ثم يأتي ليعزى من أصابته المشكلة, ويواسيه بكلمات طيبة! 20- طلع من حفره, وقع في بير (بئر) أي نجا من مشكلة بسيطة, فوقع في مشكلة أصعب. 21- خبطتين في الرأس توجع أي أن الإنسان قد يحتمل ضربة واحدة. أما إذا كثرت عليه الضربات والمشاكل وفي مناطق موجعة, فإن نفسيته تتعب. وهذا هو ما شكا منه أحد الشعراء فقال: لو كان همًا واحدًا لاحتملته لكنه همُّ وثانٍ وثالثُ وقال آخر عن توالى المتاعب: كم أداوى الجرحَ قلّت حيلتي كلما داويت جرحًا سال جرحُ وفي توالى المتاعب، ضُرب المثل الآتي: 22- خلّي الميهّ (100) ميّه وأردب: أي أنه إذا وصلت الخسارة إلى مائة أردبًا, فلا يفرق كثيرًا إن كانت 101. ويضرب المثل للمشاكل أو الأخطاء العديدة, إن زادت واحدة... وعن الاغتياب والدسّ في الخفاء, قيل: 23- قُل في وشّه, ولا تغشّه. أي تكلم معه مواجهةً وبكل صراحة, خير من أن تخدعه بكلام معسول, غير ما تبطن. وقيل أيضًا عن مثل هذا المرائي الخدّاع: 24- في الوِش مرايه, وفي القفا سلاّية (أي شوكة). وهذه العبارة تعطى نفس معنى المثل السابق. أي لا تظهر أمام غيرك كأنك مرآة, لك نفس فكره ورأيه, بينما تكون شوكة في ظهره!وقيل عن التأثير الذي يظل باقيًا, مهما ابتعد صاحبه أو صمت: 25- يموت الزمّار وصباعه بيلعب ويضرب هذا المثل للآثار التي تظل باقية, حتى بعد انتهاء خدمة أو مسئولية صاحبها, سواء عن طريق إتباعه و حاشيته أو مؤلفاته. أو عن طريق تدخله الخفي في العمل, بعد تركه مسئوليته فيه.أو يُضرب المثل عن الشخص الذي تتخلص من زمالته, ولكن مؤامراته مازالت تلاحقك. أو يضرب عن الشّر الذي انتهى فعله, ولكن نتائجه مستمرة ولم تنتهِ. 26- الديك الفصيح من البيضة يصيح: أي تظهر شخصيته بمجرد أن يفقس (أي يخرج من البيضة). ويضرب هذا المثل لمن يظهر نبوغه من صغره, أو من تظهر مقدرته بمجرد توليه المسئولية. 27- إيه رماك على المرّ, قال: إللي أمرّ منه أي أن ما دفعه إلى الشدائد, ما هو أشد منها. فاختار أخف الضررين. 28- اللقمة الهنيةّ تكفى ميهّ (100) أي أن القليل, إذا تقاسمه بالمحبة كثيرون, فإنه يكفيهم جميعًا. 29- يعمل من الحبةّ قبةّ:- يضرب هذا المثل لمن يبالغ في الوصف, أو من يبالغ في المشاكل. 30- طول البال يهدّ الجبال:- أي أن الصبر وطول الأناة, يمكّنك من الانتصار على أصعب العوائق, حتى لو كانت في ثقل الجبال. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
27 فبراير 2021

الضعف: أنواعه وأسبابه وعلاجه

على الرغم من محبه الناس للقوة و تمجيدهم لها، إلا أنه لا تزال هناك ضعفات يتصف بها البعض، وتكون سببًا للشكوى، أو سببًا للألم. وقد يوجد شخص قوى بصفة عامة، إلا أن له ضعفًا في زاوية معينة من حياته، أو في جانب معين من تصرفاته فما هي إذن أنواع الضعف؟ وكيف يمكن معالجة كل نوع منها؟ وما هو موقف الأقوياء من الضعفاء؟ هذا ما نود أن نتحدث اليوم عنه... أنواع الضعف 1- قد يوجد عند إنسان ضعف، لا ذنب له فيه:- مثال ذلك ضعف وصل إليه عن طريق الوراثة، أو ظروف ولادته. سواء كان ذلك الضعف في جسده، أو في قواه العقلية، أو في مستوى اجتماعي ضعيف، أو في أسرة لا تساعده على الحياة السويّة، أو أنه نشأ بأسلوب تربوي خاطئ ترك في نفسيته ضعفات تتعبه في مستقبل حياته ونلاحظ أن ضعف الجسد قد يقاسى منه الإنسان الروحي أيضًا. إذ لا يقدر على ممارسات روحية معينة بسبب ضعف جسده وعدم قدرته. فعلى الإنسان الروحي ألا يصيبه هذا بالإحباط، بل يعمل على قدر ما يحتمله جسده... 2- وقد يوجد شخص، أعصابه ضعيفة:- وهو لهذا السبب ضعيف الاحتمال، يثور ويغضب بسرعة، ويغضب بسرعة، ويخطئ في غضبه. ويحتاج إلى إنسان قوى وطويل البال و رحب الصدر، يمكن أن يحتمله. إذ يجب على الأقوياء أن يحتملوا ضعفات الضعفاء. ومعروف أن الإنسان القوى هو الذي يستطيع أن يحتمل. أما الغضوب الذي يثور ويخطئ إلى غيره، فهو الإنسان الضعيف على أن الغضوب يلزمه أن يعالج الضعف الذي فيه، أعنى الغضب وذلك بأن يبعد عن أسباب الغضب، وعن المجالات التي تثير أعصابه. فيمارس تداريب روحية في البعد عن الغضب. ويقوّى أعصابه من الناحية الجسدية. ويتأنى في انفعاله وفى ثورته. ويفكر في النتائج السيئة لغضبه و نرفزته قبل أن يغضب. ويتدرب على ضبط النفس. كما يقرأ كثيرًا عن الودعاء و الهادئين محاولًا أن يتأثر بسيرتهم ويتمثل بهم. ويحترس من أن يقول "هكذا طبعي"! فالمفروض أن ينتصر على طبعه... 3- هناك نوع آخر من الناس ضعيف في إرادته:- فالخير الذي يقتنع به، يعجز عن تنفيذه. إذ تنتصر شهواته أو طباعه على اقتناعه، فيضعف. أو قد يكون مثل هذا الشخص، من طبعه التردد. فإرادته لا تستطيع أن تقرر ما ينبغى أن يفعله. وإن قرّر شيئًا، لا يمكنه أن يثبت فيه، بل تراوده أفكار أخرى وتوجد تداريب كثيرة لتقوية الإرادة. وقد يستطيع أن يقوىّ إرادته، عن طريق التغصب، وقهر الذات في أخطائها، أو عن طريق الصوم. كما يصلح له أن يستشير مرشدًا روحيًا يثق تمامًا بحكمته، ويخضع لإرشاده وإن كانت هناك عادة تسيطر عليه، ينبغي أن يقاومها، ولا يستسلم لها، لأن هذا الاستسلام يزيده ضعفًا على ضعف... 4- يوجد إنسان آخر يتعبه ضعف إيمانه:- له إيمان نظري، ولكن هذا الإيمان من الناحية العملية يمكن أن يضعف. وإن تعرض لمشكلة، ينهار أمامها ويخاف. ويدل انهياره على ضعف إيمانه بحفظ الله له ورعايته وحمايته. وإن صلى صلاة، ولم يشعر باستجابة سريعة، يبدأ أن يشك في جدوى الصلاة وفى معونة الله! بينما يكون الحلّ قادمًا من عند الله، ولكن هذا الضعيف لم يستطيع أن ينتظر! بل هو يحتاج أن يثق بأن الله يعمل لإنقاذه، مهما بدا له أن المعونة قد تأخرت! 5- نوع آخر من الضعف هو ضعف النفسية:- وهذا النوع من الناس الضعاف النفسية يسمونهم أحيانًا "صغار النفوس". وهم يقلقون بسرعة ويخافون ويضطربون، بل قد ينهارون ويبكون. وربما يقعون في اليأس. وهم قليلو الاحتمال، وسريعو الانفعال، ويحتاجون باستمرار إلى من يسندهم. وقد يكون البعض منهم كبيرًا في سنّه، ولكن له نفسية الصغار..! 6- نوعيات أخرى من الضعف:- منها ضعف العقلية. ويتمثل في من يتصفون بمستوى ضعيف في درجة الذكاء، ويشمل ذلك ضعفًا في الذاكرة وهناك أيضًا ضعف الشخصية ومن صفاتها العجز عن التصرف السليم، وسهولة الانقياد، وسرعة التحول، وعدم الثقة بالذات أما ضعف الروح فهو الذي يستسلم للخطيئة بدون مقاومة تُذكر، ولا يصمد أمام حروب الشياطين وإغراءات المادة وشهوات الجسد من بين أنواع الضعف أيضًا: ضعف الطفولة، وضعف الشيخوخة.. موقفنا من الضعفاء:- إن كنت أنت ضعيفًا، فلا تيأس من ضعفك، بل حاول أن تعالجه وإن رأيت شخصًا ضعيفًا، فلا تحتقر ضعفه، بل تذكر الحكمة التي تقول "شَجِّعُوا صِغَارَ النُّفُوسِ. أَسْنِدُوا الضُّعَفَاءَ. تَأَنَّوْا عَلَى الْجَمِيعِ".. (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل تسالونيكي 5: 14)لذلك افتحوا طاقة من الرجاء، لتضئ على الذين يسيرون في الظلمة خائفين ومضطربين. امنحوهم ثقة، وحدثوهم عن تدخل الله في حياتهم ولو في آخر لحظة. واحكوا لهم قصصًا عن الذين سقطوا وقاموا وصاروا من الغالبين، ومن الذين فشلوا أولًا ثم نجحوا أخيرًا، ومن كفاح الضعفاء الإنسان القوى، لا يجوز له أن يفتخر على الضعيف، ولا أن يستصغروه، ولا يشهر به. بل على العكس يشجعه، ويمنحه من القوة التي فيه التي منحه الرب إياها. والله نفسه- تبارك اسمه- يعتني بالضعفاء، كما يعتني بالأطفال، ويسندهم، ويشفق عليهم.وكل إنسان معرض للضعف أحيانًا. والذي تدفعه الكبرياء إلى احتقار الضعيف، ما أسهل أن يضربه الشيطان فيضعف أو يسقط..! معالجة الضعف:- 1- مهما كنت ضعيفًا، لا تيأس:- لا تفقد الأمل مطلقًا. لأن اليأس يحطم النفس، ويجعلك خائر القوى، تستسلم للضياع، وتستمر في الضعف وفي الخطأ، وكأنه لا فائدة من الجهاد!! ضع أمامك أمثلة لمن كانوا في حالة أسوأ من حالتك، وقد خلصهم الله من نقائصهم. 2- جاهد بكل ما عندك من قدرة مهما كانت ضئيلة:- وجهادك يدل على رغبتك في القيام، متذكرًا أن أطول مشوار كانت أوله خطوة، وأن أكبر مشروع ناجح كانت بدايته فكرة. وأن حفنة من القمح ترميها في الحقل تنتج لك جوالات من الحنطة. 3- ابحث عن سبب ضعفك، وحاول أن تعالجه:- سواء كان في داخل نفسك من صفة فيك، أو من تأثير خارجي عليك أن تقاومه وتبعد عنه. وأعرف أن كل مشكلة لها حلّ أو حلول، وأن كل باب مغلق له مفتاح أو عدة مفاتيح. وكل مرض له وسائل للعلاج.. 4- اطلب معونة من الله، واجعل ضعفاتك مجالًا لصلواتك:- وكن واثقًا أن الله يسمع وأنه يستجيب، لأنه يحب الخير لك، ويعمل لأجل منفعتك. وعليك أنت أيضًا أن تعمل. فالمعونة التي تأتى من فوق يمكن أن تسند الضعف الذي يجاهد ولا يكل وكن باستمرار متفائلًا، متوقعًا خيرًا. وليكن الله معك. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
24 فبراير 2021

تأملات في سفر يونان النبي

إن سفر يونان النبي مملوء بالتأملات الروحية الجميلة ، نعرض لهذا السفر من الناحية الروحية البحتة وليس من جهة الجدل اللاهوتي سبيلنا هو الاستفادة وليس النقاش. نريد أن نأخذ من هذا السفر الجميل دروسا نافعة لحياتنا، نستفيد من عمل الله ، ومن فضائل الناس ، ومن أخطائهم وما أجمل ما فعلته الكنيسة إذ اختارت هذا السفر ليكون مقدمة للصوم الكبير ، يسبقه بأسبوعين ، بقصة جميلة للتوبة ، وللصوم حتى نستقبل أيام الأربعين المقدسة بقلب نقى ملتصق بالرب والعجيب أن كثيرين من الذين يدرسون سفر يونان ، يركزون على أهل نينوى وصومهم وينسون ركاب السفينة ، وينسون يونان النبي ومشكلته . فماذا كانت مشكلة يونان ؟ مشكلة يونان إن الله في سفر يونان النبي، يريد أن يعرّفنا حقيقة هامة هي أن الأنبياء ليسوا من طبيعة أخرى غير طبيعتنا ، بل هم أشخاص "تحت الآلام مثلنا" يع 5 : 17.. لهم ضعفاتهم ولهم نقائصهم وعيوبهم، ومن الممكن أن يسقطوا كما نسقط . كل ما في الأمر أن نعمة الله عملت فيهم، وأعطتهم قوة ليست هي قوتهم وإنما هي قوة الروح القدس العامل في ضعفهم ، لكي يكون فضل القوة لله وليس لنا كما يقول الرسول ( 2 كو 4 : 7 )وقد كان يونان النبي من "ضعفاء العالم" الذين اختارهم الرب ليخزي بهم الأقوياء ( 1 كو 1 : 27 ) . كانت له عيوبه، وكانت له فضائله. وقد اختاره الرب على الرغم من عيوبه، وعمل به، وعمل فيه، وعمل معه.. وأقامه نبيا قديسا عظيما لا نستحق التراب الذي يدوسه بقدميه؛ لكي يرينا بهذا أيضا أنه يمكن أن يعمل معنا ويستخدم ضعفنا، كما عمل مع يونان من قبل.. سقطات فى هروب يونان:- سنرى بعضا من ضعف يونان في موقفه من دعوة الرب.. يقول الكتاب : "وصار قول الرب إلى يونان بن أمتاي قائلا: قم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة، ونادِ عليها، لأنه قد صعد شرهم أمامي. فقام يونان ليخرج إلى ترشيش من وجه الرب، فنزل إلى يافا، فوجد سفينة ذاهبة إلى ترشيش، فدفع أجرتها، ونزل فيها ليذهب معهم إلى ترشيش من وجه الرب"وهنا نرى يونان النبي وقد سقط في عدة أخطاء.. كانت السقطة الأولى له هي المخالفة والعصيان:- لم يستطع أن يطيع الرب في هذا الأمر، وهو النبي الذي ليس له عمل سوى أن يدعو الناس إلى طاعة الرب . عندما نقع في المخالفة ، يجدر بنا أن نشفق على المخالفين . واضعين أمامنا قول الرسول: "اذكروا المقيدين كأنكم مقيدون أيضا مثلهم .." ( عب 13 : 3 ) على أن سقطة المخالفة التي وقع فيها يونان، كانت تخفي وراءها سقطة أخرى أصعب وأشد هي الكبرياء ممثلة في الاعتزاز بكلمته، وترفعه عن أن يقول كلمة وتسقط إلى الأرض ولا تنفذ كان اعتزازه بكلمته هو السبب الذي دفعه إلى العصيان، وحقا إن خطية يمكن أن تقود إلى خطية أخرى، في سلسلة متلاحمة الحلقات.. كان يونان يعلم أن الله رحيم ورؤوف، وأنه لا بد سيعفو عن هذه المدينة إذا تابت. وهنا سبب المشكلة! وماذا يضيرك يا يونان في أن يكون الله رحيما ويعفو؟ يضيرني الشيء الكثير : سأقول للناس كلمة، وكلمتي ستنزل إلى الأرض!.. إلى هذا الحد كان يونان متمركزا حول ذاته! من يستطع أن ينكر ذاته في سبيل خلاص الناس. كانت هيبته وكرامته وكلمته، أهم عنده من خلاص مدينة بأكملها..! كان لا مانع عنده من أن يعمل مع الرب، على شرط أن يحافظ له الرب على كرامته وعلى هيبة كلمته.. من أجل هذا هرب من وجه الرب، ولم يقبل القيام بتلك المهمة التي تهز كبرياءه وكان صريحا مع الرب في كشف ما بداخل القلب، إذ قال لله فيما بعد عندما عاتبه: وكان هرب يونان من وجه الرب يحمل في ثناياه خطية أخرى هي الجهل وعدم الإيمان.. هذا الذي يهرب من الرب، إلى أين يهرب، والرب موجود في كل مكان؟!صدق داود النبي حينما قال للرب: " أين أذهب من روحك؟ ومن وجهك أين أهرب؟.. ( مز 139 : 7 – 10 ).. أما يونان فكان مثل جده آدم الذي ظن أنه يختفي من وجه الرب وراء الشجر.. حقا إن الخطية تطفئ في الإنسان نور المعرفة، وتنسيه حتى البديهيات! وجد يونان في يافا سفينة ذاهبة إلى ترشيش، فدفع أجرتها، ونزل فيها.. العجيب أن الخطيئة كلفته مالا وجهدا. دفع أجرة للسفينة ليكمل خطيته.. أما النعمة فننالها مجانا.. عندما دفع يونان أجرة السفينة خسر خسارة مزدوجة: خسر ماله، وخسر أيضا طاعته ونقاوته العجيب أن الله استخدم عصيان يونان للخير. حقا إن الله يمكنه أن يستخدم كل شيء لمجد اسمه.. اللــه يستخدم الكل!! لقد عصى يونان أمر الرب، وهرب راكبا السفينة، ولكن الله الذي "يخرج من الآكل أكلا ومن الجافي حلاوة" ( قض 14 : 14 )، الله الذي يستطيع أن يحول الشر إلى خير، استطاع أيضا أن يستخدم عصيان يونان.. إن كان بسبب طاعة يونان يمكن أن يخلص أهل نينوى، فإنه بعصيان يونان يمكن أن يخلص أهل السفينة!!.. وكأن الله يقول له: هل تظن يا يونان أنك قد هربت مني؟ كلا . أنا سأرسلك إلى ركاب السفينة، ليس كنبي، ولا كمبشر، ولا كصوت صارخ يدعو الناس إلى التوبة، وإنما كمذنب وخاطئ وسبب إشكال وتعب للآخرين، وبهذه الصورة سأخلصهم بواسطتك!! هل ركبت البحر في هروبك يا يونان؟ إذن فقد دخلت في دائرة مشيئتي أيضا.. لأنني أملك البحر كما أملك البر، كلاهما من صنع يدي. وأمواج البحر ومياهه وحيتانه تطيعني أكثر منك كما سترى!! طاعة المخلوقات غير العاقلة:- لقد أخجل الرب يونان النبي بطاعة أهل نينوى، وببر أهل السفينة وإيمانهم.. إلا أنه أيضا أخجله بطاعة الجمادات والمخلوقات غير العاقلة. ومن الجميل أننا نرى كل هؤلاء في إرساليات إلهية وفى مهمات رسمية أدوها على أكمل وجه وأفضله. فما هي هذه الكائنات غير العاقلة التي كانت عناصر نافعة في إتمام المشيئة الإلهية؟ "فأرسل الرب ريحا شديدة إلى البحر، فحدث نوء عظيم في البحر حتى كادت السفينة تنكسر" ( 1 : 4 ).. لقد أدت الريح واجبها، وكانت رسولا من الرب، قادت الناس إلى الصلاة، فصرخ كل واحد إلى إلهه وكما أدت هذه الريح الشديدة مهمتها في أول القصة، كذلك أدت مهمة أخرى في آخر القصة، إذ يقول الكتاب: " وحدث عند طلوع الشمس أن الله أعد ريحا شرقية حارة، فضربت الشمس على رأس يونان فذبل فطلب لنفسه الموت.." ( 4 : 8 ) في سفر يونان كانت كل هذه الكائنات مطيعة للرب، الوحيد الذي لم يكن مطيعا هو الإنسان العاقل، يونان ... الذي منحه الله حرية إرادة يمكنه بها أن يخالفه!.. هكذا الإنسان، أما باقي الكائنات فلا تعرف غير الطاعة. على أنه لم يكن كل إنسان غير مطيع في سفر يونان، بل كل الناس أطاعوا، ما عدا يونان؛ النبــى!! ولم يهرب يونان من المهمة إشفاقا على نينوى من الهلاك، بل على العكس هرب خوفا من أن تبقى المدينة ولا تهلك.. لم يتشفع فيها كإبراهيم عندما تشفع في سدوم. بل إنه حزن واغتاظ واغتم غما شديدا، ورأى أن الموت هو أفضل لنفسه من الحياة، كل ذلك لأن الله لم يتمم إنذاره ويهلك المدينة! أراد الله للبحر أن يهيج فهاج، وأراد له أن يهدأ بعد إلقاء يونان فيه فهدأ.. ما أعجب الطبيعة المطيعة التي لا تعصى لله أمرا، كالإنسان وكما أمر الحوت الضخم الكبير لكي ينفذ جزءا من الخطة الإلهية، كذلك أمر الدودة البسيطة أن تضرب اليقطينة فيبست.. ما أعجب هذا.. أن نرى حتى الدودة تكون جزءا من العمل الإلهي المقدس الكامل.. حقا ما أجمل قول الكتاب: " انظروا لا تحتقروا أحد هؤلاء الصغار" متى 18 : 10 ليتنا نأخذ درسا من كل هؤلاء وندرك نحن أيضا عمق عبارة "لتكن مشيئتك" في حياتنا وحياة الناس. هذه العبارة التي فشل يونان في ممارستها، ولم يستطع أن يصل إليها إلا بعد تجارب كثيرة وصراع مع الله، وعقوبات، وإقناعات.. أخيرا استطاع الله أن يقنعه بخيرية المشيئة الإلهية، مهما كانت مخالفة لمشيئته الذاتية. بحارة أمميــــون كانوا أفضل من النبي:- ما أعجب أهل هذه السفينة التي ركبها يونان.. حقا كانوا أممين، ومع ذلك كانت لهم فضائل عجيبة فاقوا بها النبي العظيم. وفيهم تحقق قول الرب: "ولى خراف أخر ليست من هذه الحظيرة، ينبغي أن آتى بتلك أيضا فتسمع صوتي وتكون رعية واحدة وراع واحد" ( يو 10 : 16 ) يذكرني أهل هذه السفينة بكرنيليوس قائد المائة، الذي كان في مظهره رجلا أمميا بعيدا عن رعوية الله، ولكنه كان في حقيقته رجلا تقيا خائفا الله هو وجميع بيته!.. لعله تدبير الهي أن ينزل يونان في هذه السفينة بالذات، من أجله ومن أجل هذه السفينة.. لم يشأ الله أن يمضي إلى كورة بعيدة. فضائل أهل السفينة:- أول صفة جميلة في بحارة هذه السفينة أنهم كانوا رجال صلاة.. يقول الكتاب: "فخاف الملاحون، وصرخوا كل واحد إلى إلهه، وطرحوا الأمتعة التي في السفينة إلى البحر ليخففوا عنهم" ( 1 : 5 ).نلاحظ هنا أنهم لجأوا إلى الله قبل تنفيذهم ما تتطلبه الحكمة البشرية لإنقاذ الموقف. صلوا أولا ثم ألقوا الأمتعة ليخففوا عن السفينة.. كان كل بحارة السفينة وركابها يصلون، والوحيد الذي لم يكن يصلي في ذلك الوقت هو نبي الله يونان!! وحتى بعد أن أيقظوه، لم يقل الكتاب أنه قام وصلى! إنه موقف مخجل حقا.. عجيب حقا هو الرب إذ يبكت أحد أنبيائه برجل أممي: "مالك نائما".. ما هذا الكسل والتراخي واللامبالاة؟! ألا تقوم وتصلي كباقي الناس؟ "قم اصرخ إلى إلهك، عسى أن يفتكر الإله فينا فلا نهلك" كيف خالف الله، وكسر وصيته وهرب منه، واستطاع أن ينام نوما ثقيلا؟! لا بد أن ضميره كان قد نام أيضا، نوما ثقيلا، مثله.. صفة جميلة ثانية نجدها في أهل السفينة أنهم كانوا يبحثون عن الله.. لم يقولوا ليونان في تعصب لديانتهم "قم اصرخ إلى إلهنا"، وإنما قالوا له: "قم اصرخ إلى إلهك، عسى أن يفتكر الإله فينا فلا نهلك".. وهذا يدل على أنهم كانوا يبحثون عن الله.. صفة جميلة ثالثة وهى أنهم كانوا رجال بساطة وإيمان.. لم يكتفوا بالصلاة، وإنما أيضا ألقوا قرعة.. في تقواهم كانوا يشمئزون من بشاعة الخطية ويشعرون أنها سبب البلايا التي تحيق بالإنسان .. كانوا أيضا أشخاصا عادلين لا يحكمون على أحد بسرعة، بل اتصفوا بطول الأناة وبالفحص وإرضاء الضمير.. أما يونان فاعترف لهم وقال: "أنا عبراني، وأنا خائف من الرب إله السماء الذي صنع البحر والبر، وبمجرد سماعهم ذلك الكلام خافوا خوفا عظيما.. هل إلهك يا يونان هو إله البحر والبر؟ نحن الآن في البحر، إذن فنحن في يد إلهك أنت.. ونحن نريد الوصول إلى البر.. وإلهك هو إله البر أيضا، كما هو إله البحر، إذن فنحن في يديه!!.. لذلك خافوا ووبخوه قائلين: "لماذا فعلت هذا ؟!".. وللمرة الثانية يبَكَّت النبي العظيم من الأمميين وكما كان ركاب السفينة عادلين، كانوا أيضا في منتهى الرحمة والشفقة كانوا يوقنون أنه مذنب ويستحق الموت، ومع ذلك لم يكن سهلا على هؤلاء القوم الرحماء، أن يميتوا إنسانا حتى لو كان هو السبب في ضياع متاعهم وأملاكهم وتهديد حياتهم بالخطر قال لهم يونان: "خذوني واطرحوني في البحر، فيسكن البحر عنكم، لأني عالم أنه بسببي هذا النوء العظيم عليكم".. لقد بذلوا كل جهدهم لإنقاذ الرجل الخاطئ من الموت، ولكن دون جدوى. كانت مشيئة الرب أن يلقى يونان في البحر.. وهكذا أسقط في أيديهم.. ولكن لكي يريحوا ضمائرهم، صرخوا إلى الرب وقالوا: "آه يارب، لا نهلك من أجل نفس هذا الرجل. ولا تجعل علينا دما بريئا، لأنك أنت يارب فعلت كما شئت"وإذ تحققوا أن هذه هي مشيئة الله، وأنهم لا يستطيعون أن يقفوا ضد مشيئته، "أخذوا يونان وطرحوه في البحر، فوقف البحر عن هيجانه" من كل ما سبق يتضح أن هؤلاء البحارة كان لهم ضمير حساس نقي، وأنهم أرادوا بكل حرص أن يقفوا أمام ضميرهم بلا لوم كانت لهؤلاء الناس قلوب مستعدة لعمل الله فيها: كانوا يتلمسون إرادة الله لتنفيذها. ولما وقف هيجان البحر بإلقاء يونان فيه، تأكدوا من وجود الله في الأمر، فآمنوا بالرب، وذبحوا له ذبيحة، ونذروا له نذورا.. وفى إيمانهم بالرب لم يؤمنوا فقط أنه هو الرب، وإنما بتقديمهم للذبيحة أعلنوا أيضا إيمانهم بالدم والكفارة!! وهكذا كسب الله المعركة الأولى، وتمم خلاص أهل السفينة بعصيان يونان.. وبقيت في خطة الله للخلاص مسألتان مهمتان أخريان: وهما خلاص أهل نينوى، وخلاص يونان نفسه.. وهو ما تممه الله بحكمته ومحبته وطول أناته كما ترى عزيزي القارئ من قراءتك لباقي السفر. قداسة مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد
22 فبراير 2021

يونان النبي

ونحن فى صوم يونان‏, ‏أو صوم نينوى‏, ‏أود أن أحدثكم اليوم عن شخصية يونان ومشكلته‏ إن قصة يونان النبي هي قصة صراع بين الذات الإنسانية والله‏. ‏ويونان النبي كان إنسانا تحت الآلام مثلنا‏. ‏وكانت ذاته تتعبه‏. ‏ونود في هذا المقال أن نتأمل صراع ذاته مع الله‏ الذي يريد أن يسير في طريق الله‏, ‏ينبغي أن ينكر ذاته‏, ‏يجحدها وينساها‏, ‏ولا يضع أمامه سوي الله وحده‏. ‏ومشكلة يونان النبي أن ذاته كانت بارزة ومهمة في طريق كرازته‏. ‏وكانت تقف حائلا بينه وبين وصية الله‏, ‏ولعله كثيرا ما كان يفكر في نفسه هكذا‏: ‏ما موقفي كنبي‏, ‏وكرامتي‏, ‏وكلمتي‏, ‏وفكرة الناس عني؟؟ وماذا أفعل إذا اصطدمت كرامتي بطريقة الله في العمل؟ ولم يستطع يونان أن ينتصر علي ذاته‏ كلفه الله بالذهاب إلي نينوي‏, ‏والمناداة بهلاكها‏.. ‏وكانت نينوى عاصمة كبيرة فيها أكثر من‏ 120000‏ نسمة‏ ولكنها كانت أممية وجاهلة وخاطئة جدا‏, ‏وتستحق الهلاك فعلا‏. ‏ولكن يونان أخذ يفكر في الموضوع‏: ‏سأنادي علي المدينة بالهلاك‏, ‏ثم تتوب‏, ‏ويتراءف الله عليها فلا تهلك‏.ثم تسقط كلمتي‏, ‏ويكون الله قد ضيع كرامتي علي مذبح رحمته ومغفرته‏. ‏فالأفضل أن أبعد عن طريقه المضيع للكرامة‏!!‏ وهكذا وجد سفينة ذاهبة إلي ترشيش‏, ‏فنزل فيها وهرب‏. ‏لم يكن يونان من النوع الذي يطيع تلقائيا‏. ‏إنما كان يناقش أوامر الله الصادرة إليه‏, ‏ويري هل توافق شخصيته وذاته أم لا‏ ليس كذلك الملائكة‏. ‏إنهم يطيعون بغير مناقشة‏, ‏وبغير تردد‏. ‏إن الله كلي الحكمة‏, ‏وهم مجرد منفذين لمشيئته‏, ‏وليسوا شركاء له في التدبير حتي يناقشوا أو يعترضوا‏ سواء كان الأمر رحمة أو قصاصا‏, ‏يطيع الملائكة بلا نقاش‏: ‏يأمر الله أحدهم أن يذهب ليسد أفواه الأسود منقذا دانيال‏, ‏فيطيع‏. ‏وبنفس الطاعة يذهب الملاك الذي يأمره الرب بقتل جميع أبكار مصر‏. ‏ملائكة يأمرهم الله بإنقاذ بطرس من السجن‏, ‏أو بإنقاذ بولس‏, ‏أو بإنقاذ لوط‏, ‏أو بافتقاد هاجر‏, ‏فيطيعون‏. ‏وبنفس الطاعة ينفذ أمره الملائكة الذين يبوقون بالأبواق في سفر الرؤيا فتنزل الويلات علي الأرض تحطمها تحطيما‏. ‏لا يقولون عفوا يارب‏, ‏أشفق وأرحم‏, ‏وأبعدنا عن هذه المهمة‏. ‏وظيفتهم هي التنفيذ‏, ‏وليس التدبير أو التفكير‏. ‏إنهم متواضعون‏, ‏لا يعتبرون أنفسهم أحن علي الناس من الله خالقهم‏.يذكرنا هذا بقوانين الأحوال الشخصية‏, ‏ومنع الطلاق إلا لعلة الزنا‏, ‏وعبارات الحنو التي يدافع البعض عن زواج المطلقات‏, ‏كأنهم أكثر حبا وعطفا وحنانا من المسيح الذي وضع الوصية‏ أما نحن فوظيفتنا هي التنفيذ وليس المناقشة‏. ‏لا نريد أن نعمل مثل يونان‏, ‏الذي تلقي الأمر من الله‏, ‏فناقشه ثم رأي الحكمة في مخالفته‏.. ‏وهكذا استقل سفينة ليهرب من الرب‏! ‏مسكين هذا الإنسان الذي يظن أنه يقدر علي الهروب من الله‏! ‏تري إلي أين يهرب؟‏!‏ مهما هربت من الوصية ستجدها تطاردك حيثما كنت‏. ‏ترن في أذنيك وتدور في عقلك‏, ‏وتزعج ضميرك‏ إن كلمة الرب قوية وفعالة‏, ‏ومثل سيف ذي حدين‏, ‏وتستطيع أن تخترق القلب والعقل‏, ‏وتدوي في أرجاء الإنسان‏.‏هرب يونان إلي ترشيش‏, ‏ونسي أن الله موجود في ترشيش أيضا‏. ‏وركب السفينة وهو يعلم أن الله هو إله البحر‏, ‏كما أنه إله البر أيضا‏. ‏ولم يشأ الله أن يصل يونان إلي ترشيش‏, ‏وإنما أمسكه في البحر‏, ‏وهيج الأمواج عليه وعلي السفينة كلها‏.. ‏والعجيب أن يونان كان قد نام في جوف السفينة نوما عميقا‏. ‏لا أيقظه الموج‏, ‏ولا صوت الأمتعة وهي تلقي في الماء‏, ‏ولا صوت ضميره‏!!‏ نام يونان‏, ‏لم يهتم بمشيئة الله وأمره‏, ‏ولم يهتم بنينوي وهلاكها أو خلاصها‏, ‏ولم يهتم بأهل السفينة وما تجره عليهم خطيئته‏.. ‏لكنه تمركز حول ذاته‏, ‏وشعر أنه حافظ علي كرامته فنام نوما ثقيلا‏ هذا النوم الثقيل كان يحتاج إلي إجراء حاسم من الله‏: ‏به ينقذ ركاب السفينة جسديا وروحيا‏, ‏وينقذ مشيئته من جهة نينوي وخلاصها‏, ‏وينقذ نفس هذا النبي الهارب‏, ‏ويعلمه الطاعة والحكمة‏. ‏مستبقيا أياه في خدمته بطول أناة عجيبة‏, ‏علي الرغم من كل أخطائه ومخالفته‏ ومن هم جنودك يارب الذين ستستخدمهم في عمليات الإنقاذ الكبري هذه؟ يجيب الرب عمليا‏: ‏ عندي الموج‏, ‏والرياح‏, ‏والبحر‏, ‏والحوت‏, ‏والشمس‏, ‏والدودة‏, ‏واليقظة‏.. ‏إن كانت خليقتي العاقلة لم تطعني‏, ‏فسابكتها بالجمادات والحيوانات‏.وهكذا أمر الله الرياح‏, ‏فهاج البحر‏, ‏وهاجت أمواجه‏, ‏وصدمت السفينة حتي كادت تنقلب‏. ‏وازداد هيجان البحر‏, ‏لأن أمر الرب كان لابد أن ينفذ وبكل سرعة‏, ‏وبكل دقة‏.‏ وتصرف ركاب السفينة بحكمة وحرص شديدين‏.. ‏وبذلوا كل جهدهم الفني‏, ‏وصلوا كل واحد إلي إلهه وألقوا قرعا ليعرفوا بسبب من كانت تلك البلية‏, ‏فأصابت القرعة يونان‏.‏الوحيد الذي لم يذكر الكتاب أنه صلي كباقي البحارة‏, ‏كان يونان‏. ‏وحتي بعد أن نبهه أو وبخه رئيس النوتية‏, ‏لم يلجأ إلي الصلاة‏. ‏كأن عناده أكبر من الخطر المحيط به‏ حاول البحارة إنقاذ يونان بكافة الطرق فلم يستطعوا‏. ‏واعترف يونان أنه خائف من الله الذي صنع البحر والبر‏!! ‏إن كنت خائفا منه حقا‏, ‏نفذ مشيئته‏. ‏ما معني أن تخافه وتبقي مخالفا؟ ولكن كبرياء يونان كانت ما تزال تسيطر عليه‏. ‏إن الإنسان إذا تعلق بذاته وكرامته‏, ‏يمكن أن يضحي في سبيل ذلك بكل شئ‏.. ‏كان يونان يدرك الحق‏, ‏ومع ذلك تمسك بالمخالفة‏, ‏من أجل الكرامة التي دفعته إليها الكبرياء‏, ‏فتحولت إلي عناد‏.. ‏قالوا له‏: ‏ماذا نصنع بك ليسكن البحر عنا؟‏. ‏فأجابهم‏: ‏خذوني واطرحوني في البحر وهنا أقف متعجبا‏!!‏ علي الرغم من كل هذه الإنذارات والضربات الإلهية‏, ‏لم يرجع يونان‏. ‏لم يقل أخطأت يارب في هروبي‏, ‏سأطيع وأذهب إلي نينوي‏.. ‏فضل أن يلقي في البحر‏, ‏ولا يقول أخطأت‏..!‏ لم يستعطف الله‏. ‏لم يعتذر عن هروبه‏. ‏لم يعد بالذهاب‏. ‏لم يسكب نفسه في الصلاة أمام الله‏. ‏إنما يبدو أنه فضل أن يموت بكرامته دون أن تسقط كلمته‏!! ‏وهكذا القوة في البحر‏ أما مشيئة الله فكانت لابد أن تنقذ‏. ‏هل تظن يا يونان أنك ستعاند الله وتنجح؟‏! ‏هيهات‏, ‏لابد أن تذهب مهما هربت‏, ‏ومهما غضبت‏. ‏أن الله سينفذ مشيئته سواء أطعت أم عصيت‏, ‏ذهبت أم هربت‏ ألقي يونان في البحر‏, ‏وأعد الرب حوتا عظيما فابتلع يونان‏.يا يونان‏, ‏صعب عليك أن ترفس مناخس‏. ‏إن شئت فبقدميك تصل إلي نينوي‏. ‏وإن لم تنشأ فستصل بالبحر والموج والحوت‏. ‏بالأمر‏, ‏إن لم يكن بالقلب‏.‏وفي جوف الحوت وجد يونان خلوة روحية هادئة‏, ‏ففكر في حاله‏. ‏إنه في وضع لا هو حياة‏, ‏ولا هو موت‏. ‏وعليه أن يتفاهم مع الله‏, ‏فبدأ يصلي‏. ‏إنه لا يريد أن يعترف بخطيئته ويعتذر عنها‏, ‏وفي نفس الوقت لا يريد أن يبقي في هذا الوضع‏. ‏فاتخذ موقف العتاب‏, ‏وقال‏: ‏دعوت من ضيقي الرب‏, ‏فاستجابني‏.. ‏لأنك طرحتني في العمق‏.. ‏طردت من أمام عينيك‏.‏ من الواضح أن الله لم يضع يونان في الضيق‏, ‏ولم يطرحه في العمق‏, ‏ولم يطرده ولكن خطيئة يونان هي السبب‏.‏هو الذي أوقع نفسه في الضيقة‏, ‏ثم شكا منها‏, ‏ونسب تعبه إلي الله‏.. ‏ولكن النقطة البيضاء، هي أنه رجع إلي إيمانه في بطن الحوت‏. ‏فآمن أن صلاته ستُستَجاب‏, ‏وقال للرب‏: ‏أعود أنظر هيكل قدسك‏. ‏آمن أنه حتي لو كان في جوف الحوت‏, ‏فلابد سيخرج منه ويري هيكل الرب‏.‏أتت هذه القضية الكبري بمفعولها‏. ‏ونجح الحوت في مهمته‏. ‏والظاهر أن يونان نذر نذرا بأنه إن خرج من جوف الحوت‏, ‏سيذهب نينوي لأنه قال للرب وهو في جوف الحوت أما أنا فبصوت الحمد أذبح لك‏, ‏وأوفي بما نظرته‏ 2: 9. ‏أي نذر تراه غير هذا؟‏! ‏ثم إنه لما قذفه الحوت إلي البر‏, ‏وصدر إليه زمر الرب ثانية‏, ‏نفذ نذره‏, ‏وذهب إلي نينوي‏ ولكن الظاهر أنه ذهب بقدميه مضطرا‏, ‏وليس بقلبه راضيا‏. ‏ذهب من أجل الطاعة‏, ‏وليس عن اقتناع‏.‏بلغ الرسالة إلي الناس‏. ‏ونجحت الرسالة روحيا‏.. ‏وتاب أهل نينوي وتذللوا أمام الرب‏, ‏وصاموا‏, ‏وصلوا‏. ‏وقبل الرب توبتهم‏, ‏ولم يهلك المدينة‏. ‏ورأي النبي أن كلمته قد سقطت‏, ‏ولم تهلك المدينة فاغتاظ‏.‏وكان غيظ يونان دليلا علي الذاتية التي لم يتخلص منها‏.‏ما كان يجوز إطلاقا إن يغتاظ النبي لخلاص أكثر من‏ 120000‏ نسمة‏, ‏قد رجعوا إلي الله بالتوبة وقلب منسحق‏, ‏لأن الكتاب يقول‏: ‏يكون هناك فرحا في السماء بخاطئ واحد يتوب‏. ‏لا شك إذن أنه قد كان هناك فرحا عظيما جدا في السماء بخلاص أهل نينوي‏. ‏ولكن يونان لم يشارك في هذا الفرح من أجل ذاتيته‏. ‏كما أن الابن الأكبر لم يشارك في الفرح برجوع أخيه الصغير وفي الحفل الذي أقيم له لأجل ذاتيته أيضا لو‏ 15.‏ في كل هذا لم تكن مشيئة يونان موافقة لمشيئة الله‏ ولم يكتف يونان بهذا‏, ‏بل عاتب الله‏, ‏وبرر ذاته‏, ‏وظن أن الحق في جانبه‏. ‏فصلي إلي الله وقال‏: ‏آه يارب‏, ‏أليس هذا كلامي إذا كنت بعد في أرضي‏. ‏لذلك بادرت بالهرب إلي ترشيش‏, ‏لإني علمت أنك إله رؤوف ورحيم‏ 4: 2.‏ كيف صلي‏, ‏وهو في تلك الحالة القلبية الخاطئة المغتاظة؟ وكيف تكلم كما لو كان مجنيا عليه وقال‏: ‏آه يارب؟ وكيف ظن الحق في جانبه قائلا‏: ‏أليس هذا كلامي وكيف برر‏ ‏هروبه قائلا‏: ‏لذلك بادرت بالهرب‏.. ‏لم يقل ذلك في شعور بالندم أو الانسحاق‏, ‏بل شعور من له حق‏, ‏وقد رضي بالتعب صابرا‏!‏ عجيب هو الإنسان حينما يجامل نفسه علي حساب الحق‏! ‏ويرفض الاعتراف بالخطأ مهما كانت أخطاؤه واضحة‏!!‏ علي أن الله استخدم في علاجه أربعة أمثلة من مخلوقاته غير العاقلة التي كلفت بمهام صعبة‏, ‏وأدتها علي أكمل وجه‏, ‏دون نقاش‏: ‏الأمواج‏ التي لطمت السفينة حتي كادت تغرق‏, ‏الحوت الذي بلع يونان‏, ‏الشمس التي ضربت رأسه فذبل‏, ‏الدودة التي أكلت اليقطينة‏ أما يونان فجلس شرقي المدينة ليري ماذا يحدث فيها‏. ‏كما لو كان ينتظر أن يعود الله فيهلك الشعب كله إرضاء لكرامة يونان؟‏!!‏ وأعطاه الله درسا من كل تلك الكائنات غير العاقلة التي كانت أكثر تنفيذا لمشيئته من هذا النبي العظيم‏, ‏الذي لم يتركه الرب بل هداه إلي طريقه‏, ‏بركة صلواته فلتكن مع جميعنا‏ إن قصة يونان النبي وتوبة أهل نينوي‏, ‏إنما تقدم لنا تأملات كثيرة‏ لقد دخل شعب نينوي في التاريخ‏, ‏ولم تكن لهم مظاهر عظمة تدعو إلي ذلك علي الإطلاق‏ كانوا شعبا أمميا لا يعرف الله‏. ‏وكانوا في حالة من الجهل لا يعرفون يمينهم من شمالهم يون‏ 4: 11.وكانوا أيضا خطاة تلزمهم التوبة‏ ولكن الذي سجل اسمهم‏, ‏وخلد قصتهم في الكتاب المقدس‏, ‏هو إنهم تابوا‏ وقال عنهم السيد المسيح إنهم سيقومون في يوم الدين ويدينون هذا الجيل‏, ‏لأنهم تابوا بمناداة يونان متي‏ 12: 41.. ‏ومما أعطي لتوبة أهل نينوي أهمة في التاريخ‏, ‏إنها كانت توبة جادة وسريعة وقوية‏. ‏كما انها شملت الشعب كله من الملك إلي عامة الناس‏. ‏واستطاعت هذه التوبة أن تكسب رضا الله‏, ‏بل ودفاعه عن هؤلاء التائبين‏ كثيرون سجل التاريخ أسماءهم بسبب أعمال عظيمة قاموا بها‏, ‏أو بسبب نبوغ أو ذكاء خاص‏, ‏أو ارتفاع في حياة الروح‏, ‏أو قدرة علي إتيان المعجزات‏, ‏أو ما منحهم الله إياه من مواهب‏ أما نينوي فنالت شهرتها بالتوبة‏ وكلما نذكر نينوي‏, ‏نذكر هذه التوبة‏, ‏لكي ما نقتدي بها في حياتنا‏..‏هناك نوعيات من التوبة لا يستطيع التاريخ أن يتجاهلها‏, ‏بخاصة إذا كانت تلك التوبة نقطة تحول في الحياة‏, ‏ولا رجعة فيها‏. ‏وما بعدها يختلف تماما عن حياة الخطية الأولي. قداسة مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل